خبراء نفسيون يدعون إلى فتح الأماكن العامة أمام الشباب أو «إيجاد بديل»

المقاهي السعودية.. وجوه على نفس الطاولة

دعوة إلى فتح الأماكن العامة أمام الشباب («الشرق الاوسط»)
TT

دعا خبراء نفسيون الى فتح الخيارات امام الشباب لقضاء اوقاتهم في «الأماكن العامة» بدلا من منعهم من دخول الاسواق والمتنزهات ومختلف الاماكن العامة، اضافة الى غياب الاماكن المناسبة لهم حتى انه لم يعد امامهم سوى «المقاهي» كخيار وحيد.

وفي وقت اتخذ عدد من الاسواق التجارية اجراءات لمنع الشباب من الدخول باعتبار انهم يسببون مشاكل لهم ويتسببون بخسائر مالية نتيجة خروج العائلات من اسواق الشباب بحسب احد ملاك الاسواق في جدة، الذي طلب عدم ذكر اسمه، وأكد لـ «الشرق الأوسط»:«أننا عندما افتتحنا السوق انقسم الاعضاء في مجلس ادارته بعضهم كان يرى ان نمنع الشباب والبعض الآخر اعترض، لكن في النهاية انتصر الفريق المؤيد لفتح المجال امامهم وعدم منعهم». ويتابع «بعد اسبوعين فقط من افتتاح السوق، وجدنا ان العائلات بدأت تهرب نتيجة بعض التصرفات غير المسؤولة التي يمارسها بعض الشباب، التي تدفع بالعائلات الى الهرب والانزعاج وبالتالي البحث عن مكان افضل». ويستطرد «بكل اسف اضطررنا الى منع الشباب من دخول السوق في ايام العطل الاسبوعية والاجازات والاعياد والسماح لهم بقية ايام الاسبوع».

الى ذلك يقول عمر محمد الجاسر مساعد مشرف الخدمة الاجتماعية والنفسية في صحة محافظة جدة «إن عدم توفر المكان البديل والصالح لقضاء ساعات طوال من وقت الفراغ، امر نتج عنه توافد أعداد ضخمة من الشباب والفتيات إلى المقاهي، وإن كانوا من غير المدخنين».

وبالفعل «مصائب قوم عند قوم فوائد» فأصحاب المقاهي وجدوا في الامر فرصة ثمينة لاحتواء كل هذه الحشود الشبابية، فباتت المقاهي في المدن اكثر من أي شي آخر، واصبحت تعج بعشرات واحيانا مئات الشباب طيلة اليوم. وبالمقابل يرى الشباب انهم اعتادوا على المقاهي وباتت مكانا مناسبا يجدون فيه راحتهم ويتواصلون مع اصدقائهم، بل حتى مع اشخاص لا يعرفونهم فأصبح رواد كل مقهى كأنهم اسرة واحدة يعرفون بعضهم بعضا جيدا.

أبو حنان وهو شاب في عقده الثالث يقضي قرابة ثلاث ساعات يوميا في أحد المقاهي ليحتسي كوب قهوته المفضّلة، التي لا يستغني عنها مطلقا منذ حوالي ثلاث سنوات في المكان ذاته، بعد ان اعتاد عليه، وفق ما هو متاح، وذلك برفقة مجموعة من أصدقائه أو الاكتفاء بالجلوس إلى جوار مرتادي المقهى الآخرين، إذ يرى بأن تكرار مجيئهم ولّد نوعا من الألفة في ما بينهم.

ويقول: «زياراتي المتكررة للمقهى، التي اجبرت عليها في البداية لعدم وجود اماكن اذهب اليها جعلتني أصاحب مجموعة لا بأس بها ممن أراهم يوميا في المكان، الذين عادة ما يجلسون في طاولة بالقرب مني أو يضطرون في بعض الأحيان لمشاركتي في طاولتي عندما يكون المقهى مزدحما».

