الملك فهد.. أشرف على تصاميم توسعة الحرمين الشريفين بنفسه

توسعة المسجد الحرام ضاعفت طاقته 9 مرات * مليون مصل ضمنتها توسعة المسجد النبوي في مواسم الحج والعمرة * مجمع طباعة المصحف الشريف أعاد دور المدينة المنورة كمركز قرآني

الراحل الملك فهد بن عبد العزيز خلال تدشينه مشروع توسعة الحرم المكي («الشرق الأوسط»)
TT

استكمالا لسلسلة القصص التي نشرتها «الشرق الأوسط» حول المشاعر المقدسة، وتوسعة الحرمين الشريفين، نواصل رصد قصة التوسعة التي تمت في البيت الحرام، وهذا الأسبوع نصل الى عهد الملك الراحل فهد بن عبد العزيز ال سعود رحمه الله، حيث فرضت التحديات المعاصرة على حقيقة وجود الحرمين الشريفين على الأراضي السعودية التعامل بحكمة، خاصة في ظل تزايد أعداد المسلمين الحجاج والمعتمرين القادمين إلى المملكة لأداء شعائرهم على ضرورة المواءمة بين تلك الأعداد والأبعاد المكانية والحضارية لأشرف البقاع على الأرض. ومرت التوسعات والتعديلات في الحرمين الشريفين بسلسلة من التطورات، لكن الانطلاقة التي لا تخطأها عين حدثت إبان فترة حكم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حين بادر بإطلاق مشروع توسعة الحرمين الشريفين.

وأشرف العاهل السعودي على بوادر الانطلاقة شخصياً وتابع سير عملها لحظةً بلحظة مستنداً بعد الله على فريقٍ كاملٍ من خبراء العالم في التصميم العمراني الإسلامي المتفرد.

ويقول في ذلك الدكتور محمد إدريس لـ «الشرق الأوسط» انه خلال العقود الماضية شهد المسجد الحرام العديد من التوسعات كان من ضمنها توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حيث أصبح المسجد يستوعب 750 ألف مصلٍ تقريباً، وتركزت جميع التوسعات في زيادة الطاقة الاستيعابية لأماكن الصلاة، والساحات المحيطة بالمسجد الحرام والتي تساعد على زيادة الطاقة الاستيعابية لأماكن الصلاة والتحكم في إدارة وتشغيل المسجد الحرام، حيث تمثل حلقة الوصل بين المسجد الحرام والطرق والممرات المؤدية إليه.

ويضيف «تتألف التوسعة من ثلاثة أدوار رئيسية على النحو التالي: البدروم بمساحة 18 ألف متر مربع وارتفاع يزيد على 4 أمتار، ودور أرضي بمساحة 20 ألف متر مربع وبارتفاع يزيد على 9 أمتار، ودور أول بمساحة 189 ألف متر مربع وبارتفاع يزيد على 9 أمتار، إضافة إلى السطح الذي يستخدم في المواسم ويساعد على زيادة الطاقة الاستيعابية لأماكن الصلاة في المسجد الحرام».

ويشير إلى أن توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله للمسجد الحرام قد أضافت مئذنتين تعلوان البوابة الرئيسية للتوسعة (باب الملك فهد) بارتفاع 89 متراً ليصبح بذلك عدد مآذن المسجد الحرام 9 مآذن، إضافة إلى ثلاث قباب متجاورة ترتكز على أربعة أعمدة ومحملة على مقرنصات من الداخل وتغطي القباب منتصف التوسعة وتساعد على توفير الإضاءة من خلال الشبابيك المحيطة بها.

ويختتم بقوله انه قد زودت التوسعة بسلالم كهربائية لتساعد على تسهيل الحركة بين الأدوار المختلفة للمبنى، إضافة إلى السلالم الكهربائية الخارجية، وذلك من خلال مبنيين مجاورين لها وبمساحة 375 مترا مربعا لكل مبنى، إضافة للسلالم الثابتة والتي بلغ عددها ستة سلالم من الخرسانة المسلحة والتي تم تكسيتها بالرخام.

