«الداخلية السعودية».. حاضنة الأمن والتنمية وحامية الفكر على مدى عقود

مراحل وتشكيلات وتنظيمات وتحديات شهدتها الوزارة منذ عهد المؤسس إلى اليوم * 8 وزراء.. اثنان منهم من الملوك تولوا «الداخلية» خلال 8 عقود * نجاح الوزارة في مواجهة الإرهاب يعيد تاريخ إنشائها وتطورها

مبنى وزارة الداخلية السعودية في الرياض أحد معالم العاصمة («الشرق الأوسط»)
TT

أعاد النجاح الذي سجلته وزارة الداخلية السعودية خلال العقدين الماضيين في مواجهة أكبر تحدٍّ مر على البلاد منذ تأسيسها، والمتمثل في الأعمال الإرهابية التي اكتوت البلاد بنارها مثل كثير من بلدان العالم، ومنها الدول الكبرى، وأصبحت هاجسًا لها، أعاد هذا النجاح الذي كان محل إشادة الدول والمنظمات العالمية وقبل ذلك القيادة السعودية والمواطنين والمقيمين البدايات التي رأت فيها القطاعات الأمنية والعسكرية النور خلال مراحل التوحيد لتحقيق الاستقرار الداخلي في عهد الملك المؤسس. ويتضح ذلك في أن القطاعات العسكرية حظيت باهتمام كبير من الملك عبد العزيز. وخير الدليل على ذلك أن قطاع الأمن أو القوة العسكرية استحوذ على نسبة 45 في المائة من موازنة الدولة قبل 55 عامًا. ومرّ تشكيل وزارة الداخلية في السعودية، بمراحل ثلاث، أشرفت خلالها الوزارة في مرحلتين منها على الشؤون الداخلية للمناطق التابعة للنائب العام إدارياً بالحجاز. ثم في مرحلة ثالثة أشرفت الوزارة فيها على الشؤون الداخلية لكافة المناطق، مع ملاحظة أن صلاحيات الوزارة خلال مراحلها كلها لم تكن أمنيّة صرفة، إنما كانت تشرف على معظم الشؤون الداخلية أمنيّة كانت أم خدمية تنموية. واستطاع الملك المؤسس عبد العزيز يرحمه الله، خلال مراحل توحيد البلاد، أن يحقق الاستقرار الداخلي في المناطق التي سيطر عليها، وشكل في كثير من المناطق لجاناً أهلية للإدارة المحلية وقبلها تولى مهمة الأمن واستقرار الأوضاع رجال لم يكونوا مخصصين لذلك أو موقوفين عليها.

وشهدت وزارة الداخلية خلال العقود الماضية تغييرات في تشكيلاتها ومسميات قطاعاتها واعتبرت الفترة التي تولى فيها الأمير نايف بن عبد العزيز، رجل الأمن الأول، منصب وزارة الداخلية العصر الذهبي للوزارة حيث أقرت أنظمة تختص بالادعاء والتحقيق وحقوق الانسان والأمن الفكري. ودخلت الوزارة في تحدٍّ كبيرٍ تمثل في مواجهة أكبر الاختبارات الأمنية من خلال ملاحقة الإرهابيين والقضاء على توجهاتهم وأفكارهم. وقبل ذلك إحباط العديد من العمليات الإرهابية التي كانت هذه الفئة تخطط لتنفيذها. وكما نجحت الوزارة في مواجهتها، نجحت في القضاء عليها. ورغم أن المعلومات المتوفرة عن الدوائر العسكرية يصعب الحصول عليها إما لقلتها أو عدم الرغبة في تداولها والإفصاح عنها أو أن الكثير منها لم يسجل أو فقد أو تم نسيانه، إلا أن محاولات لدراسة تنظيم الدوائر العسكرية نجحت في جمع معلومات من مصادر متعددة عن تنظيم قوى الأمن الداخلي المتمثل في وزارة الداخلية. وفي دراسته التاريخية عن تنظيمات الدولة في عهد الملك عبد العزيز، قدم الباحث الدكتور إبراهيم بن عويض العتيبي، رصدا لتنظيم قوى الأمن الداخلي والمراحل التي مر بها هذا القطاع ممثلا في وزارة الداخلية، موضحًا أن قوى الأمن الداخلي يقصد بها «.. القوات المسلحة المسؤولة عن المحافظة على النظام وصيانة الأمن العام وتوفير الراحة العامة بمنع الجرائم قبل وقوعها وضبطها بعد ارتكابها»، وترعى هذه القوات وزارة الداخلية، وذلك وفقا للمادة الثانية من نظام مديرية الأمن العام الصادر قبل 60 عاماً. وتشرف على قوى الأمن الداخلي وزارة الداخلية التي مر تشكيلها بثلاث مراحل، أشرفت خلالها الوزارة في مرحلتين منها على الشؤون الداخلية للمناطق التابعة للنائب العام إداريا بالحجاز. ثم في مرحلة ثالثة أشرفت الوزارة على الشؤون الداخلية لكافة المناطق. وهذه المرحلة خارج فترة البحث. أما المرحلتان الأولى والثانية فتمثلان إشراف الوزارة على الحجاز وحده مع اختلاف صلاحيات الوزارة في كل من المرحلتين. فبدايات المرحلة الأولى كانت مع استسلام جدة عام 1925، ثم تشكيل الوزارة عام 1931، وامتدت الفترة إلى عام 1934، عندما ألغيت الوزارة، ثم أعيد تشكيلها عام 1950، ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية.

