32 ألف مواطن ومواطنة يدخلون اليوم تحت مظلة «التقاعد»

يتجاوز حجم الإنفاق على 497 ألف متقاعد ومتقاعدة نحو 30 مليار ريال سنوياً * الشورى لـ«الشرق الأوسط»: نناقش منح علاوة سنوية للمتقاعدين لمواجهة الغلاء

أحد الاحتفالات التي نظمتها جمعية المتقاعدين لمنسوبيها («الشرق الأوسط»)
TT

يودع اليوم غرة رجب نحو 32 ألف موظف وموظفة من السعوديين في أنحاء البلاد صفحة من حياتهم الوظيفية، بحلول موعد التقاعد الرسمي لهم بعد انتهاء فترة خدمتهم العملية الرسمية.

وأوضح محمد بن عبد الله الخراشي، محافظ المؤسسة العامة للتقاعد، أن «عدد المتقاعدين من مدنيين وعسكريين خلال العام المالي الهجري 1429 ـ 1430هـ بلغ نحو 32 ألف موظف وموظفة»، مبينا، أنه «تم الانتهاء من تخصيص المعاشات لجميع المعاملات المستلمة المكتملة للمتقاعدين من مدنيين وعسكريين».

وأكد الخراشي، أن «المؤسسة تقوم بالتنسيق مع الجهات الحكومية المدنية والعسكرية، وتطالبها بسرعة رفع بيانات الخدمة لموظفيها، الذين سيحالون إلى التقاعد في بداية كل سنة؛ حتى تتمكن من إنجازها في الوقت المناسب، وذلك سعيا من المؤسسة العامة للتقاعد إلى تقديم أفضل الخدمات للمتقاعدين وإنجاز معاملات الحقوق التقاعدية وصرفها في الوقت المحدد، وحتى ينتقل الموظف من الراتب الوظيفي إلى المعاش التقاعدي من دون انقطاع، مما يساعد على استقرار وضعه ووضع أفراد أسرته المعيشي».

ومن المعروف أن عدد المتقاعدين من مدنيين وعسكريين أحياء ومتوفين، تجاوز منذ إنشاء المؤسسة العامة للتقاعد عام 1378هـ حتى نهاية العام المالي 1428/1429هـ بنحو 465 ألف متقاعد ومتقاعدة، كما تجاوز المستفيدون من معاشات التقاعد منذ بداية تطبيق النظام الصادر عام 1364هـ بمن فيهم ورثة المتقاعدين 1217000 مستفيد منهم 873189 مستفيدا ما زال الصرف مستمرا لهم، أما بالنسبة لما تم إنفاقه على المستفيدين من نظام التقاعد منذ إنشاء المؤسسة العامة للتقاعد حتى نهاية العام المالي 1428/1429هـ، فقد بلغ نحو 244 ألف مليون ريال، موضحا «انه سيترتب على زيادة في الصرف الشهري بمبلغ قدره 232 مليون ريال، ليصل إجمالي ما يصرف للمقاعدين شهريا 2490 مليون ريال بما يعادل 30 مليارا سنويا». ويأتي ذلك في وقت تعكف فيه جهات رسمية، يتقدمها مجلس الشورى السعودي على مشروع لرفع رواتب المتقاعدين، وإقرار زيادات سنوية لهم، حيث يوضح الدكتور فهد بن حمود العنزي عضو مجلس الشورى السعودي، في حديثه الخاص لـ«الشرق الأوسط»، أن «المجلس ناقش فعلا في إحدى جلساته مشروع منح علاوة سنوية للمتقاعدين؛ لمواجهة الغلاء، خصوصا ما يخص متقاعدي الجهات الأمنية من الضباط والعسكر».

وأضاف، أما فيما يخص القطاعات الحكومية الأخرى، فتم مناقشة تخصيص مبلغ بدل غلاء من ضمن التأمينات الاجتماعية، وأن الموضوع في طور الدراسة»، مبينا، أن هذه الخطوات تأتي في سبيل دعم المتقاعدين؛ لمواجهة ارتفاع الأسعار المتزايد والتضخم».

الكثير يكرهون التقاعد، ويرون انه نهاية المطاف، حيث يذهب مسفر الزهراني وهو موظف محال للتقاعد، إلى أن التقاعد شيء مخيف، خاصة أن العمل أحيانا يكون نوعا من الروتين الذي قضيت فيه كل حياتك». ويستطرد «سأوجد لي عملا خاصا أو محلا أو تجارة أمارس فيها نشاطي واتحرك خلالها، لكن إلى الآن لم أقرر ماذا سأفعل».

