السعودية: دراسة مشروع قانون يعاقب على التحرش بين الجنسين في دوائر العمل

لا يفرق بين كون المتحرش رجلا أو امرأة.. والسجن 3 سنوات وغرامة 100 ألف ريال للمتجاوزين

الأسواق التجارية من أكثر الأماكن التي تشهد حالات تحرش بين الجنسين (أ.ب)
TT

تتجه السعودية إلى وضع الأطر القانونية لمسألة التحرش الجنسي، وبالذات في بيئة العمل، محددة عقوبات ستطبق بحق المتجاوزين تصل في حدها الأقصى إلى السجن 3 سنوات، وتغريم المتحرش 100 ألف ريال، في الوقت الذي لا يفرق مشروع الدراسة بين ما إذا كان المتحرش رجلا أو امرأة.

وتعكف لجنة مختصة في مجلس الشورى على دراسة إصدار نظام لردع المتحرشين جنسيا، بهدف القضاء على هذه الظاهرة في العمل، من أجل الوصول إلى بيئة عمل نظيفة، خاصة بعد أن تم بالفعل إعداد مسودة هذا النظام، وبدأ المجلس في دراسته.

وتوقع الدكتور طلال بكري، رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب بمجلس الشورى، في تصريح خاص بـ«الشرق الأوسط»، أن يساعد المجلس في تشكيلته المقبلة على تسريع إصدار هذا النظام. وقال إنه سيتم تحديد العقوبات المناسبة لكل فعل من خلال لجنة الشؤون الإسلامية، فالعقوبة ستكون بقدر الإساءة، فكل نوع من التحرشات يحتاج إلى دراسة وإلى إيجاد العقوبة الرادعة المناسبة له، كما سيتم تحديد الجهة التي ستنفذ هذا المشروع من خلال لجنة الشؤون الإسلامية.

وذكر الدكتور البكري أن مثل هذه التحرشات ستكون موجودة في البداية فقط، كوننا بالدرجة الأولى مجتمعا مغلقا، وأن الزمن كفيل بإزالة مثل هذه التحرشات في ظل وجود نظام لمكافحة التحرش الجنسي، الذي سيكون له دور كبير في إيقاف مثل هذه الأمور، من خلال أسلوب العقاب المناسب والرادع.

من جانبه قال الدكتور مازن عبد الرزاق بليلة، عضو مجلس الشورى، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنه سبق وأن عرض على مجلس الشورى أهمية وجود نظام لمكافحة التحرش الجنسي بالنساء، حيث تمت الموافقة على دراسة الموضوع في اللجنة المختصة، ثم أعاد عرض الموضوع مرة أخرى في إحدى الجلسات، التي تم فيها استضافة وزير العمل، الذي أشار بدوره إلى أن وزارته سوف تدعم هذا الاتجاه عندما يأتي من الشورى.

وأضاف: «على هذا الأساس تم إعداد مسودة نظام مكافحة التحرش الجنسي بتمويل من القطاع الخاص، والذي قام بدراسة علمية قانونية شملت الاطلاع على جميع الأنظمة والتشريعات التي تعنى بمكافحة التحرش الجنسي في دول عربية وإسلامية وغربية، واستنباط ما هو مناسب للمجتمع السعودي وما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية».

وأضاف الدكتور بليلة أنه تم مناقشة عدة مواضيع في اجتماع لجنة نظام التحرش الجنسي، من بينها مفهوم الرشوة الجنسية، كذلك مدى ملاءمة تطبيق عقوبة الجَلد للمرأة، وتقبل المجتمع الدولي لهذا النوع من العقوبة، مشيرا إلى أن الحق العام لا يسقط بمرور الزمن، والتحرش جريمة تتعلق بالحق العام. كما تطرق الاجتماع إلى عدة مواضيع أخرى، من بينها طرق إثبات التحرش الجنسي، التي تكون بالكتابة أو الشهود أو القرائن أو المعاينة أو اليمين أو الإقرار، أي أنه يجب على المرأة إثبات البينة.

وتقترح المسودة أن يكون نظام مكافحة التحرش مستقلا بدلا من إدراجه في قانون العمل، لأن صدور نظام جديد أسهل من تعديل نظام قائم. كما شدد النظام أنه كلما كان الجاني متفوقا على المجني عليه، سواء كان هذا التفوق طبيعيا أو مصطنعا، تشدد العقوبة على الجاني.

وأوضح الدكتور بليلة أن المادة الأولى من مسودة نظام مكافحة التحرش الجنسي تنص على أنه: يعتبر تحرشا جنسيا معاقبا عليه بموجب هذا النظام كل قول أو فعل أو إشارة، أو اتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على الرغبة في الإيقاع الجنسي بالطرف الآخر، أو إهانته، أو استفزازه، أو تحقيره بسبب جنسه، أو مجرد خدش حياء الأذن أو العين.

وذكر أن العقوبات المقترحة لمثل هذا الفعل هي حبس المتحرش مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن سنة، وبغرامة لا تقل عن 20 ألف ريال ولا تتجاوز 50 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة العودة تضاعف العقوبة.