وفي ما يخص زيادة المساحة، فقد تمت زيادة الناحية الغربية، وهي تمتد من باب الملك عبد العزيز إلى باب العمرة وذلك بطابقين وبدروم، كما مهَّد سطح المسجد للصلاة فيه، ويعتبر زيادة حقيقية للمساحات التي يصلى فيها حين يستوعب أكثر من 80 ألف مصل، بعد تحسينه وإعداد ثلاثة مبان للسلالم الكهربائية المتحركة، ويصبح بذلك عدد المداخل الرئيسية للمسجد الحرام أربعة مداخل، وعدد المداخل الفرعية 54 مدخلا بجانب ستة مداخل للبدرومات، والمداخل العلوية للطابق الثاني والسلالم الكهربائية، وأضيفت مئذنتان جديدتان تشبهان المآذن السبع السابقة.

وقد بلغت مساحة الزيادة 76 ألف متر مربع، وهي ثلاثة أمثال مساحة المسجد الحرام قبل الزيادة السعودية الأولى، ومعنى ذلك أن التوسعتين السعوديتين الأولى والثانية ضاعفتا مساحة المسجد الحرام تسع مرات، هذا وقد أضيفت مساحات جديدة للمصلين من الناحية الشرقية للمسجد ملاصقة للمسعى وتعرف بالساحة الشرقية، وتقع أسف جبل أبي قبيس، وتبلغ مساحتها حوالي أربعين ألف متر مربع، وقد تم تجهيزها بكافة ما يحتاجه المصلون، هذا بالإضافة إلى مساحات واسعة من الناحية الجنوبية والغربية مبلَّطة بالرخام الأبيض، ليتخذها الناس مصلَّى عند ازدياد عدد المصلين، خصوصاً أيام الحج .

وتم تزويد مبنى التوسعة بنظام تكييف لتلطيف الجو بالماء المبرد، وأنشئت لهذا الغرض محطة تبريد مركزية على بعد 450 متراً في موقع مناسب ولا يؤثر في راحة وسلامة المصلين، وتتكون من ستة طوابق وتحتوي على أحدث الأجهزة (وحدات معالجة ومكينات سحب وضخ) وترتبط المحطة بالتوسعة بنفق تمتد داخله أنابيب الدفع والسحب للمياه بقطر 1100ملم في الاتجاهين.

وإضافة إلى المبنى فقد أنشئت ساحتان من الجهتين الشرقية والغربية، حيث بلغت مساحة الساحة الشرقية 46 ألف متر مربع في حين بلغت مساحة الساحة الجنوبية 28 ألف متر مربع وتساهم الساحتان في استيعاب أعداد كبيرة من المصلين في أوقات الذروة، إضافة إلى أنها تساعد في التحكم في التدفق إلى داخل المسجد الحرام.

في عهد الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله شهد المسجد الحرام توسعة جديدة، وتطويرًا في المرافق، ومزيدًا من العناية في شتى مجالات الخدمات، كما شهد المسجد النبوي كذلك توسعةً في المساحة وترقيةً في المباني والخدمات، لم يُسبق لها مثيل.

 وترجع أهمية مشروع الراحل الملك فهد بن عبد العزيز لتوسعة الحرمين الشريفين والساحات المحيطة بهما إلى أنه أصبح ضرورةً تتطلع إليها جماهير الأمة الإسلامية، وتتمناها واقعًا حيًّا، وقد حُفِرَ هذا الصرح في ذاكرة التاريخ تتناقله الأجيال المسلمة.

وقد اتخذ من لقب خادم الحرمين الشريفين وسامَ عز وشرف يسطره لـه التاريخ على صفحاته، فسخر كل إمكاناته وطاقاته لأعمال الخير، وعلى رأسها «توسعة الحرمين الشريفين»، فاهتمَّ بتعبيد الطرق وإنشاء الأنفاق وإقامة الجسور وتوفير المياه المبردة والمستشفيات المتنقلة في كل مكان ووسائل الاتصالات الحديثة ووسائل النقل المريحة المكيفة وتسهيل إجراءات الدخول والمغادرة عبر بوابات المملكة البرية والبحرية والجوية.

وتبلغ مساحة أدوار مبنى التوسعة 57 ألف متر مربع موزعة على الدور الأرضي والدور الأول والبدروم، وهناك أيضًا مساحة السطح التي تبلغ 19ألف متر مربع ، وبذلك تصبح المساحة الإجمالية لمسطحات التوسعة 76 ألف متر مربع تتسع لحوالي 190 ألف مصلٍ إضافي، ويشمل المشروع تجهيز المساحات الخارجية ومنها المساحة المتبقية من جهة السوق الصغير، والمساحة الواقعة شرق المسعى بمساحة إجمالية تبلغ 59 ألف متر مربع تكفي لاستيعاب 130 ألف مصلٍّ.

