الشورى السعودي.. دور مهم في الهيكل الدستوري

المجلس يبدد الشكوك حول دوره ونجاحاته بعد انبعاثه قبل 17 عاما * أعضاء شورى يفتحون آفاقا لتطوير أعمال الممثل غير المعلن للمجتمع السعودي * بهدف استعادة موقعه الدستوري ودعم التوجه الإصلاحي الذي قاده الملك عبد الله

خادم الحرمين مفتتحا أعمال الدورة السنوية لمجلس الشورى بعد توليه الحكم ويبدو الأمير سلطان بن عبد العزيز («الشرق الأوسط»)
TT

أعاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مطلع الأسبوع الحالي، تشكيل مجلس الشورى السعودي، مبقيا عدد أعضائه على 150 عضوا في خامس دورة للمجلس بعد تحديثه في عام 1992، تزامنا مع قرارات تأريخية أقرها الملك عبد الله طالت مرافق عدة أبرزها التعليم والقضاء، مما يندرج في إطار التوجه الإصلاحي الذي قاده منذ سنوات، ودعا إليه، وهو ما يفتح المجال لتقويم تجارب أثبتت نجاحها في منظومة الإصلاح في البلاد بمفهومها الشامل بما يحقق الإسهام في حسن توزيع موارد البلاد وثرواتها، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين وترسيخ مبادئ الشفافية والإفصاح والمحاسبة والعقاب والثواب.

ومرت مسيرة مجلس الشورى الذي صدر أمر ملكي في الأول من مارس (آذار) 1992 بإقرار نظامه الجديد، بمراحل من التحديث، منذ برنامج الإصلاح الداخلي في عهد الملك سعود عام 1962، مرورا بالنظام الجديد للمجلس في عهد الملك خالد عام 1980، حتى تم تحديثه في عهد الملك فهد ضمن حزمة من الأنظمة الرئيسية للبلاد شملت النظام الأساسي للحكم ونظام المناطق، علما بأن تكوين مجلس الشورى في البلاد أخذ صورا عدة بدءا من عام 1924 من خلال مجلس استشاري في عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن، ثم مجلس أهلي، فمجلس شوري، ثم مجلس الشورى القديم الذي صدر نظامه مطلع عام 1926، وشكل من 8 أعضاء، ثم تدرج العدد بالزيادة حتى بلغ 20 عضوا في آخر تشكيل له في عهد الملك المؤسس، ثم بلغ 25 عضوا في ذروة تشكيلاته في عهد الملك سعود، ثم بدأ بالتناقص التدريجي في العقود التالية.

وبقي مجلس الشورى سلطة تنظيمية فاعلة إلى أن تشكل مجلس الوزراء عام 1953، فبدأ بالتدريج يسحب صلاحيات مجلس الشورى، ويحيله إلى كيان شبه معطل استمر أربعة عقود، لكنه كان باقيا في الهيكل التنظيمي للدولة ولم تنقطع جلساته حتى نهاية عهد الملك خالد. وينتظر أن يفتتح العاهل السعودي، أعمال السنة الأولى من الدورة الجديدة لمجلس الشورى بعد إعادة تشكيله، وهو التشكيل الأول في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد في الأول من أغسطس (آب) 2005. ويرسم عادة الخطاب الملكي أمام الشورى، ملامح السياسة الداخلية والخارجية للبلاد.

