موظف يرفض رشوة تفوق راتبه الشهري بـ 2500%

وزارة الصحة تسجل عاشر قضية فساد لديها

TT

«حينما عرضت علي رشوة تفوق مرتبي الشهري 25 مرة (2500%)، شعرت أنه لم يعد هناك سوى شعرة دقيقة بين الكسب الحلال والحرام، ففضلت أن أبقي عليها، على أن أقطعها»، بهذه الكلمات، شرح بندر الشريف، وهو موظف حكومي في مكتب وزير الصحة السعودي، اللحظات الحاسمة في قصة الصفقة التي حاولت أن تعقدها معه شركة معدات طبية، مقابل إسقاط بند جزائي كبدها ملايين الريالات.

وصمدت أمام الـ100 ألف ريال، وهي قيمة الرشوة التي تعهدت الشركة الطبية بتقديمها، المبادئ والقيم التي يؤمن بها الموظف الشريف، والذي يعول 6 من الأطفال، براتب لا يتجاوز الـ4 آلاف ريال. وحينما سألته «الشرق الأوسط» عن سبب عدم قبول الرشوة، قال: «لا أريد أن أرى نفسي في موقف لا يؤهلني مستقبلا أن أكون قدوة لمن أُعيلهم».

وتأتي القضية التي أعلن عنها الدكتور حمد المانع وزير الصحة السعودي أمس، كواحدة من بين 10 قضايا فساد سجلتها الوزارة في الآونة الأخيرة، على حد قوله.

لكنها المرة الأولى، التي تطرق فيها مثل هذه القضايا، باب الوزير المانع نفسه، والذي قال للصحافيين أمس: «إنه من المؤسف والمحزن أن تصل بهم الوقاحة للوصول بقضايا رشوة إلى مكتبي». وقال لـ«الشرق الأوسط» مصدر في وزارة الصحة: «إن خطورة هذه القضية تكمن في أنها اقتحمت مكتب الوزير شخصيا.. هذا أمر خطير للغاية».

وروى بندر الشريف تفاصيل قصة محاولة رشوته من قبل إحدى الشركات الوطنية المتعاقدة مع وزارة الصحة، حيث طلب مندوب الشركة من الشريف خطابا موقعا من الوزير المانع لإسقاط شرط جزائي عليها بملايين الريالات، على أن يقدم له مبلغ 100 ألف ريال (26.6 ألف دولار).

يقول بندر: «عرضت الأمر على وزير الصحة، واتفقنا على إعداد خطاب وهمي، على أن يتم التنسيق مع المباحث الإدارية بموعد ومكان التسليم». وأضاف الشريف: «بعد تحديد عدد من المواعيد التي لم يلتزم بها موظف الشركة، اتفقت وإياه أن يتم اللقاء في منزلي، وقمت بإبلاغ ضباط المباحث، والذين قاموا بدورهم بكافة الإجراءات اللازمة لتسجيل الحادثة، وبعد أن قمت بتسليم الخطاب الوهمي له، وقبضت المال، باشر ضباط المباحث الذين كانوا موجودين في منزلي الحادثة، وحرروا محضرا بذلك».

وحذر الوزير المانع، من مغبة الإقدام على الأساليب الملتوية من أجل تحقيق مكاسب شخصية للشركات. وقال: «نحن على قناعة تامة بأنهم لن يرتدعوا ومع ذلك عازمون على ردعهم مهما كانت قوتهم وتغلغلهم».

وطبقا لوزير الصحة السعودي، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ونائبه الأمير سلطان بن عبد العزيز، أمرا بمكافأة الموظف بندر الشريف على أمانته.

وهذه ليست المرة الأولى، التي يأمر الملك عبد الله بمكافأة موظفي الدولة الذين يثبتون أمانتهم إزاء قضايا رشوة، حيث وجه قبل 5 أشهر، بتكريم 3 من موظفي وزارة النقل، كانوا قد رفضوا قبول رشوة قدمت لهم خلال موسم حج العام الماضي من قبل سائقين متجاوزين للأنظمة والقوانين.

ويعتبر قطاع الصحة، من أكثر القطاعات في السعودية، التي اكتشف فيها قضايا فساد ورشى، كان أبرزها قضية سلسلة الصيدليات التي قدم صاحبها قبل سنوات مبلغ 10 ملايين ريال كرشوة لتجاوز شروط نظامية نص عليها حديثا تقنن مسألة فتح الصيدليات في البلاد.

وفي يوليو (تموز) الماضي، ذكرت معلومات صحافية، أن هيئة الرقابة والتحقيق في السعودية، اتهمت 21 شخصا بالرشوة والفساد، من بينهم 8 قيادات في مديرية الشؤون الصحية بالمدينة المنورة، بالإضافة إلى مستثمرين ووسطاء.

وقال مصدر في وزارة الصحة لـ«الشرق الأوسط»، ان الوزير المانع، قام بسلسلة من التغييرات في بعض المناصب بعد اكتشاف عدد من قضايا الفساد، لافتا إلى أن قرار إلغاء مراكز الأعمال في المستشفيات جاء لتسجيل تجاوزات في إداراتها.

ولم تخل أي من مناطق البلاد، من تسجيل قضايا فساد في القطاعات الصحية، حيث شهدت محافظة جدة ومنطقة جازان فصل 6 موظفين على خلفية إحدى القضايا، كما شهدت مكة المكرمة والرياض والجوف والمنطقة الشرقية، قضايا مماثلة، تمثلت بتقديم رشى لموظفين لتمرير صفقات معينة.

وبرزت وزارة الشؤون الاجتماعية في الصورة أيضا في قضايا الفساد، بعد أن كشفت في يوليو (تموز) المنصرم، عن قضية فساد، تورطت فيها مجموعة من موظفي مركز تأهيل نجران، على خلفية تحصلهم على أموال مخصصة للمعوقين.

وكُشف في فترة عبد المحسن العكاس الوزير السابق للشؤون الاجتماعية، عن حادثة رفض أحد موظفي الوزارة لرشوة عرضت عليه من إحدى الشركات التي تتعامل معها، فيما اتخذت الإجراءات الرسمية بحق تلك الشركة. وتقضي التوجيهات الحكومية في السعودية، بـ«محاربة الرشوة وإنزال أشد العقوبات التأديبية بمتعاطيها والمتعاملين معها لما تسببه من فساد إداري وأخلاقي».

واتخذت السعودية، مجموعة من الإجراءات الكفيلة بحفظ المال العام، بما في ذلك الأموال المخصصة لتنفيذ المشروعات التابعة للحكومة.

وترجمت الحكومة السعودية توجهاتها الإصلاحية، بتبنيها استراتيجية «حماية النزاهة ومكافحة الفساد» العام المنصرم. وبموجب هذه الاستراتيجية، ستنشأ هيئة وطنية لمكافحة الفساد، لمتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية، ورصد نتائجها وتقويمها ومراقبتها ووضع برامج وآليات تطبيقها، كما ستقوم الأجهزة الحكومية المعنية بحماية النزاهة ومكافحة الفساد، بممارسة اختصاصاتها وتطبيق الأنظمة المتعلقة بذلك، وتقليص الإجراءات وتسهيلها، والعمل بمبدأ المساءلة لكل مسؤول مهما كان موقعه وفقا للأنظمة.