جدة في 2029: مستطيلة لكن بجسور وأنفاق وشوارع وكبارٍ ذكية

المهندس عسيري لـ«الشرق الأوسط»: 6 ملايين حركة مرورية في جدة يوميا وسندفع بـ 15% من المجتمع لاستخدام وسائل النقل الجديدة

خطط حكومية لتسهيل عمليات سير المركبات في مدينة جدة («الشرق الأوسط»)
TT

الحقيقة المؤكدة، بعد عشرين عاماً من الآن، أنك سترى مدينة جدة (غرب البلاد) خلال وصولك لها على متن إحدى الرحلات الجوية عبر نافذة الطائرة أنها لا تزال تحتفظ بتمددها الطولي والعرضي، الذي يمنحها شكل المستطيل متكئةً من جانبها الأيمن على الجبال، فيما تتوسد من الجهة الشمالية على بحرها (البحر الأحمر).

ربما ترى قطارات ومسارات قطارات، ومترو للأنفاق ومساره، وسيارات النقل ومساراتها، لكن بحرها وجبالها ستحفظ شكلها المستطيل، وبالمقابل قد ترى حركة مرورية سلسة في شوارعها، وأرصفة سير واسعة سيعرف مفهومها بـ «أنسنة الشوارع»، ووسائل نقل ذكية، إضافة إلى نظم مرورية ذكية. لكن، قبل الوصول إلى ذلك التاريخ من الزمن، ستلاحظ، إن كنت من سكان أو زوار جدة، خلال المرحلة المتفاوتة ما بين خمس إلى عشر سنوات أن أنفاق وطرق وكباري عروس البحر الأحمر كما يحلو لمحبيها تسميتها، التي لم يكن يتجاوز عددها أصابع اليدين والرجلين معاً خلال السنوات الأربع الماضية، قد زادت إلى ما لا يعلمه سوى الله ذلك الوقت، بيدا أنه يمكن التأكيد مبدئياً، وبحسب إعلان أمانة جدة على لسان أمينها المهندس عادل فقيه، أن 90 جسرا ونفقا ستكون واقعاً حياً في مدة لا تتجاوز الأربع سنوات المقبلة. وجملة مشاريع النقل والطرق الخاصة بالعاصمة التجارية للمملكة تأتي ضمن الخطة الاستراتيجية الشاملة التي وضعها أكاديميون ومهندسون وأصحاب خبرة في المجال التخطيطي للمدن، وجميعهم سعوديون، للنهوض بجدة، مع مراعاة كافة الجوانب السكانية والاقتصادية والبيئة والخدماتية، وبإشراف من الأمانة، التي شرعت في رسم ملامحها وأهدافها مع تولي المهندس عادل فقيه كرسي الأمين الذي جُدد له في يناير (كانون الثاني) الماضي، لوضع هذه الاستراتيجية قبل أربع سنوات، وهكذا ينكشف سر غموض الرقم 4 المتكرر قبل وبعد في ما سبق ذكره.

ولا يتوقف الأمر على أمانة محافظة جدة، فإدارة النقل والطرق في منطقة مكة المكرمة، تتشارك معها في كل صغيرة وكبيرة من جملة تلك المشاريع من خلال الإعداد ووضع الخطط وعقد مزادات المشاريع والمراقبة خلال التنفيذ وصولاً إلى اكتمال المنشأة.

وبصراحة متناهية، لا يخفي الدكتور أحمد بانافع المشرف العام على المشاريع في أمانة جدة، خلال حديثه لـ «الشرق الأوسط»، أن البداية في إعادة صياغة مدينة جدة جاءت متأخرة قياساً بما شهدته من زيادة في الكثافة السكانية، كذلك المشاريع الخدماتية كإيصال الهاتف والماء والكهرباء وتمديدات الصرف الصحي «لكن هذا لن يحبطنا بل سنواصل العمل على إعادة جدة في أجمل صورة».

