خبراء ماليون: مواجهة ظروف الحياة المتغيرة تحتاج إلى تخطيط مالي سليم

يساهم في تقليل المخاطر التي قد يتعرض لها الفرد خلال حياته

TT

«يجب إعادة النظر في قنوات الصرف الحالية للتمكن من مواجهة التغيرات الحياتية عن طريق التخطيط المالي»، هذه النصيحة التي فضَل مختصون بالتخطيط المالي الأسري إسداءها لكل من يريد أن يتأقلم مع تباين أسعار السلع الاستهلاكية التي أخذت منحى صعوديا خلال الفترة الماضية.

ويحتل التخطيط المالي في حياة الأسرة أهمية كبيرة للتوازن بين الإيرادات والمصروفات الأسرية، لما يعمله من إيجاد حياة جيدة عبر امتلاك الحاجات ومقاومة الرغبات، في ظل الإغراءات الحالية مع تطورات الحياة. وأشار خبراء ماليون واقتصاديون الى وجود عدد كبير من الاسر تفتقد لسياسة التخطيط المالي والاستثمار بشكلها السليم، حيث يقتصر التخطيط المالي لديها بجانب معين فقط، في حين يتم إهمال جوانب أخرى أكثر أهمية، مشيرين الى ان قلة الوعي لدى تلك الأسر يدفع إلى فقد المعالجة السليمة في ما يتعلق بالسياسة المالية الأسرية، في الوقت الذي يطالب فيه الخبراء وسائل الاعلام المسموعة والمرئية برفع درجة الوعي لدى الفرد بأهمية الشمولية في التخطيط المالي.

وبين عبد الله الدرويش المدير التنفيذي لشركة الوساطة المالية للشرق الأوسط، أن تقارير التداول تشير إلى أن نسبة 92 في المائة من المتداولين هم من الأفراد، مما يبين أن هناك خللا لدى الأفراد في السعودية بعملية الوعي والبرمجة بشكلها الصحيح، فالاستثمار لا يعني وجود مال كثير أو قليل بقدر ما يعني التوفير بالدرجة الأولى. وأوضح الدرويش أن الفرد يستطيع أن يحقق أمانا استثماريا يكفل له حياة مستقبلية كريمة بكل بساطة عن طريق التخطيط المالي، مبيناً أن المسألة تتم عند لقاء الشخص بالمديرين الماليين واستشارة مسؤولي التخطيط المالي ومعرفة ما يملكه الفرد من اجمالي الدخل الشهري، وتوضيح الرؤية بجميع الالتزامات من قروض مالية، لافتاً الى أن التخطيط يشمل جميع الأمور التي يواجهها الفرد في حياته المالية كشراء المستلزمات الضرورية، بالإضافة إلى برمجة برامج توفيرية للأبناء، وذلك يجب أن يكون للشخص تفكير مستقبلي بعمل ادخار طويل المدى له ولأسرته. وبين ان الاستشارة تشمل ايضاً تحديد المجالات التي يستطيع الفرد أن يستثمر أمواله بها دون المجازفة بالمضاربة بالأسهم فقط، من خلال مقولة قليل مستمر خير من كثير متقطع. وأضاف أن هناك برامج وأنظمة باستطاعتها أن تحقق عوائد مجدية، كمثال أن عمر المستثمر يختلف من شخص إلى آخر نسبة للاستثمار، فاذا كان عمر المستثمر 40 سنة، فإن نسبة الاستثمار تصل إلى 60 في المائة من مجموع محفظته في الأسهم والعكس صحيح، بمعنى إذا كان عمر الشخص 60 عاماً تكون نسبة 40 في المائة أو أقل من استثماره في الأسهم. ويعزو الدرويش سبب ذلك إلى أن في كل مرحلة عمرية يحتاج الفرد إلى نوع من الدخل، وبالتالي فإن الجزء الذي يستثمره يحتاج إلى تخطيط، حيث هناك شركات تعتبر متوسطة ومتغيرة الدخل وهناك شركات الدخل فيها منتظم، فلا بد أن يضع المُخطط المالي جميع هذه الخيارات أمام المستثمر.

