172 جنسية تقتسم 72 حيا في جدة مدينة المدائن والجاليات

«الاسكندرية» و«مقديشو» و«الكويت» و«بغداد» و«باكستان» و«جزيرة جاوة» و«جاميكا» أبرز أحيائها

حي البخارية حيث يتمركز معظم الأفغان
TT

الزائر لمحافظة جدة (غرب السعودية) يمكنه ان يجزم بأنه قد زار معظم دول العالم واستمع الى لغاتها ولهجاتها المتباينة وشاهد ازياءها وسحنات شعوبها، كل ذلك من خلال الموزاييك الذي يشكل سكان عروس البحر الاحمر، ويخلق طعما خاصا ظلت تمتاز به مدينة جدة دون غيرها. وتفرض الجولة السياحية في مدينة جدة التي تشتهر بأسواقها المتراوحة بين التقليدي والحديث، المرور بعدد من الاحياء السكنية الشهيرة، حيث تتمركز في كل منها جنسيات دولة محددة يتحول اسم الحي بموجبها الى اسم الدولة التي ينتمون اليها، على الرغم من ان تلك الاحياء تحمل في السجلات والخرائط الرسمية أسماء مختلفة، بل ان هناك ادارة تتبع لأمانة محافظة جدة متخصصة في تسمية الاحياء والشوارع، ورغم ذلك تجد في جدة أحياء «الاسكندرية»، و«مقديشو»، و«الكويت»، و«بغداد»، وهناك ايضا حارات واحياء «باكستان»، و«جزيرة جاوة الاندونيسية»، و«الصومال» و«جاميكا» وغيرها.

سكان المدينة الذين يتجاوز عددهم وفق آخر احصائية رسمية 3.7 مليون نسمة، اكد اللواء علي الغامدي، مدير شرطة جدة لـ «الشرق الأوسط» بأنهم يمثلون نحو 172 جنسية من كافة دول العالم، يقطنون وفق مصادر رسمية في امانة جدة في 107 احياء، وتغلب على سكان هذه الاحياء ـ خصوصا في جنوب المدينة ـ الاقليات التي فرضتها طبيعة الاحياء وعشوائيتها، كما للتقارب بين سكان الحي وتبادل المنافع بينهم سبب رئيسي في هذا التمركز.

فما بين حارة الصومال القريبة من المنطقة التاريخية والمشهورة بسكانها من الجنسية الصومالية، ومركز لبيع الهويات المسروقة، كما وصفها ابو عادل الذي فقد هويته في احدى حافلات النقل العام، قال ان احد زملائه اشار عليه بالذهاب لحارة الصومال وحتما سيجدها. وبالفعل عند وصوله هناك وجد اشخاصا يفاوضونه على بيع هويته له، وقال «ان الدفع افضل من الدخول في اجراءات استخراج هوية جديدة بدل فاقد». لكن الصومال لم تكن وحدها موجودة في جدة، فشارع الباكستان بحي الجامعة مدعوما بحي بذات الاسم في الفيصلية يعدان مركزين مهمين لتجمع ابناء ذلك البلد في جدة، يخدمهم سوق ومركز لبيع كافة مستلزماتهم الشخصية من اطعمة وادوية ومستحضرات تجميلية. والداخل إلى الشارع يستطيع تمييزه مباشرة برائحته وازياء قاطنيه، ولغة تخاطبهم. والحال نفسه ينطبق على حارة البنغال على امتداد طريق مكة القديم، وكذلك الجالية البرماوية في كيلو 14 على امتداد نفس الطريق الممتد من جهة الشمال الى منطقة الكيلو 2، وعند الانحراف الى جهة الشمال منه بالقرب من منطقة خزام، عالم آخر بداية من النزلة اليمانية أحد أشهر احياء المدينة وأقدمها، والتي سميت بذلك نسبة الى الجالية اليمنية الكبيرة التي تقطنها، اضافة الى سوق اليمنى، والذي يراه زائروه قطعة مصغرة من احد اسواق مدينة الحديدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، سواء من حيث حجم المعروض من المنتجات او من حيث الزائرين المتبضعين من سكان المنطقة ومن خارجها. وكلما تعمق الزائر في المدينة الى جهة الجنوب نحو منطقة «غليل» و«الكرنتينا» وجد نفسه على امتداد الحواري الافريقية المتناثرة والمتمركزة في تلك المناطق، والداخل الى بعض الحواري في تلك المناطق يشعر بأنه داخل الى احدى المدن الافريقية في كل الصفات والمزايا، سواء في الازياء الافريقية ذات الالوان الزاهية للرجال والنساء على حدا سواء، او من خلال الاسواق والمأكولات والمحلات التي تبيع كافة مستلزماتهم، والتي يدعو وجودها هناك الى الاستغراب في كيفية نفاذها الى جدة رغم الحرص الشديد على منعها، وهو ما اكده لـ «الشرق الأوسط» احمد الغامدي مدير المركز الاعلامي لأمانة جدة، والذي أبان ان الحملات التي تقوم بها امانة جدة على المحلات في تلك الاحياء بها الكثير من المواد الممنوعة والتي تتم مصادرتها. وبالعودة للجولة، ولكن في وسط وشمال المدينة هذه المرة، ففي منطقة وسط الجامعة التي تشهد كثافة سكانية كبيرة جدا للجالية المصرية، خصوصا في شارعها الرئيسي، حيث يشهد المكان امتدادا للعديد من المطاعم والمقاهي المصرية، وهو ما يجذب كثيرا من أبناء تلك الجالية للتمركز بالسكنى في هذا المكان.