وفي بادرة غير مسبوقة دوَّن ثمانية أعضاء من مجلس الشورى السعودي تقويمهم لأداء المجلس عقب إعادة تحديثه قبل 17 عاما ، الذي يعد الحدث الأكبر في المجتمع السعودي في العقود  الأخيرة , كما سجل هؤلاء الأعضاء  الذين عاشوا بدايات المجلس واستمروا معه في دورات عدة ذكرياتهم ووثقوا تجربتهم  مع المجلس وطرحوا آراءهم  ورؤاهم حول آلية عمل المجلس وأهمية إحداث تغييرات فيها وتطويرها, كما أسهب هؤلاء الأعضاء في الحديث بكل شفافية وصراحة وموضوعية  عن أهمية تعديل نظام المجلس وتوسيع صلاحياته، خصوصا في ما يتعلق باستدعاء الوزراء  مباشرة من دون استئذان وعرض  ميزانية الدولة عليه قبل إقراره والاطلاع على الحساب الختامي للدولة ومناقشته, وإدخال مواد تحدد دور المجلس الرقابي, كما شددوا على أهمية إقرار مبدأ الانتخاب لنصف أعضاء المجلس بما يحفظ مبدأ التوازن  الاجتماعي لمختلف فئات المجتمع من خلال  أسلوبي الانتخاب والتعيين مع أهمية إشراك العنصر النسائي في عضوية المجلس اعترافا بدور المرأة وحقها في المشاركة العامة, مع منح المجلس صلاحية المبادرة إلى بحث أي أمر يرى بحثه متعلقا بمصالح الوطن والمواطنين.

ونجح الدكتور عبد الرحمن الشبيلي  في إخراج هذا العمل في كتاب اشرف عليه بهدف توثيق تجربة الدورات الثلاث التأسيسية السابقة التي كان المشاركون ومنهم الدكتور الشبيلي  رقما في عضويتها, وجاء  صدور الكتاب  تزامنا  مع انتهاء الدورة الرابعة وقرب بدء أعمال الدورة الخامسة للمجلس واستكمال تكوين المجلس من رئيس المجلس الجديد الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ , و150 عضوا منهم الدكتور  بندر بن محمد  الحجار  نائب رئيس الشورى, والدكتور عبد الرحمن بن عبد الله البراك مساعد رئيس المجلس، لكي يستفاد من أفكار المشروع ويكون في متناول أعضاء الدورات المقبلة، وارتكز مشروع الكتاب على محاور  سبعة تتناول المجلس وتنظيمه, ونظام المجلس  ولوائحه, وعضوية المجلس، وأداء المجلس, والمجلس والمجتمع, والمجلس والهيئات الأخرى، في حين ارتكز المحور السابع على  التجربة لـ8 من أعضاء المجلس  في الدورات الثلاث الأولى.

ونظر المحور المتعلق بمجلس الشورى بوصفه سلطة تنظيمية، في أمور وعناصر ذات صلة بهذه الوظيفة مثل: الوظيفة الشورية للمجلس, وتقدير الحاجة إلى مجلس رديف كما هو حاصل في بعض الدول ( النواب والشيوخ مثلا) ( أو الشورى والبرلمان, وكيف يجب أن تكون العلاقة بين السلطات الثلاث؟, ومدى الحاجة الى جهة (مخولة دستوريا) للفصل في التنازع بين السلطات على غرار(المحكمة الدستورية) في بعض الدول, وقناعات الوزراء بوظيفة مجلس الشورى وتجربة مساءلة الوزراء والمسؤولين وظاهرة تجميد قرارات المجلس, أو الالتفاف على اختصاصاته, والتعلق على تجربة دراسة التقارير السنوية الحكومية في مجلس الشورى.

واتفقت الآراء على أن عودة أعمال مجلس الشورى وتفعيل دوره بعد طول توقف أو تجميد, كانا محل ترحيب المجتمع واهتمامه، وقد علقت عليه الآمال بان يلعب دورا مهما في تطوير المشاركة السياسية وان يستعيد نشاطه وموقعه الدستوري الخافت خلال أربعة عقود  مضت.

وغير خاف, بان هناك  في المجتمع  قلة بقيت مشككة بدور الشورى، فاقدة الأمل في نجاحه، معتقدة بأنه لن يخرج عن خط الحكومة وانه خاصة وقد جاء أعضاؤه بالتعيين, سيوافق على ما تقدمه أو تريده الحكومة.

