السعودية.. تغيرت العقود والعيد واحد

إشكالية ثبوت «العيد» تتكرر سنويا والسكان احتفظوا بالمظاهر الأساسية له

صلاة العيد والتهاني والفطور بقصر الحكم في الرياض (تصوير: عبد الله عتيق)
TT

لم تعرف السعودية طوال تاريخها من الأعياد سوى عيد الفطر وعيد الاضحى المبارك وهما يعقبان مناسبتين دينيتين عُدتا من أركان الاسلام الخمسة وهما رمضان والحج، لذا يأتي الاحتفال بهما من قبل السعوديين من منطلقات دينية بحتة، وهو ما جعل السكان يحافظون على مظاهر الاحتفال بالعيد بصورة لافتة ورغم وجود مناسبات كثيرة غير العيدين إلا ان السعوديين لا يفضلون الاحتفال بها لاسباب دينية او اجتماعية او لعدم قناعة السكان بأهميتها وجدواها، مع ان العقد الأخير شهد احتفالات في الشوارع والمنازل لمناسبات كان الحديث عنها في السابق يعد من المحرمات، ناهيك عن الاحتفال بها.

ومع تقادم العقود ظل «العيدان» في حياة السعوديين لهما قدسية خاصة بل ان طقوس كل عيد ظلت كما هي ولم يتغير فيها أي شيء باستثناء أمور شكلية أملتها ظروف الحياة الحديثة وتغير أسلوب المعيشة.

وتعبر الأوقاف والوصايا التي تركها الآباء والاجداد عن أهمية العيدين لدى السكان إذ تتضمن اشارات تعبر عن قدسية كل عيد من خلال ضرورة اخراج زكاة الفطر من قوت البلد أو جعل اضحية لوالدي الموصى له أو تأدية حجة عنهما بعد مماتهما، كما تتضمن اشارات الى تجهيز المساجد بما تحتاجه من زيت للسرج (الفوانيس) او المراوح اليدوية (المهاف) او الفرش (المدد).

وواجه السكان قبل عشرات العقود صعوبة في تحديد دخول شهر رمضان او ثبوت عيد الفطر لعدم وجود اجهزة اتصال بين القرى والمدن وكانت الوسيلة الوحيدة ارسال رسل الى القرى انطلاقا من الحواضر القريبة منها لاثبات دخول شهري رمضان وشوال والمناداة في الشوارع بأن اليوم هو أول رمضان أو أول أيام عيد الفطر (شوال) وقد يحدث ذلك في الضحى والناس يترقبون وقد يكونوا صائمين او مفطرين بانتظار المنادي الذي قد يتفاخر في الوصول الى القرية.

ومع دخول البرقيات الى البلاد اصبح اعلام الناس بالمناسبتين يتم عن طريقها، حيث يتم ارسال البرقيات الى المدن والحواضر لتتولى الامارات (المحافظات) ابلاغ السكان، ثم جاء المذياع (الراديو) ليحل هذه الاشكالية، لتتطور الامور الى بث خبر رمضان او العيدين عبر التلفزيون ثم الفضائيات او عبر وكالة الانباء السعودية، ومع كل ذلك ظل تحديد دخول شهري رمضان وذي الحجة او خروجهما وتحديد العيد وقبله الوقوف بعرفة إشكالية سنوية ومحل توجس من السكان، خصوصا بعد النقاشات الطويلة والردود المتبادلة عبر الصحف التي تدور حول مدى الاعتماد على رؤية الهلال بالعين المجردة او عبر التقنيات الحديثة ويتذكر السعوديون كيف انهم قبل اكثر من عقدين لم يصوموا سوى 28 يوما لعدم دقة اثبات دخول رمضان حيث حل العيد في يوم 29 رمضان واضطر السكان الى صيام يوم اخر في ما يعرف بصيام «يوم الغرة» وبعدها بدأت حملات من الكتاب بضرورة اعتماد الرؤية بالتقنيات الحديثة بدلا من الاعتماد على الرؤية بالعين المجردة التي يجانبها الصواب في احيان كثيرة، كما حدثت إشكالية قبل سنوات بشأن دخول شهر ذي الحجة، حيث لم يتم الإعلان عن ذلك إلا بعد مضي يومين من الشهر مما أوقع الناس في حرج، خصوصا في تحديد يوم عرفة وارتباط الناس بحجوزات طيران، خصوصا للقادمين من خارج السعودية، حيث وافق يوم سفر بعضهم يوم عرفة الذي تقدم يوما واحدا عن التقويم، مما يعني إلغاء حجهم على اعتبار ان الحج عرفة.