صلاحيات أمنية وتنموية

* يلاحظ أن صلاحيات وزارة الداخلية خلال مراحلها كلها لم تكن أمنية صرفة، إنما كانت تشرف على معظم الشؤون الداخلية، أمنيّة كانت أم خدمية تنموية، وما شاكل ذلك، وليس معنى هذا خلو المناطق قبل عام 1925، ممن يتولون مهمة الأمن واستقرار الأوضاع، بل على العكس فقد استقر الأمن في كافة مناطق الدولة قبل هذا التاريخ على يد الملك عبد العزيز، بواسطة رجال لم يكونوا مخصصين للأمن الداخلي أو موقوفين عليه فقط، إنما كانت لهم مشاركات فعالة في الحروب وفي استقرار الأوضاع الداخلية، لذلك فإن تقسيم مراحل تطور وزارة الداخلية يشمل المراحل التنظيمية التي تخصصت فيها قوات للأمن الداخلي وأخرى للدفاع. وفي المرحلة الأولى من مراحل تشكيل وزارة الداخلية، شكل السلطان عبد العزيز أثناء حصار جدة 1924-1925، لجنة أهلية للإدارة المحلية في مكة المكرمة. وبعد أن استسلمت جدة تسلم الأمير فيصل الإدارة في الحجاز. وعندما صدرت التعليمات الأساسية عام 1926، عرفت الأمور الداخلية بأنها الدوائر المكونة من «الأمن العام والبرق والبريد والصحة العامة والبلديات والنافعة (الأشغال) والتجارة والزراعة والصنائع والمعادن وسائر المؤسسات الخصوصية وهي بمجموع تشكيلاتها تدار رأسا من النيابة العامة»، فأصبحت الأمور الداخلية تابعة للنائب العام. وبعد أن تشكل مجلس الوكلاء، عام 1931، انقسمت النيابة العامة إلى قسمين:؛ قسم أصبح وزارة للداخلية، وقسم بقيَّ تابعا لرئاسة مجلس الوكلاء، باسم ديوان النائب العام. وتولى الأمير فيصل وزارة الداخلية علاوة على وظائفه الأخرى، لكن تأسيس الوزارة لم يترتب عليه تغيير في مهامها، لأن الدوائر التي ألحقت بها هي نفس الدوائر التي كانت تشكل الأمور الداخلية ما عدا إلحاق المحاكم والحجر الصحي وإدارة الإحصاء التي تشكلت عام 1933، بالوزارة، ثم إن رئيس مجلس الوكلاء هو وزير الداخلية. وكان توزيع الاختصاصات وتسهيل الإجراءات بشكل يضمن حُسن الأداء الوظيفي، من الأهداف الأساسية التي دفعت المسؤولين، إلى إحداث وزارة الداخلية، إلا أن التطبيق العملي أثبت سلبيات كثيرة، فقد ظهر هذا الخلل الإداري من خلال تقرير وزارة الداخلية عن أعمالها عام 1932 (وقعه الأمير فيصل وزير الداخلية، ورفعه للأمير فيصل نائب الملك ورئيس مجلس الوكلاء). وملخص التقرير أن الوزارة تعاني من إرباك شديد نتيجة لتعدد مصادر التوجيه واتخاذ القرار، مما أدى إلى تطويل غير مبرر في الإجراءات، وتضارب في الأوامر، لذلك تقرر إلغاء تشكيل وزارة الداخلية ودمج أعمالها ضمن أعمال مجلس الوكلاء عام 1934 فقد ورد في خطاب رئيس الشعبة السياسية الموجه للنائب العام عام 1943 ما يأتي:

«حضرة صاحب السمو الملكي نائب رئيس مجلس الوكلاء المعظم:

أتشرف بأن أرسل لكم من طية التعليمات التي أمر جلالة الملك بوضعها موضع العمل بضم وزارة الداخلية إلى النيابة العامة، فأرجو أمركم بإنفاذ ذلك، وتبليغه لجهات الاختصاص. موضع العمل يضم وزارة الداخلية الى النيابة العامة. فأرجو أمركم بانفاذ ذلك. وتبليغه لجهات الاختصاص. أولا: توفيرا لزيادة المعاملات (يعتقد الباحث ان المقصود هو تلافيا لـ ...) واختصارا لها. تدمج أعمال وزارة الداخلية في ديوان رئاسة مجلس الوكلاء اعتبارا من غرة ربيع الأول 1353هـ.

ثانيا: جميع الأعمال التي كانت تقوم بها وزارة الداخلية تقوم بها رئاسة مجلس الوكلاء. وجميع الدوائر المرتبطة بالداخلية بموجب نظام مجلس الوكلاء المؤرخ في 19/8/1350هـ، تصبح مرتبطة برئاسة مجلس الوكلاء.

ثالثا: جميع الصلاحيات التي هي ممنوحة لوزارة الداخلية بموجب نظام مجلس الوكلاء أو أي نظام آخر، تصبح من اختصاص رئاسة مجلس الوكلاء.

رابعا: تلغى جميع تشكيلات وزارة الداخلية الحالية».

