السعودية: تسجيل حالات «إدمان نفسي» لبعض الأدوية المصرح بها رسميا

مدير الرخص الطبية لـ«الشرق الأوسط»: سحبنا بعض أدوية السعال من الأسواق ومنعنا بيعها

TT

حذر خبراء وعاملون في مجال الصحة والأدوية والصيدليات في السعودية من خطورة التهاون في استخدام بعض الأدوية بدقة، مشيرين إلى وجود حالات إدمان «نفسي» لبعض الأدوية تؤدي إلى مخاطر صحية كبيرة.

وذهب علي الزواوي، المدير العام للرخص الطبية وشؤون الصيدلة في وزارة الصحة، في حديث لـ «الشرق الأوسط»، إلى «أن أي دواء قد يسبب الإدمان لا يباع إلا بوصفة طبية خاضعة للرقابة من الجهات المعنية، أما الأدوية التي تباع من غير وصفة طبية، التي تسمى «أدوية لا وصفية»، فإساءة استخدامها من عدمها ترجع إلى وعي المريض ومراقبته الذاتية، فقد يستخدم أعراضها الجانبية لما يسمى بالإدمان النفسي مما تؤثر فيه سلبا، وهنا لا بد من تثقيف المجتمع ككل والمريض خاصة».

وأضاف «وفي الوقت نفسه، فإن بعض الأدوية التي كانت مصرحة للاستخدام من دون وصفات مثل بعض أدوية السعال أو بعض المسكنات، كان الإجراء سحبها من الأسواق ومنع بيعها، وهناك لجنة متخصصة لمراقبة الصيدليات بصفة دورية، وعند تثبيت أي حالة مخالفة بصرف أدوية يتطلب صرفها وصفة طبية يتم تثبيت الحالة بمحضر وإحالتهم إلى لجنة المخالفات الطبية، وتبدأ العقوبة من خمسة آلاف ريال وتصل إلى إقفال الصيدلية».

من جهته، يؤكد الدكتور محمد سعيد الغامدي، استشاري طب الأسرة في مستشفى الحرس الوطني بجدة والمشرف العام على موقع الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، في حديث لـ«الشرق الأوسط»:« أن الجمعية تسعى لتثقيف الأطباء والمرضى من خلال وسائل الإعلام والنشرات التثقيفية والعلمية، بسبب حساسية موضوع إساءة استخدام الأدوية والعقاقير»، لافتاً إلى أن عدداً كبيراً من الجهات معنية بمتابعة هذه القضية لخطورتها.

وأضاف الغامدي: «الدواء هو الأداة الرئيسية التي يستخدمها الطبيب، لذلك لا بد من أن تتوفر في الطبيب مهارة وصف الدواء، ويجب عليه معرفة الوصفة والجرعة والإلمام بكل شروط الوصفة، لأن بعض الأخطاء الطبية قد تتسبب بأضرار قد تصل إلى الوفاة، كما ينبغي عليه توعية المريض بطرق إعطاء الدواء والجرعات والتوقيت وغيرها من الأمور، أما في ما يختص بجانب المريض، فعليه ببساطة الالتزام بتعليمات الطبيب واستخدام الأدوية وعدم صرفها من دون وصفة طبية لتجنب مخاطر جدية». وأرجع الغامدي سبب انتشار المشكلات الصحية الناجمة عن سوء استخدام العقاقير والأدوية إلى انتشار الصيدليات وقيام الصيدلي بدور الطبيب بسبب حاجة الناس وعدم توفر مراكز صحية كافية، حيث إن جدة يبلغ عدد مراكزها الصحية 40 مركزاً فقط لتلبية احتياج 3 ملايين نسمة ما يدفع المريض الذي لا يقوى على دفع كلفة العلاج في المستشفيات الخاصة للجوء إلى الصيادلة وإسناد دور الطبيب إليهم.

