تعثر خدمات الإنترنت في السعودية يكبد الأفراد والشركات الخسائر

محامون لـ «الشرق الأوسط» : جهل الناس بحقوقهم يمنعهم من تقديم شكاوى ضد مقدمي الخدمات > هيئة الاتصالات: تلقينا شكاوى وعوضنا المتضررين والحل بدخول المشغل الثالث

تتسبب الأعطال المتكررة للانترنت في خسارة الكثير من المتعاملين مع سوق الأسهم عن بعد لملايين الريالات نتيجة تعثر مرور عملياتهم عبرها («الشرق الأوسط»)
TT

توقعت مصادر في هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في حديث لـ«الشرق الأوسط»، ان تحل مشكلة خدمات الانترنت «السيئة» بدخول المشغل الثالث عما قريب، مشيرة الى أنها تلقت شكاوى من أفراد وشركات وأجبرت الشركات المقدمة للخدمة بتعويضهم عن الخسائر التي نجمت عن سوء الخدمة.

وقال خالد خليل، المدير المكلف لإدارة العلاقات العامة والشؤون الدولية بهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهيئة تستقبل شكاوى الشركات والأفراد حول خدمة الانترنت وتحقق حولها، وفي حالة التأكد من المشكلة الحاصلة للعميل تقوم الهيئة بتعويضه من خلال الشركة المسؤولة عن خدمة الانترنت».

وأضاف خليل أن هناك قضايا لعملاء أفراد وشركات استقبلت الهيئة شكاواهم وقامت بتعويضهم ماديا في حالة التحقق من الشكوى. ويرى خليل أن مشكلة خدمة الـ DSL في السعودية ستحل قريبا مع دخول 3 شركات مسؤولة عن خدمة الهاتف الثابت والـ DSL، وشركتين مسؤولتين عن الـDATA».

ولأن قضية سوء خدمات الانترنت ليست بالأمر الجديد في السعودية، رغم تعدد وسائل الخدمة الثابتة والمتنقلة، إلا انه ليس بالغريب بينما تتصفح يفاجئك انقطاع خدمة الانترنت لمدة، وهو الأمر الذي قد يسبب خسائر، خاصة للمتداولين في أسواق الأسهم والبورصات العالمية، كذلك الشركات التي تعتمد بشكل رئيسي على خدمات الانترنت في عملها.

وهنا يقول تركي فدعق، المحلل المالي والخبير الاقتصادي، لـ«الشرق الأوسط»: «إن عدم الالتزام بمعايير خدمات الانترنت بشكل كامل يكبد جميع المتعاملين في سوق الأسهم السعودية والبورصات خسائر مالية كبيرة، وهذا من شأنه زعزعة الثقة بين المتعاملين والمتداولين بالسوق السعودي ويعطي إشارات سلبية ومهمة جدا في عدم الالتزام بالمعايير الدولية للشركات».

ويرى فدعق أن السيناريو المتكرر للأعطال سبب خسائر مالية فادحة للكثير من الشركات بين صغيرة وكبيرة، فهناك خسائر بشكل شبه يومي وصار كما يصفها «شبه حالة عامة ويومية».

في حين يؤكد معتز كتبي، مدير بأحد مكاتب السفر والسياحة في جدة، أنه خسر ما يقارب الـ60 ألف ريال في أقل من نصف ساعة، والسبب بالطبع انقطاع مفاجئ للانترنت من دون سابق إنذار لإصلاح الكابلات والبنية التحتية.

ويقول «عملنا يعتمد على الانترنت بشكل أساسي، مذكرات تفاهم وحجوزات وتحويل مبالغ مالية وغيرها، وتعاملاتنا عادة ما تكون مع مؤسسات ومعاهد بريطانية معروفة عالميا، فالتأخير والانتظار من قِبلهم لنصف ساعة مرفوض في أجندة أعمالهم، وبتكرار الموقف فهم حتما لن يثقوا بالشركة او المؤسسة السعودية التي تتعامل معهم من دون أن يصدقوا أعذارنا المتعلقة بانقطاع الانترنت».

ويضيف كتبي المتذمر من خدمة الانترنت في السعودية بشكل عام مقارنة بدول العالم كأميركا وأوروبا وبريطانيا بالتحديد، ويقول «مكاتب الطيران تعاني من هذه المشكلة كثيرا، فالخسارة تكون مضاعفة عن الخسائر الفردية، فخسارتنا أحيانا في اليوم 60 ألف ريال، وبالتالي في أسبوع ستصل إلى نصف مليون ريال وهكذا».

أما رانيا العزمي، التي خسرت خطيبها القاطن بالولايات المتحدة الأميركية بسبب سوء ورداءة خدمة الانترنت على حد وصفها، تقول «اشتركت في خدمة الـ DSL لأتمكن من الحديث مع خطيبي، انتظاره للحديث معي لأكثر من ساعة أمام شاشة الكومبيوتر بينما أحاول جاهدة الاتصال به عبر النت لأكثر من ساعات وفي النهاية لا أتمكن، وتكرار الموقف تسبب في مشاكل كثيرة أدت إلى فسخنا للخطوبة، وكله بسبب الانترنت».

