السعودية: جدل حول دورات قصيرة لتأهيل «الداعيات» الجديدات

د. قاسم: الأكاديميات الخاصة أجدى > د. زين العابدين: على المبتدئات تعلم النهج الوسطي > د. نصير: اقترح إيجاد دبلوم دعوي

الدعوة النسائية في السعودية تعيش أوج ازدهارها في السنوات الأخيرة («الشرق الأوسط»)
TT

أثارت إعلانات بعض مراكز الدعوة النسائية في السعودية بتقديم دورات صيفية قصيرة تخاطب الفتيات بلسان «كيف تصبحين داعية في 60 يوماً»، بحيث تؤهل المتدربات ليكنّ داعيات في الأوساط النسوية خلال شهرين فقط، انتقادات بعض المتخصصين الذين قالوا ان الأمر لا يتلاءم مع شؤون الدعوة، التي يرون أنها تتطلب خبرة وتأهيل سنوات من العلم والتحصيل الشرعي.

وتعلق الدكتورة فوز كردي، أستاذة العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة بكلية التربية للبنات بجدة والداعية المعروفة، على هذه الدورات القصيرة بالقول «الدعوة إلى الله تحتاج إلى مهارات كثيرة ومتنوعة والتخصصات الشرعية في الكليات والجامعات هي أفضل المحاضن لتأهيل الداعيات، ثم المعاهد الشرعية المعتمدة، ولعل بعض المراكز الخيرية تعطي دورات مبسطة لا أعتقد أنها كافية في إعداد داعيات، لكنها قد تكون مساعدة». وبيّنت كردي في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن الداعية المبتدئة لا بد أن تتحلى بالعديد من الصفات، أوجزتها بالقول «أولها العلم الشرعي الذي لا بد من همة وجد لتحصيله، وثانيها معرفة أساليب الخطاب وطرق التواصل الجيدة، كما لا بد للفتاة الراغبة في الدعوة من التحلي بالصبر وسعة الصدر».

في حين أوضحت الدكتورة آمال نصير، المشرفة على الأقسام النسائية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي بمنطقة مكة المكرمة، أن مراكز تأهيل الداعيات معمول بها منذ فترة، واستشهدت بتجارب سابقة لمركزين بجدة يقدمان دورات مكثفة لخريجات المرحلة الثانوية تتضمن علوم القرآن الكريم وفقه الدعوة وموضوعات علمية أخرى تحتاجها الداعية.

وأشادت نصير في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، بمثل هذه التجارب، إلا أنها أكدت على ضرورة أن يكون هناك تدريب عملي للفتيات الراغبات في سلك مسار الدعوة، مشددة على ضرورة أن يكون ذلك بتقييم مشرفات مؤهلات لتكون الفتاة قادرة نظرياً وعملياً على أن تصبح داعية، في حين اقترحت إيجاد برنامج مدته سنتان يتضمن كافة العلوم الشرعية التي تحتاجها الداعية، ويعادل درجة الدبلوم.

وبسؤال نصير عن قدرة الدورات القصيرة التي تقوم بعض المراكز الدعوية بتقديمها على إعداد داعيات مؤهلات، أوضحت أن دورهم كمتخصصين هو إعطاء العلم الشرعي. وبيّنت أن الحكم على الفتاة يتم بداية من المقابلة الشخصية، واستشهدت بكون بعض الفتيات يرغبن بدخول أقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات لاعتبارات غريبة تتضمن الاعتقاد بأنه القسم الأسهل أو الأنسب لمعدل الفتاة، لذا رأت نصير أهمية عمل مقابلة شخصية مسبقة للراغبات بأن يصبحن داعيات لمعرفة مبرراتهن لذلك.

من جهتها، وعدت نجلاء المبروك، مديرة مركز الأميرة العنود لخدمة القرآن الكريم والخدمة الاجتماعية بالرياض، الذي أعلن أخيرا عن تنظيم دورة لتأهيل الداعيات المبتدئات، بالرد على أسئلة «الشرق الأوسط» التي أرسلت عبر الفاكس قبل أكثر من أسبوعين، حول برامج هذه الدورات وأهدافها، ولم يصل الرد للآن!.

ووفقاً لمعلومات تحصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن هذه الدورات مجانية، وتشترط ألا يقل عمر المتدربة عن 20 عاماً، وألا يقل مؤهلها العلمي عن المرحلة المتوسطة، وأن تتمكن من حضور ساعات الدورة كاملة، وتجتاز المقابلة الشخصية، وتوجد شهادة تمنح للفتاة التي تجتاز دورة تأهيل الداعيات تخولها لتكون داعية في المجالس والأوساط النسائية فقط، من دون أن يكون للمركز علاقة بأي أنشطة تقوم بها المتدربات لاحقاً.

وفي ذات السياق، يرى الدكتور عبد العزيز قاسم، المشرف على ملحق «الدين والحياة» بصحيفة «عكاظ»، أنه لا بد من إعداد الداعيات أولاً كي يتصدرن ويباشرن الدعوة، وأضاف قائلاً «هذه الخطوة برأيي انبثقت بعد التجارب العديدة للدعوة في جانبها الرجالي، فقد تصدّر مَن لم يتأهل وكانت سلبياته على الدعوة فادحة، لا بد من دورات تأهيلية تأخذها المرأة الداعية كي تلم بأصول المجال الذي تود ولوجه».

