دقة مقاييس زلازل العيص تفتح نقاشا بين خبير جيوفيزيائي وهيئة المساحة الجيولوجية

د. مختار لـ«الشرق الأوسط»: الهيئة لم تستخدم مقاييس المقدار * هيئة المساحة لـ«الشرق الأوسط»: قراءاتنا أكثر دقة من سواها

مقياس الزلازل في العيص يثير خلافا بين أكاديمي وهيئة المساحة الجيولوجية («الشرق الأوسط»)
TT

فتحت قياسات الزلازل التي استخدمتها المساحة الجيولوجية في قياس زلازل العيص نقاشا حاد بين اكاديمي جامعي ضالع في مجال الجيوفيزياء، انتقد فيه دقة هذا القياسات وردود هيئة المساحة التي تؤكد أن كل ما تصدره الهيئة من بيانات ومعلومات يتم مراجعتها والتأكد من دقتها ومصداقيتها قبل الدفع بها للنشر.

وانتقد الدكتور طلال علي مختار، أستاذ الجيوفيزياء بكلية علوم الأرض بجامعة الملك عبد العزيز، بيانات هيئة المساحة الجيولوجية المستخدمة في الزلزال الذي ضرب منطقة العيص والقرى المجاورة لها خلال الفترة القليلة الماضية، مبينا أن الهيئة استخدمت مقياسا محليا في حساب مقدار الزلازل، واصفا ذلك بعدم الدقة، كون المراصد العالمية سجلت فرقا بنحو 40 ضعفا عن تقدير المراصد المحلية.

وهو الأمر الذي علق عليه الدكتور زهير نواب، رئيس هيئة المساحة الجيولوجية لـ«الشرق الأوسط» أن كل ما تصدره الهيئة من بيانات ومعلومات يتم مراجعتها والتأكد من دقتها ومصداقيتها قبل الدفع بها للنشر.

وكان الدكتور طلال مختار أستاذ الجيوفيزياء بكلية علوم الأرض بجامعة الملك عبد العزيز قال لـ«الشرق الأوسط» إن هيئة المساحة الجيولوجية لم تصدر بيانات تفصيلية منتظمة توضح تاريخ كل هزه وزمن وقوعها وخطوط العرض وخطوط الطول لبؤرة الهزة وعمقها ومقدارها ونوع المقدار مع عرض مستويات الثقة في كل من هذه العناصر. واستغرب مختار من هيئة المساحة الجيولوجية عدم استخدام احد مقاييس المقدار حتى يمكنها ان توضح حجم الزلزال الحقيقي وبذلك تكون بياناتها منسجمة مع محطات الرصد الدولية خاصة انه تم التصريح بأنه يتم نقل البيانات عبر الأقمار الصناعية وبالتالي يمكن الاستفاده من محطات الرصد المحلية المنتشرة في أرجاء السعودية والتعاون مع محطات الرصد الإقليمية في الدول المجاورة والاستفادة من محطات الرصد الدولية التي يمكن من خلال تسجيلاتها قياس سعة الموجات الجسمية والموجات السطحية بسهولة وكذلك حساب عزم الزلزال وعدم الاقتصار على المقدار المحلي mL من تسجيلات المحطات القريبة من مركز الزلزال.

وبالعودة إلى رئيس هيئة المساحه الجيولوجية اكد «أن قراءات هيئة المساحة الجيولوجية السعودية بالنسبة لزلازل حرة الشاقة هي الأكثر دقة مما سواها، لأن عدد محطات الرصد في موقع الحدث 7 محطات، وهي أقرب من أي محطات دولية أخرى، بالإضافة إلى أن الأجهزة الموجودة في الحرة حديثة ومتطورة، وفريق العمل متدرب ومؤهل».

وقال إن الفريق تعامل مع الحدث بطريقة احترافية كما شهد له بذلك خبراء ومتخصصون من مركز البراكين والكوارث الطبيعية من هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية الذين يقومون هذه الأيام بزيارة المركز الوطني للزلازل والبراكين التابع لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية.

واضاف نواب بأن ما يقال أن مقدار زلزال العيص وفق المقاييس العالمية يبلغ 40 ضعفا عما ترصده المراصد المحلية ما هو إلا تحليل علمي رياضي للفرق بين ما رصدته هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية (5.8 على مقياس ريختر)، وما رصدته هيئة المساحة الجيولوجية السعودية (5.4 على مقياس ريختر). وقال إن هذا الاختلاف بين قراءات المراصد في العالم أمر طبيعي ومعروف وبالذات لأساتذة الجامعات، لأن دقة القراءة تعتمد على قرب أو بعد أجهزة الرصد من موقع الحدث، وعلى عدد محطات الرصد وقربها من الموقع بالإضافة إلى نوعية الأجهزة وطرق المعالجة.