وأضاف انه عند تحديد الفرد لهدف استثماري طويل المدى من الأفضل له التنويع بمحفظته الاستثمارية، فمجالات الاستثمار متعددة ولا تقتصر على الأسهم فقط ولكن من الممكن الخوض أيضاً في مجال العقارات. وذكر الدرويش أنه من الأفضل لجوء الفرد بعملية التخطيط إلى مختصين في البنوك والمؤسسات المالية التي تمتلك خبرات أفضل ولديها مختصون يقومون بتلك المهمة وبالتالي يستطيع الشخص تفريغ نفسه لعمله الأساسي ويوفر الوقت والجهد من المتابعة المستمرة للأسهم. إلى ذلك بينت ريم أسعد عضو جمعية الاقتصاد السعودية ومحاضرة في الاستثمار، أن التخطيط المسبق وأخذ التدابير المالية يساهمان مباشرة في تقليل مخاطر الأزمات المالية للفرد بشكل عام، وغالبا ما يمكّنانه من الادخار للمستقبل، مشيرة الى أن الأمر يصعب عموما كلما تدنى مستوى الدخل الثابت للفرد، حيث ان ارتفاع تكلفة المعيشة ينقص ما تبقى من دخل قابل للادخار بالإضافة إلى صعوبة استثمار المبالغ الصغيرة جدا. ونصحت اسعد الفرد العامل بالتعجيل في الاستثمار والعمل على الموازنة والإدارة لمصروفاته بفعالية، حيث ان العامل الزمني هو أقوى العناصر التي تساهم في تنمية المدخرات الثابتة. وعلقت أسعد على لفظ أو مفهوم «بيئة جيدة للاستثمار أو تخطيط للمرأة» على انه ضرب من الخيال ولا وجود له على أرض الواقع، موضحة بأنه لا يوجد هناك فرق بين المرأة والرجل في عملية التخطيط المالي وإدارة الأموال. وأشارت أسعد الى ان الأنظمة واللوائح يمكن أن تساهم في تمكين المرأة والعكس صحيح، بحيث يُرخص لها العمل باستقلالية دون الحاجة للمعقب أو الوكيل، حيث لا حاجة مطلقاً لهؤلاء في عملها. وطالبت اسعد وزارة العمل بإلغاء بند الإنابة عن المرأة تماما، لأن المرأة البالغة الراشدة يمكنها اتخاذ قرارها المالي والمهني دون الحاجة للرجوع إلى رجل، وأنه على رغم ما جاء في هكذا نظام، إلا أنه لا يمكن إنكاره وان هناك من أولياء الأمور من يدفع بمسيرة نسائهم قدماً، والعكس كذلك الا أن هناك من يحاول عرقلة هذه المسيرة، خاصة في ظل الغلاء النسبي الذي تشهده البلاد مقابل الخدمات المتوفرة وتزايد عدد السكان والأسر بشكل مقلق وارتفاع معدل الطلاق وغير ذلك من التغيرات. وأشار الدكتور دحام الحمد مخطط مالي بمركز أبعاد الأفق للإرشاد الاجتماعي والأسري، بأن من أكبر العوامل التي ساهمت في زيادة الاستهلاك والانفاق لدى المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة هو غياب القيمة الداخلية للفرد، وبالتالي السعي وراء تحقيق قيم خارجية أوجدها المجتمع بشكل عام كالغنى والشهرة والتباهي، مما يتطلب المزيد من المصاريف التي تحقق هذه القيم.

ودعا الدكتور الحمد وسائل الاعلام على أهمية التركيز على القيم الخاطئة التي يسعى أفراد المجتمع إلى تحقيقها من خلال زيادة الإنفاق وعدم التخطيط المالي الجيد لها، وإظهار الجوانب السلبية بها، ومن ثم إظهار القيم الحقيقية التي يجب أن يركز عليها الفرد بحسب الفروقات الفردية. كما تطرق الدكتور الحمد إلى نكسة الأسهم التي أصابت السوق السعودي وما تسببت به من خسائر على الصعيدين المادي والنفسي، وبين أنه ينصح في هذا السياق أفراد المجتمع الى تفهم القيم الخاطئة التي سعوا خلفها، والبدء بالتخطيط المالي للاستثمار بما يخدم القيم الداخلية الحقيقية للفرد، والذي ينعكس إيجاباً على كافة المجتمع. يذكر أن عددا من البنوك طرحت عدة برامج تساعد الفرد على عملية الاستثمار الطويل المدى، والتي تخدم الفرد والأسرة من خلال برامج ادخارية لفئة الشباب تبلغ نسبة الاشتراك فيها من 10 إلى 20 في المائة من أجمالي الراتب، تقود بدورها لحماية دخل الفرد عند وصوله لسن التقاعد، بالإضافة إلى برامج خاصة تخدم تعليم الأبناء وزواجهم وتستمر إلى أن يبلغ الابن أو الابنة لسن معينة يستطيع من خلالها تغطية تكاليف الدراسة الجامعية.