وتابع قاسم حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً إنه يدعو إلى ما هو أكبر من عمل الدورات العابرة، مضيفاً «أدعو إلى أكاديميات خاصة لتأهيل الداعيات، فالدعوة بحاجة ماسة جدا إلى جهود المرأة، ونحن في عصر المرأة وانفتاحها على صعد اجتماعية متعددة، ولا بد أن نواكب ذلك».

إلا أن الدكتورة سهيلة زين العابدين، الكاتبة الإسلامية وإحدى المهتمات بحقوق المرأة، انتقدت في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، فكرة تأهيل الداعيات المبتدئات خلال أيام معدودة وعبر دورات قصيرة، مرجعة ذلك لكون هذه المراكز والدورات ليست كافية لإعداد الداعية، التي ترى أنها لا بد أن تكون فاهمة ومتبحرة بعلوم الدين، مرجعة ذلك لكون الدعوة مسؤولية عظيمة لا يستهان بها.

وتعتقد زين العابدين أن هناك مجموعة من الداعيات أصبحن يتصدرن للدعوة والإفتاء بعد قراءة إحدى الكتب وسماع بعض الأشرطة السمعية، مؤكدة على أن الداعية لا بد أن تكون ممن أبحرن في دراسة الدعوة وشؤون الدين وقراءة السيرة النبوية كاملة، وأشارت إلى ضرورة أن يكون لدى الداعية القدرة الجيدة على التحليل والاستنباط الصحيح والوعي بقضايا المجتمع والدين.

وأردفت زين العابدين موضحة رأيها في أن الدعوة النسائية في السعودية ما زالت تفتقد إلى المنهج الوسطي المعتدل لدى الكثير من الداعيات، وأفادت بأن الخطاب الديني النسوي تتحكم فيه كثيراً الأعراف والتقاليد الاجتماعية، حيث رأت بأن بعض الداعيات يسهمن بطريقة غير مباشرة بربط العادات بالدين واعتبارها جزءا من الإسلام، وهو ما جعلها تشدد على ضرورة إلزام الداعيات المبتدئات بالتأهيل الأكاديمي العلمي وفق منهج وسطي معتدل.

من جانب آخر، لا تغيب المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت عن حصة المشاركة بتأهيل الداعيات الجدد، حيث تبنت مجموعة من المواقع الدعوية عمل برامج وحلقات تأهيلية لمنح الفتيات ثقة أكبر في خوض مجال الدعوة، تشرف عليها مجموعة من الداعيات السعوديات المعروفات، وهو ما جعل هذه المواقع تلقى رواجاً كبيراً بين الفتيات، رغم أنها لا تمنح شهادة أو إثباتا رسميا للداعية المبتدئة.

وما زال حضور الداعيات السعوديات مقتصراً على الأوساط النسوية، بما يشمل إلقاء المحاضرات في كليات ومدارس البنات والمصليات النسائية الموجودة في الأماكن العامة، إلى جانب حضور الأعراس النسائية التي أصبح وجود الداعية فيها ضرورياً لدى شريحة كبيرة من الأسر المحافظة، وفق ما يعرف بفن الاحتساب، وتعتبر هذه المناسبات الفرصة الأهم لظهور الداعيات الجدد وتعريف سيدات المجتمع بهن.

وحاولت «الشرق الأوسط» الاتصال بمجموعة أخرى من الداعيات الناشطات للتعرف إلى دورهن في تأهيل ودعم الداعيات الجدد، إلا أن مكتب الدكتورة رقية المحارب اعتذر عن عدم الرد مرجعاً ذلك لانشغال المحارب بالأنشطة الدعوية. في حين لم تجب موضي الجلهم، مشرفة إحدى دورات تأهيل الداعيات، على كافة اتصالات «الشرق الأوسط» المتكررة.

وحول قراءة واقع الدعوة النسائية في السعودية، عاد قاسم ليقول إنه «بعد 11 سبتمبر، شهدت الدعوة النسائية انطلاقة كبيرة، توازياً مع انفراجات في مجالات عدة شهدها مجتمعنا، وخرجت عن الطوق الرجالي المفروض، وبتنا نشهد أسماء لداعيات يتمتعن بالنجومية، كذلك عن ندوات ومحاضرات نسائية يروج ويعلن لها في بروشورات، التي كانت مقصورة فقط على الرجال في ما مضى». وأضاف قاسم بالقول «بدأت بعض الداعيات في تسجيل كاسيتات، وإن لقيت هذه الخطوة معارضة شديدة، إلا أنني استشرف لها مستقبلاً كبيراً في ظل التحوطات الفقهية للمدرسة السعودية تجاه المرأة، ستبدأ بالأشرطة وتنتهي بالظهور في الفضائيات». وأوضح أن الدعوة النسائية تطرد بقوة، مبيناً أنه يدعم ذلك المؤازرة اللافتة لوزير الشؤون الإسلامية المهتم بقضية المرأة الداعية. واستشهد قاسم بتصريحات حديثة تشير الى أهمية الرماة في الدعوة، ونشر الوزارة بياناً بأسماء الداعيات اللواتي يحاضرن في بعض المساجد. وفي هذا السياق يجدر الذكر أن عدد الداعيات اللاتي تم اعتمادهن رسمياً من قِبل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أخيرا بلغ أكثر من 360 داعية، واللاتي أصبحن ينتشرن اليوم في مناطق متفرقة من البلاد.