جدة القديمة تخلع «عباءة رمضان» وترتدي «حلة العيد»

تحتضن أعلى قمة يمكن فيها سماع 36 مؤذنا في وقت واحد

تتحول بسطات البليلة والسنبوسة والمشروبات إلى بسطات بيع الحلويات الراقية والشوكولاته الفخمة لارتداء حلة العيد
TT

بدأت يوم امس مدينة جدة التاريخية التي تعد اشهر جزء في جدة بخلع حلتها الرمضانية التي طالما سحرت سكان جدة على مدار ساعات الليل والنهار وجذبتهم اليها، وذلك لارتداء حلة العيد التي سيدور جزء هام من فصولها بين احضان التاريخ.

وتحولت بين عشية وضحاها بسطات البليلة والسنبوسة والمشروبات الى بسطات لبيع الحلويات الراقية والشوكولاته الفخمة التي بدأت تزاحم عربات البليلة والمأكولات منذ النصف الاخير من الثلث الاخير من رمضان.

جدة القديمة التي احتضنت طوال 29 يوما مضت وجبات افطار اسرية جمعت الكثير من سكان جدة في احضان التاريخ، اكتست طوال شهر كامل باللون الاحمر وزينتها الفوانيس كرمز للشهر الفضيل، وانتشرت فيها موائد الرحمن وبسطات الوجبات الجداوية، وجلسات المراكيز وليالي السمر والالعاب القديمة. ورغم تغير الظروف، واتجاه الكثير من سكان المدينة نحو الاحياء الجديدة في شمال المدينة إلا ان الحياة تعود من جديد للاحياء القديمة والفقيرة في جنوب المدينة بشكل كبير خلال ايام الشهر الفضيل وتتحول شوارع وازقة تلك الاحياء وحواريها الى ما يشبه خلية النحل فيحرصون على زيارتها وقضاء اجمل الاوقات فيها والبكاء على اطلال ماضيهم مصطحبين معهم ابناءهم يحكون لهم قصص زمان وسالف العصر والاوان.

المهندس سامي نوار مدير عام السياحة والثقافة بأمانة محافظة جدة تحدث لـ «الشرق الأوسط» عن ذلك بقوله:«ان زيارة الناس للمكان زادت كثيرا خلال السنوات الاخيرة، مرجعا السبب الى رغبة الناس بالعودة الى ماضيهم الجميل والبعد عن ضغوط العمل والحياة». في حين يقول العمدة عبد الصمد محمد عبد الصمد، عمدة حارتي اليمن والبحر، ان هذه العادة سنوية وتزداد عاما بعد آخر فتجد على سبيل المثل منطقة سوق العلوي مزدحمة بكثير من اعيان وسكان المنطقة القدامى والذين يحرصون على احضار ابنائهم وتعليمهم طقوسهم الرمضانية القديمة والحياة الصعبة التي كانوا يعيشونها، ومع ذلك يحنون لها كما انهم يحرصون على استشعار روحانية الشهر. وتتمثل قيم المجتمع الجداوي في قوة الترابط الاجتماعي التي تبرز في اصفى معانيها في زيارة الحارة القديمة، التي تشكل التكاتف الاسري بين ابناء المجتمع الواحد، فتجد الجميع يتبادل الاكلات الشعبية فيما بينهم، ويقوم اعيان ورجال الاعمال الكبار الذين كانوا يسكنون المنطقة قبل عشرات السنين بالعودة اليها ويسعدون بتوزيع الوجبات والصدقات، بل ومشاركة الاسر الفقيرة وجبات الافطار كما هو موجود في المنطقة التاريخية. وتستقبل المنطقة التاريخية زائريها هذه الايام بالزي الحجازي الشهير تصحبه عبارات الترحيب الرنانة التي يلقيها ابناء المنطقة الذين يرتدون زيها الشهير بعمامته ذات اللون البرتقالي، مطلقين أسماء الألعاب النارية والألفاظ الجداوية مثل «جرب وصير مدرب» و«تعشى وتمشى» وكلها عبارات ترتفع عقيرة اهل المكان بها وسط البسطات الرمضانية، حيث تقدم بعض الاكلات الخفيفة مثل البليلة والبطاطس المسلوقة والمقلية، اضافه الى بسطات الكبدة التي تجد رواجا كبيرا تدر ارباحا كبيرة خلال هذه الايام. يقول ابو صالح، مالك احد اهم بسطات الكبدة، والذي بدأ يحزم حقائبه للرحيل مع نهاية يوم غد «ان الاستعداد يبدأ لهذه البسطات قبل حلول شهر رمضان بنحو 15 يوما، وتدر البسطات يوميا نحو 1000 ريال، قد تزيد خلال العشر الاواخر من رمضان ويبلغ سعر صحن الكبدة الواحد هذا العام 10 ريالات، ويقول «قمنا هذا العام بفتح مكان مخصص للعائلات».

وما يميز محلات بيع الكبدة تلك اعتمادها على عدد من المسوقين لكل بسطة ينادون على الكبدة بأصوات عالية ويتسابقون على الزبون، وهو ما يشير اليه ابو صالح بأن الاشخاص العاملين خارج البسطة اكثر منهم داخلها ويقتصر دورهم على دعوة الزبائن من خلال لبس الزي الجداوي القديم وترديد بعض العبارات التي يرحب بها الزائر.

ومن المظاهر الجميلة التي تشهدها المنطقة التاريخية بجدة في رمضان والعيد وحتى طيلة الايام الاخرى وهي المثال الحي لحواري جدة القديمة، المركاز الذي وصفه العمدة عبد الصمد بانه عبارة عن مجلس جداوي قديم يتكون من جلسات عادة ما تكون من الخشب او ما يعرف بالـ«كرويتات» يتجمع فيها كبار الحي ويتبادلون الحكاوي وجلسات السمر. وفي الجانب الآخر وبما ان الحديث عن رمضان والعيد، فيجب التوقف قليلا، للحديث عن اعلى منطقة في بيت نصيف الذي يتوسط المنطقة التاريخية بمحافظة جدة، حيث تفرض «الطيرمة» نفسها كواحدة من اهم المناطق في العالم كونها المنطقة الوحيدة في العالم التي يحيط بها 36 مسجدا بشكل دائري بزاوية 360 درجة وتجتمع فيها اصوات المؤذنين وهو ما يجبر عشاق المدينة والعارفين بها على الحرص على الافطار في تلك المنطقة وسماع اصوات المؤذنين في وقت واحد وسط اضواء الفوانيس والاضاءات الغازية «الاتاريك» القديمة. المشهد الجداوي القديم يشد السياح الاجانب على الحضور الى ذلك المكان والاستمتاع بنكهته والأغرب من ذلك قيام بعض الزوار من غير المسلمين بمشاركة المسلمين الصيام والافطار معهم وذلك ضمن برنامج تعده ادارة السياحة والثقافه سنويا.

عن هذا البرنامج قال لـ «الشرق الأوسط » المهندس سامي نوار مدير عام السياحة والثقافة بأمانة محافظة جدة «البرنامج بدأ منذ نحو ثماني سنوات وذلك ضمن برامج السياحة والآثار في المنطقة، حيث تقدم الدعوة لقناصل الدول واعضاء السلك الدبلوماسي العاملين في المدينة، اضافة الى بعض السياح الاجانب.