مكافحة الكتابة على الحائط بـ«يوم دراسي مفتوح»

«فتاة القصيم» و«مجروحة عنيزة» و«المعذب».. أبرز الألقاب

لا يمكن أن تقتصر تلك الظاهرة على بلد معين أو مجتمع معين، فهي ظاهرة عُرفت من آلاف السنين (تصوير: منى عبد الفتاح)
TT

بالرغم من تأكيد الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة القصيم على أهمية محاربة ظاهرة الكتابة على جدران المدارس، فإن المدارس بالذات هي ما تبقى لهواة الكتابات الحائطية بعد أن تم وضع رقابة صارمة على المساجد، التي كانت تحتل المرتبة الثانية من حيث حدة تشويه جدرانها.

جدران المنازل في الأحياء السكنية تلاشت منها هذه الظاهرة نسبيا، فيما عدا الأحياء الشعبية التي تزخر أزقتها بشتى أنواع التعليقات والألفاظ التي قد تخرج عن سياق الآداب العامة.

أحد الأسباب التي أنجت جدران منازل مدينة بريدة التابعة لمنطقة القصيم من هذا التشويه المتعمد، هو الاتجاه في العقد الأخير إلى استخدام الحجر كمادة أساسية لجدران المباني، مما يصعب عملية الكتابة عليه.

الجهات التعليمية في تلك المنطقة أخذت على عاتقها توجيه رسائل توعوية وإرشادية للتوعية من هذه التصرفات الخارجة عن سياق التربية الصحيحة. ولأن الظاهرة تجمع بين نقيضي أذى الآخر والطرافة، فإن الرأي العام يقف حيالها مكتوف الأيدي، خصوصا أن منفذيها يمارسونها على عجل ويستترون عن الأعين بشكل لا يمكنهم حتى من التدقيق اللغوي والإملائي، هذا مع إمكانية تصنيف مستوى تعليمهم في الحد الأدنى من السلّم التعليمي، كما تكشف الكتابات المختلفة ميولهم الرياضية ومدى تعصبهم لفريق معين، أو ربما لقبيلة معينة.

والملاحظ أن هذه الهواية الغريبة لا تقتصر على الشباب فقط وإنما للفتيات نصيب منها، إنما يكمن الفرق في أن الشباب يقدم على ممارستها على الطرقات والجدران العامة، بينما الفتيات يمارسنها على جدران دورات مياه المدارس، أو تلك التابعة للاستراحات على الطرق السريعة.

وتأتي الكتابة غالبا للذكرى والتاريخ، يسبقها، ربما، مقاطع من الشعر مجهول المصدر، أو أغاني لمطربين شباب، ومشفوعة باسم المنطقة التي أتت منها الفتاة مثل «فتاة القصيم» أو «مجروحة عنيزة». والطريف أيضا أن يُجمع أغلب الموقعين على هذه الكتابات الجدارية على نفس التوقيعات ذات المغزى الواحد، مثل (المعذب)، (أبو عذاب)، (المجروح)، وما هو نحو ذلك.

وقد تتحول جدران مدرسة ما إلى ساحات معارك بين الطلاب، قد تشهد شدا وجذبا وردودا على كتابات متبادلة بأخرى قد تصل إلى الأسوأ، ومعركة أخرى تدار بين الطلبة وكتاباتهم وإدارة المدرسة من ناحية.

في إفادته لـ«الشرق الأوسط»، أوضح فهد الخضير المشرف التربوي المتخصص في الأنشطة الطلابية بالإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة القصيم، أن تنشيط البرنامج المدرسي الوقائي والعلاجي لمكافحة ظاهرة الكتابة على الجدران تسعى الإدارة من خلاله لتوعية طلاب المدارس من الوقوع في تلك التصرفات الخاطئة، خصوصا عقب تخصيص كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع لمناقشة وعلاج تلك الظاهرة، عبر حصص خاصة بالنشاط الطلابي التوعوي، وهي الفعاليات التي تجد أكبر استجابة من الطلاب.

وحقق البرنامج منذ بدايته العام الماضي نسبة لا يستهان بها، قدرها الخضير بقرابة 90 بالمائة من أهدافه، لافتا إلى وجود مصاعب في التوعية بتلك الظاهرة لغير طلاب المدارس وطالباتها. ولا تزال الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة القصيم تقوم على تنفيذ هذا البرنامج.

والكتابة على الجدران ظاهرة عامة، فقد عرف عن الإنسان الأول لجوؤه إلى الكتابة على جدران الكهوف، معبرا عن طموحاته وعن سجل حياته، فالنقوش والرسومات ساعدت على التعرف على المناطق الأثرية، وفي بعض الأحيان تحكي تلك النقوش أو الرسوم تاريخا معينا قد يسلط الضوء على لغات معينة، كاللغة الهيروغليفية، التي لا يزال العلماء حتى الآن يعملون على فك طلاسمها للتعرف على حضارات الأمم السابقة وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم.

والكتابة على الجدران ممارسة معروفة على المستوى العالمي (بفن الغرافيتي)، إلا أنها من وجهة النظر القانونية في بعض الدول الغربية تصنف تحت بند التخريب المتعمد للممتلكات، يعاقَب مرتكبوها.

ومهما بلغ هؤلاء العابثون من أمر فإنهم لن يرتقوا إلى استحسان ما يكتبونه ويطوروا في هذه الموهبة، التي تكرس على الجدران، والتي في الغالب ما يكون بطلها الأول قطعة من الفحم أو نوعا من أنواع الأصباغ، وهي الظاهرة التي لا تقتصر على بلد معين أو ثقافة معينة، وهي التي في ذات الوقت لا نزال نعيش وقع البعض منها، والتي كشفت لنا حضارات وثقافات سبقتنا بآلاف السنين.

وخطت محافظة جدة غربي البلاد، حينما استفحلت ظاهرة الكتابة على الجدران، خطوة باتجاه استحداث مراسم خاصة، وجد بها هواة الكتابة على الجدران متنفسا لتفريغ طاقاتهم التي سخروها لهذه الهواية.