وبذلك انتهت الفترة الأولى من تشكيل وزارة الداخلية. وأصبح مجلس الوكلاء يشرف على الاعمال التي كانت تقوم بها الوزارة. وارتبطت الدوائر التي كانت تابعة لوزارة الداخلية برئاسة مجلس الوكلاء. وخلال الفترة التي أعقبت إلغاء تشكيلات وزارة الداخلية عام 1353هـ حصل تبدل كبير في الإدارة المحلية وتوسعت التشكيلات الحكومية. وأنشئت فروع جديدة لكثير من الدوائر المشرفة على الإدارة وأصبح من الصعب على رئاسة مجلس الوكلاء متابعة أعمال هذه الدوائر وتقييمها. وتلافياً لمزيد من السلبيات تأسست وزارة الداخلية بالحجاز للمرة الثانية في 26/8/1370هـ ـ 2/6/1951 وعين الأمير عبد الله الفيصل وزيرا للداخلية وربطت بالنائب العام. وأصدر النائب العام أمرا بتشكيل الجهاز الرئيسي لوزارة الداخلية اعتبارا من 6/9/1370هـ وبين الأمر الدوائر التي ألحقت بها وتعليمات جاء فيها:

أولا: جميع الأعمال الخاصة بالمعاملات التي كانت من اختصاص النيابة العامة تصبح الآن من اختصاص وزارة الداخلية تمارسها بنفس الصلاحيات والمزايا التي كانت النيابة العامة تمارسها بها. باستثناء الشؤون السياسية والمالية وما يتبعها من تنظيمات وأعمال وأنظمة وقرارات مجلس الشورى والوظائف الرئيسية في الدولة من فصل وتعيين، فإنها من اختصاص النيابة العامة.

ثانيا: ترتبط بوزارة الداخلية امارات الملحقات (بالحجاز) وقائمقام جدة. والدوائر الرسمية التالية: المعارف العامة والبرق والبريد والأمن العام واحصاء النفوس (الجوازات والأحوال المدنية) ورئاسة القضاة وما يتبعها من أجهزة قضائية والبلديات ورؤساء الطوائف وهيئة تميير قضايا المطوفين وقائمقام العاصمة وهيئة عين زبيدة وادارة الأوقاف العامة وخفر السواحل والمحكمة التجارية والغرفة التجارية. وعلى هذه الدوائر تنفيذ ما يصدر لها من وزارة الداخلية من تعليمات». وبعد ثلاثة أعوام من تأسيس الوزارة، أعيد تشكيل الديوان العام للوزارة مع تحديد وظائف ادارتها الرئيسة. وتولت وزارة الداخلية معظم الأعمال ذات العلاقة بالشؤون الداخلية، والتي كانت تقوم بها النيابة العامة. فقد ربط بها ثلاث مقاطعات رئيسية وأربعة عشرة إمارة وقايمقيمتان. وارتبط بوزارة الداخلية جهازان عسكريان هما الأمن العام وسلاح الحدود.

استتباب الأمن هاجس المؤسس

* من الأمور التي أولاها المغفور له الملك عبد العزيز جل اهتمامه موضوع استتباب الأمن. يقول في منشور عام صدر عام 1925: «... إن البلاد لا يصلحها غير السكون.. إنني أحذر الجميع من نزعات الشياطين والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار المقدسة. فإنني لا اراعي في هذا الباب صغيرا ولا كبيرا». وكان تنظيم الشرطة من أول الاعمال التي أمر السلطان عبد العزيز باتخاذها قبل نهاية الحرب في الحجاز. فانتخب المجلس الأهلي بمكة المكرمة لجنة للنظر في ترتيب أوضاع الشرطة ووظائفها. ووضعت اللجنة تعليمات بعنوان «الشرطة ووظائفها». وألحق بها لائحة بعنوان «ترتيب عقاب جنود الشرطة» صدرت في 2/8/1925، وحازت التصديق السلطاني في حينه. وتعتبر هذه التعليمات أقدم تنظيم رسمي لأعمال الشرطة في عهد الملك عبد العزيز. وعرفت هذه التعليمات الشرطة بأنها «هيئة مكلفة بحفظ الراحة العمومية، وملزمة بدوام المحافظة على الأمن العام والسكينة». ونصت على أن يكون مركز الشرطة العام في دائرة الحكومة في الحميدية بمكة المكرمة.

