رمضان يربك 8 آلاف مزارع يستعدون لقطاف 13 مليون شجرة زيتون في الجوف

وسط مخاوف من تضرر الإنتاج بتأخر موسم الحصاد والتأثير على تصديره إلى أوروبا

إحدى العصارات التي تستخدم لاستخراج زيت الزيتون في الجوف («الشرق الأوسط»)
TT

يستعد أكثر من ثمانية آلاف مزارع في منطقة الجوف (شمال السعودية)، هذه الأيام، لبدء موسم القطاف لـ13 مليون شجرة زيتون مزروعة في المنطقة من المتوقع أن تنتج نحو خمسين ألف طن من زيت الزيتون.

وأوضح فايز بن محمد الراشد، صاحب مشروع زراعي كبير لإنتاج الزيتون لـ«الشرق الأوسط»، أن موسم حصاد قطاف ثمار الزيتون هذا العام يصادف حلول شهر رمضان المبارك، الأمر الذي تسبب في تباطؤ عملية الحصاد، لا سيما خلال أوقات النهار، نظرا لطبيعة العمل خلال أيام هذا الشهر الفضيل من جهة المتابعة لصاحب العمل، كذلك الحال بالنسبة للعمالة المسلمة الأمر الذي اضطر معه إلى تخفيف ساعات العمل لأوقات الحصاد.

وأشار إلى أن هناك محاولة من أصحاب المشاريع الزراعية الكبرى لإنتاج الزيتون في المنطقة للبحث عن بدائل وحلول لذلك، مثل العمل خلال الليل بعد وقت الإفطار، أيضا الاستعانة بطرق جديدة يتم استخدامها لأول مرة هذا العام مثل وضع أكياس بلاستيكية تحت كل شجرة زيتون للمحافظة على الثمار المتساقطة من الأشجار ليتم بذلك الحفاظ على الفاقد من محصول الزيتون الذي يسقط على الأرض نتيجة استواء ثمار الزيتون.

من جهة أخرى، بدأت منطقة الجوف وضع الترتيبات النهائية لإطلاق مهرجان الزيتون الثاني الذي من المقرر أن ينطلق في مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول)، حيث عقدت اللجنة التحضيرية للمهرجان الاجتماع التحضيري وناقشت الأمور التحضيرية للمهرجان وتم تشكيل اللجان العاملة للمهرجان وتحديد مهامها وتحديد رؤساء كل لجنة، وناقش الاجتماع أساسيات اختيار الشركة المنظمة للمهرجان والعروض المقدمة من الشركات المتقدمة لتنظيم المهرجان، إضافة إلى تنظيم المعرض الزراعي المصاحب للمهرجان وآليات عمله. كما جرى خلال الاجتماع مناقشة تشكيل لجنة جائزة الأمير فهد بن بدر للزيتون وتحديد معايير المسابقة، وخرج الاجتماع بالتوصية إلى اللجان للكتابة إلى الجهات المعنية لاعتماد المهرجان والفعاليات التي سيتم تنظيمها خلاله في دورته الثانية، كذلك تحديد مميزات الرعاة للمهرجان من المؤسسات والشركات، إضافة إلى تحديد الراعي الإعلامي للمهرجان.

من جهته، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، المهندس غالي مبارك الفهيقي، رئيس اللجنة الزراعية في الغرفة التجارية الصناعية في الجوف، أنه لا توجد لدى مزارعي المنطقة مخاوف من نقص الإنتاج لمحصول الزيتون للموسم الحالي نتيجة تزامنه مع شهر رمضان المبارك، وذلك لوجود حلول بديلة لدى المزارعين، إضافة إلى انه من المعروف زراعيا أن ثمار الزيتون لا تتأثر بتأخر القطاف، لا سيما أن الثمرة تحافظ على نسبة الزيت فيها حتى وإن جفت الثمار، مشيرا إلى أنه قد يتأثر بذلك المزارعون المنتجون لزيتون المائدة.

وبين المهندس الفهيقي أن جميع المزارعين في السعودية بوجه عام، ومزارعي المنطقة الشمالية على وجه الخصوص، يتطلعون باهتمام هذه الأيام إلى انطلاق المهرجان الثاني للزيتون في منطقة الجوف المزمع تنظيمه في مدينة سكاكا المركز الإداري لمنطقة الجوف، المقرر خلال شهر ديسمبر المقبل، وذلك بهدف تسويق منتجاتهم من الزيتون وزيت الزيتون، لا سيما بعد تجربتهم السابقة وما تحقق لهم من مكاسب مادية كبيرة خلال المهرجان السابق، حيث توفر لهم المكان المناسب للتسويق الذي يغني عن مصاريف النقل والإعلان خلاف الأعوام الماضية التي كانت بشكل مبعثر وجهود فردية.