وتختلف خسائر المواطن السعودي المعتمد على الانترنت في حياته تبعا لمدى هذا الاعتماد، وإن اختلفت وكان السبب واحدا، إلا أنه كما يؤكد المحامون لـ«الشرق الأوسط»، بأنه لم يتقدم أي منهم بشكوى ضد الشركة المزودة لخدمة الانترنت أو شركة الاتصالات، والسبب كما يقول المحامي ماجد قاروب «مجتمعنا السعودي لديه مشكلة مع الثقافة الحقوقية، فثقافته الحقوقية ضعيفة جدا، والدليل أن المواطن السعودي بشكل عام ورجل الأعمال السعودي بشكل خاص، والشركات، لا تضع في ميزانيتها ما يسمى بالتقاضي والترافع أي كل ما يتعلق بالشؤون القانونية، وهذا ما يحدث في حالة وقوع مشكلة قانونية تربك الشركة والمواطن من دون أن يحسب لها».

ويضيف قاروب «المواطن يعرف الشكوى في الصوالين والمجالس ومواقع ومنتديات الانترنت، وقد يتجرأ قليلا ويعلق في برنامج تلفزيوني أو عبر أي وسيلة إعلام في حالة فتح الموضوع من قِبل الإعلامي، وبالتالي لم نسمع ونرى أي مواطن طالب بتعويض عن خسائره أيا كانت، وهذا السكوت يصور الوضع بأنه في أحسن حاله، فنرى الخدمة كما هي، ليس هناك أي اعتذار من قِبل الشركة المسؤولة عن العطل والخسائر أو دفع أي تعويض، فالقضية باختصار مسكوت عنها».

ويرى قاروب أنه من المفترض التقدم بشكوى والمطالبة بتعويض من هيئة الاتصالات أو من الجهة المسؤولة عن الخسائر، ويقول «مبادرة المواطن بالمطالبة بحقوقه تلزم الآخرين وتجعل الشركات تحترم زبائنها».

ويتطلب كسب القضية والحصول على التعويض، كما يشير المحامي نايف يماني، لـ«الشرق الأوسط»، «إثبات الخلل الواقع كأن تكون الشركة المزودة للخدمة قد أهملت إصلاح العطل التالف أو قامت بالفعل بفحص العطل ووجدت المشكلة أكبر إلا أنهم لم يبلغوا العميل المتضرر بذلك، كما من الضروري أن أضيف نقطة مهمة للعميل المتضرر والمطالب بالتعويض بأن القضاء الشرعي يشترط إثبات الضرر فعليا وليس بالاحتمالات كأن يثبت العميل انه بالفعل قد خسر مبلغا ما بكل تفاصيل القضية وليس احتمال انه كان سيكسب مناقصة عبر الانترنت، إلا ان العطل تسبب في خسارته لأن الاحتمالات لا يؤخذ بها».

ويقول معلقا على القضية «لا بد للشركة المزودة للخدمة الالتزام بالعقد، فالعميل يدفع رسوم الاشتراك والتأسيس لخدمة من خدمات الانترنت في المقابل على الشركة أن تلتزم بتوفير الخدمة الجيدة التي يرغب بها العميل».

ويرى الخبير زوبير، المدير الفني بشركة سجل للتقنية بجدة، بأن خدمات الانترنت في الفترة الأخيرة شهدت عددا كبيرا من المستخدمين في السعودية كما صار الكثير يعتمد عليها كثيرا كسداد الفواتير على سبيل المثال، ويقول «اعتماد المواطن على الانترنت صار ضروريا جدا مع تطور خدمات القطاعات الحكومية بمعاملاتها كتجديد الرخص والخاصة كالبنوك وشركات الطيران، فكلما زاد اعتماد الفرد على الانترنت، زادت خطورة الوضع في حالة انقطاع أو تعطل الانترنت ولو لدقائق».

وتشير أصابع اتهام الخبراء الفنيين والتقنيين إلى البنية التحتية غير الجيدة وإن وصفها البعض بـ«السيئة جدا» في الكثير من القرى والمدن الفرعية، التي يعاني أهلها من رداءة الانترنت واعتمادهم في تشغيلها على خطوط الهاتف، ولهذا يرى الخبراء الفنيون في المجال التقني والتكنولوجي بأنه من الأفضل للعميل الاشتراك في أكثر من مزود خدمة النت بدل الاعتماد على موزع واحد، كما يقول زوبير «في قانون التكنولوجيا ليس من المعقول الاعتماد على شركة واحدة، لأن شركات مزود الخدمة لا تستطيع ان تحسن من مستوى البنية التحتية، وبالتالي الضرر سيقع في أي وقت».

وربما يكون هذا حلا مناسبا للشركات، إلا أن المشكلة كما هي بالنسبة للفرد، فالاشتراك مع أكثر من مزود خدمة يعني مصاريف زائدة ولا تناسب ميزانية المواطن السعودي، فالتكلفة ستكون عالية جدا، يعلق زوبير «المفروض أن تكون هناك حلول مسعفة وعاجلة فمزود الخدمة لا يستطيع تحسين البنية التحتية، لكن من الممكن إصلاح ما يمكن إصلاحه من الكابلات او تبديل التالف بالجيد وهكذا».