ثم أصدرت الهيئة التأسيسية لتشكيل الدوائر الرسمية في العام نفسه قرارا بتشكيل ادارة الشرطة العامة والسجن في مكة المكرمة. تتكون هذه الادارة من: مدير الشرطة العام ومعاونين، أول وثان، وستة موظفين. وعشرة ضباط صف ومائة وعشرين جندياً. أما إدارة السجن فتكونت من موظف ومعاون وجنديين. وأمر الملك بإنفاذ هذا التشكيل اعتبارا من 24/7/1344هـ ـ 1925م، وفي 10/10/1344هـ صدر مرسوم ملكي يقضي بتعيين حسن وفقي بك مديرا للأمن العام ترتبط به جميع مراكز الشرطة في الحجاز ومنحه الصلاحيات اللازمة. وخوله اعادة تنظيم الشرطة. وحتى يتمكن مدير الأمن العام من أداء واجبه بمنأى عن المداخلات الادارية. نص المرسوم على منع الغير من «... أن يتداخل بوظيفة مدير الأمن العام ووظائف الشرطة ومأموريها». وربط مدير الأمن العام بالنائب العام. وكانت الأوضاع المالية للدولة لا تسمح بتجنيد أفراد للعمل في الشرطة. فضُمَّ اليها سبعون «خويا» من قوات الاخوان التي كانت موجودة في مكة المكرمة بعد نهاية الحرب. وتشكلت منهم ادارة باسم «وحدات الدرك» برئاسة ضابط من الشرطة؛ مهمتها حفظ النظام في مكة المكرمة. وعندما صدرت التعليمات الأساسية عام 1926، ربطت الشرطة كجزء من الأمور الداخلية بالنيابة العامة. وعين المقدم عبد العزيز بغدادي مديرا عاما للشرطة عام 1346هـ. وكلف باعادة تنظيمها على ضوء أمرين ملكيين عام 1927؛ حدد الأول الشروط الواجب توفرها في رجال الشرطة، مثل النزاهة والاستقامة وبين الثاني المؤهلات المطلوبة توفرها فيمن يعين مديرا للشرطة. ومنها أن «.. يكون الذي يرأس الشرطة رجلا عاقلا ومأمونا عن الفساد... ليس له تداخل مع الناس». وتوسعت تشكيلات الشرطة عام 1927، فعين العقيد مراد الاختيار مديرا عاما للشرطة. واصبحت للشرطة فروع في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف. وتشكل قسم لشرطة الحرم مستقلا عن شرطة مكة المكرمة. ويبدو أن التغيير المتلاحق في مديري الأمن العام اوجد نوعا من الارباك الاداري ولا سيما عند اختيار المأمورين ومديري الفروع، ولذا اصدر أمر ملكي برقم 639 في 25/3/1346هـ يقضي بتشكيل «هيئة مراقبة الشرطة» برئاسة إبراهيم الصنيع، وكان من ضمن وظائفها النظر في ترقيات رجال الشرطة والترشيح للمناصب الإدارية فيها. ومع تعدد فروع الشرطة في الحجاز، وعلى الرغم من ربطها برئاسة واحدة، ظلت تفتقر إلى توحيد الإجراءات وتشكو من عدم تنسيق العمل الإداري، وتماشيا مع سياسة الدولة الآخذة في الاتجاه نحو تجميع أو جعل أو توحيد الدوائر ذات الاختصاصات المتشابهة معا في ادارة واحدة، صدر أمر ملكي عام 1930 يقضي بتوحيد جميع الدوائر العسكرية؛ ومنها الشرطة، فجعلت جميع إدارات الشرطة في المملكة تحت رئاسة رئيس واحد سميَّ مدير الأمن العام، مقامه في مكة المكرمة، وعين مهدي بك المصلح مديرا للأمن العام، علاوة على توليه منصب مدير شرطة مكة المكرمة. ومن أول انجازات مهدي بك الإدارية وضع تعليمات تنيط بمدير الأمن العام الاشراف التام على جميع اعمال الشرطة، وتحدد ارتباطها بالحكام الاداريين وتنسق أعمالها المالية والإدارية. وحظيت هذه التعليمات بموافقة النائب العام عام 1930. وواضح من هذه التعليمات، ان للشرطة سبعة فروع في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف وينبع الوجه والعلا. وفي عام 1931، تشكلت شرطة منطقة الرياض.

وتوسعت أعمال الشرطة عام 1932 حتى بلغ عدد أفرادها (896) فردا، وضباطها (33) ضابطا، وفي عام 1935 قرر مجلس الوكلاء دعم الشرطة بـ900 جندي من قوات الهجانة التي الغي تشكيلها لمساعدة الشرطة على فتح مراكز جديدة، فأصبح للشرطة عام 1936 فروع في 14 مدينة، علاوة على ما في مكة المكرمة من مخافر للهيئة وشرطة الحرم، وأصبحت قوة الشرطة تتكون من خمسة فروع هي: المشاة والمرور والخيالة وراكبو الدراجات النارية وراكبو السيارات. وتأسس مركزان للشرطة في مقاطعة الاحساء عام 1938، وشكلت شرطة منطقة جيزان في العام نفسه، ونواتها الأولى ثلاثون عسكريا اخذوا من مفرزة الدفاع الموجودة في جيزان. واتسعت تشكيلات الشرطة حتى أصبحت لها فروع في عشرين مدينة في أنحاء المملكة عام 1944، وأعيد في عام 1952 تنظيم شرطة المنطقة الشرقية، وأصبح اسمها «وكالة الأمن العام في المنطقة الشرقية». وكانت الشرطة تنشئ فروعا مؤقتة في المشاعر المقدسة لخدمات الحجاج، وتأسست شرطة سكة الحديد عام 1952 وتشكلت من ثلاثة مراكز في كل من الرياض والخرج والتوضيحية، وربطت بمدير السكة بعد أن وضع لأفرادها علامات تميزهم عن باقي أفراد الشرطة. ورافقت هذا التوسع في أعمال الشرطة وتعدد مسؤولياتها، الحاجة لاصدار نظم تحدد واجبات العاملين فيها، وتبين صلاحياتهم ومسؤولياتهم في كل مرحلة من مراحل ذلك التطور، وكان أول نظام صدر باسم «نظام مديرية الأمن العام في المملكة العربية السعودية» عام 1943، الذي وضع تعريفا للشرطة وأقسامها، فمديرية الشرطة العامة أصبح اسمها مديرية الأمن العام، وفي الملحقات صنفت تشكيلات الشرطة الى ادارة ومركز ومنطقة وقسم ومخفر ويحدد ذلك المسمى مساحة المنطقة وعدد سكانها، فإدارة شرطة، تطلق على المديريات الرئيسية في الملحقات، وهي تربط بمدير الأمن العام تنظيميا وماليا، وترتبط بالحكام الاداريين اداريا وجنائيا. أما المراكز والمناطق والمخافر واقسام المرور وعمد المحلات وشرطة الحرم فهي تمثل فروع الشرطة الداخلية في المدينة الواحدة أو في القرية، وهي ترتبط بمدير شرطة المنطقة. وتحديدا للمسؤوليات قسّم النظام العاملين في جهاز الأمن العام الى قسمين: السلك العسكري ويمثله رتب الضباط وضباط الصف والجنود، ويقوم هذا القسم باجراءات الضبط والتحقيق والعمل الميداني، والسلك المدني ويمثله الموظفون، ويتولى هذا القسم العمل الإداري، وأحكام هذا النظام كانت تطبق على العسكريين والمدنيين، وفصل النظام في واجبات رجال الامن العام بدءاً من مدير الأمن العام حتى أصغر رتبة في جهاز الشرطة. واستحدث عام 1949 تشكيلات جديدة في أقسام وإدارات الأمن العام بالعاصمة والملحقات، فوضع نظام جديد صدر في ذات العام باسم النظام السابق، وعرف هذا النظام الأمن العام بأنه «القوات المسلحة المسؤولة عن المحافظة على النظام وصيانة الأمن العام وتوفير أسباب الراحة العامة، بمنع الجرائم قبل وقوعها وضبطها بعد ارتكابها وتنفيذ كل ما يطلب منها تنفيذه من أنظمة وتعليمات ولوائح وأوامر».

