«شاعر عكاظ».. عبد الله عيسى سلامة

دخل التاريخ عبر بوابة الطائف

TT

«أود أن تجمع الثقافة ما فرقته السياسة» هذه العبارة مثلت أول تعليق بدأ به الشاعر السوري عبد الله عيسى سلامة، عقب سماعه بنبأ فوزه بلقب «شاعر عكاظ» عن قصيدته (التضامن العربي).

ويقول سلامة لـ«الشرق الأوسط» «أردت أن تقوم الثقافة، بما عجزت عنه السياسة من مساع حميدة حثيثة في طريق توحيد الكثير من الصفوف العربية، من رؤى وتصوّرات وأفكار بين أبناء الأمّة، عبر العناصر الثقافية المؤثّرة من أدب وفن وفكر، وإذا لم تقم هي بهذا الدور الاصطفائي التوحيدي، فما أحسب غيرها قادر عليه». واستطرد «ربّما قد لا تكون ثمّة دولة مهتمّة بالمشهد الثقافي بالدرجة ذاتها، وبالقدرات ذاتها، وبإدراك عِظم المسؤولية ذاته، على الرغم ممّا تمتلئ به أسواق المدن العربية، من وسائل الثقافة وأدواتها بين صحيفة ومجلّة وكتاب، وإذاعة، وقناة فضائية، ونحو ذلك».

والمشهد الثقافي العربي في منظور «شاعر عكاظ»، ملتبس بشدة، بين مدارس شتّى، ومناهج متباينة، في التصوّر والتفكير والممارسة، ورغم ذلك يلوح ـ بحسبه ـ ثمة أمل، ويقول «المتابع للمشهد يشعر بنوع من الأمل يدبّ في صدره، حين يرى بعض المسؤولين، من أصحاب القرارات في العالم العربي، يبذلون الكثير من الأوقات والجهود والأموال، لبناء صروح ثقافية راسخة على قاعدة الثقافة العربية الأصيلة، لتعزيز القيم الأصيلة النبيلة في الأمّة لجيلها الحالي، وأجيالها القادمة، ويعتبر سوق عكاظ الثقافي أحد أهمّ معالم الثقافة العربية، التي يمكن أن يعوّل عليها المرء في استشراف مستقبل ثقافي راسخ أصيل، يسهم في تعزيز أركان الأمّة العربية، وإحياء مجدها السالف العريق، للثقافة الأصيلة الراسخة».

الشاعر عبد الله عيسى سلامة فتح عينيه في منبج، التابعة لحلب في سورية عام 1944، وبدأ القراءة والكتابة في حلب، مكملا الثانوية التي كانت نهاية المكوث في مسقط رأسه، لينتقل إلى دمشق مكملا تعليمه، حصل على شهادة الليسانس في الآداب قسم اللغة العربية من جامعة دمشق عام 1968م، وألحقها بشهادة الليسانس في الحقوق، من لبنان هذه المرة، ومن جامعة بيروت العربية عام 1987م، استمر الشاعر بعد الدراسة في إنتاج الأعمال الثقافية الإبداعية، والتي على حد قوله يكتمل رونقها بعد الإنشاد، فهو روح ولحن يضفي الجمال للقصيدة، وتشدو بها الهمسات عند الملل من توابع وملابسات الحياة، يقول عبد الله سلامة «أكثر قصائدي تداولا وانتشارا، هي القصائد التي جرى تلحينها وإنشادها، على أيدي بعض المنشدين، وفي مقدّمة هذه القصائد (أيّها البلبل إنّا أخَوان) وقصيدة (خلّي يديّ فلست من أسراك)، وقد لحّنهما وأنشدهما المنشد محمد منذر سرميني الملقب (أبو الجود)، الذي يضيف إلى النصّ الشعري، قيمة كبيرة، لا يحظى بها النصّ الذي يظلّ تعامل المتلقّي معه، مقتصرا على القراءة».

وبالعودة إلى سورية، عاد عبد الله عيسى إلى نقطة العلم الأولى حلب معلما، بثانوية حلب، انتقل بعدها إلى كليّة المجتمع الإسلامي في الزرقاء، بالأردن واستمر حتى الآن يسقي طلاب وطالبات الجامعة، العلم، والشعر، والثقافة. وكان نتاجه الشعري المطبوع قليلا في العدد، كبيرا في المضمون، يتمحور حول أعمال إبداعية كـ(الظِلّ والحَرور)، (واحَة في الـتِـيه)، «ثَـآلِيل في جَبهة السامِريّ)، (المعاذير)، «مواج بارِقـيّة».

وفي حياة شاعر عكاظ، جوائز عدة أولها من مؤسّسة عبد العزيز البابطين في الكويت عام 2001 م، في مسابقة ديوان الشهيد محمد الدرّة، بقصيدته «راعفٌ جرح المروءَة»، والتي تعتبر الأولى من بين الجوائز التي لها أهمّية كما يقول الشاعر، كما حصد الجائزة الثانية في المسابقة الأولى لتجمّع (شعراء بلا حدود)، عام 2008 عن قصيدته «سفينة الضاد).

و في نفس الوقت الذي لا يستطيع المثقف العربي أن يكبح جماحه في طرق أبواب الفنون الأخرى من الأدب العربي، استطاع الشاعر في حياته أن يستنشق هواء الخيال، ويترجمه في مرحلة الزفير إلى روايات، فها هي الثعابيني، الغيمة الباكية، سِرّ الشارد، وأخيرا مَن قتَل الرجلَ الغامض، فضلا عن قصص قصيرة جاءت بالعناوين خَطّ اللِقاء بالاشتراك، لماذا يَكذِب الجزّار، دموع ضِرغام.

فيما نالت من إبداعه مسرحيتا (بيت العباقرة) و(مهمّة دبلوماسيّة)، فضلا عن بحوث ومقالات أبرزها (نظرات في الفكر والأدب)، وأخيرا حوارية فكرية بعنوان «الحكيم صريع الفلسفة».

ومن أهمّ الدراسات التي كتبت عن شاعر عكاظ هي أطروحة ماجستير للباحثة بان صلاح الدين محمد السبعاوي البنّا وهي عراقية تدرس بجامعة الموصل، وكانت الدراسة بعنوان «البناء السردي في روايات عبد الله عيسى السلامة» وطبعت الأطروحة في الأردن بعنوان «الفواعل السردية.. دراسة في الرواية الإسلامية المعاصرة» في عام 2005.

وقد انضم الشاعر ـ وما زال ـ إلى جمعيات ثقافية تحت هدف ثقافي بحت يشارك أعضاءها القصائد والأفكار والرؤى، وهي «الجمعية العربية المتّحدة للآداب والفنون» في حلب، و«رابطة الأدب الإسلامي العالمية»، و«رابطة أدباء الشام»، بالإضافة إلى «تجمّع شعراء بلا حدود».

لمحات وومضات من حياة شاعر أعاد التاريخ له لقب الخمسة عشر قرنا ليكون في مقدمة الركب، وليصطف على طاولة الأدباء الحاصلين على هذا اللقب، سيما أنه منح للشخص المناسب، صاحب القصيدة المناسبة، المتجلية في استعادة الوطن العربي بعضا من كبريائه المختفي في ردهات السياسة، وفرقة الأخوة، وخيلاء الأعداء.