لكن تجربة المجلس في دوراته الثلاث، أثبتت في الواقع  حقائق عدة بعضها إيجابي، والآخر سلبي، تمثلت في أن وجود المجلس, هو بكل المقاييس, أفضل من غيابه, وإذا كان المجلس قد تأخر انبعاثه كثيرا، فإنه قد جاء في وقت أصبحت البلاد فيه أكثر نضجا وتأهيلا واستعدادا لممارسة الشورى والمشاركة السياسية, كما أن كثيرا من أعضاء الحكومة ينظر نظرة تقدير واهتمام إلى دور المجلس، بينما هناك منهم  من يحذر ملاحظاته ويخشى المساءلة فيه, في حين أن هناك منهم من لا يأبه بما يصدر عن المجلس، كما أن في المجلس سقفا مرتفعا ومعقولا لحرية إبداء الرأي, ولعل من غير المبالغة القول: إن وجود المجلس قد اسهم مع عوامل أخرى, في رفع مستوى هذه الحرية – الإعلامية والسياسية- في المجتمع.

وشددت حقائق تجربة المجلس في دوراته الثلاث على أن ما يصدر من المجلس يتأثر كثيرا في كل دورة تبعا لتركيبة المجلس والنوع السائد من الأعضاء فيها,  حيث اختلفت تركيبات  المجلس من دورة إلى أخرى, حتى انه يمكن القول: إن لكل دورة من الدورات الأربع التي مر بها المجلس سماتها وخصائصها، رغم أن الإجراءات موحدة, ومع أن هناك محاولة احيانا للتأثير في قرارات المجلس واختراق حيدته,  إلا أن الدراسة أكدت أن مثل هذه الإمكانية نادرا ما تحصل  كما أن هناك حيزا من المجاملة من نفر من الأعضاء  لبعض وزارات الدولة, ونسبة من الجرأة  تجاه بعضها الآخر. ولفتت إلى أن بعض جلسات المجلس تشهد مناقشات صحية موضوعية لكثير من موضوعاته, وان مداولات المجلس قد استفادت من تنوع تخصصات  أعضائه, كما أن بين أعضاء المجلس من يعتقد بأن ما يصدر عنه هي قرارات ملزمة، ومن هنا فإنه ـ أي العضوـ يأخذ عملية التحضير والمشاركة في المناقشات مأخذ الجد, في حين أنه يوجد أعضاء آخرون يشعرون بالإحباط من عدم إلزامية قراراته، وأن هذا الشعور ينعكس سلبا أحيانا من قبلهم على جدية المشاركة في المناقشات وعلى عملية التصويت.

وأشارت الدراسة حول الايجابيات والسلبيات في هذا المجلس, أن هناك من بين أعضاء المجلس من  يتصور أنه ـ أي المجلس- يقوم بالوظيفة المثلى في تقديم المشورة لولي الأمر, في حين يعتقد البعض بأن المجلس اضعف بكثير من ذلك.

واعتبرت آراء بعض الأعضاء أن العلاقة مع مجلس الوزراء (هي البوابة الرئيسة للمجلس لكنها تظل بوابة ذات اتجاه واحد ومن طرف واحد) ولم يغير من الوضع تعيين عضو في الحكومة لشؤون مجلس الشورى.

ويرى بعض المشاركين في هذه الدراسة أن حكمة الشورى ومقاصد الديمقراطية يمكن أن تتحقق من خلال الإجراءات المتبعة في المجالس الشورية الحديثة القائمة، شريطة توافر أربعة أمور هي: إلزامية القرار، وسلطة الرقابة السابقة واللاحقة على أداء الحكومة, وعلى ميزانية الدولة, والتوصل إلى صيغة توافق  بين الانتخاب والتعيين، وعدم حرمان المرأة من المشاركة في العملية الشورية.

ويعتقد المشاركون في هذه الدراسة أن مجلس الشورى الحالي هو مجلس  خبرات متنوعة. وأن الدولة تهدف من خلال زيادة أعضائه وبشكل غير مكتوب, إلى تحقيق مشاركة مناطقية وفئوية أوسع في تشكيلته, وقد نجحت في جعله ممثلا غير معلن للمجتمع  السعودي.