وأشار إلى أن المادة الثانية من مسودة نظام مكافحة التحرش تنص على مفهوم التحرش الجنسي في مجال العمل، وهو صدور أي سلوك ينطبق عليه الوصف الإجرامي الوارد في المادة الأولى من هذا النظام من رئيس على مرؤوس أو العكس، أو من عامل على آخر، أيا كان نوع العمل أو نوع العلاقة بين الطرفين، وسواء كان في النطاق الزماني والمكاني للعمل أو خارجه، متى كانت علاقة العمل هي سبب التحرش الجنسي أو وقع بمناسبتها.

أما العقوبات المقترحة في مجال العمل فهي أشد، حيث يطالب بحبس المتحرش مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن 3 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف ريال، وفي حالة العودة تضاعف العقوبة.

ويضيف عضو مجلس الشورى أن المادة الثالثة تؤكد على مسؤولية الرؤساء والمديرين في المؤسسات الحكومية وأصحاب الأعمال، أو من يقوم مقامهم، كل في مجال عمله، على توفير بيئة عمل خالية من أفعال التحرش الجنسي، حيث يتعين عليهم وضع أنظمة داخلية فعالة لمكافحة التحرش الجنسي، مع اتخاذ كافة الوسائل اللازمة لذلك، ومن ذلك نشر الوعي بخطورة التحرش الجنسي من الناحية الدينية والأخلاقية والنظامية، وتوفير بيئة عمل يحاط فيها الاختلاط بين الجنسين بالضوابط الشرعية، والمراقبة المستمرة لسلوكيات من تثور حولهم الشبهات، وضع نظام فعال للشكوى من أفعال التحرش الجنسي، وإحاطة التحقيق الإداري بكافة الضمانات النظامية، كما يجب ضمان سرية التحقيق حفاظا على النظام العام والآداب العامة.

وتم اقتراح أنه في حالة الإخلال بالجزاءات التأديبية المنصوص عليها في نظام الخدمة المدنية أو العمل، يعاقب رئيس المؤسسة أو مديرها أو صاحب العمل حسب الأحوال بغرامة لا تقل عن 50 ألف ريال ولا تتجاوز 100 ألف ريال، كما أنه في حال العودة تضاعف العقوبة.

ويؤكد الدكتور بليلة أن المادة الرابعة تتناول كذلك مسؤولية الرئيس بالمؤسسة أو مديرها أو صاحب العمل عن كل حوادث التحرش الجنسي التي تقع في مؤسسته، مالم يثبت أنه لم يقصر في وضع وتنفيذ خطة مكافحة التحرش الجنسي.

وتأتي المادة الخامسة لتطالب المجني عليه في جريمة التحرش الجنسي بإقامة الدليل على وقوعها، وللمتهم نفيها بكافة طرق الإثبات، بينما يخضع إثبات الواقعة ونفيها للسلطة التقديرية لجهات التحقيق.

وأظهر استبيان شاركت فيه نحو 1000 عاملة سعودية يعملن في مجالات مختلفة، مثل الطب والتعليم والبنوك والإعلام والوظائف الإدارية والتقنية والفنية، حيث كان موضوع الاستبيان «التحرشات والصعوبات التي تواجهها المرأة السعودية في عملها مع الرجل»، أن معظم الموظفات اللاتي شاركن في الاستبيان لم يواجهن أي صعوبة في إقناع أسرهن من أجل الحصول على وظيفة، كما أن حالتهن الاجتماعية جاءت على الترتيب التالي: المتزوجات 48 في المائة، العازبات 42 في المائة، المطلقات 10 في المائة.

أما سبب رغبتهن في العمل فقد شكل إثبات الذات والطموح أعلى نسبة، يليه الحاجة المادية، ثم تمضية وقت الفراغ. وذكر البعض منهن أنهن يعتبرن العمل مسؤولية اجتماعية يبتغين الأجر من خلالها، بالإضافة إلى تحقيق الاستقلالية المادية، كما أن ذلك يخلصهن من تسلط الرجل وإهانته، ويمنحهن الأمان المادي والنفسي في حالة حدوث الطلاق، إضافة إلى أن العمل يساعدهن على التغلب على غلاء المعيشة.

وأظهر الاستبيان أن نسبة الموظفات اللاتي تعرضن للملاطفة بطريقة غير لائقة من قبل «رؤسائهن» كانت 21 في المائة، بينما تعرضت 35 في المائة منهن لمحاولات مشابهة من «زملائهن» الذين يعملون معهن بنفس المستوى الوظيفي أو أقل.