ويضيف: «ليس بالضرورة أن نجتمع لمجرد التسلية فقط، وإنما قد نتجاذب أطراف الحديث حول قضايا ومواضيع مهمة، ما يجعلنا نتبادل أرقام هواتفنا لضمان استمرار علاقتنا، خاصة ان تلك الأماكن تتيح لي فرصة التعرف الى شرائح اجتماعية مختلفة، التي تعتمد في مجملها على موقع المقهى»، لافتا إلى أنه في بعض الأحيان لا يعترف أمام عائلته بأنه ذاهب مع رفاقه للمقهى، بل يطلق عليه اسم «الكلّية» كي لا يخطئ أفراد أسرته الظن فيه، كونهم ينظرون إلى مرتادي المقاهي غالبا نظرة سيئة.

ويؤكد على أنه يختار المقهى الذي يقدم مستوى خدمة جيدا بأسعار مناسبة، إضافة إلى راحته تجاه الأفراد الجالسين فيه.

بينما يكتفي عمر عبد الرحمن بالجلوس لمدة ساعة ونصف الساعة يوميا في المقهى للقاء أصدقائه الذين يعملون معه بنفس المجال، في محاولة منهم للابتعاد عن جو العمل وكسر الروتين، ويقول:«تعد المقاهي المتنفس الوحيد للشباب والرجال بمختلف فئاتهم العمرية، ورغم رفض زوجتي لمبدأ ذهابي إلى المقهى، غير أنها في آخر الأمر ترضى لأنها تعلم بأن هدفي من وراء ذلك هو الالتقاء بأصدقائي». ويرجع عمر سبب اعتياد الكثير من أبناء جنسه على الجلوس في تلك الأماكن إلى عدم وجود أماكن تجمعات لهم، التي يطلق عليها في الدول الخليجية الأخرى «الديوانيات»، ويضيف:«في فترة من الفترات وجدت مجالس الأحياء التي من المفترض أن تجمع الجيران تحت سقفها، إلا أنها أصبحت كالمراكز الصيفية، حيث انها غير مهيأة لاستقبالهم بشكل يومي لأنها خالية من وسائل الترفيه التي يبحثون عنها». ولا تكتفِ طاولات المقاهي الموجودة داخل المراكز التجارية باحتضان الرجال فقط، بل باتت مقرا لتجمع الفتيات في بعض الأوقات، إذ لا تستطيع آلاء نازرة الاستغناء عن كوب الشوكولاته الساخن الذي يقدمه لها نادل المقهى المفضل لديها، وتقول:«أحضر يوميا لمدة ساعة في المقهى فور خروجي من العمل، لا سيما أنه يبعد مسافة ليست بالبعيدة عن مقر عملي، الأمر الذي يجعلني احتسي مشروبي المفضل هناك، برفقة سيجارتي وصديقتي القريبة مني»، مشيرة إلى أنها تتحجج أمام أسرتها بضغط العمل لتخبرهم بأنها ستتأخر في المكتب، فقط كي تعدل مزاجها بعيدا عن ضجة إخوتها الأطفال «على حد قولها».

فيما ينظر عادة أولياء الأمور لمرتادي المقاهي وسط الأسواق المخصصة للعائلات على أنهم مصابون بأمراض نفسية، حيث يرى عادل المزمومي أن هؤلاء الشباب يعدون مصدر إزعاج للأسر أثناء تسوقهم، ويقول:«حتى وإن لم يتعرّض أحدهم للعائلات، إذ ان منظرهم وهم بكامل أناقتهم أمام الفتيات يعتبر شبهة، خصوصا ان بعضهم يعمد إلى استخدام تقنية البلوتوث للتواصل مع من تحلو له من دون خجل أو خوف»، مطالبا بضرورة منعهم من الجلوس داخل المقاهي التي من المفترض أن تخصص للعائلات فقط، كونها موجودة أصلا في مراكز تجارية تضم أعدادا كبيرة من النساء.