ويوضح الدكتور بانافع أن أبرز العوائق التي واجهتهم في وضع الخطط لقطاع الطرق تمثلت في «نقص المعلومة»، حيث يقول «لم تكن تتوفر لدينا معلومات كاملة عن وضع الخدمات الموجودة تحت الأرض، والشبكات وتمديدات الصرف الصحي والمياه ، وصولاً إلى مراحل إقرار الخطة الاستراتيجية المتضمنة تطوير قطاع الطرق سواء فنياً أو مادياً من حيث التمويل».

ويضيف «لهذا اعتمدنا في خطتنا طويلة الأجل على إنشاء وتنفيذ خرائط جغرافية تشارك فيها كافة الجهات الحكومية ذات الصلة بمشاريع الأمانة، وللتدليل على ما واجهنا في جمع المعلومات ما حدث خلال وضعنا لخطة إنشاء نفق طريق التحلية مع طريق المدينة حين ذهبنا مع الأخوة في إدارة النقل لمستودعاتهم للبحث عن خرائط ومعلومات تحدد نقاط القواعد لكلا الطريقين». وفي الجانب الآخر، يؤكد المهندس عبد العزيز عسيري مدير تخطيط النقل والمرور في إدارة التخطيط المحلي والتطوير الحضري في الأمانة لـ «الشرق الأوسط»، ما ذهب إليه الدكتور بانافع من عدم دقة المعلومات المتاحة أمامهم، مضيفاً «والأهم عامل الوقت المتمثل في أن الشبكة الحالية للطرق في المدينة لم تعد قادرة على استيعاب الحركة المرورية المتزايدة، والتي وفق دراسات أجريناها على مدى السنوات الأربع الماضية بلغت ستة ملايين رحلة بشكل يومي، ومعدل هذه الحركة يعتبر كبيرا مقارنة بتعداد سكان جدة (أربعة ملايين نسمة)». ويضيف «ولا يمكن تناسي أن المياه الجوفية موجودة بوفرة وكثافة تحت أرضية المدينة، وهو ما زاد من عملية التنسيق لمشاريع الخدمات (كهرباء، هاتف، صرف صحي، مياه.. وغيرها) مع الجهات المعنية في القطاعين الحكومي والخاص لوضع الخطط ومراعاة حساسية الأرض». وبعد أن اعتبر البعض، من إعلاميين ومهتمين وسكان جدة، شوارع مدينتهم المتهالكة بفعل كبر العمر الزمني لها، باعتبارها شيدت وفق معايير هندسية ومرورية متواضعة مقارنة بما وصلت إليه الحال في الوقت الحاضر، أو من خلال تعرضها – أي الطرق – لجراحة «الحفر والردم» من قبل الشركات الموصلة للخدمات من دون تنسيق بينها أو لها، بأنها «المستحيل الرابع»، إلى جانب الغول والعنقاء والخل الوفي كدلالة على فقدانهم الأمل في صلاحها. لكن، خلال السنوات الثلاث الأخيرة تغيرت الأوضاع على مستوى البلاد عامة، فبعد سنوات عجاف في تسديد الدين العام المترتب على التزامات المملكة، تم الوفاء بأكثرها، بدأ يتوفر الفائض في الميزانية العامة للدولة، وبالتالي تحولت المملكة خلال هذه المرحلة إلى ما يشبه ورشة عمل كبيرة لتنفيذ كافة الخدمات، ولكل المناطق والمدن والقرى، وبالطبع أرض الرخاء والشدة كما يسميها أهل جدة.

ويشار إلى أن المهندس مفرح الزهراني مدير عام إدارة النقل والطرق في مكة المكرمة، تحدث خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي، عن تنفيذ 52 مشروعا بمبلغ 3.2 مليار ريال سعودي، وسيعتمد 1.7 مليار ريال سعودي لمشاريع العام الحالي فقط، بينما ستصرف باقي المخصصات على مدار السنوات المقبلة حتى عام 2029، وهو موعد انتهاء الخطة الاستراتيجية الشاملة.