وفي جانب آخر هناك أدوية قد يكون الخطر في إساءة استخدامها أكبر وقد يُتطلب وقت لمعالجة آثار إساءة استخدام الأدوية التي قد تصل في بعض الأحيان إلى حد الإدمان النفسي والاعتماد عليها بشكل كبير، بحسب الدكتور نواف الحارثي، مدير عام مستشفى الصحة النفسية بجدة واستشاري طب نفسي، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن الاعتماد على بعض المواد الطبية يحدث نوعاً من الآثار الجانبية، من بينها نشوة وارتياح يجعل المريض متعلقاً بهذه المواد، وهذا يعتمد على التركيب التشريحي للأفراد، كما يعتمد على مدى وعي وإدراك ونضج وعلم الأفراد ودائما نرى انتشار المخدرات بين قطبي المجتمع: الناس الفقراء ومستوى تعليمهم بسيط والطبقات المترفة. ويرجع سبب انتشار المخدرات بين هاتين الطبقتين بكثرة لسببين، الطبقة الأولى بسبب ضعف المعلومة وضعف الإدراك، والثانية يشتكي أفرادها من الفراغ وعدم وجود مشروع معين يبعدهم عن الالتصاق بهذا السلوك أو هذه المواد، لذلك يحرص الأطباء عند علاج الإدمان على هذين الجانبين، الجانب الأول برفع مستوى المعلومة والإدراك، والجانب الثاني ربطهم بمشاريع مهمة في حياتهم كبناء الفكر وبناء الأسرة والدعم الديني وغيرها من العوامل التي تدعم ذات المريض من خلال جمعيات الدعم الذاتي».

وأضاف مدير عام مستشفى الصحة النفسية «بأن هناك نوعين من الإدمان، النوع الأول ما يسمى بالاعتماد النفسي، فبعض المواد لا يكون لها آثار إدمانية انسحابية، لكن يكون الاعتماد عليها اعتمادا نفسيا أكثر من كونه اعتمادا جسديا، وأكثر المواد التي قد يكون الاعتماد عليها في هذا الجانب هي مواد التنويم أو ما يدخل في تركيبته مادة مضادة (الهيستامين) أو بعض الآثار الجانبية لأدوية السعال وأدوية الحساسية، فتستخدم بشكل مستمر ومتكرر للبحث عن الآثار الجانبية كالنوم أو البحث عن الاسترخاء»، وقال: «استخدام هذه الأدوية استخدام مفرط يؤثر سلبا في متناولها ويؤثر بشكل كبير في الوظائف البيولوجية للجسم».

ويفرق الحارثي بين هذا النوع من العقاقير، وتلك التي تكون مراقبة ويشترط في صرفها وصفة طبية غالبا تصرف من العيادة النفسية وغالبا ما تكون إلى العقاقير المضادة للقلق وتصرف في المرحلة الأولى من العلاج بجرعات محددة وتعطى لكل من له أعراض قلق أو أعراض اكتئاب أو أعراض صدمة أو أعراض خجل اجتماعي، ثم يبدأ في المرحلة الثانية من العلاج مع تخفيف جرعات الأدوية، والمشكلة تكمن في أن بعض المرضى يتعلقون بالدواء، وهنا تبدأ رحلة البحث عن الدواء والحصول عليه بأي طريقة، لذلك نحرص نحن الأطباء كل الحرص على صرف هذا النوع من الأدوية مع مراعاة عمر المريض وطبيعته الشخصية ووظيفته واستقراره الأسري وغيرها من الجوانب التي قد تؤثر في مدى تعلقه بالدواء.

من جانبها أوضحت مها الميمان، رئيسة قسم التوعية والتثقيف في مستشفى الأمل بجدة، قائلة: «توجد حالات مرضيه في المستشفى بسبب سوء استخدام الأدوية، خاصة أدوية السعال وخلطها مع عقاقير مختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى الإدمان النفسي، وهو من اشد وأخطر أنواع الإدمان، وهو ما يوصل إلى الموت»، وتتابع الميمان «نحاول بالتعاون بعض الجهات المختلفة نشر الوعي وتثقيف المجتمع بجميع فئاته العمرية من خلال المحاضرات والمعارض التي تقام في المدارس والأسواق وغيرها من الأماكن للوصول لأكبر عدد من فئات المجتمع بمدى خطورة الإدمان، خاصة سوء استخدام الأدوية».