مرحلة النضوج الإداري

* ويعتبر نظام مديرية الأمن العام عام 1949 أفضل نظام صدر للأمن العام حتى الآن على الرغم من صدور نظام قوات الأمن الداخلي عام 1964. فنظام عام 1949 هو الأفضل من حيث الشمول والتفصيلات وتحديد الواجبات لكل من يباشر أعمال الضبط العام. ولم يترك النظام الأمور الجنائية تباشر من دون ضوابط، أو أن تدار اجتهادا، ولهذا تجده فصل كل شيء له علاقة بالقضايا من وقت تلقي البلاغ إلى أن تنتهي الإجراءات، وذلك منعا للتجاوزات التي قد يقع فيها رجال الأمن العام نتيجة للاجتهاد أو عدم التحرز من الوقوع في الخطأ، وسدا للذرائع التي قد تتخذ حجة لتبرير الخطأ. وهذا التفصيل في الواجبات من الأسباب التي جعلت رجال الأمن العام في المملكة قليلي الوقوع في الأخطاء المسلكية والإدارية، لأن الوضوح في التعليمات يؤدي إلى التطبيق السليم لمعطيات التعليمات. وهذه النظرة الواعية تمثل مرحلة النضوج الاداري للاجهزة الامنية التي وضعت النظام، ثم طبقته بكفاءة عالية بعد اجازته من الهيئة التشريعية. وقسم النظام واجبات رجال الأمن العام الى اقسام؛ عامة وقضائية وادارية. فالواجبات العامة لرؤساء الوحدات في الأمن العام تشتمل على صلاحيات واختصاصات مدير الامن العام ومديري الشرطة ورؤساء المناطق والمخافر وضباط الخفر واقسام المرور والادعاء العام. والواجبات القضائية تتضمن القواعد النظامية والاجراءات الادارية التي يجب على رجال الامن العام التقيد بها عند مباشرة التحقيق في الحوادث والقبض على مرتكبيها وتقديمهم للقضاء بعد جمع الادلة ضدهم، وعن كيفية استقبال البلاغات، ومحاضر التحقيق، وتفتيش المنازل، وتوقيف المتهمين، وكل ما له علاقة بحقوق المجني عليه والجاني.

وتتلخص الواجبات الادارية لرجال الأمن العام في حفظ النظام وصيانته، واتخاذ الاسباب التي تؤدي الى منع الجريمة والتخفيف من آثارها على المجتمع، وحفظ الآداب العامة التي تمثل الوظيفة الاجتماعية للشرطة. وهناك واجبات ملكية تتمثل في الحث على الصدق والامانة والنزاهة في العمل وحسن الخلق وطيبة التعامل مع الجمهور وتنفيذ الاوامر باخلاص مع التضحية في سبيل الواجب وعدم المبالغة او تهويل الامور. وكانت مديرية الأمن العام تشرف على جميع الخدمات الامنية. علاوة على واجبات الشرطة الاساسية. فأعمال ادارات كل من الجوازات والجنسية والدفاع المدني (المطافئ سابقا) والمباحث العامة وكلية الشرطة كانت جميعها ضمن مسؤولية الامن العام قبل ان تصبح هذه الادارات قطاعات مستقلة تتبع وزارة الداخلية مباشرة بعد فصلها عن الامن العام نتيجة لتوسع اعمال هذه الادارات من جهة ولتعاظم مسؤوليات جهاز الامن وكثرة واجبات الشرطة من جهة اخرى. وكانت مديرية الامن العام تمد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإفراد عسكريين وضباط لمساعدة الهيئة في أداء مهامها لأن الهيئة كانت ولا زالت تؤدي خدمات تساعد الامن العام من أهمها حفظ الآداب العامة. ونتيجة لتوسع اعمال الامن العام وتعظم مسؤولياته ليس بمستغرب ان يحتاج مديره الى من يساعده في تصريف الشؤون الادارية، فأحدث عام 1952 منصب وكيل الأمن العام لشؤون المباحث والجوازات والجنسية. واصدر مجلس الشورى تعليمات تحدد مسؤوليات وصلاحيات وكيل الأمن العام. ومع توسع تشكيلات الشرطة احتاجت إجراءات الضبط الجنائي والإداري فيها إلى دعمها بضباط شبان مؤهلين ومتخصصين في العلوم الجنائية. وتحقيقاً لهذا الهدف أنشئت مدرسة الشرطة عام 1935 بمكة المكرمة لتغذية جهاز الشرطة بضباط ومحققين. وكان مؤهل القبول فيها الشهادة الابتدائية ومدة الدراسة سنتين، يتخرج منها ضابط وضباط صف ويتم منح الرتب حسب المؤهل الدراسي ومدة الدراسة، ثم نقلت المدرسة بعد 31 عاما الى الرياض وتحولت إلى كلية للشرطة بعد أن تخرج منها ما يقارب 900 ضابط، ثم فصلت عن الأمن العام وألحقت بوزارة الداخلية وسميت كلية قوى الأمن الداخلي وأصبحت مدة الدراسة فيها ثلاث سنوات مع رفع مستوى القبول الى الثانوية العامة.