الحرم المكي يستوعب مليون مصلٍّ وبذلك أصبحت مساحة المسجد الحرام شاملةً مبنى المسجد بعد توسعته والأسطح وكامل الساحات 328 ألف متر مربع تتسع لحوالي 73 ألف مصلٍ في الأيام العادية، وأما في أوقات العمرة والحج ورمضان فيزيد استيعاب الحرم ليصل إلى أكثر من مليون مصلٍّ.

كما يتضمن مبنى التوسعة مدخلاً رئيسيًّا جديدًا و18 مدخلاً عاديًّا، إضافةً إلى مداخل المسجد الحرام الحالية والبالغ عددها 3 مداخل رئيسية و27 مدخلاً عاديًّا، وقد رُوعي في التصميم إنشاء مدخلين جديدين للبدروم إضافة إلى المداخل الأربعة الحالية.

ويتضمن مبنى التوسعة أيضًا مئذنتين جديدتين بارتفاع 89 مترًا تتشابهان في تصميمهما المعماري مع المآذن الحالية البالغ عددها سبعًا.

ولتسهيل وصول أفواج المصلين إلى سطح التوسعة في المواسم أضيف مبنيان للسلالم المتحركة، أحدهما في شمال مبنى التوسعة، والآخر في جنوبه مساحة كل منهما 375متر مربع ، ويحتوي على مجموعتين من السلالم المتحركة طاقة كل مجموعة 150 ألف شخص في الساعة، إضافةً إلى مجموعتين من السلالم المتحركة داخل حدود المبنى إلى جانبي المدخل الرئيسي للتوسعة. وقد صممت السلالم المتحركة إضافة إلى الأدراج الثابتة بحيث تستطيع أن تخدم حركة الحجاج والمصلين في أوقات الذروة، ولا سيما كبار السن منهم دون عناء؛ وبذلك يصبح إجمالي عدد مباني السلالم المتحركة سبعة مبان تنتشر حول محيط الحرم والتوسعة لخدمة الدور الأرضي والسطح، وقد أقامت حكومته رحمه الله مشروعات خاصة بسحب مياه زمزم المباركة وتبريدها وتوزيعها، وتنتشر شبكة مياه زمزم المبردة في أروقة المسجد الحرام فمنها ما يكون في حافظات، ومنها ما يكون في مجمعات من خزانات ومنها عبر صنابير للشرب.

وفي ما يتعلق بالتهوية والإضاءة والصوت بالمسجد الحرام فقد حدثت توسعات هائلة وأعمال الكهرباء سواء للإضاءة أو التهوية أو الصوت، إذ بلغت المصابيح العاملة في المسجد الحرام أكثر من 57 ألف مصباح، يبلغ قوة بعضها 2500 شمعة، إضافةً إلى آلاف السماعات والنجفات والمراوح والساعات ومكبرات الصوت في الساحات والمنارات والمصاعد والسلالم الكهربائية وأجهزة التكييف.

وتتوزع في ساحات المسجد الحرام أماكن الوضوء ودورات المياه ويبلغ عددها ألفي حمام، ومثلهما لصنابير الوضوء مجهزة تماما لمستخدميها.

ويستهلك في أيام الذروة 25 ألف متر مكعب من المياه في اليوم الواحد، ولن يجد زائر بيت الله الحرام ـ حاجًّا أو معتمرًا ـ أية مشقة في طلب الفتوى أو السؤال في أمر شرعي، فهناك أكثر من 30 حلقة درس ووعظ وإرشاد في المسجد الحرام يقوم عليها علماء أجلاء متخصصون في العلوم الشرعية، وتستقبل مكتبة الحرم المكي الشريف روادها للاطلاع على ما تحتويه من تراثٍ عظيمٍ، وقد بلغت تكلفة مشروع الملك فهد لتوسعة الحرم المكي الشريف 7000 مليون ريال.