ويضيفون بأنه إذا ما أريد لمجلس الشورى أن يقوم بالوظيفة الشورية الحقة فلا بد من إعادة صياغة نظامه على النحو الذي يحقق الشروط الأربعة السابقة.

أما  إذا ما أريد أن يستمر المجلس في ممارسة وظيفته الحالية بالمشاركة والمساندة للدور التنظيمي لمجلس الوزراء و من دون اعتبار لتلك الشروط الأربعة فإنه لا بد من إحداث  مجلس مواز آخر يحقق الأهداف الأربعة المشار إليها، كما هو معمول به في بعض الدول، حيث يوجد مجلسان متوازيان يؤديان وظيفة تكاملية يتحقق من خلالها ركن (السلطة التظيمية) في نظام الحكم.

وفي الوقت الذي عد فيه  بعض المشاركين أبرز  إنجازات المجلس في الدورات الثلاث الأولى والمتمثلة في دراسات تتعلق بتداعيات أحداث 11 سبتمبر والتعامل معها، وقضايا الإرهاب, و تقرير النزاهة ومحاربة الفساد. ولفت المشاركون إلى أهمية  أن يتفاعل المجلس مع الأحداث المستجدة وان يتم اختصار المراحل التي تمر بها دراسة الأنظمة التي تقترح من الأجهزة التنفيذية في الدولة, أو تلك التي يقترحها المجلس.

ويرى بعض المشاركين في هذه الدراسة أن نظام مجلس الشورى يبقى في وضعه الحاضر بحاجة إلى تعزيز وحماية وبخاصة في الأمور المتعلقة بحماية المجلس من الالتفاف حول قراراته, أو إصدار أنظمة في شكل تنظيمات لا تمر عبر مجلس الشورى، مع أهمية إضافة مواد  تعالج المطالب الرئيسية التي طالما رغب المجتمع  بالنظر في إدخالها إلى نظامه, وهي على وجه  الخصوص؛ تعزيز دوره الرقابي المسبق واللاحق على الميزانية, والأخذ بخيار انتخاب الأكفاء, وإشراك المرأة في عضوية المجلس.

وقد يكون من المفيد أن يشارك المجلس في أي نقاش مقبل لتعديل مواده, عبر أعضاء قانونيين اكتسبوا من الخبرة ما يمكنهم من تقديم خلاصة الآراء الناضجة التي تحقق الفاعلية والارتقاء بمستوى المجلس وتجسد تطلعات المجتمع نحوه, وتجعله في مصاف المجالس المماثلة في أهدافه.

وفي الوقت الذي يرفع الأعضاء السابقون المشاركون في هذه الدراسة من سقف آمالهم فإنهم لن ينسوا كيف ينبغي على المجلس أن يرفع من أدائه كي يكون في مستوى تلك التطلعات وهم يشعرون أن القيادة قد أبدت دوما حرصا وتفهما لتطوير المجلس ولهذا فإنهم  يأملون أن يكون إكمال المجلس أربع دورات من عمره مناسبة لنقل نظامه نقلة نوعية تعزز من مكانته  وتؤكد سلطته التنظيمية.

آفاق لتطوير آداء المجلس

* ونقتطع أجزاء مما سجله ثمانية من أعضاء مجلس الشورى ممن أمضوا ثلاث دورات متوالية في عضويته عن تجربتهم فيه وأمنياتهم منه، حيث أشار الدكتور زهير السباعي (دكتوراه في التخطيط الصحي من جامعة هوبنز الأميركية) إلى أهمية إحداث تطوير نوعي في قطاعي التعليم والصحة من خلال تهيئة المدارس والكليات والجامعات،  لكي يكون لها استقلالها المالي والإداري الذي يساعدها على التطوير الذاتي المستمر, وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار فيها، معربا عن أمله أن يكون مجلس الشورى أداة للتغيير الهادف المستمر, وان يعفي المجلس نفسه من مناقشة الأمور الجانبية، التي يكفي لنقاشها اللجان المتخصصة الجانبية.

