مطالب بأن يكون للمعاقين دور ورأي في الأنظمة والقوانين التي تشملهم

رئيس لجنة «صنّاع الإرادة»: نتمنى أن تلغي وزارة العمل قرار احتساب توظيف المعاق بـ 3 موظفين

يطالب المعاقون بأخذ رايهم ومقترحاتهم في القرارات التي تخصهم («الشرق الأوسط»)
TT

حاد الذكاء، نشاطه وحماسه يسري مثل العدوى في نفوس المتحدثين معه، رجل لديه قضية نبيلة لا يمكن أن تجد شخصاً يعرف تفاصيلها مثله، إنه نائب رئيس الشركة العربية للإسمنت، المهندس شوقي خياط (46 عاماً)، الذي يرأس إلى جانبها لجنة «صنّاع الإرادة» بغرفة جدة، وهي لجنة مدنية تحصر اهتمامها في خدمة ذوي الإعاقة عن طريق أربعة محاور رئيسية، هي: تهيئة البيئة المحيطة لتكون مناسبة لتحركهم واندماجهم بالمجتمع بالتعاون مع الجهات المعنية، توعية الأسرة والمجتمع بالطريقة المثلى للتعامل مع ذوي الإعاقة، إلى جانب تأهيلهم وتدريبهم، وأخيراً دعمهم عن طريق إلحاقهم بفرص وظيفية ملائمة.

ومن منطلق الخبرة الشخصية، ومتابعة قضية توظيف ودمج ذوي الإعاقة، فإن خياط لديه رؤية مغايرة للقرارات التي اتخذت بشأن تدعيم توظيف المعاقين، وإن كانت رؤيته أكثر واقعية، فهو ينطلق بداية من أن الطريقة التي تتبعها الجهات المعنية بالأمر حالياً تعالج العرض وتترك المرض ـ كما يقول ـ ولا تركز على الأولويات والنقاط الأساسية في تعاملها مع المسألة، ويقول «للأسف فإن أكبر عائق أمام ذوي الإعاقة عدم توفر البيئة الملائمة لهم في أماكن العمل، فالإعاقة أنواع مختلفة أبسطها الإعاقة الحركية كون المعاق هنا شخص كامل الأهلية والوعي، لكنه لا يستطيع الحركة بسهولة لسبب ما، وللأسف لا توجد بيئة مناسبة، لذلك لا معنى لتوظيف المعاق طالما أن البيئة غير ملائمة لعمله».

وينتقد خياط قرار وزارة العمل باحتساب الموظف المعاق في مؤسسات القطاع الخاص بـ3 موظفين سعوديين ضمن برنامج السعودة، واصفاً إياه بـ«القرار حسن النية»، رغم النتائج السلبية التي قاد إليها، داعياً إياها للتراجع عنه والاهتمام بتدعيم المعاقين في نواحي التدريب والتأهيل والتطوير، وهي نواح لا يأخذون فيها حقهم بشكل كامل، كما يقول.

ويتابع خياط «للأسف بعد هذا القرار «حسن النية» من وزارة العمل، أصبح توظيف المعاقين يتم لأهداف استغلالية بحتة، يسجل المعاق كموظف لتدعيم نقاط المنشأة في برنامج السعودة، وبرواتب ضئيلة لا تتجاوز الـ1500 ريال في بعض الأحيان، والبعض يقول للمعاق سيصلك راتبك وأنت في منزلك وحضورك غير مهم، حتى أن بعض الإعلانات في الصحف تطلب معاقين للتوظيف من دون أي شروط أخرى!، وهذا غير سليم، فالسياسة المتبعة حالياً تستهدف إلحاق المعاق بعمل بسيط كمأمور سنترال أو ناسخ وغيرهما من الأعمال البسيطة التي لا تؤمّن له أجر سائقه على الأقل، كما أنها لا توفر له مستقبلاً وظيفياً يكون قادراً على التطور والإنجاز فيه، بالرغم من أن كثيراً من المعاقين لديهم حافز كبير للإنتاج، وإنتاجهم يزيد عن أنتاج الأفراد الطبيعيين إذا لم يكن يماثلهم فقط».

ويقول خياط «التركيز لا بد أن يكون على الوظائف التي يمكن أن يشغلها المعاق على حسب نوعية إعاقته، والتي يمكنه أن يتطور فيها، ويجب أن نركز على تدريبهم وتطويرهم حتى لا يتحمل المعاق وزر تجربة فاشلة فقط لأنه غير مهيأ ومؤهل لها، ولا تفشل فكرة دمجهم، أرى أن الدمج يجب أن ينفذ منذ المراحل الدراسية وبشكل أكثر عمقاً مما هو قائم الآن، فالروتين والبيروقراطية والدعاية الجوفاء التي لا تركز على الهدف بشكل أساسي تؤجل حق المعاقين في العيش والانخراط في المجتمع بشكل سليم وصحيح».

ويؤكد خياط أنه بالتركيز على هذه المسائل بشكل أكبر ستكون النتائج إيجابية أكثر، ويستشهد على ذلك بتجارب الكثيرين ممن تابعتهم لجنته، فهناك رجال الأعمال ومهندسو الكومبيوتر الناجحون، والمبرمجون العباقرة، والصيادلة وغيرهم، وختم خياط حديثه متمنياً مقابلة وزير العمل لمناقشته في تفاصيل عمل ذوي الإعاقة، ومتمنياً رؤية بعض الموظفين من ذوي الإعاقة في صندوق الموارد البشرية ووزارة العمل، خاصة في الوظائف الإشرافية على مسألة توظيف وتدريب المعاقين، لأن لديهم قدرة أكبر على فهم الوضع وما يعانيه المعاق، وقد حان الوقت لإشراكهم في القرارات المصيرية التي تخصهم، كما يقول.