ويضيف «وجود الخدمة فقط لا يرضي العميل لأنه من الضروري أن تكون الخدمة سريعة، وهذا ما يتحكم به مزود الخدمة. فهو على سبيل المثال الذي يستطيع ان يضع شخصا واحدا في خط ويستطيع ان يضع مائة مستهلك في خط، وبالتالي تكون سرعة التصفح بطيئة، وهذا هو الفرق بيننا وبين مقدمي الخدمة في دول أميركا وأوروبا».

ولتفادي وقوع الخسائر بسبب مشكلة ما في خدمة الانترنت، يقول زوبير «من الخطأ الاعتماد على مزود خدمة واحد فقط، بل من الأفضل الاعتماد على أكثر من مزود، وأن يكون الرئيسي واليومي هو الأفضل بينهم، والمتعارف عليه في السوق، من الممكن أن يكون الاتصال عبر الستالايت حلا آخر وإن كان عيبه بطئه، كذلك الاتصال اللاسلكي، وأخيرا هناك خدمة جديدة قدمتها موبايلي للاتصال عبر الانترنت عن طريق الموجات الهوائية، كلها حلول تخفف من الأخطار التي قد تقع بسبب الاعتماد على مزود واحد فقط». ويستطرد زوبير حديثه قائلا «نحن نتحدث عن الأعطال التي من الممكن تفاديها وعلاجها بسرعة، لأن هناك أعطالا خارجة عن سيطرة الدولة مثل الكوارث الطبيعية كالزلازل، أو كما حدث سابقا بانقطاع الكابلات في البحر مما أدى إلى توقف الانترنت في الكثير من دول الشرق الأوسط».

ويشير المهندس صبحي ملاض، المسؤول عن مبيعات الشركات بشركة نسما نت إحدى أكبر الشركات السعودية المزودة لخدمة الانترنت، بأن البنية التحتية في المدن الرئيسية مخططة بشكل أفضل من غيرها والمشكلة كما يقول «الاعتماد الكلي لمزودي الخدمة على شركة الاتصالات السعودية وهذا أساس المشكلة، فأي عطل في شركة الاتصالات يسبب عطلا لمزودي الخدمة وبالتالي المستهلكين شركات وأفرادا، كما أن الفنيين لدينا لا يحق لهم التدخل لإصلاح العطل، فهو خارج نطاق مهمة صلاحية عملهم، وهذا بالتأكيد يعقد المشكلة ويطول فترة الإصلاح».

وينفي ملاض تلقيهم لشكاوى من قِبل العملاء، أفرادا أو شركات يفيدون برداءة أو سوء الخدمة، لأنه كما يقول «عادة الشركات تشترك في أكثر من مزود خدمة، خاصة المعتمدين على الانترنت بشكل كبير جدا كالبنوك، فيكون لديهم مزود خدمة واحد رئيسي بسرعة عالية جدا والأخرى البديلة اقل سرعة، وفي حالة عطل ما بأحد مزودي الخدمة، تلقائيا من دون أن يشعر العميل يتحول مزود الخدمة إلى آخر، إضافة إلى وجود حلول سريعة لهم كالاتصال عبر الستالايت واللاسلكي والوايرليس».

ويضيف ملاض «البنية التحتية في السعودية يجب تجديدها وإصلاح التالف منها بسرعة لضمان خدمة الانترنت، إضافة إلى أن العطل والمشكلة أحيانا تكون من أجهزة خاصة في الشركة هذا بالنسبة لـ DSL، وبالنسبة للوايرليس أحيانا تتعطل بسبب مشكلة في الإشارات التي تزودنا بها شركة متخصصة في ذلك، فالأعطال أمر وارد في عالم التقنية، لكن من المهم كيفية إدارة الأخطار وعلاجها بسرعة وتفاديها أيضا».

وإن كانت للشركات حلول بديلة وسريعة يبقى الضحية في النهاية الفرد لأنه غير قادر على الاشتراك في أكثر من مزود خدمة، إضافة إلى أن الستالايت ضعيف جدا والوايرليس باهظ الثمن، إذ تقدر تكلفة أجهزته بحوالي 40 ألف ريال.

واكتفت شركة موبايلي على لسان حمود الغبيني، مدير القسم الإعلامي والعلاقات العامة بها، بالتوضيح لـ«الشرق الأوسط»، «أن خدمة الـ wimaxوالـ DSL المقدمتين في السعودية، هما خدمتا انترنت ثابتتان، أما خدمة GPRS وخدمة HSDPA فهي خدمات متحركة أي يمكن للمستخدم الاستفادة منها في أي مكان ضمن تغطية الشبكة».

من جهتها لم تعلق شركة الاتصالات السعودية، على الموضوع بالرغم من تسلمها لاستفسارات «الشرق الأوسط» عبر البريد الالكتروني، وطوال أسبوعين لم يصلنا شيء بالرغم من وعد المسؤول فيها بالرد.