وأشار الفهيقي إلى أن مهرجان الجوف الأول للزيتون حقق العام الماضي نجاحا باهرا، حيث بلغت مبيعاته نحو 11 مليون ريال، في حين تجاوز عدد زوار المهرجان أكثر من نصف مليون زائر، موضحا أن منطقة الجوف أكثر المناطق السعودية اهتماماً بزراعة الزيتون، حيث تصل أعداد أشجار الزيتون إلى نحو 13 مليون شجرة تنتج أكثر من خمسين ألف طن من زيت الزيتون، وحوالي مائتي ألف طن من الزيتون الخام، وتسوق المنطقة إنتاجها السنوي داخل السعودية، في حين يتم تصدير حوالي نصف الإنتاج الذي تنتجه الشركات الزراعية الكبيرة إلى دول أوروبا من بينها بريطانيا وإسبانيا وفرنسا وبلجيكا إضافة إلى عدد من الدول العربية.

وأكد رئيس اللجنة الزراعية في غرفة الجوف، أن منطقة الجوف تعد حاليا من اكبر المناطق السعودية زراعيا، حيث تمتلك محفظة زراعية ضخمة تقبع على مساحة زراعية شاسعة تجاوزت قيمة الاستثمارات فيها الخمسة مليارات ريال سعودي، لا سيما أنها تضم كبرى الشركات الزراعية في البلاد مثل الجوف الزراعية، القصيم الزراعية، نادك الزراعية، الوطنية الزراعية، التسهيلات الزراعية، إضافة إلى المشاريع الزراعية الأخرى، معتبرا أن الاستثمار في صناعة الزيتون يأتي في مقدمة الاستثمارات الزراعية في المنطقة، لا سيما أنه يشهد نموا متواصلا كل عام. وبين المهندس غالي مبارك أن من أهم أصناف أشجار الزيتون التي أثبتت نجاحها في الجوف شجرة «الصوراني»، التي تبلغ نسبة الزيت فيها 19 إلى 25 في المائة، يتم انتاجه بشكل منتظم ودوري، خاصة ان هذا النوع من أشجار الزيتون أفضل الأصناف انسجاما مع ظروف المنطقة الزراعية.

في حين يأتي شجر «الزيتي» ليحتل المرتبة الثانية لدى المزارعين في المنطقة بشكل لا يقل أهمية عن حضور الصنف الأول في مزارع الجوف، وتبلغ نسبة الزيت في هذا الصنف من الزيتون ما بين 21 و 24 في المائة، بالإضافة إلى أصناف أخرى منها على سبيل المثال «المنبيكوال»، «النبالي»، «فرونتويو»، و«زورزالينا»، كذلك «بيشولين»، بالإضافة إلى «المانزانيللا»، وتتراوح نسبة الزيت في هذه الأصناف بين 12 إلى 18 في المائة، لكنها تتميز كونها ثنائية الغرض تصلح لزيتون المائدة، كذلك إنتاج زيت الزيتون.

وكشفت الدراسات التي أجرتها مراكز بحوث عالمية على زيت الزيتون المنتج في منطقة الجوف انه من أجود أنواع الزيوت على المستوى العالمي على الإطلاق، حيث أثبتت الدراسات أنه خال تماما من الأسمدة المركبة والهورمونات، وذلك لاعتماد الشركات والمزارعين في المنطقة على حد سواء على الأسمدة الطبيعية فقط، إضافة إلى أنه ناتج عن عصرة واحدة فقط.

وتحتل الجوف حاليا المركز الأول لإنتاج زيت الزيتون، كذلك ثمار الزيتون المخلل، على مستوى البلاد، بشكل أصبح معه زيت زيتون الجوف مطلباً ملحاً على الموائد السعودية لتميزه وجودته العالية. وتعد شجرة الزيتون من أقدم الأشجار المثمرة التي عرفها الإنسان، وتنبت هذه الشجرة عادة في المناطق ذات المناخ المعتدل، وهي حساسة بالنسبة إلى الصقيع الذي يعرضها للتلف، ويمكن أن تعيش فوق ارتفاع يتراوح ما بين مائتين وتسعمائة متر تقريبا فوق سطح البحر، حيث تحتاج إلى تربة سهلة التصريف ويفضل زراعتها في التربة القادرة على حفظ كميات كبيرة من رطوبة الأرض التي تساعد ثمارها على النضوج بالشكل الأمثل، ويحتاج نموها إلى وقت طويل يمتد إلى خمس سنوات.

ويراوح ارتفاع شجرة الزيتون، التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، ما بين خمسة وثمانية أمتار، وتبدأ فعليا في الإنتاج بعد خمسة أعوام من زراعتها، ويبلغ أفضل إنتاجها بعد 15 سنة من غرسها، كما أن نبتة الزيتون بحاجة مستمرة إلى التقليم والتخلص من الوريقات اليابسة غير المرغوب فيها أو المريضة، وتوزيع أغصانها باستمرار بشكل غير متقابل. ويستعمل ما يتبقى من حبة الزيتون بعد عصرها وإخراج الزيت منها، للتدفئة في الشتاء، بعد إعداده من الطبقة الخشبية (لجة الزيتون). وأشجار الزيتون تعيش دورة زمنية طويلة، حيث يعتقد أن حياتها تمتد ما بين 300 إلى 600 عام على الأرجح. إضافة إلى أنه من الثابت زراعيا أنه إذا مات الساق والأغصان من شجرة الزيتون، فإنها قادرة على أن تنبت من جديد وتعود للحياة.