يبقى أن أشير إلى أن المهندس خياط، هو نفسه مثال إيجابي لقدرة وكفاءة ذوي الإعاقة في حال تم توظيفهم في المكان المناسب لمؤهلاتهم ولقدراتهم العلمية، فبالرغم من تعرضه لحادثة منذ سنوات نتج عنها إعاقة حركية، إلا أنه يمارس عمله بشكل طبيعي وبنشاط ويشغل منصب نائب الرئيس للخدمات المساندة في شركة الإسمنت العربية.

الصعوبة التي يواجهها ذوو الإعاقة في سوق العمل تبدأ فعلياً بعد التحاقهم وليس في إيجادهم للوظيفة، وهي تتنوع بظروف وملابسات قصة كل موظف. حسام فدعق، منسق الحجز في العلاقات العامة بغرفة جدة، وهو شاب في مقتبل العشرينات، يعاني من إعاقة حركية، لكنها لم تمنع نشاطه ولا حماسه الذي يعرفه معظم زوار الغرفة وفعاليتها الكبيرة، وابتسامته العريضة المرسومة دائما على وجهه.

ويحكي حسام تجربته في سوق العمل التي بدأت قبل 4 أعوام، بالتحاقه بالعمل بشكل غير رسمي ليتعرف على سوق العمل ويكتسب خبراته الأساسية لعدة أشهر، ثم يلتحق بعدها بالغرفة التجارية بجدة كمتدرب لمدة 3 أشهر، لتمتد إلى ما يقارب الـ4 أعوام.

ويقول حسام «عندما بدأت العمل بالغرفة كانت تجربة جديدة بالنسبة لي وبالنسبة لهم في الغرفة، وحاولت أن أثبت وجودي وأنه ليس هناك أي فرق بيني وبين أي موظف عادي، لكن في الوقت نفسه شعرت أنهم ألحقوني بالعمل من باب الشفقة ومن باب رغبتهم في دعم توظيف المعاقين في القطاع الخاص، فلم يكونوا راغبين بتكليفي بأي مهام ومن دون إحراج لي، إلا أن هذا الوضع أثار استيائي بعض الشيء، خاصة أن أي عمل كان يطلب إلى موظف غيري القيام به ولم أكن أقوم سوى بالأعمال المكتبية البسيطة نظراً لإجادتي استخدام الحاسب الآلي ووجدتهم مرتاحين لهذه الفكرة».

ويتابع «بعدها بدأت بالمبادرة وكنت أنتهز كل فرصة ممكنة للمبادرة ولم أكن أرفض أي مهمة توكل إليّ، وقليلا قليلا أصبح الاعتماد عليّ أكبر، ولم أشعر أبداً بأي نوع من الغيرة لدى أي من زملائي، ومعظمهم كان متقبلاً لجهدي وعملي وأصبح البعض منهم يطلبون مني أداء بعض المهام لهم أو مساعدتهم».

ورغم أن توظيفه بداية الأمر كان من قبيل التعاطف، كما يقول حسام، إلا أن هذه النظرة اختلفت كثيراً لدى زملائه ومديريه تماماً، وهو ما أوقعه في شراك فخ إثبات القدرة التي يشعر دائما أن عليه إبرازها وجعل البعض يحاول استغلال هذه النقطة بإعطائه أعمالا إضافية، لكنه ما لبث أن تفهم الأمر وبدأ بالموازنة والقيام بالمهام التي تضيف إلى رصيده وخبراته فقط كما يقول.

المشكلة التي تواجه حسام هي أنه يخشى أن عمله الكامل الذي يقوم به كما يقوم أي موظف مخلص جداً ولا يشكو من أي علة، قد لا يؤهله للترقي أسوة بغيره، وعن هذا التخوف يقول «لا أعرف إذا ما كانت إعاقتي فقط من دون النظر إلى كفاءتي وإنتاجي العملي ستحول بيني وبين الترقية، كل ما أعرفه أنني التحقت بالعمل منذ 4 سنوات وما زلت في مكاني ولا أعتقد أنني سأحصل على ترقية فيه من هذه الإدارة، فمن بين المعوقات التي واجهتني هي وجود منصب مشرف شاغر في إدارتي وأعتقد أنني أولى من غيري بحكم خبرتي ومهارتي ورغبتي في التطوير في الحصول على هذه الترقية، لكن للأسف رؤية جهة عملي هي أن هذا المنصب متعب وشاق ولا يمكن لمعاق أن يشغله حتى ولو كان بكفاءة وحماسة الموظف العادي، ولهذا أفكر في الانتقال إلى مجال آخر يسمح لي بالتطور والترقي من دون أن أواجه صعوبات».

وفي الوقت نفسه يقول «أشعر مع الأسف بأن كوني معاقاً يحول بين المسؤولين وإنصاف مطالبي العملية بناء على أدائي وكفاءتي، فكلما طالبت بعلاوة، استشعر عدم رضاهم عن طلبي، وكأن لسان حالهم يقول لا تقم بعمل إضافي ولا تطالب بعلاوة!».