وبعيدا عن اشكاليات تحديد حلول المناسبات الدينية الا إن (العيدين) لهما مظاهر خاصة لا يحيد عنها السكان، ففي عيد الفطر تعلن المنازل السعودية حالة الاستنفار قبل يومين من حلوله وذلك باخراج زكاة الفطر التي حُددت للشخص الواحد بصاع من بر أو دقيق أو شعير أو تمر أو من أي سلعة تعد قوت البلد، وقد دخل الأرز كسلعة تقدم كزكاة وانتشر استخدامها بشكل واسع وقد يكون الأرز هو القوت الوحيد الذي يستخرج كزكاة فطر في جميع أرجاء السعودية. وهو الأمر الذي جعل وكلاء الأرز والمستوردين يجهزون أكياسا حددت حسب مواصفات إخراج الزكاة.

ورغم تقادم السنين الا ان المظاهر الاساسية للعيد بقيت كما هي، حيث يحرص السكان على تطبيق هذه المظاهر بكل دقة وقناعة ورحابة صدر من خلال اخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين مع ان الاغلبية من السكان تقوم بايصال الزكاة الى مستحقيها ليلة العيد، ثم النوم لساعات محددة والاستيقاظ لصلاة الفجر، ثم التوجه الى مصليات العيد والتي تكون عادة مكشوفة وخارج النطاق العمراني للقرى والمدن قبل عقود وفي الجوامع المخصصة لذلك في العصر الحاضر والمحددة من قبل شؤون الاوقاف، وتحرص النساء على تأدية الصلاة مع الرجال في المصليات والجوامع المخصصة للعيد، بل ان البعض من المصليات تتساوى فيها الكفتان من الحضور (النساء والرجال) ويعقب الصلاة خطبة العيد التي لا تخلو غالبيتها من المقدمة المعروفة، التي ارتبطت ارتباطا شرطيا بالعيدين: الله أكبر.. الله أكبر.. عُدّ ما هلل الحاج وكبر، الله أكبر.. الله أكبر.. الذي هزم ملك بني الأصفر.. ثم القول: ليس السعيد من لبس الجديد وخدمته العبيد، ولكن السعيد من خاف يوم الوعيد، ثم دعاء بقبول الصيام والحديث عن مظاهر اجتماعية وطرح حلول لمشاكل وظواهر خاطئة.

وفي هذه الاثناء تكون ربات البيوت قد جهزن منذ الفجر (إفطار العيد) بعد التنسيق مع الجيران والاقارب لاعداده والذي لا يخلو من الاكلات الشعبية المعروفة كالجريش والمرقوق وقرصان الأرز، اضافة الى اكلات اخرى حسب المناخ والطقس السائد، حيث تضاف اطباق المحلى والحنيني والمراصيع الى اطباق الاعياد التي تقع في فصل الشتاء، في حين يظل الجريش والأرز طبقين اساسيين في كل عيد فطر وفي كل المواسم وخصوصاً في المنطقة الوسطى من السعودية.

وتشكل كسوة العيد مطلبا للسكان، فيتم تحضيرها قبل حلول العيد بأيام، حيث يشتري السكان في الماضي القريب ملابس العيد الجاهزة من شخص في القرية او المدينة، إذ يعرض عينات عشوائية من الملابس بمختلف المقاسات، اضافة الى حذاء العيد الذي لا يتعدى جزمة تشبه (الخف)، الى ان دخلت انواع من الاحذية كانت تعرف باسم (مرسيدس) يلبسها الشباب والصغار وفي العقود الاربعة الاخيرة بدأ السكان يفصلون ملابسهم عن طريق الخياطين قبل حلول العيد بأيام وشراء جزمة العيد عند اعلان دخوله واحتفظت القرى والمدن الصغيرة بذات المظاهر التي عرف بها العيد، حيث يتم اخراج موائد العيد بالقرب من المساجد وداخل الاحياء في ساعات الصباح الباكرة ويشارك السكان في تناولها جماعيا في احتفاليات رائعة. وفي الرياض العاصمة احتفظت بعض الأسر بذات المظاهر السائدة في القرى، في حين نهجت بعضها في تأخير موائد العيد الى ما بعد الظهر ومشاركة الاقارب في ذلك من خلال الزيارات المنزلية او استئجار الاستراحات وقصور الافراح لاقامة موائد العيد فيها.

وقبل سنوات شهدت العاصمة السعودية الرياض احتفالات لافتة بالعيد فقد وجه الامير سلمان قبل 5 سنوات بوضع استراتيجية وعمل مؤسسي لجعل الرياض مدينة جاذبة خلال هذه المناسبة وأقرت بهذا الخصوص برامج وفعاليات متنوعة من خلال تخصيص عشرات المواقع في مختلف انحاء العاصمة لإقامة هذه الفعاليات التي تتراوح بين برامج ترفيهية ومسرحيات وعروض فكاهية وعروض للجاليات والفرق الشعبية والفنية والترفيهية المحلية والعربية والعالمية وإطلاق الالعاب النارية وغيرها.