وبين الدكتور نواب «أن مقياس ريختر يعتبر مقياسا كميا لقوى الزلازل في شكل علاقة رياضية لوغاريتمية اعتمادا على سعة الموجة السيزمية المسجلة، ولذلك فان الفارق كبير بين زلزال قوته 5 درجات على مقياس ريختر، وآخر قوته 6 درجات».

واضاف «لا أريد أن أقول هنا إنه خطأ في تحديد قوى الزلزال، لأن جميع المراصد لا تستخدم معادلة واحدة للقياس، ولكن تختلف فيما بينها في نوعية الموجة المستخدمة وترددها، وثوابت المعادلة التي يتم بها حساب قوة الهزة الأرضية توجد علاقات كثيرة بين قوة الزلزال والطاقة المنطلقة من الزلزال، فكلما زادت قوة الهزة بوحدة واحدة يقابلها تكبير في كمية الطاقة بمعامل قدره نحو 32مرة، فمثلا الطاقة المتحررة من بؤرة زلزال بقوة 6 درجات على مقياس ريختر اكبر نحو 32مرة من الطاقة المتحررة من بؤرة زلزال مقداره 5 درجات».

وابان نواب «وإذا ما نظرنا إلى التباين في قيم قوة زلزال حقل الذي حدث يوم 22 نوفمبر من عام 1995م، لوجدنا تباينا بين جميع المراصد الدولية في القيم المنشورة اعتمادا على طبيعة المعادلات المستخدمة، كما يوجد اختلاف في قيم عمق الهزة وإحداثياتها، وهذا طبيعي ومنطقي، أن يحدث اختلافات في قيم قوى الزلازل. ففي زلزال حقل الذي حدث عام 1995م سجلت مراصد جامعة الملك سعود بالرياض القوة 5.9 للموجات الجسمية والعمق12 كيلومترا فيما سجل مركز المعلومات الدولي للزلازل الاميركي قوة 7.2 للموجات السطحية و6.2 للموجات الجسمية، وعمق 10 كيلومترات، فيما سجلت جامعة هارفارد القوة 7.2 للموجات السطحية والعمق 15 كيلومترا، وسجل مركز الرصد الزلزالي الأوروبي المتوسطي القوة بـ6.2 إلى 6.7 الموجات الجسمية والعمق 10 كيلومترات».

واشار نواب إلى أن هيئة المساحة الجيولوجية السعودية هي الأقرب إلى الحدث ولديها تغطية كافية من المحطات، مما يجعل الدقة في البيانات التي تم التوصل إليها هي الأقرب إلى الصحة، كما أن الهيئة تعتمد في حساب قوى الزلازل على معادلة الزلازل المحلية (Ml)، ويتم اخذ متوسط قيم قوة الزلزال من كافة محطات الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي. وأشار إلى أن المراكز الدولية تقوم بتصحيح قيم قوى الزلازل بعد نشرها على مواقعها، بعد إضافة أي معلومات جديدة تزيد من دقة النتائج. وهنا عاد الدكتور مختار ليبين انه عند حدوث زلزال كبير في أي منطقة من العالم فإنه يلجأ إلى مراكز الرصد الدولية التي تتوفر لديها البيانات التفصيلية عن موقع الزلزال وعمقه ومقداره وبيانات أخرى تهم عالم الزلازل، هذا إلى جانب توفر التسجيلات الرقمية للزلزال من كل محطة دولية رصدته وهي متاحة للباحثين في شتى بقاع الأرض للحصول عليها واستخدامها في دراساتهم دون مشقة أو تكلفة وبإمكان هيئة المساحة الجيولوجية ايضا الحصول عليها. وبعد تفحص البيانات الواردة من تلك المراكز، والتي أشارت إلى حدوث نشاط زلزالي غير عادي في منطقة العيص بدأت في يوم 17مايو الماضي، وتزايد هذا النشاط بشكل ملحوظ في يوم 19مايو، وهو ذات اليوم الذي حدث فيه الزلزال الأكبر من هذه العاصفة الزلزالية.

وبمقارنة هذه البيانات بتلك التي صدرت من الشبكة الوطنية لرصد الزلازل والتي تشرف عليها حاليا هيئة المساحة الجيولوجية السعودية وتم نشرها محليا من خلال وسائل الإعلام فهنالك عدد من النقاط التي تحتاج إلى توضيح من الهيئة ابرزها ان مقدار الزلزال، وهو الرقم الذي تتناقله وسائل الإعلام وتنسبه خطأ إلى مقياس «ريختر»، هو رقم ليس له وحدة يعبر عن حجم الزلزال، وذلك عن طريق قياس كمية الطاقة الميكانيكية المتحررة عند بؤرة الزلزال والتي تنطلق في شكل موجات زلزالية في جميع الاتجاهات.

