أزمة المياه تتجدد في بعض المدن السعودية

مكة تواجه النقص بزيادة الضخ.. والأسعار ترتفع في الباحة والطائف.. وهدوء في جدة

تجدد أزمة المياه في بعض المدن السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

تفاقمت أزمة نقص المياه في عدد من المدن السعودية بعد أن اقتربت من الانفراج في بعض منها نتيجة الإمطار التي هطلت في تلك المدن أخيرا، إلا أنها عادت من جديد لتتحول إلى أكثر القضايا إشكالا خلال شهر رمضان.

ففي العاصمة المقدسة التي تشهد وجود ملايين من الزوار والمعتمرين لم تجد وزارة المياه والكهرباء حلا إلا زيادة كمية المياه المخصصة من 44 ألف متر مكعب من المياه لتصل إلى 286 ألف متر مكعب لمواجهة الطلب الكبير على المياه هذه الأيام، بينما تخف الأزمة في جدة نسبيا باعتبار أن الضغط يكون على مكة خلال هذه الأيام.

يقول منصور العبدلي، أحد قاطني حي العزيزية في مكة المكرمة، الذي التقته «الشرق الأوسط» في شيب العزيزية للمياه: «إن أزمة المياه التي تهدد الأهالي هي الأكبر منذ سنوات، وأنه لم يشهد اختناقاً وزحاماً مثل هذه الأيام التي تعيشها مكة المكرمة»، مبيناً أن إغلاق «شيب المعيصم» فاقم الأزمة وأصبح «شيب» العزيزية يعاني من ضغطٍ كبير نتيجة الإقبال المتزايد. ويتساءل العبدلي: «ان منطقة الشعيبة هي على بعد دقائق من مكة المكرمة، فلماذا الشح في الدفع المائي لمكة؟، خصوصاً أنها تشهد زيارة أربعة ملايين معتمر وتشكل هذه المدينة أهمية قصوى لدى المسلمين، فأبراج وعمائر العزيزية كلها مناطق يتمركز فيها المعتمرون لا ينبغي بأي حال التهاون مع مشكلة المياه فيها».

أما علي الأسمري، أحد سكان النزهة في مدينة مكة المكرمة، فيقول: «إن آلاف الأهالي يقفون في ساعات الشمس الحارقة طالبين المياه ولا يوجد سوى موظف واحد يسجل الأسماء ويدخل البيانات حتى شهدنا حالات إغماء في داخل الطوابير الطويلة من الانتظار، وأن هناك تلاعبات ومحسوبيات في شيب العزيزية بمكة المكرمة، وأصبحت صهاريج المياه تباع في السوق السوداء بأسعار مرتفعة جدا». الى ذلك شهد شيب العزيزية للمياه أمس حالة ضبط لأحد أصحاب «وايتات الماء» الذي ضبطته مياه مكة المكرمة، وهو يستخرج أحد أشياب المياه من دون زبون، حيث كان بمعية عامله، وذكر أحد المسؤولين أن العامل وكفيله كانا يبيعان الماء في السوق السوداء!. وهو ما يعلق عليه مسؤول في مياه منطقة مكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط»، بقوله: «إن السبب من المواطنين الذين خلقوا الأزمة أو زادوها فأحيانا صهاريج مياه تتجه من الاشياب الى بعض المنازل ولا تضع حمولتها كلها، لكن الأهالي يخشون من أزمة قادمة خلال آخر أيام رمضان لذلك يقومون بتخزين المياه». ويؤكد المسؤول أن الأزمة في طريقها الى الانتهاء، خاصة إذا تعامل معها المواطنون بوعي وحكمة. وفي مدينة جدة التي اقترن اسمها مع ندرة المياه، بدأت أزمتها في الانحسار منذ بداية تشغيل البارجة التي تم تجهيزها في الدمام خلال الأشهر الماضية، مما مكن المسؤولين من إعادة برمجة التوزيع بعد زيادة الكميات المخصصة للمدينة، وذلك ما أكده عبد الله بن علي العساف، مدير عام المياه في محافظة جدة، الذي كشف عن الخطة التي تم تطبيقها بشأن شبكة المياه في بداية شهر رمضان المبارك، التي تتمثل في إعادة جدولة عملية التوزيع لمجمل شبكة المياه.

