مدير حماية البيئة في الهيئة الملكية: لا توجد صناعة بلا تلوث.. ولدينا معايير صارمة للمراقبة

البشري لـ«الشرق الأوسط»: حالات السرطان والإجهاض والأمراض المتعلقة بالتلوث هي الأقل على مستوى السعودية

د. البشري مدير حماية البيئة في الهيئة الملكية في الجبيل («الشرق الأوسط»)
TT

أكد الدكتور حسين محمد البشري مدير حماية البيئة في الجبيل الصناعية، وهي إدارة تتبع الهيئة الملكية في الجبيل وينبع، أن إدارته قامت بإعداد برامج تهتم بالمحافظة على البيئة، مشيراً إلى أن من أهم برامجها هو برنامج مراقبة البيئة الذي يهتم بخفض مستوى التلوث في واحدة من أكثر مناطق الشرق الأوسط ازدحاماً بالصناعات البيتروكيماوية. واشار البشري في حواره مع «الشرق الأوسط» من الجبيل الصناعية إلى أنه «لا توجد صناعة بدون تلوث»، مفيدا أن مستوى التلوث في الجبيل يأتي ضمن «الحدود المسموح بها»، كما جزم بأن الجبيل الصناعية تعتبر من أقل المدن في معدلات الإصابة بالأمراض ذات الصلة بالتلوث. فإلى تفاصيل الحوار.

* تعاني مدينة الجبيل من التلوث نتيجة النشاط الصناعي وهناك إشارات بأن مستوى التلوث في المدينة سجل أرقاما عالية، نتج عنها ازدياد الإصابة بحالات الربو والحساسية والأمراض الأخرى.. كيف ترى حجم القلق لدى السكان؟ - لا توجد صناعة بدون تلوث، ولكن يجب أن يكون ذلك ضمن الحدود المسموح بها، واستطعنا في مدينة الجبيل الصناعية أن نسيطر على مستوى التلوث وإبقائه ضمن الحدود المسموح بها، وذلك عبر تطبيق إجراءات ومعايير بيئية شديدة الصرامة نقوم بالتأكد من تطبيقها من قبل الشركات الصناعية والمصانع.

أما حالات الربو والحساسية والأمراض الأخرى فإن معدل الإصابة بها في مدينة الجبيل، يعتبر من أقل المعدلات على مستوى السعودية، كما أن الأمراض التي يعتبر التلوث من مسبباتها مثل السرطان وحالات الإجهاض والولادة القيصرية، جميعها ضمن المعدلات المحلية والدولية ولا يوجد أي مؤشر يدل على ارتفاعها أو زيادتها عن المعدل الطبيعي.

وللعلم فإن مسؤولي وموظفي الهيئة الملكية يعيشون في المدينة نفسها التي يعيش فيها المواطنون والمقيمون، وهناك تأكيدات مستمرة من قبل المسؤولين بالاهتمام بتطبيق المعايير البيئية وعدم التهاون فيها لأنها تهم صحة الإنسان.

* كيف تتم مراقبة نسب التلوث في المدينة، وتقييم الحالة البيئية؟

- أنشأت الهيئة الملكية للجبيل وينبع بالتعاون مع الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة 9 محطات لمراقبة جودة الهواء منها محطتان متنقلتان في مدينة الجبيل الصناعية، حيث تقوم هذه المحطات بمراقبة وقياس جودة الهواء المحيط بالمدينة للتأكد من أنها في الحدود المسموح بها عالميا. وقد تم توزيع هذه المحطات بشكل دقيق ومدروس لتغطي جميع المواقع في المدينة. من خلال هذه المحطات يتم جمع البيانات على مدار الساعة وإرسالها مباشرة إلى حاسب آلى مركزي باستخدام نظام الجوال (GSM)، حيث يقوم طاقم من المختصين بمراجعتها وتحليلها لدراسة نوعية الهواء والأرصاد الجوية لأي فترة زمنية ويتم الاحتفاظ بهذه المعلومات منذ عام 1979.