وأكد المهندس مفرح الزهراني أن الميزانية المخصصة لقطاع النقل والطرق خلال العام الحالي، تعد الأعلى في تاريخ المنطقة بواقع 1.7 مليار ريال سعودي. ومن أهم تلك المشاريع داخل جدة بالتحديد، يقول المهندس الزهراني «نعمل على تنفيذ الدائري الثالث بين مكة ـ جدة السريع، وطريق مكة ـ المدينة السريع بمبلغ 472 مليون ريال سعودي، واعتمدنا استكمال الطريق الدائري الثاني بمبلغ 450 مليون ريال سعودي خلال هذا العام، وينتهي العمل من تنفيذها في مدة أقصاها ثلاث سنوات». وأوضح مدير عام إدارة النقل والطرق في مكة المكرمة أن الهدف الرئيس من هذه المشاريع يتمثل في فك الاختناقات المرورية داخل جدة، التي استحوذت على جانب كبير من الخطة الاستراتيجية المستقبلية للمدينة حتى عام 2029.

وأضاف «حيث باشرت الأمانة فك الاختناقات المرورية على المحاور الرئيسية، بعد دراسات علمية وهندسية عالية المستوى، بحزمة من المشاريع الخاصة بالجسور والأنفاق، فهناك 18 جسرا ونفقا يجري تنفيذها، وسيكتمل 12 مشروعا منها خلال العامين المقبلين، فيما سيتم توقيع عدد آخر من المشاريع ليصل إجمالي مشاريع معالجة أزمات النقل 30 مشروعا لجسور وأنفاق جديدة».

كما بين الزهراني أنه تم تسليم الطريق الدائري الجديد لجدة للمقاول وهو يعمل الرفوعات المساحية في جنوب جدة من الكورنيش الجنوبي إلى طريق الساحل والمرحلة الأولى يبلغ طولها 15 كيلومترا من إجمالي طول الطريق البالغ 80 كيلومترا، وخصص للمرحلة الأولى 120 مليون ريال سعودي.

وكشف أن وزارة النقل السعودية انتهت من المرحلة الأولى لدراسة مشروع النقل العام في جدة، ودخل إلى مرحلة التقييم التي يشرف عليها خبراء متخصصون في مجال مشاريع النقل العام خلال الفترة الحالية، ومن المنتظر الكشف عن تفاصيل الدراسة مع نهاية عام 2009 الحالي. وفي حديث لمدير عام إدارة النقل في منطقة مكة المكرمة مع «الشرق الأوسط»، أوضح أن اجتماعهم الأسبوع الماضي مع الأمير مشعل بن ماجد محافظ محافظة جدة كان لعرض نتائج دراسة وزارة النقل، التي لم تكتمل بحسب قوله.

وقال المهندس مفرح الزهراني «لم ننته من الدراسة، بل عرضنا نتائج وتصورات لوسائط النقل كالحافلات والقطارات الخفيفة، فما لدينا الآن عبارة عن دراسة تصميمية للمعلومات الكافية عن هذه الوسائط، والتي تمت عبر دراسات تعاونت مع الوزارة الأمانة وإدارة المرور وجامعة الملك عبد العزيز وجهات حكومية أخرى ذات علاقة بالموضوع».

وعند سؤاله حول المدة الزمنية المتوقعة للانتهاء من الدراسة وتقديمها بشكلها النهائي، رد قائلاً «خلال عام ستكون جاهزة، فهي دراسة تفصيلية»، مؤكدا أن كثرة المشاريع لا تعني عدم متابعة وزارة النقل لعمل الشركات المنفذة لها، ومن يقوم بالمتابعة مجموعة من الاستشاريين ومتخصصين في الأمر».

وقبله بنحو أسبوعين أيضاً، أكد المهندس عادل فقيه أن أمانة جدة ستعمل على إنشاء 90 جسرا ونفقا في مدينة جدة على مدار 4 سنوات المقبلة، مشيراً الى ما هو تحت التنفيذ في الوقت الحالي وما سيتم مستقبلاً وتم تخطيطه، وما لم يخطط له ،لكن وضع لأجله تصور لتفادي أي أزمات مستقبلية.