وأعطى السباعي مثلا لذلك، كموضوع إقرار العلاقات الخارجية بين المملكة ودول أخرى ، التي عادة ما يبت فيها قبل عرضها على المجلس, مع ضرورة الإفادة  من المناقشات الجانبية التي تدور في المجلس، إذ إن هذه المناقشات تسجل، لكنها لا تصل إلى مرحلة التوصيات أو القرارات, كما نتمنى  أن تعرض على مجلس الشورى ميزانية الدولة قبل إقرارها ليدلي فيها المجلس بدلوه.

من جانبه، قال الدكتور زياد السديري (دكتوراه في القانون من جامعة فرجينيا الأميركية, مستشار سابق في وزارة الداخلية, مدير عام مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية)، في تعليقه على وظيفة مجلس الشورى كسلطة تنظيمية: حددت المادة الرابعة والأربعون من النظام الأساسي للحكم السلطات في الدولة بثلاث, إحداها هي السلطة التنظيمية, وبينت المادة السابعة والستون اختصاص هذه السلطة, وأنها تمارس وفقا للنظام الأساسي للحكم ونظامي مجلس الوزراء ومجلس لشورى, وورد في المادة السابعة عشرة من نظام مجلس الشورى آلية رفع قرارات مجلس الشورى وإقرارها, كما ورد في المادة الثانية عشرة أن الأنظمة, والمعاهدات, والاتفاقيات الدولية, والامتيازات تصدر وتعدل بموجب مراسيم ملكية بعد دراستها من مجلس الشورى.

ويتضح من كل ما سبق أن السلطة في الدولة تتكون من هيكلية يأتي على رأسها الملك صاحب القرار, لذا فلا يتسنى القول في ظل هذه الهيكلية, إن مجلس الشورى هو السلطة التنظيمية في الدولة، فالمجلس ما هو إلا مرحلة من مراحل تكون قرار السلطة التنظيمية، والسلطة تعني القرار ومجلس الشورى لا يملك إلا إبداء الرأي, كما هي الحال بالنسبة لمجلس الوزراء في ما يتعلق بدوره في الشؤون التنظيمية.

لا تفرد بالسلطة التنظيمية

* وأكد السديري أن تطور الممارسة الشورية في المملكة العربية السعودية لا يستلزم بالضرورة تفرد مجلس الشورى بالسلطة التنظيمية ،لكن قد يعني توسيع مجال اختصاصه من حيث المواضيع التي يلزم أن تعرض عليه, كما قد يعني أن يكون لقراراته وزن أكبر مما لها الآن وذلك على التفصيل الذي يستلزمه التدرج في توسيع المشاركة الوطنية في صناعة القرار وتحمل مسؤولياته.

ولم يسعف الموت وقبله المرض الدكتور صالح المالك ( دكتوراه في علم الاجتماع الحضري من جامعة متشيغان الأميركية عضو هيئة التدريس في جامعتي الملك سعود وأم القرى, وأمين عام جامعة الإمام, ثم وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية سابقا) أمين عام مجلس الشورى وعضو المجلس من دورته الأولى لتكوينه الحديث عام ه1414، لم يسعفه من الحديث عن النواحي التطويرية التي يتصورها أو يقترحها للمجلس، سواء في مجال مشاركة المرأة أو الانتخاب أو الصلاحيات واكتفى بالإشارة إلى تجربته الشخصية في المجلس ملمحا إلى انه لم يعهد أن وصل مجلسا الشورى والوزراء إلى طريق مسدود عندما تختلف قرارات الأول مع قرارات الثاني، فالملك لم يستخدم حق النقض وإنما قام بدور المواءمة بين المجلسين.

جامعة تنبعث من جديد أما الدكتور عبد الرحمن الشبيلي (دكتوراه في الإعلام من جامعة ولاية أوهايو الأميركية، ومدير عام التلفزيون، وكيل وزارة التعليم العالي، عضو المجلس الأعلى للإعلام سابقاً) وأمضى 12 عاماً في المجلس، فقد أطلق مسمى «جامعة الشورى» على المجلس مبرراً ذلك بأن مناخ المجلس هو أشبه ما يكون بالجامعة فعلاً.