وكانت نسبة النساء اللاتي شاركن في الاستبيان ويرتبط عملهن بالرجال بشكل مختلط أكثر من 68 في المائة، فيما كانت 24 في المائة منهن يعملن في أقسام نسائية منفصلة عن الرجال. وكانت الملاطفة في الحديث هي الأسلوب الأكثر الذي يستخدمه الرجال كجس نبض لما سيتبعه من تحرشات، وقد تطور الأمر عند البعض لطلب لقائهن خارج أوقات العمل بنسبة 28 في المائة، بينما عانى 24 في المائة منهن من الاتصال بهن في أوقات متأخرة، أما 15 في المائة فكشفن عن أنه تم التجرؤ والتحرش بهن باللفظ واللمس.

وذكرت بعض المشاركات في الاستبيان أن مثل هؤلاء الرجال يبدأون بالملاطفة، فإذا أوقف عند حده من البداية لم يتجاوز ذلك إلى أمور أخرى. كما ذكرن أن رفع شكوى إلى المسؤول أو المدير بشكل خاص قد يفيد في ردع زملاء العمل إضافة إلى تجاهلهن. وسببت هذه التحرشات صعوبات لهؤلاء الموظفات، كما أظهرت النتائج التي أشارت إلى أن 32 في المائة من الموظفات اللاتي تعرضن لتحرشات من قِبل «رؤسائهن أو زملائهن» مروا بصعوبات نفسية كبيرة، سواء لخوفهن من الفضيحة أو الفصل التعسفي أو معرفة أسرهن بتلك المضايقات، مما يترتب عليه إشكاليات ليس لها حدود، بجانب إيقافهن عن العمل، إضافة إلى حرمانهن من الزيادات المالية أو الترقيات التي يسعين لها ويطمحن للوصول إليها كباقي العاملين، نتيجة عدم استجابتهن للتحرشات.

أما من تعرضن لتحرشات تعدت حدود الملاطفات أو الاستدراج في الحديث فكانت نسبتهن 22 في المائة، وهو مؤشر على عدم وجود وازع ديني أو أخلاقي عند بعض الرجال، بجانب انعدام ثقافة آداب التواصل مع المرأة.

وتباينت ردود الأفعال تجاه التحرش الذي تعرضن له بشكل مختلف وبناء على ظروف كل مشاركة في الاستبيان، حيث أكدت 7 في المائة منهن أنهن فضلن السكوت خوفا من الفضيحة، و8 في المائة فضلن السكوت حتى لا تتطور الأحداث ويصل الخبر إلى أسرهن فيضطررن إلى ترك العمل، فيما كانت 24 في المائة منهن قد تقدمن بشكوى ضد من تحرش بهن. لكن النسبة الأكبر، والتي تعتبر النتيجة الطبيعية في الغالب، كانت 74 في المائة لمن تصدين للمتحرشين بشكل حازم وأوقفنهم عند حدهم، لكن المخيب للآمال أن هناك من سايرن المتحرشين خوفا منهن، وهن نسبة ضئيلة للغاية تمثل 2 في المائة، كذلك من سايرنهم خوفا على الوظيفة، وكانت نسبتهن قليلة وتمثل 4 في المائة، وقد لجأ البعض من الموظفات لترك العمل كليا تفاديا للمتحرش، كما ذكرت بعض المشاركات.

وطالبت 83 في المائة من الموظفات من خلال الاستبيان بوضع قوانين صارمة تشمل الفصل والسجن والغرامات المالية لردع المتحرشين، فيما كانت هناك نسبة بسيطة فضلن تقنين الاختلاط بالجنس الآخر للضرورة كحلّ أمثل، لكن الغريب في الأمر أن نسبة 11 في المائة فقط هن من طالبن بفصل الذكور عن الإناث كليا.

وأشارت بعض المشاركات إلى أن ظهور المرأة بالمظهر اللائق المحترم والتزامها بالحجاب أمام الرجال، ومعاملتها لهم بكل جدية واحترام، يقلل كثيرا من هذه الحالات، كما طالبن بتثقيف الموظفات وإطلاعهن على حقوقهن وتشجيعهن على الإفصاح عما يضايقهن وعدم السكوت على مثل هذه الحالات. كما أشار البعض منهن إلى أنه يمكن الرجوع إلى تجربة شركة أرامكو الناجحة في هذا المجال، حيث توجد قوانين صارمة جدا تردع المتحرشين، مما ساهم في تقليل نسبة التحرش 99 في المائة كما تقول إحداهن.

وتعتقد 80 في المائة من الموظفات المشاركات في الاستبيان أن تثقيف المجتمع بشكل عام، وتوعيته بآداب التواصل الاجتماعي، سيساهم في التقليل من هذه الظاهرة، وسيساعدهن على تحقيق المزيد من النجاح والتفوق في العمل. واقترحت بعض المشاركات وضع لوحات في مقر العمل تنص على القوانين التي تعاقب المتحرشين، لتعريف المرأة بحقوقها ولتذكير الرجل بما سيحدث له في حالة إقدامه على أي فعل مشين، كما أوضحن أن فصل الذكور عن الإناث كليا في العمل له سلبياته، فالاختلاط موجود في الأماكن العامة. وطالب الجميع بوضع قوانين صارمة تكفل حق الموظفة لتعمل في جو آمن لتحقق مزيدا من النجاح والتميز.