  أكبر توسعة للمسجد النبوي

* انطلق العمل في مشروع الملك فهد رحمه الله لتوسعة المسجد النبوي الشريف وعمارته مع ما يتبعه من ساحات ومواقف للسيارات تحت الأرض، ومحطات ومبان للخدمات في شهر صفر من عام 1406هـ، ليشكل أكبر توسعة في تاريخ مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وليتوج مشاريع الخير التي اعتمدت في السنوات الأخيرة وتضمن مشروع الملك فهد لتوسعة المسجد النبوي الشريف إضافة مبنى جديد على مبنى المسجد يُحيط ويتصل به من الشمال والشرق والغرب بمساحة مقدارها 82 ألف متر مربع تستوعب 137ألف مصلٍ وبذلك أصبحت المساحة الإجمالية للدور الأرضي 98.500متر مربع تستوعب 167 ألف مصلٍ، وتمت الاستفادة من سطح التوسعة للصلاة بمساحة قدرها 67 ألف متر مربع تستوعب 90 ألف مصلٍّ.

وبذلك اتسع المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة لأكثر من 257 ألف مصلٍّ ضمن مساحة إجمالية تبلغ 16.550.000متر مربع ، كما تتضمن أعمال الإنشاء دورًا سُفليًّا (بدروم) بمساحة الدور الأرضي بالتوسعة؛ وذلك لاستيعاب تجهيزات التكييف والتهوية.

واحتوت التوسعة على 7 مداخل رئيسية يتألف كل منها من 7 بوابات، وهناك مدخلان آخران من الناحية الجنوبية يتألف كل منهما من بوابتين، إضافةً إلى ست من البوابات الجانبية، وبذلك يصبح إجمالي البوابات 59 بوابة، إضافةً إلى ثماني بوابات لمداخل ومخارج السلالم المتحركة ومخارجها التي تخدم سطح المسجد المخصص للصلاة، جنبًا إلى جنبٍ مع 18 سلمًا داخليًّا فضلاً عن سلالم الخدمة.

وأصبح للمسجد بعد التوسعة عشر مآذن منها ست جديدة، ارتفاع كل منها 99م، يُضاف إلى ذلك ارتفاع الهلال ليصبح الإجمالي 105م، أي بزيادة 33م عن المخصص للصلاة، كما أصبح للمسجد 27 قبة على مساحة 18 في 18 مترًا يتم فتحها وإغلاقها بطريقة كهربائية.

أما بالنسبة إلى توسعة المنطقة المحيطة بالمسجد النبوي الشريف فشملت ساحات الصالة المحيطة بالمسجد والطرق ومواقف السيارات تحت الأرض والمرافق التجارية والحكومية وغيرها من التسهيلات المعدة لخدمة زوار المسجد النبوي الشريف كالمواضئ ودورات المياه، وتبلغ مساحات الساحات المحيطة بالمسجد 235 ألف متر مربع وغطيت هذه الساحات بالرخام وفقًا لأشكال هندسية إسلامية وبألوان مختلفة، ويستعمل قسم كبير من هذه الساحات للصلاة أيام الجمع والمواسم.

وتبلغ المساحة المخصصة للصلاة حوالي 135ألف متر مربع وفي إمكانها استيعاب 25 الف من المصلين، وفي حالة استعمال كامل المساحة يزداد العدد إلى 400 ألف مصلٍ، مما يجعل الطاقة الاستيعابية لكامل المسجد والساحات المحيطة به تزيد على 650 ألف مصلٍ.

  مليون مصلٍّ في الحرم النبوي

* أما في أوقات العمـرة والحج ورمضان فيزيد استيعاب الحرم ليصل إلى أكثر من مليون مصلٍ، وبالنسبة إلى مواقف السيارات فتقع تحت الساحات المحيطة بالمسجد النبوي الشريف، وتتكون من دورين تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 390 ألف متر مربع تتسع لحوالي أربعة آلاف سيارة، وقد رُوعي في تصميم هذه المواقف فصل حركة السيارات عن حركة المشاة والمصلين بما يتلاءم مع متطلبات الصلاة والعبادة.

 كما أقام الملك فهد بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ مشروع جسور في مواقف السيارات وشبكات لتزويد المياه ويتكون مشروع مواقف السيارات من 11 وحدة، تفصل بينها مباني الخدمات، وتتألف كل وحدة من خمسة جسور للدور الواحد وتبلغ مساحة الجسر الواحد 1.600متر مربع ، وإجمالي عدد الجسور مائة وعشرة، إضافة إلى جسور أخرى في مناطق المنحدرات والمنزلقات الداخلية بالقرب من المداخل والمخارج الرئيسية، وكسيت حيطان مباني الخدمات بالرخام.

