جازان: قلعة الدوسرية.. موقع أثري ينتظر الاهتمام

هيئة السياحة لـ«الشرق الأوسط»: تسلمنا الموقع العام الماضي ونستعد لترميمه

جانب من قلعة الدوسرية الشهيرة في منطقة جازان جنوب السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

على ارتفاع 150 مترا فوق سطح البحر، تقبع قلعة الدوسرية التاريخية تحكي تاريخ منطقة جازان على مدى خمسة قرون، حتى تحولت أخيرا إلى ما يشبه «البيت المسكون» في الأساطير والحكايات القديمة، خاصة مع وجود سكانها الدائمين من أسراب الخفافيش.

«الأمير مشعل وزير الدفاع 1374هـ».. العبارة الوحيدة المدونة على أحد الجدران الداخلية باللون الأخضر، وما دونها لا يوجد توثيق حقيقي في تلك القلعة المغلقة أمام الزوار ما يزيدها غموضا ورهبة.

وترابط «قلعة الدوسرية» في أعلى قمة بمدينة جازان، أحد أهم المواقع التاريخية التي تتصفحها أعين الزائرين ليس على أرض الواقع، بل في كتاب تراث جازان، ويعتبر عطية الصيري ـ أحد زوار القلعة ـ أن «الدوسرية» إحدى أهم المناطق التي رآها في حياته، واستغرب عدم الاهتمام بها كمعلم سياحي هام، كما هو موجود في بعض الدول العربية، مضيفا «قلعة مثل هذه، لو جدت في مصر لكانت مزارا مهما ومثلت مصدرا للدخل السياحي الكبير». عدد كبير من المهتمين أدانوا الإهمال الذي ترزح فيه القلعة، ووصفها البعض بأنها الحصن المهجور والمهمل، ومسكن الخفافيش رغم وجود حارس مهمته الوحيدة منع أي شخص من زيارتها والاقتراب منها. فيصل طميحي مدير متحف صبيا والباحث الأثرى قال لـ«الشرق الأوسط»، إن تاريخ بناء القلعة يعود إلى زمن الدولة العثمانية، حيث كانت مقرا للحاكم التركي، ثم آلت لوزارة الدفاع والطيران، وتقع وسط مدينة جازان فوق جبل يطل على البحر في أعلى قمة جبل جازان، على ارتفاع يقدر بنحو 150 متراً فوق سطح البحر. وأضاف طميحي «ما يميز القلعة أنها تطل على البر والبحر، وهي مربعة الشكل ومساحتها الإجمالية تقدر بنحو 900 متر مربع، مدعمة بأربعة أبراج ضخمة لا توجد حقائق تاريخية حول بنائها في أي المؤلفات المصدرية».

واستدرك قائلا «هناك بعض الباحثين في تاريخ المنطقة يرون أنها تركية الطراز والتصميم، لكن من المهم عدم تجاهل العديد من الإشارات التي تشير وتبين استخدامها في فترة الأسر الحاكمة في المنطقة، في القرن الثالث عشر الهجري، وأيضاً أنها استخدمت في فترة السيد الإدريسي، كذلك في عهد الملك عبد العزيز والملك سعود».

تاريخ القلعة لا يختصر في المهام الحربية والسياسية فقط، بل جعل منها الشيخ القرعاوي العالم الشهير في تلك الفترة في المنطقة، مقرا ومكاناً للتعليم والدراسة ونشر العلم بين طلاب المنطقة. ويعتبر بعض المختصين القلعة بشكلها الراهن أثرا شاخصا في مدينة جازان والسهل التهامي في المنطقة بصفة عامة وما تحتاجه هي عمليات ترميم. وبالعودة للطميحي حول سبب تسميتها بهذا الاسم، يقول «إن التسمية ترجع إلي بعض أقوال ان قبائل الدوسرية سيطرت على القلعة فنسبت إليها خلال حقبة ماضية من التاريخ».

هيئة السياحة والآثار بالمنطقة تسلمت القلعة من وزارة الدفاع في العام الماضي، ووفقا لرستم الكبيسي المدير التنفيذي  لجهاز السياحة والآثار بمنطقة جازان، فقد تم ذلك في ابريل الماضي بدعم من إمارة المنطقة بعد موافقة الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والمفتش العام، وهي تحضر حالياً لترميمها وصيانتها لتصبح موقعاً سياحياً مميزاً بالمنطقة.

من جهة أخرى، أكد الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، على أهمية الشراكة التي تنتهجها الهيئة في مشاريعها وبرامجها مع الجهات الحكومية، وشركات ومؤسسات القطاع الخاص، مشيرا إلى عدة اتفاقات، أثمرت منجزات تحققت على أرض الواقع.

جاءت تصريحات الأمير سلطان بن سلمان، عقب توقيع مذكرة تعاون بين الهيئة العامة للسياحة والآثار، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، في مجال المحافظة على المواقع الأثرية الواقعة بمدينة الجبيل الصناعية، والتي حضرها الأمير سعود بن عبد الله بن ثنيان رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وتهدف الاتفاقية للكشف عن المواقع الأثرية في الجبيل وبينع، وتأهيلها وتنميتها. وقال الأمير سلطان: «إن هذه المذكرة، تُعد امتداداً للتعاون الوثيق والبناء بين الهيئتين في عدد من المشاريع والبرامج، ومنها مشروع إعادة تأهيل مراكز المدن التاريخية لشمال البحر الأحمر، والذي تم تنفيذه بتمويل من الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وتحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار، في نموذج حي لوعي الجهات الحكومية والقطاع الخاص ـ العامل في ينبع ـ بأهمية التعاون لتحقيق التنمية، التي تعود بالنفع على المواطنين، وتسهم في تنمية مواقع مختلفة من المملكة». وأكد الأمير سلطان أن الآثار والمواقع التاريخية محفوظة بنظام واضح من الدولة، وأن الهيئة تعمل على تطبيق برنامج حماية وتنمية للمواقع الأثرية، يسهم في التوعية بقيمة هذه المواقع والحد من العبث بها، كما تستهدف نشر ثقافة المحافظة على الآثار والتعامل معها وفقاً للنظام الذي ترعاه الهيئة وتظهر عزمها الأكيد على تطبيقه للتعامل مع أي تجاوزات.

وبين أن هذه المذكرة تجسد وعي الهيئة الملكية للجبيل وينبع ومسؤوليها بقيمة المواقع الأثرية والتاريخية وما تشكله في ذاكرة الوطن وهويته، وأهمية بذل الجهود لحمايتها وتأهيلها لاستقبال المواطنين، الذين هم المستهدف الأول من جميع برامج وأنشطة الهيئة العامة للسياحة والآثار، وما يؤديه ذلك من إحداث الأهداف الاقتصادية والثقافية والوطنية المرجوة، مشيراً إلى أهمية هذا التعاون في حماية وتنمية المواقع الأثرية في منطقة الجبيل، التي تزخر بعدد كبير من المواقع ذات القيمة التاريخية والأثرية.