وتروي إحدى السيدات «فضّلت عدم ذكر اسمها» أحد المواقف التي حدثت أمامها أثناء تسوقها في أحد الأسواق المشهورة بجدة، وتقول: «بينما كنت جالسة في القسم المخصص للعائلات بالمقهى، والذي يفصل بينه وبين الشباب حاجز خشبي، تفاجأت بدخول سيدة تصطحب ابنتها التي لم يتجاوز عمرها العشرين عاما، لتقف عند طاولة في قسم الرجال، وتأمر أحدهم بالقيام من مكانه، الأمر الذي جعله يتبادل معها الشتائم، ومن ثم حضر رجال الأمن وأجبروه على مغادرة السوق بأكمله»، مشيرة إلى أنها حتى الآن لم تجد مبررا لما فعلته تلك السيدة، خصوصا ان الرجل كان منهمكا في قراءة جريدته و تناول فنجان القهوة.

وبالعودة مرة اخرى الى عمر محمد الجاسر مساعد مشرف الخدمة الاجتماعية والنفسية في صحة محافظة جدة، فانه يؤكد «تلعب البطالة دورا ليس بالقليل في تلك الظاهرة، ويساعد على تناميها افتقار المدن إلى العديد من الاحتياجات الاجتماعية كالحدائق العامة والبقع الخضراء، مع قلة الأندية الرياضية أو الثقافية، وافتقار مراكز الأحياء للمتطلبات الأساسية، ما يدفع الشباب إلى تكرار ارتياد المقاهي لقتل الوقت، بكل ما في ذلك من سلبيات وإيجابيات»، لافتا إلى أن نتاج ذلك ظاهرة مجتمعية اعتيادية، يسهم في تثبيتها التربية الخاطئة لبعض الأسر التي لم تعوّد أبناءها على قضاء وقت الفراغ بالطرق الصحيحة.

وأفاد بأن هذا الأمر لا يعد سيئا إلى حد كبير إذا ما توفّر لدى الشباب والفتيات الوعي الجيد، للاستفادة من فرصة التجمّع مع الأصدقاء والقرناء من نفس الجنس في قضاء أوقات الفراغ وسط جو بريء، والذي يسهم في تطوير الذات والاحتكاك الإيجابي بخبرات متعددة من الناس، شريطة توفر جو صحي خال من التدخين مثلما يحدث الآن في بعض المقاهي، إذ اعتمدت في جذب الشباب والفتيات على وضعها داخل المكتبات، في محاولة للاستفادة من الوقت بأجمل صورة. فيما أرجعت دعاء الحذيفي الاختصاصية النفسية في مستشفى الولادة والأطفال بجدة سبب انتشار الشباب في المقاهي إلى عدم وجود أماكن بديلة أو أنشطة تشغلهم في أوقات الفراغ، في ظل منعهم من دخول معظم المرافق التي خصصت للعائلات فقط.

وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «ينتج عن ذلك تكرار ارتيادهم للمقاهي منذ سنوات عديدة، الأمر الذي يجعل ذلك عادة نفسية يعتبرونها بمثابة نشاط يومي ينبغي القيام به، لا سيما انهم لا يملكون خيارات أخرى».

وأضافت: «الكثير من الشباب يعيشون معاناة منعهم من الاستفادة من المرافق المخصصة للعائلات، ما يضطرهم إلى الاكتفاء بالجلوس في المقاهي، من دون مضايقة أحد». وأكدت على ضرورة إعطاء الحق للشباب في وجودهم بمثل تلك المقاهي الموجودة في المراكز التجارية شريطة أن لا يؤذي ذلك العائلات، إذ ان من حقهم الاستمتاع والترفيه عن أنفسهم، وقضاء أوقات فراغهم بالشكل المناسب، مطالبة بأهمية التفرقة بين الشابين المتزن والسيئ، وعدم تعميم النظرية على جميع الفئات.