السيطرة على الحدود براً وبحراً

* يعتبر أمن الحدود من أقوى دعامات الأمن الداخلي، فالحدود المحمية تضمن سلامة الدولة من تسلل العناصر المخربة وتحول دون دخول الممنوعات والمحرمات إلى أراضيها. وتسهم في قوة اقتصاد الدولة ومواردها، وذلك باستيفاء الرسوم المقررة على البضائع، فإذا جاز مثل هذا القول على أي دولة. فهو بالنسبة للمملكة أوجب لان حدودها واسعة ومفتوحة لا تحكمها نقاط عبور ثابتة يمكن السيطرة عليها. وعلى الرغم من ضعف امكانات المملكة في بداية تكوينها فقد استطاع مؤسسها السيطرة على الحدود برا وبحرا بصورة جيدة. ففي البر، أقام الملك عبد العزيز المراكز، وانشأ المخافر على المنافذ وسير الدوريات على الحدود وكلف مراكز الإمارات والجمارك والشرطة والهاجنة وبعض وحدات الجيش بأمن الحدود. واهتم بحماية ساحلي المملكة الشرقي والغربي نظرا لأهميتهما، وذلك لأن المنطقتين الشرقية والغربية لهما أهمية خاصة في اقتصاد الدولة وأمنها. فالمنطقة الشرقية تشكل أهم مورد للدولة في بداية تكوينها وازدادت أهميتها بعد اكتشاف النفط، إما المنطقة الغربية، فان تسلل الأجانب إليها باسم الحج والعمرة كان يشكل خطرا على سلامة الحرمين. علاوة على تهريب البضائع. وظهرت الأهمية الأمنية للسواحل عندما قام ابن رفادة عام 1351هـ بحركته في الشمال الغربي، وكانت الإمدادات تصل إليه عن طريق البحر، ولا غرابة بعد هذا كله ان تنشأ مصلحتان لخفر السواحل في فترة مبكرة من تاريخ المملكة في كل من الاحساء وجدة. وعندما استرد الأمير عبد العزيز الاحساء عام 1912 أقام مراكزَ ودوريات للمراقبة البحرية. وكانت الدوريات البحرية عبارة عن سفن شراعية صغيرة تسير بمحاذاة الشاطئ وتساندها دوريات من راكبي الهجن للمراقبة على الساحل ثم وحدت الدوريات البرية والبحرية عام 1936 تحت قيادة واحدة سميت «خفر السواحل». وعين عبد العزيز الرشيد مديرا لها. وكان لها مراكز في المنافذ البحرية في كل من الخبر والعقير ورأس تنورة ومنيفة. وهذه المراكز تراجع أمير المنطقة التي توجد فيها. وعندما أصبحت خدمات الرقابة الأمنية التي يقدمها خفر السواحل غير كافية للمنطقة الشرقية بعد تدفق النفط وهجرة الأيدي العاملة إلى مدن الساحل الشرقي ونتيجة لزيادة حركة التصدير والاستيراد، أعادت وزارة المالية التي تولت الإشراف على مالية المنطقة تشكيل خفر السواحل باسم «مصلحة حرس خفر السواحل» وذلك عام 1940. وجعل مركز المصلحة الرئيسي في العقير، لكنها بقيت مرتبطة بمدير جمارك المنطقة وربطت فروع المصلحة في المنافذ البرية والبحرية بمدير مصلحة حرس خفر السواحل ودعمت الدوريات البحرية بالسفن الشراعية وباللنشات وزودت الدوريات البرية بالسيارات، وكانت مهمة هذه المصلحة كما ورد في قرار إعادة تنظيمها، منع التهريب والتسلل إلى المملكة والمحافظة على حقوق الخزينة العامة بمساعدة المالية على استيفاء الرسوم الجمركية.

وأمر الملك عبد العزيز الموافق 1925 بتشديد الرقابة على السواحل الغربية لمنع التهريب والتسلل. فقد جمع رؤساء العشائر الموجودة على طول الساحل من العقبة الى جنوب جيزان وقسّم المنطقة بينهم أمنيًا، كل رئيس عشيرة كلف بمنع التهريب والتسلل في المنطقة التي تقطنها عشيرته وأراد الملك عبد العزيز من هذا التكليف المباشر لرؤساء العشائر أن يشعرهم بمسؤولياتهم، وان عليهم المساهمة في حفظ الأمن بمناطق نفوذهم. وفي الوقت نفسه، يحذرهم بطريقة غير مباشرة بعدم التغاضي عن قيام أتباعهم بالتهريب أو التسامح مع المهربين مقابل ما يدفعه المهربون لشيخ القبيلة التي يمرون بأرضها كما كان في عهد الحكومات السابقة.

