موجة الحر في السعودية تجدد الجدل حول كيفية قياس درجات الحرارة

أصبحت أمور الطقس والظواهر الجوية الفجائية من أهم الأخبار اليومية التي يتابعها المواطنين بإسهاب

TT

في ظل موجات الحر المتصاعدة التي تشهدها البلاد منذ بداية موسم الصيف، أصبحت أمور الطقس والظواهر الجوية، خاصة الفجائية منها أحد أهم الأخبار اليومية التي يتابعها المواطنين بإسهاب، لما لها من تأثير بالغ على حياتهم اليومية.

وشهدت الفترة الأخيرة تباينات بين درجات الحرارة المعلنة وردات فعل بعض المواطنين، حيث يعتقد الكثير منهم بأن درجات الحرارة تعدت 50 درجة مئوية، معتمدين في ذلك على ما يشاهدونه على أرض الواقع من أجواء حارقة خلال فترة الظهيرة خصوصاً، وعلى بعض مقاييس درجات الحرارة الحديثة، التي من أشهرها وأكثرها جدلاً مقياس السيارة. وبين الدكتور ناصر سرحان، أستاذ الأرصاد الجوية المساعد ومدير وحدة العلوم الجوية بكلية الملك فيصل الجوية جناح التعليم الباحث في علوم الأرصاد الجوية والبيئة، أن متوسط درجة الحرارة في مدينة الرياض يقدر بـ45 درجة مئوية، وذلك نظراً لموقع السعودية في نطاق المنطقة شبه المدارية وعامل الطبوغرافيا وما يترتب على ذلك من وضعيات طقس سائدة، إضافة لحركة الشمس الظاهرية، الأمر الذي يجعل المنطقة تستقبل أكبر كمية إشعاع من الشمس وتكون فيها متوسطات درجات الحرارة عالية.

وأوضح الدكتور سرحان أن درجة حرارة الهواء تقاس في الظل وذلك لتقدير وقياس تناقل الحرارة بين الجزيئات والغازات المكونة للهواء، إذ يجب تعريض الجزء الحساس من جهاز القياس للهواء بضمان عدم تعرضه لتأثيرات جانبية قد تزيد من القراءة أو تنقصه، فتعرض الجهاز للشمس مباشرة يزيد من القراءة ولا يحقق الهدف، بينما لقياس شدة الإشعاع الشمسي توجد أجهزة حساسة خاصة تعرض للشمس مباشرة فيجب التفريق بين قياس درجة حرارة الهواء وبين تقدير شدة الإشعاع الشمسي، مشيرا إلى مفارقات تنشأ لدى الشخص بهذا الخصوص فيشعر بأن درجات الحرارة أكبر بكثير من المعلنة من الجهات المختصة.

ويقول خالد العتيبي، وهو موظف حكومي، ان أعلى درجة سجلها مقياس سيارته كانت 57 درجة مئوية، خلال الأيام القليلة الفائتة، معتقداً بأن الرقم الذي أظهره مقياس سيارته يعكس الحرارة الفعلية للجو، حيث وصف موجات الحر «بغير الطبيعية»، والتي تطرح تساؤلات كثيرة حول ما إذا كانت هنالك أسباب عدة ومشتركة أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة. بينما يصف عبد العزيز العمير، الذي يعمل في أحد المصارف، حرارة الجو في مدينة الرياض بالأقل مقارنة بالعام الفائت، إلا أنه ربط بين ارتفاع درجات الحرارة والجفاف المناخي الذي تشهده البلاد، وكيف أنه جعل وطأة الحر أشد على المواطنين، معتبراً أن درجات الحرارة التي تظهرها مقاييس السيارات ليست دقيقة.

ويرى الدكتور سرحان أن مقاييس درجات الحرارة في السيارات لا تظهر الأرقام الحقيقية لحرارة الجو، إذ إنها تتأثر بحرارة محرك السيارة نفسها مما يزيد من 3 إلى 5 درجات إضافية على درجة حرارة الجو الطبيعية، إضافة إلى تأثر المقياس بالحرارة الناتجة عن احتكاك إطارات السيارة بالازفلت، حيث ان تلك المقاييس دقيقة جداً وتلتقط جزيئات الهواء والغازات المنبعثة سواء من محركات السيارات أو الجو العام للطرق المزدحمة. وعن تباين درجات الحرارة قال الدكتور ناصر ان السعودية تقع في منطقة معقدة جغرافياً وفيها تفاوت مبني على التوزيع الطبوغرافي مما يسبب تفاوتا في درجات الحرارة بين منطقة وأخرى، موضحاً أن فصل الصيف يبدأ فيزيائياً في 21 يونيو في السعودية مع تعامد الشمس على مدار السرطان والذي يمر بوسط البلاد وترتفع درجات الحرارة بوجه عام على جميع المناطق وتكون متفاوتة بين المدن الساحلية والجبلية وتلك التي تقع بالقرب أو في وسط الصحارى وتسجل عادة أعلى درجات لحرارة الهواء خلال أشهر يونيو ويوليو وأغسطس، حيث يكون تأثير الرياح المحلية على درجات الحرارة واضحا خلال هذه الأشهر، وتكون حول المتوسط في شهر سبتمبر وقد تزيد عن المتوسط عند حدوث موجات الحر والتي يزيد تأثيرها بفعل العوامل الطبيعية والبيئية، لافتاً إلى أن متوسط درجات الحرارة لأشهر الصيف «يونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر» يبدأ من 40 إلى 43 درجة مئوية.