وقال في تصريح إلى «الشرق الأوسط»: «جاءت عملية الجدولة على ضوء التحسينات التي أدخلت على الشبكة، وتتضمن تغيير صمامات التوزيع واستبدال بعض الخطوط القديمة، وتنفيذ خطوط تدعيمية في كثير من المناطق لتحسين وضع المياه فيها، إضافة إلى الكشف عن التسربات وإصلاحها واستبدال المضخات القديمة بأخرى جديدة».

وأفاد بأنه تم توسعة أشياب الفيصلية وذلك بإدخال وحدات تعبئة جديدة واستنفار كافة صهاريج المياه من مختلف الأحجام للعمل على مدار 24 ساعة يوميا وتسييره بالشكل المطلوب، وأضاف: «إن خطة توزيع المياه عبر الشبكة هي نفس الخطة المعمول بها، إذ يتم تغذية شمال جدة بمعدل مرة كل 12 يوما، وجنوب جدة كل 21 يوما، وشرق جدة كل 15 يوما، فيما يتم تغذية جنوب شرقي جدة بمعدل مرة كل 45 يوما».

وأكد العساف أن بارجة ضخ المياه ما زالت تعمل حتى الآن، حيث إن جزءا من إنتاجها يأتي إلى جدة، لافتا بأن الكميات الواردة منها والإجراءات والحلول العاجلة التي نفذتها الشركة الوطنية للمياه ساهمت في تحسين أوضاع المياه بمجمل مناطق الشبكة، خاصة مناطق جنوب وجنوب شرقي جدة. وأشار مدير عام المياه إلى أنه تم تقليص الفترات الفاصلة بين نوبات التغذية، ما أدى إلى التغلب على الكثير من المشاكل التي تواجه برنامج توزيع المياه، إضافة إلى انخفاض نسبة شكاوى السكان من انقطاع المياه إلى حد كبير، منوّها إلى أن العمل آخذ في التحسن باطراد، وذلك بإدخال المزيد من التحسينات وفق إشراف ومتابعة متواصلة من قِبل الفرق الميدانية التي شكّلتها الشركة الوطنية.

وأضاف: «قامت الشركة الوطنية للمياه بمعالجة التسربات، واستبدال الصمامات والمضخات القديمة، وتنفيذ خطوط تدعيمية جديدة، وتطبيق الآليات الجديدة المعتمدة في جدولة وتوزيع المياه وإعادة هيكلة فرق وبرامج توزيع المياه، وسرعة توفير المتطلبات والاحتياجات اللازمة، وتكثيف المتابعة الميدانية لمجمل برامج التشغيل، إضافة إلى تنفيذ التوصيات الفنية والإدارية بشكل دائم»، مفيدا بأن تلك التحسينات انعكست إيجابيا على أوضاع المياه في الأشياب، حيث يسير العمل بانتظام على مدار الساعة من دون أي ازدحام أو إرباكات.

وكانت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة بدأت بضخ 10 آلاف متر مكعب من المياه المحلاة في 10 يونيو (حزيران) من العام الحالي، وذلك بعد تدشين أول دفقة من مياه البارجة العملاقة التي تم تصنيعها في ميناء الدمام كحل مؤقت لأزمة المياه بجدة، لحين تجهيز محطة الشعيبة في 3 يناير (كانون الثاني) 2009 بحسب المؤسسة.

من ناحية أخرى، فبعض المدن السعودية الأخرى مثل الطائف والباحة، التي شهدت أمطارا أخيرا، لم تسلم هي الأخرى من تلك الأزمة بعد أن فشلت كميات الأمطار القليلة التي هطلت عليها في حل أزمة المياه وإنهائها، إذ عادت من جديد بعد ان هدأت نحو أسبوعين. يقول خالد الزهراني، احد سكان المنطقة: «إننا حاليا نضطر الى شراء بعض الصهاريج من أصحاب الصهاريج الذين يحضرونها من الوديان وأحيانا صهاريج صغيرة جدا خاصة بعد منع تلك الصهاريج في اغلب الأوقات من النزول الى تلك الوديان».

ويستطرد: «نظرا لعدم استخدام مياه الصهاريج إلا في الغسيل حاليا وبعض الأمور، فإننا لا نرى مشكلة في الحصول عليها بأي طريقة، لكن المشكلة في أنها أيضا تجاوز سعرها الـ400 ريال للصهريج الصغير».

ويوضح الزهراني: «ان أزمة المياه انفرجت لفترة بسيطة، ثم عادت من جديد وبنفس الحجم، ولم تؤثر الأمطار التي هطلت لقلتها».