الشورى السعودي يقر رفع سقف الطفولة إلى 18 عاما

رئيس لجنة الشؤون الإسلامية في الشورى لـ«الشرق الأوسط»: الأمر مخالف للأحكام الشرعية * المؤيدون: تحديد السن من الأمور الخلافية

د. صالح بن حميد رئيس مجلس الشورى السعودي خلال زيارته لمدرسة الملك فهد في أستراليا (واس)
TT

نجح أعضاء مجلس الشورى السعودي أمس في إقرار رفع سقف الطفولة حتى سن 18 عاما، بالرغم من محاولات رئيس وأعضاء لجنة الشؤون الإسلامية بالمجلس في عرقلة تمرير المشروع.

وجاء إقرار المجلس أمس، بتعديل سن الطفولة في السعودية إلى 18 عاما، بعد محاولات لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان بالإبقاء على علامات البلوغ البيولوجية «كخشونة الصوت وظهور شعر العانة وخلافه» أو سن 15 عاما كحد لتكليف الصغير وإيقاع الحدود الشرعية عليه وإمكانية تعزيره، بعكس الأخيرة والتي تستند على السنوات العمرية 18 عاما.

وأيد 93 عضوا شوريا رأي هيئة الخبراء باعتماد تعريف الطفل على أساس يصل حتى 18 عاما، مخالفين بذلك مطالب لجنة الشؤون الإسلامية، التي ترى خلاف ذلك.

وجاء تأييد رأي الحكومة داخل مجلس الشورى، لاعتبار أن مسألة تحديد سن 15 عاما أو علامات البلوغ كحد لتكليف الصغير من المسائل الاجتهادية الخلافية بين الفقهاء، حيث ان منهم من أخذ بعلامات البلوغ من بينهم الشافعية والحنابلة، ومن الفقهاء من لم يلتفت إلى هذه العلامات وقرر حدا عمريا للتكليف ومنهم أبو حنيفة الذي حدد التكليف بسن 18 عاما، أما ابن حزم فذهب إلى اعتبار سن التكليف 19 عاما.

ودافعت لجنة الشؤون الاسلامية والقضائية وحقوق الطفل ممثلة برئيسها عازب آل مسبل في حديثه مع «الشرق الأوسط» عن محاولاتها لعرقلة اعتماد ما تقدمت به هيئة الخبراء مطالبة الابقاء على السن العمرية 15 عاما او الاخذ بعلامات البلوغ البيولوجية، لاعتبار تبديله حتى 18 عاما امرا مخالفا لاحكام الشريعة الاسلامية.

واستند آل مسبل في رفض لجنته على قول الرسول الكريم «رفع القلم عن ثلاثة منهم الصبي حتى يبلغ»، موضحا ان آخر سن البلوغ هو 15 عاما، بالاضافة الى اجازة بعض الصحابة بعد بلوغهم سن 15 بالمشاركة في الغزوات.

واعتبر الدكتور عبد العزيز القاسم (قاض سابق ومختص في الأنظمة والتشريعات الاسلامية)، اعتماد السعودية في مختلف مؤسساتها لنظامين مختلفين في مسألة تحديد سن الرشد للصبي والفتاة «تناقضا»، مطالبا بالأخذ بالسنوات العمرية عوضا عن العلامات البيولوجية للبلوغ في ظل انتفاء أدلة شرعية صريحة تحدد وتلزم بذلك.

يشار إلى أن إدارات المرور لا تسمح بإصدار رخص القيادة سوى عقب بلوغ 18 عاما، وإدارة الجوازات تشترط موافقة ولي الأمر لسفر من هم دون 21 عاما إلى جانب وزارة الشؤون البلدية والقروية التي لا تمنح أراضي لمن هم دون 18 سنة متجاوزة ذلك في حالة اليتيم أو ذوي الاحتياجات الخاصة، بما في ذلك الوظائف التي تخضع للخدمة المدنية أو وزارة العمل والقطاع العسكري وجميعها تشترط اكمال 18 عاما.

ونفى القاسم وجود دليل صريح لمن اعتبر أن علامات البلوغ هي الحد الفاصل للتكليف كون الأدلة التي استدل بها إنما وردت في التعامل مع المحاربين، والأمر مختلف في هذه القضية.

وشدد على ضرورة اعتماد الدولة واتخاذها تنظيما واضحا يفصل في سن التكليف لما يحقق حماية حقوق الإنسان ودرء العقوبة عن الأحداث ما دام في مرحلة الاشتباه، منوها ان «العقوبات ترد بالشبهات». من جهة اخرى اعتبرت مصادر رسمية من داخل اروقة الشورى خطوة رفع سقف الطفولة في السعودية انما يعد تطورا نوعيا في سن التشريعات، بحيث تتواكب مع الاتفاقيات الدولية وتكون ملبية لاحتياجات المجتمع، مع عدم الاخذ بالامور التقليدية كمسلمات.

هذا وتعد السعودية احدى الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي تعتبر في مادتها الاولى «ان كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة هو طفل، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه».

ونصت المادة 37 في الاتفاقية ذاتها على «ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة، ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عاما دون وجود إمكانية للإفراج عنهم».

أما المادة 22 من ميثاق حقوق الطفل في الإسلام، الذي صدر عن اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، وهي إحدى لجان المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة والذي صادقت عليه السعودية 2003 فأبقت الباب مفتوحا، إذ لم تحدد عمرا معينا للطفل، وإنما أرجعته للقانون المتبع في كل دولة إسلامية. من جهته قال المحامي خالد المطيري ان توقيع السعودية على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل جعل منها جزءا لا يتجزأ من قوانينها الوطنية، إذ تعتبر الاتفاقيات الدولية والمعاهدات مصدراً من مصادر القانون ما لم تتعارض مع القانون الوطني، بالتالي واستناداً إلى نص المادة 37 من هذه الاتفاقية فإنه لا يجوز إيقاع عقوبة الإعدام على من هم دون سن الرشد (الأحداث)، ولقد راعت السعودية تبعا للمطيري هذه الاتفاقية في قوانينها الجنائية ومنها لائحة دور الأحداث الصادرة سنة 1395هـ، التي عرفت الحدث أنه كل إنسان لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر.

وبين المطيري أنه في ظل غياب قانون عقوبات، فإنه واستناداً لأحكام الشريعة الإسلامية لا يجوز إيقاع عقوبة الإعدام على من لم يبلغوا الرشد، مفيدا ان الإشكالية تكمن في تجاهل القضاة للاتفاقية الدولية ولائحة دور الأحداث التي تحدد سن الرشد بالثامنة عشرة واعتمادهم على تقديرهم الشخصي لسن الرشد بمعايير غير مقننة تعتمد على مظاهر بيولوجية كخشونة الصوت وظهور شعر شرح الصورة: تجاذبات شهدتها جلسة مجلس الشورى قبل إقرار مشروع رفع سقف الطفولة إلى 18 عاما («الشرق الأوسط») العانة وخلافه، وبالتالي فإن كثيراً من الأحداث الذين لم يبلغوا سن الرشد ستطبق في حقهم عقوبة الإعدام باعتبارهم بالغين بغض النظر عن أعمارهم.