اقتصاد العالم «يتغير».. وجامعات سعودية «تثبت» على كتب صدرت من ربع قرن

أكاديميون طالبوا بفهم سوق العمل قبل اعتمادها

TT

بينما العالم اليوم يعيد النظر في العديد من المفاهيم الاقتصادية كردة فعل تجاه تداعيات الأزمة المالية، يبدو لافتاً أن تعتمد كليات الإدارة والاقتصاد في الجامعات السعودية بعض المؤلفات والكتب القديمة التي يقترب تاريخ إصدارها من الربع قرن، وربما تتجاوز سنوات نشرها عمر الطالب الجامعي، الذي قد لا يجد تفسيراً للعديد من الأحداث الاقتصادية، نتيجة ما يصفه المختصون بتغليب المنهج النظري على التطبيقي. وقد رصدت «الشرق الأوسط» بعض الكتب التي ما زالت تُدرس في الجامعات السعودية رغم التحديثات العالمية التي لحقت علوم الإدارة والمحاسبة والتسويق، منها كتاب «في محاسبة الشركات أشخاص وأموال» لعبد الفتاح الصحن، والصادر عام 1986، أي منذ حوالي 22 سنة، وكتاب «المحاسبة الضريبية» للدكتور سلطان السلطان، الصادر عام 1994، أي منذ 14 سنة.

فيما تقترب بعض المؤلفات الجامعية من إكمال عقدها الأول، خاصة كتب الإدارة التي يتراوح عمر غالبيتها بين 10 و8 سنوات، رغم ما تحققه المفاهيم والنظريات الإدارية من قفزات علمية متلاحقة دولياً، حيث يأتي في مقدمة المناهج الجامعية القديمة نسبياً كتاب «الإدارة» للدكتور مدني علاقي، الصادر عام 2000، أي منذ 8 سنوات، والمعتمد في أكثر من جامعة سعودية.

أمام ذلك، يصف الدكتور صالح الشنيفي، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للمحاسبة وأكاديمي بجامعة الملك سعود بالرياض، لـ«الشرق الأوسط»، تدريس بعض المؤلفات القديمة في الجامعات السعودية بالأمر «المقلق»، وأوضح وجهة نظره في أن تطوير المناهج الجامعية «أصبح ضرورة قصوى».

إلا أن الشنيفي عاد ليؤكد أن التطوير لا يكون من قِبل جهة واحدة، حيث يرى أن هذه العملية تتطلب تكاتف جميع الجهات المسؤولة، مضيفاً «ولا يمكن أن نأخذ التطوير بمعزل عن سوق العمل»، وأشار الشنيفي إلى أهمية فهم متطلبات سوق العمل كخطوة استباقية، وتطرق لضرورة إشراك الجهات الحكومية ذات العلاقة بالمنظومة التعليمية لتطوير المناهج الجامعية.

وبينما تتوجه أصابع الاتهام عادةً إلى الأكاديميين وأعضاء هيئات التدريس بصفتهم المخولين بتحديد المنهج الجامعي، يرى البعض أن هناك إشكالية في اعتماد الكتب المقررة من قِبل إدارة الجامعات، وهو ما يعلق عليه الدكتور الشنيفي موضحاً بأن اعتماد الكتب الجامعية جزء من عملية تطويرية مشتركة بين الجامعة وأعضاء هيئة التدريس، إلا أنه أضاف بأن هناك أيضاً ضعفاً في الاهتمام بهذه المسألة من قِبل بعض الأكاديميين.

وكأشهر الحلول العملية لتجاوز أزمة «توقف الزمن» التي تعصف بالكتاب الجامعي، يقوم بعض الأكاديميين باعتماد الملازم المصورة التي كثيراً ما تُنتقد لإيجازها وتوصف بأنها أشبه ما تكون بـ«روشتة» للمنهج الجامعي، وهو ما ترد عليه أستاذة التسويق في إحدى الجامعات السعودية ـ فضلت عدم ذكر اسمها ـ بالقول إن الملازم المصورة ما هي إلا وسيلة لدعم بعض الكتب الجامعية «الميتة» في محتواها، مضيفة بأنه يتشارك في إعداد هذه الملازم أعضاء هيئة تدريس القسم.

وأشارت إلى الجهد الكبير الذي يبذله الأستاذ الجامعي في البحث عن مواد علمية حديثة تتكامل مع المقرر الجامعي، مضيفة بأن عالم التسويق يشهد قفزات متلاحقة علمياً، حيث ترى ضرورة إدخال الجوانب التقنية للمناهج والتحديث الدوري لآخر الكتب والإصدارات المعتمدة، وهو ما تعتقد أنه أمر سيساهم في رفع كفاءة الخريجين بما يوافق متطلبات سوق العمل.

وفي ذات المحور، يرى الدكتور أحمد المغامس، أمين عام الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، أهمية أن تواكب الجامعات السعودية التغيرات المتلاحقة علمياً والعمل على تحديث الكتب الجامعية التي تجاوز عمر بعضها حدود 15 و20 سنة، بينما تطرق إلى ضرورة التوجه لفتح تخصصات جديدة تتناسب مع تطلعات سوق العمل، مثل فتح المجال لدراسة التجارة الإلكترونية.

وبالانتقال إلى رأي الخريجين الذي أصبحوا اليوم في سوق العمل، تقول جواهر الدوسري، موظفة في الحرس الوطني، بعد أن تخرجت في كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك فيصل بالدمام، أن ما تطبقه حالياً يختلف عن ما درسته بالجامعة، وتتفق مع الآراء التي ترى أن الكتاب الجامعي يمر بمأزق، حيث ترى أن عدم تحديث الكتب الجامعية منذ سنوات كثيرة يُشعر الخريجين لاحقاً بعدم مواكبة الأحداث ويلزمهم بمتابعة كل جديد على شبكة الإنترنت أو البحث في الكتب الخارجية.

وأضافت الدوسري قائلة لـ«الشرق الأوسط» بأن من المهم متابعة الخريجين في أماكن عملهم بعد تخرجهم مما قد يكشف بعض جوانب القصور في مواكبة التطورات العلمية التي باتت مطلوبة في سوق العمل. وتعتقد الدوسري بأهمية ألا يقترن تطوير التعليم الجامعي بمجرد الحصول على الشهادات العلمية التي تشغل بال كل طالب جامعي، لكن بالعمل على الرفع من كفاءة الخريجين.