وكان أول من استخدم هذه الطريقة لتقدير حجم الزلزال هو العالم الالماني ريختر باستخدام الموجات الزلزالية التي تم رصدها بأجهزة محلية لها مواصفات معينة في كاليفورنيا، إلا ان ما يستخدم اليوم في مراكز الرصد الدولية يختلف عن هذا المقياس.

وتستخدم اليوم لحساب مقادير الزلازل، خاصة الكبيرة منها، ثلاثة أنواع من المقاييس التي تعتمد على التسجيلات البعيدة عن مركز البؤرة وهي مقدار الموجات الجسمية mb ومقدار الموجات السطحية MS إضافة إلى ومقدار العزم Mw والذي اعتبره مختار أفضل المقاييس ويحدد قوة الزلزال بشكل أكثر دقة عن المقاييس الأخرى ويعتمد على مساحة سطح الصدع ومقدار الإزاحة عليه. إضافة إلى المقدار المحلي mL والذي عادة ما يستخدم عندما تكون محطات الرصد قريبة من موقع الهزة ولا تتوفر تسجيلات من محطات بعيدة.

وكشف الدكتور مختار مقارنة بين البيانات المحلية والدولية التي رصدت الزلزال الذي حدث عند التوقيت العالمي في 19 مايو في أكثر من 1000 محطة دولية قد تم حساب موقعه عند خط العرض °25.356 (± 3.7كم) وعند خط الطول °37.765 (± 3.2 كم) وعلى عمق 1.4 كم (± 13.9 كم) وبمقدار mb = 5.7 وMS= 5.3 وMw = 5.7 في حين ان البيانات الصادرة التي نشرت في الصحف كانت تذكر ان هيئة المساحة الجيولوجية أكدت على حدوث عدد من الزلازل التي ضربت منطقة العيص وان أقواها بلغ مقداره 4،81 وحدث في تمام الساعة 9:38 من صباح الثلاثاء 19 مايو وبعمق 7.7 وورد في الخبر انه حدث عند الساعة 8:33 من مساء يوم الثلاثاء 19 مايو هزة أرضية بلغت قوتها 5.39 ولم يحدد الخبر عمق هذه الهزة، ولم يوضح البيان نوع المقدار، ولكن من بيانات الشبكة السابقة والموجودة في سجلات المركز الدولي للزلازل فإنها عادة ما تستخدم المقدار المحلي mL. وبالتالي فلقد تضاربت الأنباء وتواردت من أكثر من مصدر ولم تصدر لنا هيئة المساحة الجيولوجية وهي المختصة بمهمة الرصد الزلزالي بيانات تفصيلية منتظمة توضح فيها تاريخ كل هزة وزمن وقوعها بالتحديد وخطوط العرض وخطوط الطول لبؤرة الهزة وعمقها ومقدارها ونوع المقدار وذلك في بيان واضح وجلي ولا يقبل التأويل خاصة أنها هي الجهة المسؤولة عن رصد الزلازل في السعودية.

وقال «الزلزال الذي حدث مساء يوم الثلاثاء 19 مايو عند الساعة الثامنة و33 دقيقة، وبلغ مقداره المحلي 5.39 هو نفسه الزلزال الأكبر الذي تم سرد بياناته الدولية أعلاه وان عمق هذا الزلزال حسب التقديرات المحلية في حدود 6 إلى 8 كم».

يتضح من المقارنة ان البيانات الدولية تزودنا إلى جانب بيانات موقع بؤرة الزلزال وزمن حدوثه بمستويات الثقة في تلك البيانات من خلال توضيح مقدار الخطأ في الموقع وفي زمن الحدوث وفي العمق. وهذا الأمر من الأهمية بمكان خاصة في بيانات العمق وزمن الحدوث اذ ان أكثر ما يقلق المسؤولين وأجهزة الدفاع المدني هو رصد أي إشارات تدل على احتمال حدوث ثوران بركاني والتي يمكن ان يستدل بها على قرب حدوثه، كما صرح بذلك رئيس هيئة المساحة الجيولوجية، من خلال التغير الذي يطرأ على أعماق تلك الزلازل واقترابها من السطح. إن البيانات التي رصدتها الشبكة الوطنية لموقع الزلزال وعمقه ستكون بلا شك أكثر دقة من البيانات الدولية وذلك لقرب أجهزة الرصد من بؤرة الزلزال.

