المركز الوطني يدعو إلى المحافظة على الوثائق الحكومية

د. فهد السماري لـ«الشرق الأوسط»: واقع الأرشيف الحكومي مؤلم ومحزن.. ولا يرضي أحدا

الوثائق قيمة تاريخية هامة في حفظ الحقوق («الشرق الأوسط»)
TT

دعا المركز الوطني للوثائق والمحفوظات بديوان رئاسة مجلس الوزراء المسؤولين في جميع القطاعات الحكومية والمؤسسات العامة إلى دعمها بالمختصين والمعنيين بحفظ الوثائق، وتوفير البيئة المناسبة للحفظ والتعامل مع ما لديها من الوثائق والمحفوظات، وفق اللوائح والتعليمات الصادرة من المركز، مؤكدا استعداده للتعاون مع المختصين فيما يخدم تحقيق هذه الأهداف. واستند المركز في تعميم حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، على أمر سام تعميمي صدر أخيرا طالب الأجهزة الحكومية بأداء دورها في المحافظة على وثائقها والعناية بها، ومعالجة ما يشوب أوضاعها من قصور، وفقا لما تقضي به الأنظمة واللوائح الصادرة بخصوص حفظ الوثائق الحكومية. وشدد الأمر السامي على أهمية تفعيل دور اللجان الدائمة للوثائق في الأجهزة الحكومية، والتي شكلت وحددت مهامها بالأمر السامي رقم (372/م)، والتنسيق في هذا الشأن مع المركز الوطني للوثائق والمحفوظات التابع لديوان رئاسة مجلس الوزراء.

وتشتمل مهام ومسؤوليات مراكز الوثائق والمحفوظات على التطبيق العملي لنصوص مواد نظام الوثائق والمحفوظات وسياستها العامة، واللوائح التنفيذية، وخطة التصنيف والترميز، وكل ما يصدر من لوائح وتعليمات أخرى تتعلق بالوثائق.

كما تشتمل المهام والمسؤوليات أيضا على جمع وثائق الجهاز وتصنيفها وترميزها وفهرستها وتكشيفها وحفظها وصيانتها، وتنظيم تداولها وفقا للنظام واللوائح والخطة، إضافة إلى توفير المعلومات والبيانات عن الوثائق للمستفيدين من داخل الجهاز، أو خارجه، وفقا لما تحدده التعليمات المنظمة لذلك، والعمل على إيجاد العناصر البشرية المؤهلة للعمل بالمركز وتحقيق الاستفادة منها.

ويتضمن دور مراكز الوثائق أيضا الرصد التاريخي لأنظمة الأجهزة الحكومية ولوائحها وخططها وبرامجها ومشاريعها وتنظيماتها الإدارية والإجرائية، إلى جانب العمل على تهيئة الأماكن وتوفير الوسائل المناسبة لأعمال الوثائق، والتنسيق الإداري والفني لمهام اللجنة الدائمة للوثائق، ولجان التقويم، ولجان الإتلاف، ولجان الترحيل، مع أهمية أن يوفر كل مركز للوثائق أدوات فعالة للاتصال مع المركز الوطني للوثائق والمحفوظات.

من جهته، انتقد الدكتور فهد بن عبد الله السماري، الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز واقع الأرشيف في بعض الأجهزة الحكومية، ووصفه بأنه واقع «لا يرضي أحدا من ناحية الاهتمام بأوراق الأرشيف وملفاته كقيمة تاريخية».

وشدد الدكتور السماري في حديث إلى «الشرق الأوسط»، على أن واقع وسائل الحفظ في بعض أرشيفات الأجهزة الحكومية مؤلم ويحزن أي مهتم بالشأن التاريخي، فهي ضعيفة وغير محدّثة، ما يعرض الوثائق إلى ظروف مناخية وطقسية غير صحية، فيما يجب حفظها في درجات حرارة تضمن الحفظ الجيد لها والاستفادة منها في مرحلة ما بعد دورها الإداري.

وقال الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز «بعض الأجهزة الحكومية ليست لديها إدارات للتوثيق، سواء ورقية أو إلكترونية، تسهم في رفع الاهتمام بالوثيقة الرسمية الحكومية، والمعروف لدى الجميع أن موقع الأرشيف في المؤسسات الحكومية هو أقل المواقع جاهزية وتهيئة، سواء للموظف أو للملفات، وهذه نظرة سلبية لإدارة الأرشيف بصورة عامة نتجت عن نظرتنا للأرشيف من الناحية الإدارية فقط». ولفت الدكتور السماري إلى أن واقع التعامل مع الوثائق الحكومية الأرشيفية يقول إنها مجرد أوراق إدارية انقضى دورها وفقدت صلاحيتها، في تجاهل صريح لكونها جزءا مهما من تاريخ الوطن.