 كما أنَّ مشروع مواقف السيارات مجهز بشبكات متكاملة لتصريف المياه والصرف الصحي والتهوية والتبريد ومكافحة الحرائق، وكذلك شبكات تأمين المياه.

 ويشتمل مشروع مواقف السيارات على 15 وحدة للخدمات تتكون كل منها من أربعة أدوار، وتشمل هذه الوحدات خزانات و270 حمامًا ومرحاضًا و6314 نقطة للوضوء و758 نقطة مياه للشرب، كما تشتمل مواقف السيارات على 27 وحدة خاصة، تضم مراكز للأمن وعيادات ووحدات طبية ومركزًا للدفاع المدني وغرف تحكم.

ويوجد في المشروع 116 سُلمًا كهربائيًّا و30 سلمًا عاديًّا ،تصل مواقف السيارات بالساحات المحيطة بالمسجد النبوي الشريف، وتبلغ التكاليف الإجمالية لمشروع توسعة المسجد النبوي الشريف وعمارته أكثر من 6.000 مليون ريال.

بعد مبايعة الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله ملكاً للمملكة العربية السعودية في 21 من شهر شعبان عام 1402هـ الموافق 13 من يونيو 1982م، كان شغله الشاغل توفير جميع أسباب الرعاية لحجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم. فقد رأى أن المظلات المؤقتة التي أقيمت غربي المسجد النبوي الشريف غير كافية، ولا تفي بالغرض المنشود لرعاية المصلين والزوار وحمايتهم من حر شمس الصيف وبرد الشتاء. وفي زيارته للمدينة المنورة في أكتوبر عام 1983م أمر بتنفيذ مشروع توسعة كبرى للحرم النبوي الشريف تضاعف مساحته عشر مرات، وتسخر لها كافة الإمكانات الهندسية والتقنية، لجعل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوسع وأجمل المساجد في العالم. وليكون المسجد منطلقا لتطوير شامل للمدينة المنورة فقد اعتمدت أفضل الأساليب الهندسية الحديثة لتكون نقطة البداية، تمثلت في تنفيذ مشروع للمسح الجوي للمدينة المنورة لرسم خرائط تفصيلية ملونة كانت هي الأساس في أعمال التطوير والتنظيم والتعمير، وكانت هذه اللفتة الكريمة والبادرة المباركة لانطلاق فرق المتخصصين والمهندسين لإجراء الدراسات وإعداد الرسومات بصورة منتظمة وبسرعة فائقة، ورغبة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ـ يرحمه الله ـ في إنجاز جميع المشروعات التطويرية التي تقتضي إعادة تنظيم المدينة المنورة، فقد أمر بتأليف لجنة وزارية برئاسته، وعهد إلى أمير منطقة المدينة المنورة الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز آل سعود ـ يرحمه الله ـ بنيابة رئاسة اللجنة، لكي تستمر أعمال المتابعة على مدار الأيام من دون توقف. وأشرف الملك فهد ـ يرحمه الله ـ بنفسه على وضع المخططات والتصاميم لمشروع التوسعة وناقش المسؤولين والمهندسين في أدق تفاصيله، وأدخل عليه تعديلات عديدة، تتفق مع الهدف الذي وضعه لهذا المشروع العملاق. بل إن الملك فهد اختار بنفسه المواد الخام التي استخدمت في كسوة أرض المسجد وجدرانه، وزود القائمين على المشروع بكثير من الأفكار بحيث تحقق لهذا المشروع أقصى ما يمكن تحقيقه مما يليق بمكانة المسجد، مع تزويده بكافة معطيات التقنية الحديثة، من سلالم كهربائية متحركة، وإضاءة متميزة، وتبريد شامل ومواقف للسيارات، ومرافق الخدمات الأخرى.