والهدف الواضح من هذه المشاريع، بحسب الأمين، هو تخفيف ضغط الحركة المرورية الكثيفة لمدينة الأربعة ملايين نسمة، مع الإشارة إلى أنه تم طرح 18 مشروعا ما بين كبارٍ وأنفاق خلال الفترة الماضية، وينضم إليها، خلال العام الحالي، عشرة أنفاق وجسور.

وهنا يبين المهندس عبد العزيز عسيري أن من ضمن الأهداف التي يطمحون لتحقيقها لتخفيف كثافة الحركة المرورية في جدة، وهو تخفيف نسبة سكان المدينة الذين يستخدمون محركاتهم الخاصة بواقع 93 في المائة من إجمالي السكان، وذلك بتوفير وسائل نقل عامة تدفعهم لاستخدامها، مرجعاً السبب إلى انخفاض أسعار البنزين داخليا، كذلك سهولة الحصول على سيارات.

ويقول «النسبة التي نسعى لاستهدافها في البداية ما بين 10 إلى 15 في المائة، بدفعهم لاستخدام وسائل النقل العامة المنتظر تنفيذها كالحافلات والقطارات الخفيفة، والشرائح المستهدفة من هذه النسبة هم العائلات كالنساء والأطفال.

مفهوم وسائل النقل العامة، أي غير السيارات وحافلات «خط البلدة» التي بات وداعها قريباً، يتمثل كما يوضح المهندس عسيري، وهو أكاديمي تم استقطابه للمساهمة بخبراته في وضع الخطة الاستراتيجية، في إنشاء جسور تستخدم للمشاة، وناقلات ركاب حديثة ولها مسارات محددة في ذهابها وإيابها، ونظم مرورية ذكية، وتطبيق مفهوم «أنسنة الشوارع».

وعند سؤاله عن عملية تطبيق الخطة الاستراتيجية المستقبلية التي تنتهي بحلول عام 2029، وإذا ما فرضت متغيرات جديدة على عدم ملاءمة هذه الأفكار مع سنوات المستقبل، قال «نحن نعتمد نظام المُحاكاة في تنفيذ الخطة، بحيث ستتم مراجعة كافة التطورات والمستجدات أولا بأول، وليس بالضرورة أن ينفذ كل ما في الخطة المهم تنفيذ ما هو مهم وبحاجته المجتمع». وبالعودة للدكتور بانافع المشرف العام على المشاريع في أمانة جدة الذي كشف لـ «الشرق الأوسط» أنه سيتم وضع الخطط الخاصة بالبنية التحتية لمشاريع النقل العام الحديثة (قطارات خفيفة، حافلات ركاب)، مفيداً أن المشروع سيكلف مبلغ عشرة مليارات ريال سعودي "«نحن ندرس إيجاد آليات للتمويل بالشراكة مع القطاع الخاص».

ويبشر الدكتور بانافع سكان جدة أن وضع البنية التحتية للمدينة بأكملها «سيكون أحسن خلال عامين بإذن الله»، مضيفاً «كذلك، الحركة المرورية ستشهد نقلة نوعية بالانتهاء من مشروع الرابط بين طريقي مكة والمدينة، وعدد من الطرق المتقاطعة التي تنفذ في عدة طرق، كطريق الأمير ماجد وكوبري فلسطين، وطريق الأمير ماجد المتقاطع مع شارع عبد الله السليمان».

وفي ختام مداخلته يوجه المشرف العام على مشاريع الأمانة، بانافع، رسالة للمواطنين ووسائل الإعلام أنه ضمن جملة المشاريع المنفذة للطرق في جدة لا يوجد أي مشاريع متعثرة» لدينا 18 تقاطعا يتم العمل عليها الآن من دون تعثر، فكل الخدمات والوسائل الفنية والمالية متاحة، لذلك لا يوجد تعثر».