* هل حماية البيئة والحفاظ عليها ضمن شروط إنشاء المصانع؟

- يعتبر الحصول على التصريح البيئي شرطا أساسيا في طلب إقامة المشروع، فقبل بدء عمليات إنشاء المشروع الصناعي يشترط حصول المستثمر أو الشركة على التصريح الذي يشمل «21» قسماً عن الصناعة، معلومات التشغيل، المخلفات السائلة والانبعاثات الغازية والمخلفات الصلبة الخطرة وغير الخطرة، وللحصول على التصريح يقدم المستثمر أو الشركة معلومات مفصلة ودقيقة عن النشاط الصناعي للمشروع وكذلك طرق التخلص من المخلفات الصناعية.

ولكي تحصل المصانع على التصريح البيئي يجب أن تقوم بعمل دراسات مستفيضة لأحدث التكنولوجيا المتاحة (Best Available Technology) للحد من التلوث وهي التكنولوجيا المستخدمة حالياً في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا واليابان ويجب أن تقدم المصانع هذه التحليلات وتقارنها مع بعضها بعضا وتختار أفضلها.

* وهل لدى إدارة حماية البيئة، طاقم عمل متخصص في هذه التكنولوجيا؟

- يعمل في برنامج حماية البيئة في الوقت الراهن أكثر من (50) موظفاً متخصصا في هذا المجال ومهمة البعض من أولئك الموظفين مراجعة تلك التكنولوجيا المتاحة ومراجعة الطلبات المقدمة من المصانع لحصولها على هذا التصريح.

أما بالنسبة للتكنولوجيا المستخدمة في مراقبة المخلفات السائلة فلا بد أن تتبع المصانع أحدثها للحفاظ على نوعية مياه الصرف الصناعي، حيث تتم معالجتها باستخدام محطة المعالجة الصناعية ثم تستخدم هذه المياه في ري الحدائق والأشجار.

كذلك بالنسبة للانبعاثات الغازية لا بد من استخدام هذه التكنولوجيا لمطابقة المعايير البيئية الخاصة بالمصانع وذلك للحفاظ على حالة الهواء المحيط طبقاً لما قررته منظمة الصحة العالمية «World Health Organization» والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة «PME»..

* ما هي الجهات التي تتعاون معها الهيئة الملكية في حماية البيئة؟

- للمحافظة على البيئة وفق افضل الطرق تتعاون الهيئة الملكية مع الجهات ذات العلاقة ومنها، الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وذلك عبر تنسيق مستمر بين الجانبين، حيث تقوم الهيئة الملكية بتطبيق القوانين والمعايير البيئية على جميع المصانع والشركات بمدينة الجبيل الصناعية، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، حيث يتبادل الجانبان المعلومات في مجال المواد ذات الطابع الإشعاعي، شركات سابك، وشركة ارامكو السعودية، حيث تقوم أرامكو بتزويد المصانع والشركات بالغاز وبعض المواد الخام والهيئة الملكية وشركة ارامكو السعودية عضوان في اللجنة الوطنية للكوارث، وكذلك جميع الشركات العاملة في مدينة الجبيل الصناعية، فيما يخص الهيئات والمنظمات البيئية الدولية، مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والوكالة الأميركية لحماية البيئة (EPA) والهيئة الأوربية للبيئة (EC).

* ما هو الدور التوعوي الذي تمارسونه في المدينة؟

- تعمل إدارة حماية البيئة بالتنسيق مع إدارة الخدمات التعليمية في الهيئة الملكية على إعداد وإدارة برامج التوعية البيئية في المدارس وتوظيف بعض الأنشطة اللامنهجية للتعليم البيئي حيث تم وضع خطة لزيارة الطلاب للمختبر البيئي للاطلاع على طرق المراقبة وأخذ العينات وتحليلها. وساهمت الهيئة الملكية عبر عدد من البرامج التوعوية في تصحيح المفاهيم البيئية الخاطئة وإبراز أهمية الحفاظ على البيئة من خلال إقامتها ومشاركتها في العديد من المعارض البيئية في المراكز التجارية لجذب اهتمام مرتاديها وتوصيل الرسالة البيئية بـشكل أشمل وأفضل. كما تنظم الهيئة العديد من الندوات العلمية للمختصين والمهتمين بالبيئة في مجال جودة الهواء وإدارة النفايات الصناعية وورش عمل متخصصة في الإدارة البيئية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمحافظة على البيئة.