ويؤكد الشبيلي أن من غير المقبول في هذا العصر، أن تستمر المرأة بعيدة عما يدور في مجلس الشورى، ولا بد من البحث عن صيغة مناسبة تحقق مشاركتها الطبيعية في نشاطه، تماماً كما في كل أوجه الحياة الاجتماعية الأخرى في البلاد. بل إن من المنتظر أن يحرص مجلس الشورى على إفساح المجال لها للإسهام بشكل أكبر في نشاطاته المتصلة بالأسرة والطفل ونحوهما. فبينما أحيط حضور السيدات قبل سنوات بكثير من الكتمان والترتيبات الاحترازية، أصبحت مشاركة المرأة في بحث القضايا الاجتماعية ذات العلاقة بالنصف الآخر، أمراً مألوفاً، خطية إذا كانت تؤدي الغرض، أو حضورية إذا لزم الأمر.

ووفقا للشبيلي فقد تبين من جداول المقارنة التي يجريها المجلس مع قرارات مجلس الوزراء، أن الحكومة تتبنى غالبية ما يصدره المجلس من قرارات، وكان من أوضحها إنشاء صندوق الموارد البشرية، وإنشاء وزارة مستقلة للمياه، إلا أنها في حالات معينة أغفلت بعض قراراته أو صار التفاف عليها، لافتا إلى أن من بين الانطباعات السلبية السائدة في المجتمع أن المجلس دأب على إقرار كل ما تريد الحكومة تمريره، والظن تبعاً لذلك، أن كل قرارات المجلس تصدر بالإجماع مع أن الواقع يشير الى أن الأغلبية البسيطة تكفي للموافقة على أي قرار، مما يعني نظرياً أن 51 في المائة من الأعضاء قد يصوتون بـ (لا) حتى أن هناك حالات عديدة لم تنل فيها مشروعات مقدمة من الحكومة موافقة من المجلس، ومن آخر أمثلة ذلك رفضه لفرض الضرائب على دخول الأفراد من الأجانب، كما أن هناك حالات جاء القرار التنفيذي فيها وسطاً بين رأيي مجلس الشورى ومجلس الوزراء. ويوضح الشبيلي خلفية تأريخية حول مجلس الشورى، بقوله، «لقد وضع نظام المجلس قبل ما يزيد على ثمانية عشر عاماً، بعد فترة توقف طويلة لأعمال مجلس الشورى القديم، سحب مجلس الوزراء خلالها كثير من المسؤوليات التنظيمية، حتى صعب معها تحديد طبيعة توزيع السلطة التنظيمية بين المجلسين، لذا فإن توضيحاً أكثر لهذه الناحية (الفصل بين السلطات) سيكون من أهم ما يأمله مجلس الشورى عند إعادة النظر في نظامه، الذي أصبح مسألة ضرورية بعد أن مضي خمسة عشر عاماً على التجربة وثماني عشرة سنة على صدور النظام». ويأمل عضو المجلس السابق الشبيلي أن يستمر المجلس في سياسة الانفتاح الإعلامي والمجتمعي لتعزيز الصلة بينه وبين محيطه ومع وسائل الإعلام، إذ إن من المهم تقريب المجلس إلى المجتمع، وفتح أبوابه وتخفيف التكتم على أعماله وحجم مسؤولياته، وتصحيح المفاهيم السلبية في المجتمع عنه، فالمجلس أولاً وآخراً، هو نبض المواطن، بكل شرائحه، وهو روح الوطن والمعبر عن همومه وطموحاته.

وفي تقديره الشخصي، فإن الوقت قد حان للجمع بين مزايا خياري التعيين والانتخاب. وجزم بأن بلاده لن تعدم تطوير بدائل وأساليب مقبولة تتلافى ما يؤخذ عليهما من سلبيات، وتستفيد مما فيهما من إيجابيات من دون التفرد بالضرورة بأي من الخيارين.

