جدة: سكان الأحياء يتواصلون مع بعضهم بعضا إلكترونيا عبر «شبكات اجتماعية»

باحث في الإنترنت يؤكد أنها ظاهرة صحية تستحق التشجيع والإبراز

الانترنت أصبح أحدث وسائل الربط بين أحياء مدينة جدة («الشرق الأوسط»)
TT

مثلما استطاعت الشبكات الاجتماعية عبر مواقع الكترونية غربية إدخال أوباما إلى البيت الأبيض، فإنها أصبحت حلقة وصل بين السعوديين الساكنين في أحياء متفرقة بمدينة جدة، لا سيما أن شباب تلك الأحياء تحملوا مسؤولية الحفاظ على تواصل أهالي منطقتهم من خلال مواقع الكترونية متخصصة لكل حي، إضافة إلى خدمة رسائل الجوال التي يتبادلون عبرها أخبار جيرانهم.

وفي غضون تسعة أشهر فقط، استطاع عمرو العلوي ابن الخامسة والعشرين ربيعا تدشين موقع حي الرويس الالكتروني على يد عمدة الحي، ليجمع ما يزيد على 250 ساكنا في أقل من شهرين على صفحات موقعه.

وذكر عمرو ابن حي الرويس ومدير الموقع أن حيّه يمتاز بتكافل اجتماعي قوي في ظل تمسك سكانه بفكرتهم الشعبية، وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن الهدف من إنشاء موقع الكتروني هو تجمع أهله في مكان واحد، وتبادل أخبارهم أولا بأول، إضافة إلى إتاحة الفرصة للمقارنة بين الماضي والحاضر»، لافتا إلى أن فكرته انبثقت من تساؤلات جيرانه عن حالهم بعد إزالة الحي، خصوصا أنهم لا يعارضون قرار الإزالة وإنما يرفضون التفرق والابتعاد عن بعضهم بعضا.

وأضاف هناك خدمة جوال الحي، والتي من خلالها يتم إرسال آخر أحداث السكان عن طريق تسجيل بياناتهم في الموقع الالكتروني للحي، إذ إن هناك من لا تصلهم الرسائل النصية بسبب عدم وجود أرقامهم في الموقع.

وأوضح عمرو العلوي أن الموقع يشتمل على معلومات لبعض أعلام الحي، والذين منهم الشاعر والكاتب والتاجر والصحافي، غير أن معظم الناس لا يعرفون عنهم شيئا، ما يجعل القائمين على موقع حي الرويس الالكتروني يحاولون إيصال مسيرة هؤلاء الشخصيات إلى الآخرين، مبينا أن الموقع يتيح فرصة التواصل بين الآباء وأبنائهم ممن يعملون خارج مدينة جدة.

وأشار مدير موقع حي الرويس إلى أن الموقع نجح في جلب مختلف الفئات العمرية من سكان الحي، مضيفا أن مسؤولية جمع المعلومات من كبار السن قام بها أكثر من خمسة أشخاص، في ظل أن غالبية القائمين على الدعم الفني للموقع هم من فئة الشباب.

وواجه عبد الإله الشريف الذي لم يتجاوز العشرين عاما من عمره والمسؤول عن جمع معلومات الحي صعوبة كبيرة في قيامه بمهمته، خاصة أنه اعتمد على كبار السن كمصدر له في ذلك، وأضاف قمنا بالإعلان عن الموقع فور تدشينه من خلال لوحات الشوارع واللوحات الإعلانية المتخصصة، وذلك بهدف مساعدة أهالي حيّنا، إذ يستقبل الموقع مشاكلهم وإعلان مناسباتهم السعيدة والحزينة على حد سواء، مفيدا بأن جميع سكان الحي ساهموا في دفع مبالغ مادية لإنشاء موقع حي الرويس الالكتروني.

وبالعودة إلى عمرو العلوي الذي أرجع صعوبة جمع المعلومات إلى استهتار بعض الأفراد حين سؤالهم عن حي الرويس قديما، إضافة إلى أن أغلب كبار السن قد توفوا، وأضاف حاولت أن أجمع كل أعلام الحي بدلا من اختيار بعضهم، غير أن صعوبة الحصول على صور لهم حالت دون ذلك، منوها إلى أن تحديث الموقع الالكتروني يكون بشكل يومي.

ويسعى مدير موقع حي الرويس إلى جمع مواقع الأحياء الأخرى وضمّها ضمن موقع كبير يشمل مدينة جدة، إلا أن عدم معرفته بأصحابها والقائمين عليها يعيق التواصل معهم، وقال استطعنا من خلال موقعنا حل مشكلة سفلتة أحد شوارع الحي، بعد أن تقدم بها أحد الساكنين لنوصلها إلى الجهات المسؤولة، مؤكدا أنهم مستعدون للنظر في قضايا سكان حي الرويس ومحاولة إيجاد الحلول لها.