واعتبر سرحان أن موجات الحر من الظواهر المتعلقة بدرجات الحرارة، ويعتمد تعريفها على مدى شدتها من حيث درجات الحرارة والفترة الزمنية، فمن ناحية شدة الموجة فإن المتعارف عليه علمياً أن الفرق بالزيادة لا يقل عن 5 درجات مئوية عن المتوسط المناخي، وتستمر هذه الزيادة لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام متواصلة ولتكون موجة ساخنة، مضيفاً أن هذه من الظواهر التي تحدث باستمرار في السعودية في فصل الصيف، حيث يرتبط تأثر السعودية بموجات التسخين بوضعيات الطقس السائدة والرياح المحلية التي تنشأ بسبب الموقع الجغرافي والعامل الطبوغرافي بالإضافة لحركة الشمس الظاهرية وتزحزح الطقس المصاحب للفاصل المداري شمالاً صيفاً وجنوباً لمدار الجدي شتاءً.

وحول ما إذا كان هنالك تأثيرات لموجات الحر على الإنسان، أجاب الدكتور سرحان أن هناك تأثيرا لارتفاع درجة الحرارة على تكيف الجسم والراحة، إضافة إلى أنها تقلل من نشاطه، خاصة في فترات الظهيرة حيث من الممكن تعرض الإنسان لضربات الشمس، كما أن ذلك يعرض القطاع الزراعي لخسائر بسبب ما تسببه شدة الموجة من جفاف وإتلاف للمزروعات وضرر بالمواسم الزراعية عوضاً عن زيادة الاحتياج المائي، زائداً أنه بسبب الزيادة المفاجئة لدرجات الحرارة تقل قدرة عمل الآلات بجميع أشكالها ويزيد استهلاكها للطاقة ويقل عنصر الاستطاعية عند عملها، فعلى سبيل المثال يحدث عبء كبير على مولدات الطاقة وعلى أثرها يسخن المولد وتقل قدرته على توليد الطاقة فينتج عن ذلك انقطاعات مفاجئة للتيار الكهربائي، أيضاً بالنسبة لمحركات الطائرات ووسائل النقل الأخرى تقل الاستطاعية لهذه المحركات من العمل بالشكل المطلوب.

وفيما يخص الظواهر العالمية وعلاقتها بالطقس المحلي في السعودية أوضح سرحان أن السعودية مرت أثناء صيف 2007 م بموجات حر ارتفعت خلالها درجات حرارة الهواء في الظل إلى ما فوق 50 درجة مئوية، مع نشاط الرياح المحلية والتأثيرات الطبيعية والتي قد تكون من أهم الأسباب كظاهرة الاحتباس الحراري، وظاهرة تسخين المحيطات النينو، والتي قل مدى تأثيرها لهذه السنة 2008م، مضيفاً ان درجات الحرارة سجلت أكثر من المتوسط العام لدرجات الحرارة خلال أشهر مايو ويونيو ويوليو «40، 45، 46»، حيث بات من المتوقع أن تكون درجات الحرارة للباقي من الصيف أعلى من المتوسط. ولفت أستاذ الأرصاد الجوية المساعد ومدير وحدة العلوم الجوية بكلية الملك فيصل الجوية إلى أن موجات الحر قد تتجاوز الحد المحدد علمياً في درجات الحرارة لتتعدى المتوسط بأكثر من 5 درجات مئوية، حيث يعزي العلماء هذه الحالة لظاهرة الاحتباس الحراري، وما ينتج عنها من تبعيات وما يطلق عليه ظاهرة تسخين المحيطات أو دفء المحيطات «النينو وعكسها النينيا»، مضيفاً أن العلماء نبهوا من أن نشاط الإنسان الصناعي والكوارث الطبيعية كحرائق الغابات وانتشار الملوثات وخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون يسبب حبس الحرارة في طبقات دنيا من الغلاف الجوي مما يسفر عنه زيادة في درجة حرارة الهواء غير معهودة في بعض المناطق وتزيد عن المتوسط في مناطق أخرى.

وعن ظاهرة الاحتباس الحراري، أبان الدكتور أنه وحسب ما نشر علمياً، تكون مسؤولة عن الجفاف في الكثير من المناطق وخاصة المناطق شبه المدارية وتكون سببا في الفيضانات في مناطق أخرى وكذلك يعزي العلماء لهذه الظاهرة نفوق وانقراض بعض أنواع الطيور والحشرات، مستدركاً ان هذه الدراسات لم تثبت ما إذا كان نشاط الإنسان الصناعي فعلاً سببا أو من مسببات ظاهرة الاحتباس الحراري وتبعياتها، حيث تعتبر هذه الظاهرة بالإضافة لظاهرة ثقب الأوزون من الظواهر العلمية التي ما زالت تحت البحث والتدقيق وتحتاج لكثير من الدراسات.