«نوستالجيا» العيد.. مشهد سعودي يتكرر كل عام

أغان وصور ومأكولات تغازل ذاكرة الأفراد.. ومختصون حملوا أعباء الحياة المسؤولية

التلاحم الاجتماعي صورة متجددة للعيد السعودي قديماً وحديثاً («الشرق الأوسط»)
TT

يمثل العيد لدى فئة كبيرة من السعوديين موسماً لاختبار الذاكرة، حيث يتقاطع المذيعون سنوياً في سؤال الجمهور «كيف تنظر لعيد زمان مقارنة بالآن؟»، ويغرق بعض كتاب الصحف في سرد ذكرياتهم مع العيد، فيما تفضل مجموعة من الأفراد النزوح إلى مسقط رأسهم بحثاً عن رائحة أعياد الطفولة، في حالة تـُعرف بـ «النوستالجيا» أو الحنين للماضي وربطه ببهجة العيد التي يعترف البعض بفقدها مع تسارع العصر وتكدس أعباء الحياة.

وتعزز المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت من هذا التوجه، حيث تحظى تسجيلات العيد القديمة بعدد كبير من المشاهدات في موقع «يوتيوب» الذي تحوَّل إلى شاهد إلكتروني على ماضي السعوديين، فيما لا تزال أغنية محمد عبده «من العايدين» التي غناها منذ أكثر من 25 سنة تحتل صدارة الأغاني المسموعة في الأعياد السعودية، ولا تزال الأكلات القديمة (المعمول، الكليجا) تحضر بقوة على الموائد نهار العيد متحدية أصناف الحلويات الفرنسية والشوكولاته المستوردة.

وتفسر الدكتورة دعد مارديني، استشارية الطب النفسي في عيادات السلوان بالرياض، هذه الحالة لـ «الشرق الأوسط»، بالقول ان الماضي هو هوية الحاضر والمستقبل ولا يمكن فصله عنهما، حيث تصف ارتباط الإنسان بماضيه وحنينه إليه بأنه نوع من الوفاء والرغبة للعودة إلى فترة معينة تذكره بأماكن وأشخاص قد يكون فقدهم أو تعيده لمرحلة الطفولة ببراءتها وبساطتها.

وأردفت مارديني بأن تغيرات الحياة الحديثة والتعاملات الرسمية التي كست الكثير من العلاقات الاجتماعية أفقدت الناس «بساطة» العيد وجعلته متكلفاً بالالتزامات المادية التي تضم أفخر الملبوسات وأغلى صواني الحلويات والتجهيزات المبكرة عكس السابق، وهو ما تراه يمثل عبئا على الكثير من الأفراد ويدفعهم للحنين إلى أعياد الماضي البعيدة عن التكلف والبذخ.

وتتفق معها نجوى الفرج، اختصاصية اجتماعية في مستشفى قوى الأمن بالرياض، التي بيَّنت لـ «الشرق الأوسط»، أن غلاء المعيشة وارتفاع أسعار مجموعة كبيرة من السلع ساهما في تغييب بعض مظاهر فرحة العيد في السعودية، مشددة على دور الجمعيات والمؤسسات الخيرية في هذا الشأن والتي ترى أنها تسعى لبذل أقصى جهودها بهدف تعويض فئة كبيرة من المحتاجين واشعارهم ببهجة العيد.

وحول خصوصية العيد السعودي عن غيره من الأعياد في الدول المجاورة، ترى الفرج أن أهم ما يميز العيد في السعودية هو التراحم الذي يجمع أفراد المجتمع بشريحة الفقراء والمحتاجين، وهو ما تؤكد أنه مظهر لا يتكرر في أي دولة في العالم، مشددة على أن هذا التراحم والتكافل الاجتماعي هو الشيء الباقي الذي لا يمكن طيه ونسيانه تجاوباً مع تسارع إيقاع العصر.

من جهتها، تفضل خولة عبد العزيز، موظفة في القطاع المصرفي، قضاء اليوم الأول للعيد مع أسرتها في قريتهم الصغيرة التي تبعد عن مدينة الرياض نحو 80 كيلومترا، وهو ما تبرره برغبة العودة إلى أجواء العيد القديمة برفقة الاهل، متخوفة من أن تسرق ضغوط الحياة فرحة العيد، الذي تراه تحوّل في الفترة الأخيرة من موسم للفرح إلى موسم لثقب الميزانية وتضاعف أرباح المراكز التجارية وشركات الاتصالات والمدن الترفيهية.

وتزداد جاذبية القرى والمحافظات القديمة في فترة العيد لدى بعض الأسر السعودية التي اجتاحتها موضة «عيد العائلة» بحثاً عن الدفء الاجتماعي والعودة لأيام الصبا والذكريات، وهو ما يلزم الأفراد بالنزوح من كافة المدن إلى مسقط رأسهم والاجتماع في منزل كبير العائلة أو مزرعته على مأدبة عشاء تقام في اليوم الأول للعيد، وهو توجه يراه خالد السيف، موظف حكومي، رائعاً ومعوضاً لطعم اعياد الماضي ومحفزاً على التواصل الاجتماعي.

إلا أن بعض الشباب يرون أن هجاء الحاضر وربط بهجة العيد بالماضي أمرٌ يجتاحه بعض المبالغة، كما تقول البندري السبيعي، طالبة إحدى الجامعات الأهلية في الخبر، التي ترى أن الحنين للماضي أمر يختص بكبار السن لأن الأعياد السابقة تذكرهم بسنوات شبابهم، مضيفة «للأسف شباب اليوم أصبحوا هم الضحايا»، حيث ترى أن نقد الجيل الحالي غير مبرر نظراً لاختلاف طعم الكثير من المشاعر باختلاف معطيات العصر.

وفي حين يتساءل البعض عن الوصفة السحرية للاستمتاع بالعيد، تعود الدكتورة مارديني للقول ان فرحة العيد الحقيقية تكمن في المشاركة الاجتماعية ورؤية الأهل والأصحاب ومصالحة المتخاصمين وتصفية النفوس من أي ضغائن، وهو ما تراه يـُتوج العيد كـ «حمامة سلام» ويجعله فرصة للتلاحم الاجتماعي لا تتكرر كثيراً في العام، مضيفة بأن «هذا الود الاجتماعي يجب أن لا تقتله أعباء الحياة وأن يكون مظهراً متجدداً في كل مناسبة».