* بالنسبة لمياه الشرب.. كيف تتم مراقبة الجودة وسلامتها من الملوثات؟

- يقوم مختبر حماية البيئة بعملية الفحص البكتيري والطفيلي لمراقبة جودة مياه الشرب ومياه مرافق الترفيه ومياه الري، ويتم إجراء الفحوصات الفيزيائية والتحاليل الكيميائية لأيونات المعادن والهيدروكربونات والمبيدات والزيوت والشحوم والمواد العضوية وغير العضوية وكذلك إجراء الاختبارات البكتريولوجية والكشف عن الطفيليات.

كما يقوم الأخصائيون بإجراء فحوصات على الأطعمة للتأكد من سلامتها من الميكروبات ومدى صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.

* تضم محافظة الجبيل محميات طبيعية كما تعتبر إحدى محطات هجرة الطيور الموسمية، ما هو دور حماية البيئة في هذا الجانب؟

- تتم مراقبة المواقع الطبيعية والمواقع التي نتجت عن النشاط البشري كسبخة الفصل والتي تعزز الحياة البرية، حيث تعتبر أحد مواقع الطيور المهاجرة حيث يلجأ لها أكثر من 20 ألف طائر سنوياً تمثل 200 نوع من الطيور، كما تتم مراقبة المسطحات الطينية، وأماكن نبات المانجروف، والأراضي الرطبة. كما تتم المراقبة على طول الشاطئ وفي المناطق الصحراوية النائية للكشف عن التلوث وأعمال الردم والتجريف غير المصرح بها.

* ماذا بشأن إعادة مياه الصرف الصناعي التي تعاد للبحر مرة أخرى بعد استخدامها في عملية تبريد المصانع؟

- حددت الهيئة الملكية عدة مواقع لمراقبة جودة المياه في الشواطئ والمرافئ القريبة من مدينة الجبيل الصناعية لإعطاء معلومات شاملة حول جودة هذه المياه ولتسمح بتتبع التغيرات فيها. والمراقبة المنتظمة لهذه المواقع تعطينا مؤشرا مبكرا لأي تغير في نوعية المياه على المدى البعيد بحيث يمكن اتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث أية أضرار متوقعة في المستقبل، وذلك باستخدام مسبار إلكتروني يقيس عمق ودرجة حرارة الماء وملوحته والأوكسجين المذاب فيه ودرجة حموضته «الرقم الهيدروجيني». كما يتم أخذ عينات من هذه المياه من أعماق مختلفة لفحصها وتحليلها في المختبر البيئي لمعرفة مدى مطابقتها للمعايير البيئية التي حددتها الهيئة الملكية لبيئة مياه الخليج، علماً بأن هذه المياه ليس لها علاقة مباشرة بعملية التصنيع وإنما فقط تستخدم في تبريد المصانع فقط.

* تقولون إنكم تمكنتم من المواءمة بين التصنيع والبيئة.. كيف تسنى لكم ذلك؟

- إيجاد توافق بين التصنيع والبيئة كان التحدي أمامنا لتقديم برنامج بيئي إيجابي، ومن اجل ذلك تَوجت الهيئة الملكية جهودها في المحافظة على البيئة بحصولها على جوائز عالمية لنجاحها في تنفيذ برامج حماية البيئة التي وضعتها وتقوم بتشغيلها في كل من مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين. هذا الانجاز كان باعتراف دولي حيث حصلت الهيئة الملكية للجبيل وينبع على جائزة ساساكاوا الدولية لحماية البيئة من هيئة الأمم المتحدة، وجائزة المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية، كما حصلت على جائزة منظمة المدن العربية للسلامة البيئية وذلك في دورتها التي عقدت في دولة قطر، وأخيراً حازت على جائزة المملكة العربية السعودية في أفضل تطبيقات الإدارة البيئية في الأجهزة الحكومية بالدول العربية.