واضاف مختار «كما هو واضح من البيانات الدولية فإن عمق هذا الزلزال بالتحديد كان 1.4 كم ومقدار الخطأ في العمق 13 كم بينما تم تقدير العمق من الشبكة المحلية بنحو 6 الى 8 كم دون تحديد لمقدار الخطأ في العمق وتم تحويل مقدار زلزال له مقدار عزم Mw يبلغ 5.7 إلى كمية الطاقة المتحررة من الزلزال ووجد بأنها تبلغ نحو 2x1020 إرج (erg) بينما تقدر الطاقة المتحررة من زلزال له مقدار محلي mL يبلغ 5.39 «يعادل بعد تحويله إلى مقدار الموجات السطحية MS=4.62» بـ 5x1018 إرج وبالتالي فإن تقدير المراصد الدولية لطاقة زلزال العيص يبلغ 40 ضعفا لتقدير المراصد المحلية».

وزاد ان الطاقة المتحررة من زلزال له مقدار معين تفوق تلك التي تتحرر من زلزل اقل منه درجة في المقدار بنسبة 32 ضعفا، وإن استخدام المقاييس المستخدمة دوليا ادق في تحديد حجم الزلازل الكبيرة والمتوسطة بالنسبة لنا كونه من النادر حدوث زلزال بمقدار 5.7 لدينا في المملكة.

وبين مختار أن الهزات الأرضية لا يمكن ان تحدث نتيجة شق الأنفاق في الجبال أو سحب المياه الجائر من الأرض وغيرها من الأسباب التي ذكرت بعد زلزال تبوك في سنة 2004 وبعد زلزال العتيبية في سبتمبر 2005 بل لا بد ان تكون مرتبطة بمظاهر جيولوجية وحركية حديثة ونشطة مثل الفوالق والطفوح البركانية المنتشرة في غرب الجزيرة العربية والتي هي من العصر الثلاثي الحديث.

وابان أن المنطقة الغربية من شبه الجزيرة العربية من تبوك شمالا وحتى اليمن جنوبا والتي تنتشر فيها الحرات البركانية الحديثة ترزح تحت تأثير إجهاد شد له اتجاه متعامد مع اتجاه البحر الأحمر ويعمل على امتداد الغلاف الصخري يعمل على اتساعه مما يؤدي إلى حدوث تحركات على الصدوع الجاذبية الحديثة الموجودة في المنطقة والتي هي من العصر الثلاثي ويصاحب ذلك حدوث انصهار لمكونات القشرة تظهر على السطح في شكل طفوح بركانية. وقال ان ما تتعرض له المنطقة من عمليات إجهاد تكتوني حركي من نوع الشد فإن ذلك يدل دلالة واضحة على ان الأمر اخطر مما كنا نتصور، وانه لا بد من الاهتمام بهذه الحرات والصدوع المصاحبة لها ومراقبتها باستمرار وعمل الدراسات التفصيلية لها وكذلك دراسة القواطع والصدوع الحديثة من العصر الثلاثي والممتدة بموازاة ساحل البحر الأحمر خاصة في المناطق الجنوبية الغربية في منطقة عسير.

ودعا مختار هيئة المساحة الجيولوجية السعودية إلى إعادة تقييم مقادير كافة الزلازل الواردة والاستعانة بالتسجيلات المحلية البعيدة والإقليمية والدولية المتاحة لها إضافة إلى تشكيل لجنة استشارية من المتخصصين في الجامعات السعودية في علوم الزلازل والبراكين والجيولوجيا التركيبية وهندسة الزلازل والدفاع المدني وهيئة المساحة الجيولوجية ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لتقويم ما حدث في العيص من شتى النواحي ودراسة التجربة وفحص البيانات وتدقيقها ومراجعة السلبيات والإيجابيات وذلك بهدف وضع استراتيجية محددة للتعامل مع هذه الأحداث مستقبلا، خاصة ان خبرة العاملين في هذا المضمار محدودة إضافة إلى دعم قسم الجيوفيزياء بكلية علوم الأرض بجامعة الملك عبد العزيز بإنشاء كرسي للأبحاث في مجال الحركية الزلزالية للبحر الأحمر والمناطق الغربية من الجزيرة العربية وما جاورها. وان يتم توفير الوسائل الكفيلة بحصول المتخصصين في علوم الزلازل في الجامعات السعودية على كافة بيانات وتسجيلات الرصد الزلزالي والتي هي بحوزة هيئة المساحة الجيولوجية ليقوموا بواجباتهم المنوطة بهم تجاه وطنهم وذلك من خلال عمل الأبحاث والدراسات اللازمة والاستفادة من هذه التسجيلات في مجالات تحديث سرعات الموجات الزلزالية في قشرة الصفيحة العربية وما يقبع تحتها من اللحاء وفي استنباط نماذج الانهدام.