وأضاف الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز «لن أكشف أمرا جديدا إن قلت إن القدرات المادية من أجهزة وآلات وكفاءات بشرية في بعض الأرشيفات الحكومية أقل من المطلوب، وتحتاج إلى ترقية وتطوير، كما أن التصنيف والفهرسة تتم وفق اجتهادات متوارثة إداريا ولأغراض إدارية فقط، من دون النظر إلى إمكانية وضرورة أن تضم تلك الأرشيفات الرسمية التابعة للأجهزة الحكومية إلى أرشيف كبير على مستوى الجهاز الحكومي بأكمله».

وطالب بضرورة تطوير نظرة المسؤولين على الأرشيفات الحكومية تجاهها صفتها ذات قيمة أكبر وأشمل في خدمة التاريخ والوطن، من خلال دراسة وتحليل سمات التطور والنمو الإداري للدولة بصورة شاملة.

وقال الدكتور السماري «تلك الملفات والأضابير قد يكون انتهى دورها الإداري اليومي، إلا أن لها دورا جديدا يتمثل في مشاركتها في كتابة تاريخ العمل الإداري الذي هو جزء من تاريخ النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في تاريخ أي مجتمع». ولفت إلى أن هذه المواد الأرشيفية «هي في غاية الأهمية لرصد وتوثيق الجوانب الاقتصادية والإدارية في تاريخ قطاع عريض من مكونات الوطن هو القطاع الحكومي، وانعكاسات ثقافته على ثقافة المجتمع».

وأكد الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز أن صدور «أمر سامي تعميمي» أخيرا يطالب الأجهزة الحكومية بأداء دورها في المحافظة على الوثائق والعناية بها يعزز قيمة الملفات الورقية المهمة في تسجيل وتأريخ معطيات وإنجازات التنمية الرقمية وغير الرقمية، في ظل تصاعد الأرقام التنموية واعتماد أنظمة ولوائح جديدة تعكس تاريخ التطور الإداري، وما لذلك من تبعات وتداعيات على ثقافة القطاع الحكومي يجب تفحصها واستجلاء نتائجها لدراسة الواقع، واستخراج إحصاءات وبيانات تساعد على استقراء المستقبل ووضع الخطط الضرورية.

وقدم الدكتور السماري اقتراحات عدة لتطوير أقسام الأرشيف الحكومية، تضمنت تعيين موظفين من تخصصات تتعلق بالتاريخ أو الوثائق في تلك الأقسام، بعد تغيير النظرة للأرشيف واعتباره ذاكرة جزئية من ذاكرة المجتمع الكبرى، وتوصيف الظروف البيئية لموقع الأرشيف داخل المبنى الحكومي توصيفا ملزما يضمن سلامة الحفظ وجودته، والإسراع في العمل على تطبيق الحكومة الإلكترونية.

وأشار إلى إمكان حوسبة الأرشيف وحفظه إلكترونيا، ثم نقله إلى جهات معنية بالوثائق الحكومية والمحفوظات، بدلا من إهمالها ونسيانها داخل مساحة مكانية ضيقة ومعتلة صحيا، بمجرد إصدار التقرير السنوي الذي قد لا يكون موثقا جيدا لجوانب أخرى غير الأرقام الجامدة، ويحتاجها الباحثون، كما يحتاجها المؤرخون في فترة تالية، موضحا أن المركز الوطني للوثائق والمحفوظات التابعة لديوان رئاسة مجلس الوزراء أسس لهذا الغرض، خاصة فيما يتعلق بالمحفوظات اليومية، إلا أنه بحاجة إلى تعاون أكبر من الجهات الحكومية حتى يحقق أهدافه وأغراضه في حفظ تاريخ العمل الحكومي وتطوره وتناميه، باعتباره جزءا مهما من التاريخ الوطني.

وشدد الدكتور السماري على أن بناء أرشيف تاريخي ليس بالأمر السهل أو مجرد عمل مظهري، بل هو وسيلة مستمرة لغايات عدة، مشيرا إلى أن عمل الأرشيف التاريخي يتجدد يوميا بتحول أوراق بسيطة إلى وثائق مهمة. ونبه إلى أن الأرشيف مغذ دائم للبحوث في المجالات كافة، ويدعم علم البحث المقارن بين فترات زمنية أو جيلية، لافتا إلى أن الحاجة إليه ملحة ودائمة لقراءة التاريخ، وبالتالي التعامل مع المستقبل باحتمالية أقرب إلى الواقع، كما أنه يفيد في وضع خطط أقرب إلى النجاح، وتقييم تجارب سابقة أو أسلوب التفكير في مشكلة ما والتعامل معها لأنها ظهرت مجددا.

ولفت إلى أن كل وزارة تستطيع استعادة تجربتها الإدارية مع قضايا تكررت من جديد، وبالتالي إعادة معالجتها إن كانت ناجحة في حينها أو إيجاد حلول أخرى، إلى جانب الاستفادة منها في سن الأنظمة واللوائح من خلال الاستفادة من التراكم الورقي في استخلاص رأي قانوني يفيد في استيعاب الجديد، كما يساعد المعنيين بجانب التخطيط في إعداد الخطط الجديدة.