وهناك حي كامل بمسمى البخارية نسبة الى بخارى في افغانستان، حيث يتمركز معظم الافغان في ذلك الحي.

الاندونيسيون ايضا كانت لهم حاراتهم التي تسمى بحواري الجاوة، نسبة الى جزيرة جاوة الاندونيسية، وكذلك يعتبر حي البوادي مركزا لتجمع الجاليات الآسيوية والشرقية، وقد اصبحت مكانا وعاصمة لهم، وهي التي تشهد الكثير من المخالفات الامنية بحسب اشارة بعض المصادر. تمركز الجنسيات في اماكن محددة له سلبياته وإيجابياته التي اوردها الرائد محمد الحسين المتحدث الرسمي لجوازات منطقه مكه المكرمة لـ «الشرق الأوسط» بالقول «تمركز الجنسيات رغم سلبياته من خلال تغيير هوية الحي والمدينة وتغيير مسميات الشوارع وانتشار العادات والتقاليد فيها الا ان له ميزة ايضا من خلال المساعدة في تحديد مكان بعض المطلوبين امنيا ومعرفة مكان وجودهم من خلال جنسياتهم بحيث يسهل الوصول اليهم حتى عن طريق بعض ابناء جلدتهم. التميز الكبير للمدينة من حيث اختلاف وتعدد الجنسيات ارجعته مصادر امنية الى كون المدينة ميناء للحجاج والمعتمرين من كافة الجنسيات والاقطار، وتعود نشأة مدينة جدة إلى ما يقارب 30000 سنة على أيدي مجموعة من الصيادين كانت تستقر فيها بعد الانتهاء من رحلات الصيد، ونمت جدة بشكل سريع خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين مما جعلها مركزا للمال والأعمال في السعودية ومرفأ رئيسيا لتصدير البضائع غير النفطية ولاستيراد الاحتياجات المحلية.

وتبلغ مساحة المدينة التي تشهد تمددا افقيا ملحوظا نحو21.100 هكتار منها 15 الف هكتار مناطق سكنية وتجارية، فيما يصل حجم المناطق الصناعية الى نحو 1800 هكتار، و515 كمناطق زراعيه، و100 هكتار كمتنزهات، ويبلغ امتداد شوارعها المسفلتة نحو 1.7 الف كيلو على جميع الاتجاهات.