مقترح بكوتا للنساء في الشورى بـ20%

* أما الدكتور عبد العزيز النعيم (دكتوراه في القانون من جامعة القاهرة، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، نائب رئيس شعبة الخبراء بمجلس الوزراء سابقاً)، فقد أكد على دور مجلس الشورى التنظيمي، ورأى أن يكون للمرأة حضور في عضوية المجلس وأن يكون عددهن 20 في المائة من أعضاء المجلس، وأن تفصل الصفوف الأخيرة في القاعة لهن، ولا حظ أن انشغال المجلس بالتزاماته الخارجية، إضافة إلى تعدد أوجه أسباب غياب الأعضاء في الداخل من شأنه أن يضعف مناقشات المجلس وعمليات التصويت حينما يكون النصاب ضعيفاً.

علاقة متوازية

* واعتبر الدكتور فالح الفالح (دكتوراه في طب الباطنة من ألمانيا، عميد كلية الطب بجامعة الملك سعود، وكيل الجامعة سابقاً) أن أهم دور يقوم به مجلس الشورى في الوقت الحاضر هو دراسة الأنظمة التي تقترح من الأجهزة التنفيذية في الدولة، وأحياناً يقترح المجلس نفسه الأنظمة. وهذه الخاصية يجتمع بها مجلس الشورى مع كل المؤسسات البرلمانية في العالم، وهذه بحد ذاتها أهم نقلة حصلت في أسلوب صياغة الأنظمة بالمملكة منذ نشأة مجلس الشورى بعد أن كان يتم نقاشها وصياغتها في شعبة الخبراء، ومع ممثلي جهات مختصة في الأجهزة التنفيذية.

وشدد على أن العلاقة بين مجلس الوزراء ومجلس الشورى تتأثر بالصلاحيات التي أعطيت في النظام للمجلسين، ولهذا فإن تطور هذه العلاقة مرتبط بتغير في صلاحيات مجلس الشورى، بحيث تخلق هذه الصلاحيات علاقة متوازية بين المجلسين تؤدي في النهاية إلى توصيلة إيجابية بينهما وتزيل الشعور السائد أن العلاقة تمشي من طريق واحد فقط، كما أن تغير صلاحيات مجلس الشورى بحيث يكون له دور رقابي واضح وليس تشاورياً فقط سيدفع الوزراء إلى أخذ قراراته بالجدية الكافية.

مفترضا أنه في هذه الحالة، لا بد من تغير الصلاحيات وأهم هذه الصلاحيات عرض ميزانية الدولة على المجلس قبل إقرارها، وإدخال مواد تحدد دور المجلس الرقابي، وسيتبع هذا التغير في الصلاحيات تغير في أسلوب اختيار أعضاء المجلس، وربما يدخل نظام الانتخاب الذي أثبت نجاحا في تجربته في اختيار المجلس البلدي. ويتابع الفالح في شرح وجهة نظره، قائلا «أما إذا كانت الدولة تريد أن يظل مجلس الشورى مجلساً استشارياً، فلا بد أن تركز في الاختيار على الخبرة العلمية والفنية والإدارية في العضو ولا مكان للتمثيل المناطقي أو القبلي، لكن في هذه الحالة، لماذا تحتاج الدولة إلى المجالس الاستشارية مثل المجلس الاقتصادي وغيره (وهذه الآراء طرحت أكثر من مرة).

ويأتي الدكتور الفالح على ذكر رأيه الشخصي ، الذي استخلصه من تجربة قوامها (12) سنة في المجلس، فيرى الجمع بين الأمرين، وذلك بإنشاء مجلسين: مجلس شورى، يختار له أصحاب الرأي والخبرة عن طريق التعيين، ومجلس نيابي تمثل به المناطق عن طريق الانتخاب الكلي أو الجزئي، وتعدل الصلاحيات بحيث تحدد الأمور التي لا بد من مرورها على المجلسين وضرورة الموافقة أو عدمها.

