3 مناسبات وقرب الحياة الروتينية يدفعان إلى لحظات حزن مؤقتة «ساعات اكتئاب» خلال أيام العيد

مختصون لـ«الشرق الأوسط»: اضطراب الساعة البيولوجية بين

TT

بدأت معاناة وقتية لشريحة من الناس مع مناسبة عيد الفطر المبارك الذي يفترض أن يكون كله فرحا وابتهاجا وسرورا، إلا أن أزمة حزن طارئة تمر بشريحة واسعة أشبه ما تكون بـ «ساعة اكتئاب» مؤقتة سببتها جملة من العوامل الزمنية والنفسية المتراكمة.

وهنا يقول عبد الله بن محمد العتيق، وهو موظف حكومي، انه بالفعل يشعر في كل عيد فطر بحزن عارم ينتابه لم يستطع تفسيره على الرغم من توفر برنامج للاحتفال مع عائلته وأقاربه يمتد أحيانا إلى ما بعد أيام العيد الثلاثة، مشيرا إلى أن تلك حالة مستمرة معه في وقت لم تتضح له مسببات بينّة فيها سوى تأهبه لمرحلة العمل وبدء الدوام اليومي.

أما الدكتور منصور بن عبد الرحمن بن عسكر أستاذ علم الاجتماع في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فيقول ان حالة «ساعة الاكتئاب» ليست بالضرورة تنتاب كثيرا من الناس إذ أن هناك من لا يشعر بها على الإطلاق. ولكن ابن عسكر عاد للتأكيد على أن تعرض الفرد لحالة الاكتئاب يختلف من بيئة إلى أخرى ومن تجمّع إلى آخر تفرضه طبيعة الأفراد وسلوكهم ومدى المدنيّة المعاشة عندهم، مفيدا أن ساعة الاكتئاب مؤقتة وطارئة ولا تدعو للقلق إذ هي نتاج تحليل داخلي لدى الفرد لواقع جديد سيفيق عليه ويتعايش معه.

ويرى الدكتور ابن عسكر في تحليله للموقف بأن العامل الروحاني والنفسي بارز هنا بشكل ملموس ورئيسي، إذ انتهى شهر رمضان المبارك الذي هو ظاهرة الجد والاجتهاد للفرد المسلم في العبادة وقراءة القرآن والصوم والزكاة وغيرها من أعمال الخير من صدقة وعمرة وخلافهما مما تسبب له في خلق إدراك جديد بأن ذلك السلوك الديني الروحي المكثف سيتراجع ويتقلص بدءا من يوم العيد. وأضاف ابن عسكر في حديثه لـ «الشرق الأوسط» أن «ساعة الاكتئاب» تطال الفرد كذلك بعد مرحلة الالتقاء بالأقارب ولحظات فرح عاشها، فحينما تزول المناسبة يرتسم في ذهنيته بدء الانخراط في العمل وانطلاق الحياة الروتينية من جديد على الرغم من بقاء عدة أيام على الإجازة الرسمية. وكان الطلاب والطالبات في السعودية تزامن أمامهم 3 مناسبات زمنية ممتدة تمثلت الأولى منها في الإجازة الصيفية التي ارتبطت مع شهر رمضان المبارك (لأول مرة منذ ربع قرن)، ومرورا بإجازة عيد الفطر المبارك قبل إعلان المكرمة الملكية بزيادتها يومين إذ يفترض أن يبدأ الطلبة في الانضمام لصفوف الدراسة في 6 أكتوبر (تشرين الأول) إلا أنهم سيبدأون الدراسة في 11 من ذات الشهر. ويلفت ابن عسكر إلى أن لاضطراب الساعة البيولوجية تأثير داعم لساعة الاكتئاب الطارئة في يوم عيد، بمرور التوقيتات الزمنية المتعلقة بأوقات الإجازة الصيفية قبل رمضان ومرورا بطبيعة رمضان وعادات النوم فيه وامتدادا إلى أيام العيد وما يصاحبها من أجواء.

ويتوقع ابن عسكر على ضوء اضطراب الساعة البيولوجية للفرد، إمكانية تعديل أوقات النوم واستعادة النشاط والحيوية الروتينية خلال يوم واحد بعد العيد لشريحة الأفراد المنظمين وأصحاب المسؤولية المهنية والاجتماعية، بينما هناك شريحة ستكون قادرة على التواؤم خلال 3 أيام للشخصية المنظمة ولكن لا تتحمل مسؤولية أو التزامات، في حين هناك شريحة لن تعدّل وضعها العام إلا بقوة الالتزام مع بدء الحياة العملية في مؤسسات المجتمع الرسمية من مدارس وقطاعات وأجهزة.

أمام ذلك، يرى الدكتور عبد الله الحريري وهو متخصص ومعالج نفسي، أن الاكتئاب إن صح التعبير بتسميته هنا هو «ثانوي»، مفيدا، أن الجانب الاجتماعي هو الأكثر حساسية من جوانب أخرى في وصف الحالة. وقصد الحريري بأن استحضار الفرد لأفراد قريبين على نفسه توفوا تعكر لحظات الفرح والابتهاج خلال العيد تدفعها ضرورة الموقف النفسي، مشيرا إلى أن الاكتئاب خلال فترات العيد أو المناسبات الاجتماعية تفاعلي تستدعيه لحظة الفرح الاجتماعية.

وأفاد الحريري في حديثه لـ «الشرق الأوسط» أن السعوديين يتميزون بمجتمع حميمي وأسري لذا يتوقع أن تكون هناك حالات طبيعية للاكتئاب في أوقات المناسبات، مبينا أن من الطبيعي أيضا وجود حالات اكتئاب شديدة تصل إلى البكاء والانعزال عن الناس.

ولم يستند الحريري إلى العامل الروحاني كثيرا في اكتئاب العيد إذ يرى بأن استحضار الأفراد المتوفين أكثر تأثيرا بينما رمضان ربما يعود سنين عديدة في المستقبل، مشيرا إلى ان القلق بمواجهة الحياة الروتينية والعودة إلى العمل أكثر وقعا في ساعة الاكتئاب الثانوية التي ربما تطرأ على بعض الأفراد.

وقال الحريري: «العودة لبيئة العمل أو المدرسة هي سبب مهم إذ لا توجد بيئة صحية تجذب للعودة إليها وتحفز للقلق واللامبالاة في الانضباط، وهو ما يكشف أن بيئة العمل والمدرسة لا تزال غير صحية ولا بد من إعادة النظر فيها بعمق».