وكان ميناء جدة يخضع للرقابة من قبل دوريات بحرية وبرية، فقد نصت واجبات مفرزة جدة البحرية على أن تقوم بالأعمال البحرية ومراقبة البواخر والقيام بالدوريات البرية والبحرية. وبعد انتهاء الحرب في الحجاز عام 1925، بقي قسم من القوات التي كانت مع السلطان عبد العزيز، فوزع بعضها على المناطق الرئيسية في الحجاز ومنها جدة. وكلفت هذه القوات بأعمال الدوريات البرية والبحرية. وهذا واضح من سجلات الرواتب التي تشير إلى أن هناك فرقا تعمل في الدوريات الأمنية في جدة. فقد دون أمام أسماء كثير من أفرادها عبارات مثل: «يسلم راتبه لـ... لأنه يعمل في دوريات جدة، أو سلم راتبه للقائد لأنه يعمل في دوريات جدة... أو يعمل في اللنشات بجدة». وكانت في جدة إدارة تسمى «دائرة المرافئ والموانئ»، مهمتها استقبال السفن وإنهاء إجراءات معاملاتها في الميناء واستيفاء رسومها. ولم تقم رابطة بين هذه الدوائر حتى عام 1928 عندما صدر أمر ملكي بتوحيدها تحت قيادة سميت «مصلحة خفر السواحل». وفي عام 1931 عين سليمان النانيه مديراً لها. وانشأت المصلحة عددا من المراكز على الساحل من العقبة شمالاً إلى جيزان جنوبا. وارتبطت مصلحة خفر السواحل بالحجاز بالنيابة العامة، ولكن عندما صدر نظام المصلحة عام 1934 نص على ارتباطها بوزارة الداخلية، ولكن إلغاء وزارة الداخلية في العام نفسه جعل مصلحة خفر السواحل تلحق بمجلس الوكلاء. وانتشرت فروع المصلحة في مناطق الحجاز الإدارية حتى بلغت عام 1949 (37) فرعاً. وبقيت مصلحة خفر السواحل في المنطقة الغربية مرتبطة بالنائب العام إلى أن تأسست وزارة الداخلية عام 1950، عندما ألحقت المصلحة بالوزارة وأصبحت من تشكيلاتها.

وعرف النظام مديرية مصلحة خفر السواحل بأنها: «الدائرة المكلفة المحافظة على السواحل وضبط المهربات براً وبحراً وبداخل الموانئ أو بواسطة الدوريات البرية والبحرية والمراكز التابعة بالثغور». وهذه الدوريات ثلاثة أنواع: بحرية. وبرية راكبة وبرية راجلة. فالدوريات البحرية تستخدم السفن الشراعية واللنشات الصغيرة، وتقوم بالتغطية الأمنية والتجوال ضمن حدود المياه الإقليمية للمملكة. والمحافظة على الخط الجمركي وضبط المهربات والممنوعات ومنع التسلل واعتراض السفن إذا دخلت مياه المملكة الإقليمية. أوشكت في حمولتها، ما عدا السفن البحرية. ومن مهامها أيضاً إصلاح العلامات البحرية التي تتعرض للتلف لسلامة الملاحة البحرية. والدوريات البرية الراكبة تستخدم السيارات والهجن، ومهمتها التفتيش في البراري ضمن الخط الجمركي بالمملكة. وإيقاف وتفتيش ومطاردة كل من يشتبه في حيازته مهربات أو ممنوعات. أما الدوريات الراجلة، فتعمل بالموانئ. وتقوم بحراسة السفن الراسية في الميناء لضمان عدم تسرب شيء من الممنوعات أو المحرمات مما تحتويه السفن إلى داخل البلاد. كما تقوم بحراسة البضائع في الساحات الجمركية في الموانئ. وتشرف الدوريات بأنواعها على تطبيق مواد نظام صيد الأسماك والأصداف البحرية ونظام الصعود إلى البحر، واستيفاء الرسوم المقررة بموجب نظام التجديف والفسح. بالإضافة إلى مهام الدوريات الأساسية، وهي أمن الحدود. ويُلاحظ أنه لم تقم رابطة إدارية بين الدوائر التي أوكل إليها أمن الحدود لأن هذه الدوائر يرتبط كل منها بالحاكم الإداري في منطقته. فمصلحة حرس خفر السواحل في الأحساء تتبع أمير المقاطعة. ومصلحة خفر السواحل في الحجاز تخضع لإشراف النائب العام. ثم ربطت بوزارة الداخلية بعد تأسيسها. وتراجع مراكز الحدود البرية أمير المنطقة التي تعمل فيها. وعندما كلف الجيش بالانتشار في بعض مناطق الحدود كان ارتباطه بوزارة الدفاع. ونتج عن ذلك التنظيم إرباك في التوجيهات وتضارب في الصلاحيات وتفاوت في التطبيق العملي لإجراءات ضبط أمن الحدود نتيجة لاختلاف مصادر التوجه. فكان لا بد من ربط هذه الدوائر المتعددة بإدارة واحدة، فدمجت مصلحتا خفر السواحل في جدة والأحساء في إدارة واحدة عام 1962باسم «مصلحة خفر السواحل والموانئ» التي جعلت تحت إشراف وزارة الداخلية. من هذا يتضح أن القطاعات العسكرية حظيت باهتمام كبير من جلالة الملك عبد العزيز. وخير ما يبرهن على اهتمامه ببناء القوة العسكرية هو أنها حظيت بنسبة 45 في المائة تقريبا من موازنة الدولة عام 1954 ونتيجة لهذا الدعم والرعاية اتسعت تشكيلاتها وكبرت مسؤولياتها، فتطلب الأمر توحيدها وربطها بقيادة واحدة تشرف عليها وتنسق جهودها وتوجه نشاطها لخدمة المملكة فصدر مرسوم ملكي عام 1952 يقضي بربطها جميعا بولي العهد، بالإضافة إلى أن مرجعها الأعلى، جلالة الملك نفسه كقائد أعلى لها. وبهذا الربط والاندماج وصلت التنظيمات العسكرية إلى الغاية في التطور خلال تلك الفترة بما يتناسب وطموحات وإمكانات الدولة في ذلك الوقت، وتوافقت بذلك مع التوحيد السياسي للمملكة.