وحرص الملك فهد رحمه الله على زيارة المدينة المنورة سنويا، ليتابع بنفسه ما نفذ من المشروع، والمشروعات التطويرية الأخرى في المدينة المنورة، وكانت أعمال التعمير والتطوير والتجميل تسير في وقت واحد في جميع المجالات، وعلى رأسها المشروع العملاق لخادم الحرمين الشريفين بتوسعة الحرم النبوي الشريف، أكبر توسعة شهدها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تاريخه ثم بمساجد المدينة المنورة الأولى في تاريخ الإسلام كمسجد قباء ومسجد الجمعة ومسجد القبلتين ومسجد الميقات وغيرها من المساجد التاريخية، وإنشاء المحكمة الشرعية الكبرى مع كل ما يرتبط بها من خدمات، وشبكات الطرق والكباري والأنفاق لتحسين وتجميل مداخل المدينة المنورة ولتسهيل الوصول للقادمين لزيارة مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وزيارة مساجدها ومعالمها التاريخية تيسيرا لهم وتسهيلا لتحركاتهم وإقامتهم مع توفير جميع الخدمات خاصة حول الحرم النبوي الشريف من مرافق وحمامات ودورات مياه ومواقف للسيارات، وتوفير الرعاية الصحية والخدمات السكنية والمعارض التجارية ووسائل الاتصالات مع جميع بلدان العالم. وذلك لراحة المصلين وضيوف الرحمن.

مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف

* وفي 16 محرم عام 1403 هـ (1983 م) وضع الملك فهد رحمه الله حجر الأساس لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف وفق أحدث المواصفات الفنية العالية، وبدقة متناهية، تفوق جميع ما يصدر في العالم من طبعات للمصحف الشريف، وترجمة معاني القرآن الكريم بمختلف لغات العالم. علاوة على طبع تلاوات للقرآن الكريم على أشرطة صوتية لأفضل القارئين. وبذلك يكون خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بإنشائه المجمع في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم قد أعاد دور مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم كمركز قرآني يعنى بطباعة كتاب الله. وفي شهر صفر عام 1405 هـ/ 1985م افتتحه الملك الراحل بنفسه على بركة الله. ولم تكن هذه المشروعات لتتم في عشية أو ضحاها فلابد أنها تستغرق وقتا لتنفيذها، ولكنها نفذت بفضل من الله تعالى وأصبح الحلم حقيقة وأصبح حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم هو كل مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، بالعمل الدؤوب الذي اختصر زمن الإنجاز إلى سنوات وجيزة لم تتعطل خلالها الصلوات ليلا أو نهارا.. بل هي الرعاية الدائمة والراحة التامة، للحجاج والمعتمرين والزائرين اطمئنانا وأمنا وأمانا. فقد حرص على أن يكون المشروع العملاق لتوسعة المسجد النبوي الشريف بحجم المسؤولية، والأمانة التي شرف الله تعالى بهما هذا البلد الطيب وإنسانه في رعاية المقدسات الإسلامية، وبحجم المقاصد الخيرة لراحة المصلين وخدمة ضيوف الرحمن الذين تستقبلهم المملكة العربية السعودية على مدار العام والشهر واليوم والساعة. واليوم وقد اكتمل هذا الإنجاز العظيم في أروع صورة وأبهى عمارة لحرم المصطفى صلى الله عليه وسلم عبر التاريخ، تسطر بأحرف من نور صفحات مشرقة ومضيئة مليئة بالفخر والاعتزاز لمن أوفى الوعد وحقق بعون الله تعالى حلم وأمنية كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، انشرح صدره بكل هذه الرعاية، وهذا الوفاء بشرف المسؤولية التي لا يدانيها شرف في خدمة الإسلام والمسلمين في هذا البلد الطيب الذي يرفع راية التوحيد، ويستظل بظلها ويهتدي بالهدى السماوي والنهج الإسلامي الكامل في كل أموره شريعة ومنهاجا ودستور حياة. وإذا كان من الصعب بمكان وصف تفاصيل هذه الأعمال الجليلة وهذه التوسعة العملاقة لمسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم التي لم يشهد التاريخ مثلها على مر العصور، فإن تقديم صورة واضحة عن هذا المشروع العملاق تظل في إطار الإجمال، وتبقى التفاصيل بكل جزئياتها وعناصرها شاهدة على شرف هذا الإنجاز الرائع الكبير.

واستكمالا لتوسعات المسجد الحرام والمسجد النبوي في العهد السعودي الزاهر تقرأون تفاصيل اوسع في الاسبوع المقبل عن التوسعات في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي بدأت منذ ان تولى سدة الحكم في البلاد وتواصل اعمالها حتى اللحظة.