وتعتبر أشجار الزيتون المتحجرة التي وجدت في مواقع متعددة في الجوف، دليلا على أن المنطقة عرفت زراعة هذه الشجرة المباركة منذ عصور قديمة، الأمر الذي أكده علماء الآثار الذين وقفوا على أشجار الزيتون التي وجدت متحجرة شمال الجزيرة العربية، بأنها تعود لحقبة زمنية قديمة جدا تصل إلى ملايين السنين. ويؤكد ذلك توافق هذه الشجرة مع الطبيعة المناخية والتربة والمياه في أرض الجوف، ولكون الجوف تحتفظ بهذا التاريخ الطويل لشجرة الزيتون كان من الطبيعي أن تعود زراعة الزيتون إلى مزارع الجوف من منطلق التأكيد على نشأته القديمة ومناسبته لظروف المنطقة.

وتنتشر حاليا في منطقة الجوف مئات المشاتل الزراعية المتخصصة والمجهزة بالكامل لإنتاج شتلات أشجار الزيتون وتسويقها على المزارعين في المناطق الزراعية الأخرى في السعودية.

في حين تشهد الجوف حضورا قويا للعديد من معاصر الزيتون المتطورة التي تغطي مختلف مدن ومحافظات المنطقة يصل عددها إلى عشرين معصرة زيتون تضم اكبر معدات العصر على المستوى العالمي وتباشر هذه المعاصر أعمالها مع بداية موسم قطاف ثمار الزيتون بشكل تشهد معه هذه المعاصر ازدحاما كبيرا عليها نتيجة أن كل مزارع يحمل إنتاجه مباشرة إلى المعصرة ليحصل على زيت الزيتون بشكل مبكر وتسويقه قبل وفرة المعروض في الأسواق ليحصل على دخل جيد يعوض خسائر الإنتاج الأمر الذي تضطر معه المعاصر إلى إعطاء المزارعين مواعيد تمتد لأسابيع للحصول على إنتاجهم من زيت الزيتون. ويأتي اختيار المزارعين في الجوف لأنواع أشجار الزيتون وفق معطيات اقتصادية محددة قائمة على تلبية متطلبات الأسواق المحلية والأجنبية يتم خلالها مراعاة مواصفات معينة عند اختيار الأصناف المنتجة للزيت التي تمتاز بجودة المنتج إضافة إلى ثبات الإنتاج بشكل دوري ومنتظم.

وعلى الجانب الآخر، نجد أنه يتم تحديد مواصفات خاصة للأشجار التي تنتج زيتون المائدة الذي يتميز بكبر حجم الثمرة، إضافة إلى ارتفاع نسبة السكريات وصلابة الإنتاج من ثمار الزيتون بهدف إعطاء الإنتاج مواصفات ممتازة.

ويزرع حاليا في الجوف أكثر من 35 صنفا من الزيتون تعتبر من أجود الأنواع على المستوى العالمي، حيث يتجاوز عدد أنواعها 400 صنف تشمل جميع أشجار الزيتون المزروعة في العالم التي قدرتها الإحصاءات الحديثة بنحو 900 مليون شجرة زيتون مزروعة في مختلف الدول.

يشار إلى أن الدراسات الطبية الحديثة أثبتت أن زيت الزيتون الجيد يعد مكملا غذائيا مناسبا ويساعد على النمو المتكامل للطفل الرضيع وما بعد الرضاعة، كما انه عنصر وقائي نافع للبشرة والخلايا، لا سيما انه كان منذ القدم يستعمل كمادة للتجميل، وإنتاج الصابون. ومن الفوائد الصحية لزيت شجرة الزيتون المباركة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم انه يعتبر أفضل مادة غذائية متكاملة لمعالجة تصلب الشرايين، إضافة إلى انه يساعد على نمو العظام وتقويمها، فضلا عن انه يساعد المعدة على الهضم خاصة المواد الدسمة، وهو غني بالفيتامينات، خاصة فيتامينات «أ» و«ب» و«د». كما أنه لا يتأثر بارتفاع درجة الحرارة عند الطهي خلافا لما كان يعتقد، خاصة ان تأكسده اقل من الزيوت الأخرى، وقد حافظ منذ العصور القديمة على رمزه الغذائي نظرا لهذه الفوائد المتميزة التي يحتوي عليها باعتباره مادة وقائية طبيعية ناتجة عن عصر الزيتون. كما أن استخدام زيت الزيتون في المائدة اليومية يمنع فقدان الذاكرة ويبقي على سرعة البديهة عند الإنسان مدة طويلة.