5% من السعوديين مصابون بـ«البهاق».. نصفهم عرضة للاكتئاب

نظرات النفور و«الاشمئزاز» حرمت بعضهم من التعليم والعمل والزواج

TT

أخرج أحمد (27 عاماً) زفرة حارقة من صدره وهو يتحدث لطبيب الأمراض الجلدية قائلاً: يا دكتور هذه البقع البيضاء في وجهي سببت لي حرجاً كبيراً أمام الناس فالتساؤلات والنظرات الفضولية تلاحقني أينما ذهبت»، وبينما يحاول الطبيب تهدئته قاطعه بالقول: «المصيبة أنني أنوي الزواج قريباً ولكنني أخشى الرفض!».

قصة أحمد رواها الدكتور خالد الغامدي، مشرف كرسي أبحاث البهاق وزراعة الخلايا الصبغية وبروفيسور مشارك بجامعة الملك سعود، لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هناك ألوف مثل أحمد من شبان وشابات لهم معاناة مع مرض البهاق». وأضاف: «أذكر أم جاءتني للعيادة بطفلتها (7 سنوات) تبكي وهي تذكر معاناة ابنتها من التعليقات الساخرة التي تطلقها عليها زميلاتها بشأن البقع البيضاء التي انتشرت بوجهها ويديها وكيف أن ابنتها تعود للبيت باكية وتقول لا أريد الذهاب إلى المدرسة».

وكشف الغامدي أن مرض البهاق الذي يظهر على شكل بقع بيضاء فاقدة للون الجلد الطبيعي ينتشر بكثرة في السعودية، مقارنة ببقية دول العالم، مؤكداً أنه مرض غير معدٍ، وأوضح أنه يصيب نحو 4 بالمائة من سكان العالم، ولا توجد للآن دراسات محلية تحدد نسبة انتشاره، إلا أن الغامدي يعتقد أن البهاق يصيب نحو 5 بالمائة من السعوديين، مفيداً بأن أثره لا يقتصر في لون الجلد، بل يمتد للتأثير السلبي على الجوانب النفسية والاجتماعية والوظيفية والاقتصادية.

ويصف الغامدي ذلك بالقول: «من آثاره النفسية القلق والاكتئاب لدى مرضى البهاق والانتحار في الحالات الشديدة»، وتطرق للعزلة بعض المصابين بسبب نظرات الاستغراب من الآخرين أو نظرات الازدراء والاشمئزاز، وبسؤاله عن نسبة المعرضين للإصابة بالاكتئاب والرغبة في الانتحار من مجمل مرضى بالبهاق، أفاد بأنه أجرى دراسة حديثة على 160 مريضا ووجد أن 50 بالمائة منهم يعاني من هذه الأعراض، أي نصفهم.

وعن أسباب ذلك يقول:هناك معتقدات خاطئة مرتبطة بالمرض مثل أنه يصيب الأشخاص قليلي النظافة ومن يتركون بقايا الأكل على جلدهم من دون غسل، واعتقاد البعض أنه ينتقل بالعدوى»، وأضاف:«يـُقابل بعض المرضى بالرفض الاجتماعي، وهناك العديد من حالات الطلاق والعنوسة بسبب هذا المرض». وأكد أن المشكلة تتفاقم عندما يصيب البهاق المناطق المكشوفة من الجسم (كالوجه واليدين) مما يقلل من فرص الحصول على وظيفة لهذه الفئة.

ولا تقتصر معاناة مرضى البهاق على الحرمان من فرص التعليم أو العمل والزواج، بل تمتد للعبء الاقتصادي الذي يتكبده المرضى في العلاج، حيث يوضح الغامدي أن تردد المريض على المستشفى لأخذ جلسات العلاج الضوئي بمعدل ثلاث مرات أسبوعيا من سنة إلى سنة ونصف يتطلب الكثير من الوقت والجهد والمال، أما بالنسبة لزراعة الخلايا الصبغية، فأفاد بأن تكلفتها تتراوح بين 15 إلى 25 ألف ريال، وتزيد التكلفة حسب مساحة المنطقة المصابة.

وقد دفعت الأزمات التي يعانيها مرضى البهاق لإنشاء كرسي أبحاث البهاق وزراعة الخلايا الصبغية قبل نحو عام، الذي يهتم بالبحوث الأساسية والسريرية لفهم آليات وتطويرعلاج مرض البهاق وتوطين تقنية زراعة الخلايا الصبغية بمختلف أشكالها، في حين يوضح الغامدي أن هذه المشاريع بحاجة لدعم رجال الأعمال ورؤوس الأموال.

وبالسؤال عن السجل الوطني لمرض البهاق، أفاد الغامدي بأنه مازال العمل جارياً على انشائه، مؤكداً أن هذا المشروع سيوفر احصاء دقيقا لعدد المرضى المصابين في السعودية وما لذلك من أثر في التخطيط للخدمات العلاجية المستقبلية، إلى جانب ايجاد قاعدة بيانات مفصلة تستخدم لأغراض البحث العلمي، وسهولة الاتصال بالمرضى عند توفر أدوية أو طرق علاجية جديدة أو أفكار بحثية جديدة لإدخال المرضى المتطوعين ضمنها.

ومن الجدير ذكره أن دراسة للكرسي تعد الأولى من نوعها بالسعودية لمعرفة الطرق العلاجية المتبعة من قبل أطباء الجلد لعلاج مرض البهاق، وشملت 112 طبيب جلدية، كشفت أن معظم أطباء الجلد السعوديين يرون أهمية المباشرة بعلاج مرض البهاق وعدم الانتظار حتى ولو كانت الأجزاء المصابة مخفية. كما تبين أن أكثر السبل العلاجية المتبعة هي السترويدات الموضعية واستخدام الأشعة الفوق بنفسجية ذات النطاق المحدود. وأظهرت الدراسة أن المخاوف من الإصابة بسرطان الجلد حدت من الاستمرار على العلاج الضوئي لفترات طويلة، إلا أنه لا توجد دراسات تثبت هذه العلاقة علمياً لذا يرى أطباء أهمية القيام بدراسة للتأكد من صحة هذه الفكرة، كما بيَّـنت أن علاج البهاق بإلغاء صبغة الجلد من الأجزاء السليمة هي طريقة يتم الأخذ بها في حالات كثيرة.