دراسة تكشف وجود 6% من أطباء الرعاية الأولية يشكلون خطرا على المرضى

منسق برنامج التعليم الطبي: الدور الرئيسي يلعبه الطبيب في الاطلاع على بروتوكولات العمل

TT

كشفت دراسة حديثة أجراها الدكتور عبد الله الجودي رئيس قسم البحوث في مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام أنّ 37 في المائة من الأطباء في المنطقة الشرقية مصابون أو سيصابون بمرض (الاحتراق النفسي) بسبب ضغوط العمل، وأكدت الدراسة الحاجة الكبيرة إلى الاهتمام بالحالة النفسية للأطباء العاملين في مجال الرعاية الصحية الأولية. محذرة من أنّ نحو 6 في المائة من هؤلاء الأطباء يمثلون خطرا على سلامة مرضاهم.

وأكدت الدراسة أن 6 في المائة من أطباء الرعاية الصحية في المنطقة الشرقية أي ما يساوي 30 طبيبا وصلوا إلى حالة تستدعي حصولهم على علاج نفسي. وشملت الدراسة 434 طبيبا هم المستجيبون للاستبانة من أصل 538 طبيبا هم العاملون في الرعاية الصحية الأولية في الدمام والأحساء وحفر الباطن. وأوصى الجودي في دراسته التي تقدّم بها للحصول على شهادة الزمالة العربية، أوصى المسؤولين في الرعاية الصحية الأولية بالبحث عن هؤلاء الأطباء وإخضاعهم للعلاج المناسب لأنّ ممارستهم لعلاج المرضى في ظل وجود هذه الحالة النفسية قد يؤدي إلى تعريض المرضى إلى الخطر لأن الوصفات التي يقدّمونها للمرضى قد تكون خاطئة، كما أنّ المصاب بهذا المرض قد يصل في مراحل متطوّرة إلى محاولة الانتحار.

وانتقد الجودي في دراسته التي عرضها في محاضرة قدمها لبرنامج التعليم الصحي المستمر في الرعاية الصحية الأولية في الدّمام، الدراسة التي قامت بها وزارة الصحة خلال عام (1426ـ 1427) لتطوير الرعاية الصحية الأولية لأنها أهملت نفسية الكادر الطبي ومدى توافقه وحبه لبيئة العمل رغم تقييم الدراسة لجميع الأشياء المادية والتنظيمية الأخرى باستثناء الإنسان الذي بدا وكأنه غير موجود ومؤثر في الرعاية الصحية.

وذكر الجودي أنّ منظمة الصحة العالمية والمنتدى الأوروبي للجمعيات الطبية أصدرتا في عام 2003 إعلانا يضع الصحة النفسية للعاملين في المجال الطبي على رأس أولويات المؤسسات الطبية في الغرب بينما توصي توجيهات منظمة الصحة العالمية للدول النامية بجعل الأولويات لدى المؤسسات الصحية في التطعيمات للأطفال والقضاء على الأمراض المعدية، وطالب الجودي بإنشاء مفهوم (صحة الطبيب) و«صحة الممرض) ونشر ثقافة الاهتمام بالحالة النفسية لهما على غرار مفاهيم (صحة الأسرة) و(صحة الطفل) و(صحة الأم). وعرّف الدكتور الجودي الاحتراق النفسي «(Burn Outبأنّه مرض عاطفي نفسي يتعلّق بالعمل ويؤثر على الأشخاص الذين يقابلون الجمهور ويتعاملون معهم وينشأ المرض نتيجة لتراكم ضغوط العمل مع مرور الأيام مع العجز عن علاجها أو عدم معرفة الطريقة المناسبة لعلاجها. وأضاف أنّ الأبحاث حول هذا المرض قليلة جدا إذ تعدّ هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تطبق على الأطباء في المملكة، ومن بين الدراسات العشر الأولى في العالم، وذكر أنّ منظمة الصحة العالمية صنّفت المرض على أنّه مرض إجهاد في الحيوية وليس مرضا نفسيا، كما أنّ الترجمات العربية له قد تعددت وكان منها (الإجهاد النفسي)، (الإجهاد العاطفي).