ويحتوي موقع حي الرويس الالكتروني على «الدليل» الذي يتضمن بيانا بأسماء سكان الحي، ويهدف إلى سهولة إيصال دعوات الزواج للجميع، بينما يستطيع أهالي الحي عرض ما يرغبون في يعه من السلع عن طريق قسم «المتجر»، إضافة إلى شراء أي غرض من القسم نفسه.

كما يستطيع زائر الموقع قراءة نبذة عن حي الرويس الذي اكتسب هذا المسمى قديما من وجود حجر صغير يشبه الرأس آنذاك، إضافة إلى الإطلاع على ألبوم صور للحي وإحصاءات أعضاء الموقع وأغلب قضاياهم.

فيما قام سكان حي النزلة بإنشاء موقع الكتروني فور صدور قرار إزالة الأحياء العشوائية، وذلك لإيصال شكواهم وأصواتهم للجهات المسؤولة، إذ يحتوي الموقع على شكاوى ومطالبات أهالي الحي، إضافة إلى تبادل أخبارهم بين بعضهم بعضا.

من جهته أكد الدكتور فايز الشهري رئيس تحرير مجلة البحوث الأمنية والباحث في استخدامات شبكة الانترنت أن ظاهرة الشبكات الاجتماعية تعد صحية من المهم تشجيعها وإبرازها، لا سيما أنها دليل على تطبيق قاعدة الخبراء في بدايات تأسيس تقنية الإنترنت والتي تنص على التفكير عالميا للرجوع مرة أخرى إلى »Think globally at locallyالمحلية« وقال لـ «الشرق الأوسط»: «إن وجود مواقع للأحياء في مدينة جدة وبعض المدن الأخرى هو امتداد لظاهرة الشبكات الاجتماعية التي انتشرت في الغرب من خلال مواقع الكترونية شهيرة، إذ أجاد فريق الرئيس الأميركي باراك أوباما توظيف تلك الشبكات للوصول إلى الناس بحسب اهتماماتهم وأحيائهم ومدنهم».

وذكر أن ذلك يؤكد عودة الشبكة الالكترونية من العالمية إلى المحلية، إذ إنها بدأت عالميا في اكتشاف المجتمعات لبعضها بعضا ولحضارات ولغات مختلفة، وعادت الأحياء الصغيرة لاكتشاف نفسها ضمن مواقع الكترونية صغيرة، لافتا إلى أن تلك المواقع المختصة في قرى أو أحياء محدودة ستصل إلى العالم بأكمله في ظل انفتاح الشبكة الالكترونية.

وأضاف إن هذه الظاهرة لها إيجابيات كثيرة في حال تم التعرف على القائمين عليها وأهدافهم التي من المفترض أن تتمثل في خدمة مجتمعهم الصغير والاهتمام بخدماته وتطوير بيئته، إضافة إلى مساعدتهم للإدارات الموجودة في أحيائهم وزيادة التواصل بينهم عن طريق الانترنت.

ولفت الدكتور فايز الشهري إلى أن مدينة جدة بحكم مجتمعها الحضري قادرة على أن تكون نموذجا يحتذى به في المدن الأخرى والدول العربية أيضا، مطالبا بضرورة تخصيص جوائز لمواقع الأحياء الالكترونية الأكثر نجاحا على غرار الجوائز الدورية التي تمنحها وزارة الاتصالات للتميز الرقمي.

وحول مدى استفادة جميع الفئات العمرية من مواقع الأحياء الالكترونية في ظل وجود أشخاص غير ملمين بتلك التقنية بيّن أن المرحلة الحالية ستكون من وإلى الشباب فقط على اعتبار أنهم يمثلون مجتمع الانترنت في جميع دول العالم، إلا أن هؤلاء الشباب سيكونون حكماء أحيائهم مع مرور الوقت.

وأضاف ستتواصل المسيرة بشكل أكثر إيجابية، إذ إن ثقافة الآباء والأبناء القادمين تحتم عليهم التخاطب بلغة واحدة، والذي يدل على وجود مجتمع حي يحاول أن يجد لنفسه وسائل تواصل متعددة مع الأبناء، موضحا أن موقع الحي سيكون وسيلة للتخاطب بين سكانه من خلال وضع مناسباتهم ومناشطهم عوضا عن طرق الأبواب وإرسال المنشورات.