8 وزراء تولوا الوزارة

* تعاقب على منصب وزارة الداخلية السعودية منذ إنشائها وإلى اليوم، ثمانية وزراء؛ اثنان منهم أصبحا من ملوك الدولة لاحقا، حيث تولى الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيصل)، وزارة الداخلية عام 1350هـ (1931). وبعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ، تم دمج الوزارة بديوان رئاسة مجلس الوكلاء الذي كان يرأسه الأمير فيصل، نائب الملك، ووزير الداخلية.

وبعد أن توسعت التشكيلات الحكومية وإنشاء فروع لكثير من الدوائر المشرفة على الإدارة المحلية وأصبح من الصعوبة على رئاسة مجلس الوكلاء متابعة أعمال هذه الدوائر وتقييمها وتلافيا لمزيد من السلبيات، تأسست وزارة الداخلية في الحجاز للمرة الثانية في 26/8/1370هـ الموافق 2/6/1951، وعُين الأمير عبد الله الفيصل، وزيراً للداخلية، وربطت بالنائب العام بموجب مرسوم ملكي صدر بهذا الخصوص في ذات التاريخ.

وعاد الأمير فيصل بن عبد العزيز ليتولى وزارة الداخلية، وبالتحديد في 20/9/1378هـ (1958)، أعقبه الأمير مساعد بن عبد الرحمن في 8/1/1380هـ (1960). وجاء الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز ليكون رابع من تولى وزارة الداخلية منذ إنشائها، وذلك بتاريخ 3/7/1380هـ (1960). وبعد حوالي تسعة أشهر من هذا التاريخ، أسندت وزارة الداخلية إلى الأمير فيصل بن تركي بن عبد العزيز، وفي 3/6/1382هـ (1962) تولى الأمير فهد بن عبد العزيز (الملك فهد) منصب وزارة الداخلية، وفي 8/10/1395هـ، تولى الأمير نايف بن عبد العزيز وزارة الداخلية، وحتى اليوم. وعُدت فترته العصر الذهبي لوزارة الداخلية، حيث شهدت الوزارة تطورات فيما يتعلق بأعمالها وأجهزتها المختلفة، وسنت قوانين تتعلق بالقبض والتحقيق والادعاء، إضافة إلى إقرار أنظمة تختص بحقوق الإنسان والأمن الفكري ومعالجة ظواهر اجتماعية وفكرية غير مألوفة لدى المجتمع. ولعل إنشاء هيئة التحقيق والادعاء العام قبل عقدين، يعد تحولا كبيرا في مجال إقامة العدل، حيث تحددت مهمة الهيئة الرئيسة في التحقيق والادعاء العام في القضايا الجنائية، وتغطي أعمالها مناطق السعودية ومحافظاتها. كما تختص الهيئة بالجرائم الواقعة خارج البلاد والضارة بمصالحها الاقتصادية والأمنية. ونجحت الوزارة في هذه الفترة في التصدي لأكبر تحدٍّ واجهته الدولة والمتمثل في الإرهاب الذي اكتوت بناره بلدان العالم؛ ومنها الدول الكبرى، حيث تمكنت الوزارة من إحباط خطط الفئة الضالة ومواجهتهم بالحزم، بعد أن ذهب أبرياء ضحية لممارستهم الخاطئة التي لا يقرها دين أو عرف، واعتبرت السعودية نموذجا عالميا في مجال مكافحة الإرهاب، واستضافت عاصمتها الرياض مؤتمرا عالميا لبحث سبل مواجهة هذه الظاهرة العالمية. كما أقرت دول العالم تأسيس مركز عالمي لمكافحة الإرهاب أعلن من الرياض.

ويملك الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية، تجربة طويلة في العمل الأمني، فقبل توليه منصب وزارة الداخلية منذ 34 عاما، كان يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الداخلية، وقبله كان نائبا لوزير الداخلية، ولمدة تقرب من 5 سنوات، وبذلك يُعد الأمير نايف رجل الأمن الأول.

ويُعد الأمير أحمد بن عبد العزيز المسؤول الثاني في تاريخ الوزارة الذي تقلد منصب نائب وزير الداخلية، حيث تقلد هذا المنصب قبله الأمير نايف في فترة الأمير فهد بن عبد العزيز (الملك فهد)، عندما كان وزيرا للداخلية، وتم تعيين الأمير أحمد بن عبد العزيز كنائب لوزير الداخلية في 13/2/1395هـ. وقبل عشر سنوات، تم تعيين الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، مساعدا لوزير الداخلية للشؤون الأمنية، وتم ربط القطاعات الأمنية به.