وتشير الدراسة إلى أن المرض يمر بثلاث مراحل تشكل كل واحدة منها بعدا من أبعاد المرض يمكن قياسه عبر مقياس (ماسلخ) وهي الطبيبة التي كان لها دور بارز في بلورة مفهوم المرض ووضع الاستبيان الخاص به. وتبدأ المرحلة الأولى من المرض بالإجهاد العاطفي وقلة الصبر وعدم الاستمتاع بالأشياء التي كانت تشكل بهجة للشخص وعدم الحزن في المواقف المحزنة، وتتميز المرحلة التالية بما يسمى بـ(نقص الآدمية) حيث يتعامل المصاب مع الآخرين من زملاء ومراجعين ومرضى بطريقة غير إنسانية لا تراعي مشاعرهم.

ويدرس الاستبيان الذي أجراه الجودي علاقة المرض بالعديد من المتغيرات كالدين والجنس والحالة الاجتماعية والرياضة وآلام الظهر واضطرابات النوم، وكشفت الدراسة أنّ فرصة الإصابة بالمرض تزداد مع قلة حضور الطبيب للتعليم المستمر، فيما تشير الدراسة إلى أنّ 72 في المائة من الخاضعين للدراسة ليس لديهم أي تخصص ولم يحضروا بعد تخرجهم حتى دبلوم سنة واحدة، كما كشفت الدراسة أن 66 في المائة من الأطباء في الشرقية غير سعوديين وهم أقل عرضة للمرض من السعوديين ويفسر الجودي الأمر بكون الأطباء غير السعوديين أكبر عمرا وأكثر حكمة وصبرا.

وتشير الدراسة إلى أنّ 76 في المائة من أطباء الدراسة يقومون بفحص 200 مريض في الأسبوع ما يتوافق مع دراسات أخرى أشارت إلى أنّ متوسط الوقت الذي يستغرقه الطبيب في فحص المرضى بالمملكة هو 3 دقائق. كما تشير الدراسة إلى أنّ الذين يعتقدون أن المدير داعم لهم أقل عرضة للإصابة، وكذلك الذين يعتقدون أنّ دورهم في العمل واضح، مؤكدا بأنّ توزيع سياسات العمل والتعاميم لا يكفي لوضوح إجراءات العمل دون التأكّد من فهمها وقبولها من قبل الأطباء. وأكد الجودي أنّه تشجع لعمل هذه الدراسة انطلاقا من معاناته الشخصية أيام عمله في الرعاية الأولية في المنطقة الشرقية والتي كشفت له مدى المعاناة التي يعانيها الأطباء، وذكر أنّ عمله في الرعاية الأولية امتد لعشر سنوات دون أنّ يشعر فيها بتحسن تقدير الإدارة للأطباء. من جانبه، نوّه الدكتور نواف العتيبي منسق برنامج التعليم الطبي المستمر بإدارة الرعاية الصحية الأولية على أهمية الدور الذي يلعبه الطبيب نفسه في الاطلاع على بروتوكولات العمل ودليل الإجراءات والسياسات، إذ يوجد من الأطباء من لا يقرأ كما يوجد من المديرين من لا يحرص على إيصال هذه المطبوعات للأطباء. وكان العتيبي يعقب على ملاحظات الدكتور الجودي خلال المحاضرة. فيما أكد الدكتور غالب الفرج مسؤول برنامج التعليم الطبي في إدارة الرعاية الصحية الأولية التابعة لوزارة الصحة، على أهمية الدور الذي يقوم به الطبيب نفسه في التخفيف عن نفسه في ظل الواقع القائم والظروف الصعبة والتخلص من الضغوط.