هيئة السياحة تشرع في تأهيل «الديرة» بالعلا ضمن برنامج القرى التراثية 

تنمية اقتصادية وسياحية وثقافية للبيئة المحلية للقرية التي أنشئت قبل 800 عام

منظر علوي للبلدة القديمة قبل التأهيل من أعلى القلعة («الشرق الأوسط»)
TT

تستند «القرية التراثية» المعروفة في المجتمع المحلي بـ«الديرة» في محافظة العلا، إلى جذور تاريخية تمتد إلى القرن السابع الهجري، كما تذكر كتب الرحالة العرب، التي تصفها بأنها إحدى أهم وأكبر المدن في الحجاز قديماً بعد مكة المكرمة. وكانت محطة رئيسية يتوقف بها الحجاج القادمون من الشام للتزود بالطعام والماء، ويصف علماء الآثار القرية التراثية في العلا، التي تم تأهيلها من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار، بأنها إحدى ثلاث مدن إسلامية باقية من القرن السابع الهجري تمثل المدينة الإسلامية بمساجدها ومنازلها وأسواقها. الهيئة العامة للسياحة والآثار باشرت البدء بتأهيلها ضمن برنامج القرى التراثية الذي أطلقته كخطة تشمل تنمية 64 قرية تراثية يعمل على تأهيلها في مختلف أنحاء المملكة، ودشن المرحلة الأولى من مشروع تأهيل القرية التراثية بالعلا الأمير سلطان بن سلمان، الرئيس العام للهيئة العامة للآثار، بحضور الأمير عبد العزيز بن ماجد، أمير منطقة تراثية المدينة المنورة رئيس مجلس التنمية السياحية، في مارس الماضي. وتتميز القرية التراثية بخصوصية كونها قريبة من مراكز تجمع السياح الذين يزورون مدائن صالح، كما تسهم مشاريع تنمية القرى التراثية في استدامة التنمية وتشجع على إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة مما يعود بالنفع على السكان والمستثمرين، ومع توفر الخدمات الأساسية اللازمة فإن ذلك يشجع السياح ويساهم في قضاء جزء من برنامجهم السياحي داخل هذه القرى، مما يعود بالفائدة الكبرى على السكان المحليين، ويشجع الأسر على العمل في إنتاج متطلبات السائح. الدكتور يوسف المزيني، المدير التنفيذي لجهاز السياحة والآثار بمنطقة المدينة المنورة يقول «إن مشروع تأهيل القرية التراثية بالعلا يهدف إلى تحويلها إلى قرية سياحية عالمية متعددة الأنشطة بطريقة تكفل المحافظة على تراثها العمراني وتحقق عوائد لمالكيها وسكان المحافظة». وواصل بقوله «وتوفر فرصا وظيفية واستثمارية جديدة عبر تنمية وتطوير وإعادة التأهيل وتوظيفها اقتصادياً، كما توفر منتجا مميزا على الخارطة السياحية بمحافظة العلا للمساهمة في إيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين، وتحقيق الفوائد لملاك القرية وسكان المحافظة والمواقع المحيطة بها، إضافة إلى المحافظة على التراث العمراني المتميز للقرية ومنع استمرار تدهوره». النطاق التأهيلي للعمل وفق رؤية المختصين في الهيئة العامة للسياحة والآثار للقرية التراثية، اهتم بدراسة النسيج العمراني الذي يغلب عليه بناء البيوت من طابقين، بشكل متلاصق وتتشابه في التصميم الداخلي والخارجي للقرية التي تشتمل على أكثر من 732 بيتا، وتضم القرية العديد من المعالم المتميزة، التي سيتم تطويرها لخدمة الأنشطة السياحية والثقافية المختلفة مثل الطنطورة، ومسجد العظام، والسوق، والساحات العامة. كما تم خلال المشروع التطويري للبلدة، المحافظة على العناصر العمرانية التراثية، وإيقاف التدهور المستمر لمبانيها عبر وضع قاعدة اقتصادية مناسبة لتوظيفها سياحيا، والمحافظة على المكونات التراثية في القرية التراثية، واستثمارها بشكل يضمن استمرارها. ويصف الدكتور حامد شويكان، أحد الناشطين في لجنة المحافظة على التراث بالعلا «الديرة» وعاش جزءا من حياته في وسطها، بأنها كانت مركز التجمع السكاني بالمحافظة إلى أن انتقل جميع سكانها تقريباً في أواخر عام 1403هـ باتجاه الأحياء الجديدة التي أنشئت حديثاً، وتتسم بأنها من المباني الطينية المتلاصقة التي لا تتجاوز الدورين تتخللها شبكة من الطرق والأزقة الضيقة المتعرجة أو المستقيمة، كما توجد عدة بوابات رئيسية لحماية البلدة ليلاً. كما يقع في طرف القرية التراثية من جهة الجنوب الشرقي للبلدة مسجد أثري قديم أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم في طريق غزوته لتبوك وخط مكانه وعلمه بالعظام، لذلك سمي بمسجد العظام، أو مسجد الصخرة، كما تمتد أسواق القرية في الجهة الغربية على امتداد القرية، حيث تقع جميع الدكاكين والقهوة وبئر الماء، التي تم إنشاؤها في وقت متأخر. ومن أعلى جبل ملاصق للقرية، تطل قلعة إسلامية تسمى قلعة أم ناصر، وهي قلعة يروى أنه دفن إلى جوارها القائد المسلم موسى بن نصير ويستطيع الزائر من أعلاها مشاهدة جميع أرجاء القرية. وتحيط بالقرية من الشرق والجنوب والشمال حقول ومزارع النخيل والحمضيات والفواكه، حيث كانت الغالبية العظمى من سكان القرية تزاول أعمال الزراعة نظراً لما تتمتع به أرض العلا من وفرة كبيرة في العيون الجوفية العذبة، حيث ترويها حوالي 35 عيناً جارية أسهمت في اتساع رقعة المزارع القديمة ومضاعفة مساحة القرية التي تتألف من منطقتين، الحلف والشقيق. ويعتبر الدور والواقع في غرب القرية المركز التجاري للبلدة، حيث كانت تعرض فيه معظم السلع والمواشي وكان سكان البادية يجلبون ما لديهم من منتجات ويبيعونها في ذلك السوق حسب أعراف وتقاليد وشروط متفق عليها بين أبناء القرية وأبناء القبائل الأخرى. وشمل مشروع التأهيل الذي تم تنفيذ المرحلة الأولى منه، إعادة تأهيل قلعة موسى بن نصير وبعض الممرات، ويتكون هذا الجزء من المباني المطلة على الشارع الرئيسي وقلعة موسى بن نصير الواقعة أعلى جبل القلعة بالإضافة إلى بعض المباني الواقعة على الممرات المستهدفة التي تؤدي إلى الجزء الغربي من القرية. الجزء الغربي. تم ترميم وإعادة تأهيل الساحة الغربية والمباني المطلة عليها الواقعة في القرية التراثية، ويتكون هذا الجزء من مجموعة مبان مطلة على ساحة كانت تستخدم في السابق لتبادل البضائع مع البادية ويتم ترميمها لتكون سوقا شعبيا للمحافظة. إضافة إلى تطوير سوق الدور وإعادة تنسيق مسار الطريق القديم وتخصيصه للمشاة واستخدام المواد المتوفرة في الموقع، خاصة الأحجار المحلية لدعم مظهر القرية وتناسقها مع الجوار وإزالة جميع المعوقات البصرية كي يتسنى للزوار الاستمتاع بالمناظر المحيطة به، من ترميم مباني السوق وإعادة تأهيلها كسوق شعبي والسماح لاستثمار الأراضي الفضاء تحت معايير وضوابط عمرانية تتناسب مع طبيعة الموقع، وإعادة بناء المتهدم من المباني باستخدام الركام المجمع من الطرقات والأزقة. وحماية المباني من تأثير المياه إضافة إلى بعض الخدمات مثل المطاعم والمقاهي الشعبية، وإعادة تأهيل بيت البلدية كمتحف للقرية التراثية ومركز للزوار وإعادة تأهيل الساحات وتطويرها باستخدام الأساليب التقليدية في تأهيل المنازل وتنسيقها، مع إعادة توصيل الماء للسبيل، وتحديد الرموز الفلكية في ساحة الطنطورة، وترميم المزولة الشمسية والحفاظ عليها، وتحديد الرموز الفلكية في الساحة، خاصة تلك المتعلقة بتقسيم المياه بين السكان ودخول مربعانية الشتاء. الدكتور المزيني يصف الهدف البعيد للهيئة العامة للسياحة والآثار في أن يسهم المشروع في تنمية البيئة المحلية ويحتضن العديد من الحرفيين والحرفيات، ويساهم في توفير فرص العمل، ويشجع الاستثمار في ترميم مباني التراث العمراني وإعادة تأهيلها وتوظيفها كنزل ومطاعم سياحية، إضافة إلى قيمته الثقافية والحضارية. كما أن السياحة تعد إحدى الوسائل المهمة لتفعيل النشاط الاقتصادي، كون القرية التراثية وعاء لإقامة الفعاليات الثقافية والتراثية، ومكانا مناسبا لتشجيع المجتمعات المحلية على مزاولة وإنتاج وتسويق المنتجات الزراعية والمأكولات الشعبية والحرف اليدوية التي يطلبها المتسوقون والزوار. تُعد القرى التراثية أحد الموارد الرئيسة للسياحة الثقافية، ومورداً اقتصادياً مهماً يعتمد عليه المجتمع المحلي، وزيادة معدلات الإنفاق الداخلي، والمساهمة في مكافحة الفقر في المجتمعات المحلية، بالإضافة إلى تنمية الوعي والتكافل الاجتماعي بين أهالي القرية، والمحافظة على استمرارية الهوية التراثية العمرانية، والاستفادة من السياحة كوسيلة لتفعيل النشاط الاقتصادي في القرى والبلدات التراثية، وكذلك الاستثمار في مشاريع مستدامة تعود بالفائدة على المجتمع المحلي والأسر المحتاجة.