قصر خزام.. قصة التحول من العشوائية إلى الإبهار

صورته على العملة القديمة.. وسكانه ينقلون لمنطقة مجاورة حتى نهاية التطوير

TT

يمثل قصر خزام الواقع في جنوب مدينة جدة، أحد أول المباني والقصور المؤرخة لعهد الدولة السعودية الثالثة باعتبار أن فكرة بنائه كانت بتوجيه من الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، كذلك أن بناءه جاء على يد أشهر وأهم المقاولين السعوديين، وهو الشيخ محمد بن لادن، فجاء القصر علامة تجسيد لعصر سياسي واقتصادي جديد للدولة الناشئة ليس بمواقعها وثرواتها فقط، بل بأسماء الناس الذين أحيوها وعاشوا فيها.

ومن هذا المنطلق تأتي عملية التطوير لقصر خزام، الذي تعمل على تنفيذه شركة «دار الأركان» العقارية، لمواكبة التنقلات الزمنية التي عاشها القصر. فقصر خزام يعتبر من أقدم المناطق العمرانية في جدة، وكانت المنطقة المحيطة به ذات يوم تضم فئة الأثرياء من سكان المدينة، إضافة لتوفر الخدمات الفندقية والترفيهية التي لم تكن تتوفر في غيرها من المناطق.

وفي عز زمن الطفرة النفطية، تحولت حشود من المواطنين وغير المواطنين تتخذ من محيط المنطقة سكناً لها، وأغلبهم كانوا من الفقراء والعمال والموظفين من ذوي الدخل المحدود، وازداد الضغط على المنطقة يوما بعد يوم حتى أصبح القصر محاطا بجملة من الأوضاع والمباني العشوائية.

وجاءت النتيجة أن تحول الحي الموجود بداخله قصر خزام الذي بني في عام 1928 من القرن الماضي، إلى حي عشوائي مشوه فاقد للخدمات الأساسية، كذلك ملاذ للمجرمين المختبئين من الملاحقات الأمنية.

وهكذا جاء المشروع الذي ينظر له على انه من أكثر المشاريع طموحاً في تاريخ البلاد، كونه يحفظ تاريخا متعلقا ببداية الدولة، كذلك لموقع القصر في قلب مدينة جدة. فقصر خزام يتمتع بقربه من القلب التجاري النابض لعروس البحر الأحمر الذي يشهد تطوراً اقتصادياً متسارعاً وغير مسبوق.

وتشير التوقعات الى أنه لدى انتهاء المشروع سوف تشكل المناطق المجاورة لقصر خزام فرصةً رائعة لعملية إعادة إحياء شاملة، حيث ستشهد إنشاء مبان شاهقة ذات تصميم متنوع تمثل انطلاقةً نحو مستقبل جديد للأحياء العشوائية في جدة. وكان التقرير الصادر عن شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني، الذي تناول أوضاع 50 حيا عشوائيا في المدينة، أوضح أن 6 في المائة من المباني الموجودة بالحي المحيط بقصر خزام تعتبر في حالة جيدة، وتبلغ مساحتها حوالي 17399 متراً مربعاً، وشغلت المباني المتوسطة المستوى ما يقارب 84116 متراً بنسبة تقريبية تساوي 29 في المائة، في حين المباني السيئة البناء شغلت مساحة 186553 متراً مربعاً أي ما يزيد على 64 في المائة من نسبة الأرض المشغولة في المنطقة.

وتسبب سوء الوضع والبناء بشكل عشوائي في عدم استثمار مساحات أرضية بشكل جيد، بحيث بلغت نسبة المنازل ذات الدور الواحد في المنطقة 37 في المائة من عدد المباني، في حين كانت أعلى المباني تتكون من 3 أدوار ونسبتها في الوسط المبني لا تزيد على 55 في المائة من إجمالي البناء، وهكذا يلحظ أن الزحام في المنطقة بالسكان يقابله استخدام سيئ للمساحات.

وذكرت أمانة مدينة جدة، في وقت سابق، أن تطوير منطقة خزام يأتي ضمن منظومة مدروسة للتعامل مع تبعات التطوير وآثاره على المناطق الأخرى، حيث تشارك جهات متعددة لمعالجة القضايا الاجتماعية والأمنية في المناطق العشوائية، وقسمت الأمانة المناطق العشوائية إلى 4 فئات: مناطق ذات مقومات استثمارية، ومناطق ليس لها مقومات استثمارية، مناطق لها خصائص عمرانية قابلة للتطوير ذاتياً ومناطق بحاجة الى معالجة جزئية.

وحول مصير السكان القاطنين بمنطقة قصر خزام البالغ عددهم 101624 نسمة على مساحة تبلغ 3.720 مليون متر مربع، والذين من المفترض أن يخلوا مساكنهم في المنطقة خلال مدة أقصاها ستة أشهر من الآن، سيتم نقلهم إلى المنطقة الواقعة بجوار مجمع الاتصالات السعودية في جنوب المدينة، وهي منطقة واسعة ستساعد على نقل أعداد كبيرة من السكان إليها بدلاً من الاتجاه شمالاً نظرا لما ستكون عليه المنطقة من جمال وتنظيم وأبنية شاهقة ومناطق ترفيه وخدمات عالية الجودة. يشار إلى أن قصر خزام يتكون من طابقين وملحقات، وله بوابتان متشابهتان في الشكل ومختلفتان في الحجم أقيمتا على سور يحيط بالقصر من كافة جوانبه، وقد بني القصر وسوره من الحجارة البحرية المتوفرة في جدة.

وأمضى مؤسس المملكة شطرا من حياته في هذا القصر، وشهدت ردهاته أحداثاً كبيرة ومهمة مثل توقيع اتفاقية امتياز التنقيب عن النفط بين الحكومة السعودية، ومثلها نيابة عن الملك وزير المالية حينها عبد الله السليمان، وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا، ومثلها لويد هاملتون، وكان التوقيع الذي فتح عصر النفط في 29 مايو (أيار) من عام 1933.

وقامت إدارة الآثار والمتاحف بترميمه، حيث افتتح رسمياً عام 1995، ولا يزال القصر يضم بعضاً من آثار الملك عبد العزيز وصوراً عديدة له مع سياسيين عرب وأجانب وللمتحف جمعية أصدقاء أطلقت على نفسها اسم «جمعية أصدقاء قصر خزام» وهي جمعية أسسها أمير منطقة مكة الأسبق ماجد بن عبد العزيز في حفل أقيم في القصر نفسه.