ومع أن محمد الشريف (ماجستير إدارة عامة من جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية، وكيل وزارة المالية، رئيس ديوان المراقبة العامة سابقاً) يؤكد أنه لا أحد ينكر ما قام ويقوم به المجلس من دور في تعضيد قواعد الحكم، وترسيخ الأنظمة، ومتابعة أداء الجهاز الإداري، وكان له أثر بارز في تقدم المملكة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتعزيز مكانتها بين الدول، لا سيما في المجالات المتعلقة بالشفافية، وممارسة الحقوق واستقلال القضاء، بيد أنه كان بإمكان المجلس أن يؤدي دوراً أكبر لو تم تطوير نظامه، وتوسيع صلاحياته، وبخاصة بعدما ثبت نجاحه في أداء المسؤوليات المناطة به، وسلامة منهجه وقصده في ممارسة تلك الصلاحيات.

ومن هذا المنطلق قد يشعر كل من مر بالتجربة من أعضاء المجلس، وأنا واحد منهم، أن جهود أعضائه المائة والخمسين وإخلاصهم وحماسهم للعمل يمكن أن تتعدى ما أنيط به من صلاحيات إلى آفاق أرحب في دعم التوجه الإصلاحي الذي يدعو له، ويقوده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والإسهام في حسن توزيع الثروة، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وترسيخ مبادئ الشفافية والإفصاح والمحاسبة والعقاب والثواب.

إن قلوب المواطنين كانت وما زالت منفتحة للمجلس، وآمالهم متعلقة به، وتطلعاتهم إلى ما ينجزه تكبر مع اشراقة كل شمس، آمال لا تحدها حدود، ولا تقف أمامها سدود، آمال تتسع باتساع الوطن، وتمتد عبر امتداد الزمن، تذكيها الثقة حماساً، ويعمقها الولاء إحساساً، تقوى بالتواصل وتزدان بالتكامل، ولا غرو إن غردت لها الآفاق، واستقرت من المواطن في الأعماق، إذ إن المجلس بمثابة هدية الراعي للرعية، ليكون المهدى إليه أمانه الهدية.

ويرى الشريف أن في مقدمة ما يؤمل من تطوير أداء المجلس، يتمثل في: عرض مشروع الميزانية العامة للدولة على المجلس، لمراجعته في ضوء ما يلمسه من خلال تقارير أداء الجهاز الحكومي، التي تعرض عليه، وما يراه من أولويات في أوجه الإنفاق، وإعمال رأيه المحايد فيه، وإبداء ما يراه بشأنه، وعرض الحساب الختامي للدولة على المجلس لمراجعته، والتعرف على الكيفية التي تنفذ بها الميزانية العامة للدولة، والاطلاع على حساباتها المركزية والاحتياطية، وإبداء ما يراه بشأن ذلك مع إقرار مبدأ الانتخاب لنصف أعضاء المجلس في دوراته المقبلة، لأن من شأن ذلك قطع الطريق على ما يوجه للمملكة من انتقادات بهذا الشأن، ومن شأنه أيضاً أن يحفظ التوازن الاجتماعي لمختلف فئات المجتمع من خلال أسلوبي الانتخاب والتعيين، وإشراك العنصر النسائي في عضوية المجلس، اعترافاً بدور المرأة وحقها في المشاركة في الحياة العامة، وإزالة الحرج الذي تواجهه المملكة في بعض المحافل الدولية.

ويرى الشريف أن من المناسب أن يكون ذلك بالتعيين في البداية، ملمحاً إلى أهمية منح المجلس صلاحية استدعاء الوزراء والمسؤولين مباشرة، من دون الحاجة إلى الاستئذان لمناقشتهم في أي أمر يراه مما يتعلق بمسؤوليات الوزير واختصاصات وزارته، إضافة إلى منح المجلس صلاحية المبادرة إلى بحث أي أمر يرى بحثه متعلقاً بمصالح المواطنين والبلاد، وعدم تقييده بما يحال إليه، وذلك بتوسيع مفهوم المادة (23) المعدلة.