وعلى الرغم من أن كثيرين يخشون التقاعد، إلا انه بالمقابل هناك آخرون يسعون له، فها هي وزارة التربية تحتفل بعدد كبير من المتقاعدين، كثير منهم طلبوا التقاعد المبكر رغبة منهم في الترجل والراحة، حيث يقطع عدد كبير من المعلمين في كل عام سنوات خدمتهم الوظيفية على طريقة «بيدي لا بيد عمرو»، والمقصود بـ«عمرو» هنا هو «وزارة الخدمة المدنية»، فبدلا من انتظار اكتمال سنوات خدمتهم النظامية، يفضل هؤلاء المعلمون خيار التقاعد المبكر للخروج من الخدمة.

ومن الشواهد الواضحة على هذا التوجه أن 211 معلما من بين 246 معلما كرمتهم إدارة التربية والتعليم في جدة، بعد إحالتهم إلى التقاعد هذا العام تقاعدوا مبكرا، فيما أحيل 35 معلما فقط إلى التقاعد النظامي.

وأرجع المعلم محمد المنقري سبب لجوء أغلب المعلمين إلى التقاعد مبكرا إلى ضيق أنفسهم باللوائح المتضاربة، وضبابية معايير العمل في قطاع التعليم، وانعدام مقومات نجاحه.

ونبه المعلم المنقري إلى عدم وجود آليات محددة لترقية المعلمين، الذين «يتجمدون» لسنوات طويلة على الوظيفة نفسها، مشيرا إلى عدم تفعيل وزارة التربية والتعليم لقرار إداري، يقضي بتدوير منصبي المدير والوكيل بين معلمي المدرسة كل أربع سنوات.

ولفت إلى أن كثيرا من المعلمين المتقاعدين مبكرا يفرون من نزعات الاستبداد الموجهة ضدهم من الإدارات العليا، وعدم تهيئة مناخات العمل المناسبة، وغياب أساليب ضمان الحياة الكريمة للمعلم، مثل البدلات والتأمين الطبي، وتبدل صورة المعلم وتدني نظرات التقدير له؛ بسبب المؤسسة التربوية نفسها وانتقادات وسائل الإعلام.

وأوضح المعلم المنقري، أن أسباب تقاعد المعلمين المبكر، تتضمن أيضا الرغبة في البحث عن فرص أفضل، تمكنهم من اكتشاف مهاراتهم وذواتهم، والسعي لتوفير فرص اقتصادية كريمة تحقق متطلبات معيشتهم إلى جانب الراتب التقاعدي، الذي يحصلون عليه.وشدد على حاجة المعلمين لتوفير البدلات الوظيفية، والتأمين الطبي، لافتا إلى أن المعلمين يتكبدون فواتير علاج باهظة؛ نتيجة افتقادهم للتأمين لهم ولأفراد أسرهم.

أما المعلم علي الغامدي، الذي أحيل إلى التقاعد المبكر، فبرر 36 عاما قضاها في الخدمة، وقبل أن يكمل سنوات الخدمة النظامية، فأرجع سبب تقاعده المبكر إلى الإرهاق الجسدي والنفساني، وافتقاد المعلمين إلى نظام ترقيات ومميزات وظيفية تكسر جمود عملهم الوظيفي، وعدم تدوير المناصب القيادية «المدير، والوكيل» في المدارس بين المعلمين، واحتكار هذه المناصب بين فئة محددة يتم تدويرهم بين المدارس.

وأكد المعلم الغامدي، أن المعلمين بحاجة إلى نظام حديث ومتطور للترقيات، أسوة بالأنظمة الموجودة في العديد من بلدان العالم، وإيجاد حوافز وظيفية تشمل خفض نصاب الحصص الدراسية بعد مضي سنوات طويلة من الخدمة، وتكريم المعلمين على سنوات الخدمة، ومنحهم التقدير اللائق، الذي يوازي حجم جهودهم المبذولة.

وشدد المعلم محمد السلمي على افتقاد المعلمين للحوافز التشجيعية والتقدير على جهودهم العملية كعوامل طاردة من البيئة التعليمية، وعدم حصولهم على ترقيات وظيفية، وضعف المردود المادي للمعلم، وعدم منحهم تأمينا طبيا أو عن السكن.

من جهته، أوضح الناطق الرسمي لوزارة التربية والتعليم الدكتور عبد العزيز الجار الله في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن معدلات تقاعد المعلمين تقع ضمن المعدلات الطبيعية، ولا تختلف في النسبة عن بقية الإدارات والأجهزة الحكومية، لكنها قد تزيد في العدد، بسبب العدد الكبير للعاملين في الوزارة، الذي يصل إلى نحو نصف مليون معلم.

وأشار الدكتور الجار الله إلى حرص وزارة التربية والتعليم على توفير ظروف عمل أفضل للمعلمين، لافتا في هذا الصدد إلى توجه الوزارة لإقرار نظام رتب المعلمين الجديد، الذي يمنح المعلمين حوافز تشجيعية عديدة.