خريجون يعيشون إجازة الصيف بين «قلق القبول» و«هاجس البطالة»

د. الغفيص لـ«الشرق الأوسط»: زيادة 20% في قبول خريجي الثانوية وما دون.. وارتفاع الطاقة الاستيعابية 300% في الأعوام المقبلة

طلبة حديثو التخرج يصطفون أمام أحد البرامج التدريبية والمهنية لتقديم أوراقهم («الشرق الأوسط»)
TT

على عكس الطلبة والطالبات في جميع أنحاء العالم، لا تشكل عطلة الصيف أو عطلة انتهاء العام الدراسي بالنسبة لخريجي الثانوية العامة نهاية عام دراسي طويل ومتعب أصبح وراءهم، بقدر ما تكون بداية دوامة جديدة مليئة بالقلق حول احتمالات المستقبل والبحث عن مقعد دراسي ليكون مفتاح هذا المستقبل، وهي مهمة عسيرة للعديد من الطلبة والطالبات في ظل ازدياد أعداد الخريجين واحتدام المنافسة بين ذوي المعدلات المرتفعة، والتي تفرض وجود أطراف خاسرة في نهاية المطاف.

عدد الجامعات السعودية 21 جامعة حكومية في مختلف مناطق المملكة، تستوعب 164 ألف طالب مستجد سنويا، في حين أن الجامعات الأهلية المرخصة لا تتجاوز ثلاث جامعات وسبع عشرة كلية طاقتها الاستيعابية مجتمعة لا تتجاوز الـ 61 ألف طالب وطالبة، في حين تشير الإحصائيات والدراسات إلى أن عدد المتخرجين من الثانوية العامة يقارب الـ 300 ألف طالب، ومن المتوقع أن يقفز الرقم إلى 756 ألفا خلال الـ 25 عاما المقبلة، وبحسب إحصائية غير رسمية منشورة تعود لعام 2007 فإن 70 ألف طالب ظلوا من دون مقاعد دراسية جامعية.

وبرغم كل ما يقوله خبراء التعليم عن أن استيعاب الجامعات السعودية لنسبة تتراوح ما بين الـ 70 والـ 80 في المائة كل عام هو معدل مرتفع وغير موجود في العديد من دول العالم، فإنه غير كاف للطلاب الذين يعجزون عن الالتحاق بالجامعات، ومعظمهم من ذوي النسب المتدنية، والذين لا يسعفهم الحظ إلا بالاختيار بين عدد محدود من الفرص، إذ يذهب قسم محدود منهم إلى الدورات العسكرية وبعض المعاهد، في حين يضطر الآخرون إلى الالتحاق بجامعات أهلية إما في الخارج أو في الداخل من خلال برامج الانتساب.

ويحكي تركي الزهراني قصته المريرة التي عاشها على مدار نحو 3 اعوام عجاف بانه تخرج من الثانوية بنسبة متدنية، وبعد ان حصل على شهادته لم يترك بابا مفتوحا أو مغلقا لم يطرقه للحصول على كرسي.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «ظللت 3 سنوات ادور بين الجامعات والمعاهد والكليات ولكن النسبة المتدنية كانت مثل المشنقة التي لفت على عنقي، حتى قررت ان ابحث عن وظيفة».

ويضيف «لم يكن الحصول على وظيفة حلا بل كانت مشكلة اكبر، فلم اترك دورة عسكرية أو وظيفة معلنة الا وتقدمت فيها، ولم استطع القبول الا قبل عدة اشهر في احدى الدورات العسكرية وبعد معاناة تصلح لأن تكون قصة فيلم سينمائي».

ويتفق معه سامي احمد الذي يقول انه تخرج من الثانوية بنسبة متدنية هو الاخر وظل يجوب الجامعات العام الماضي دون ان يحظى بالقبول مؤكدا «الكلية الوحيدة التي قبلت فيها هي الكلية التي كنت واثقا انني لن استطيع اتمام دراستي فيها بنجاح وسأكرر تجربتي في الثانوية ايضا».

ويضيف «نحن نعترف اننا اخطأنا في إهمالنا أحيانا في مراحل دراسية مثل الثانوية وأحيانا تلعب الظروف دورا كبيرا في عدم نجاحك بنسبة مناسبة تؤهلك للحصول على الكرسي المناسب في احدى الجامعات أو الكليات». ولكنه يستطرد «يجب إيجاد حلول نستطيع التعايش معها، فانا اظطررت للعمل في المجال العسكري رغم انني لم اتخيل يوما ان اعمل فيه ورغم انه عمل مشرف وافتخر به حاليا، لكن احلامي كانت خلاف ذلك تماما».

وهنا يعلق محمد عقبة، المستشار في مجال التدريب المهني والتعليم، لـ«الشرق الأوسط»: «أن الإشكالية الحقيقية التي يمكن أن تعترض طريق ذوي النسب المتدنية، هي ندرة الكليات الأهلية التي يمكن أن تسد حاجة الطلبة الذين لم يتم قبولهم.

وأضاف «الكليات الأهلية في المملكة نادرة على الرغم من أن سوق التعليم في السعودية تبدو واعدة جدا، والكليات الموجودة ترتفع رسوم التعليم فيها بشكل كبير جدا ولذلك لا يقبل عليها سوى فئات قليلة تستطيع أن تتحمل مصاريفها، ويمكن أن يفضل البعض ابتعاث أبنائهم للخارج لأنه بمقارنة رسوم الكليات الأهلية في المملكة نجد أن الرسوم في الجامعات الخاصة تفوقها بشكل ملحوظ». وتابع عقبة «التوجه إلى التدريب الفني والمهني يمكن أن يشكل خيارا ممتازا، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفجوة الواسعة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل».

الصورة القاتمة لمستقبل العاجزين عن الحصول على مقاعدجامعية ربما لا تكون بهذا السوء، إذ بدأت الوزارات والجهات المعنية بتنفيذ خطط سريعة تهدف لإيجاد طاقة استيعابية أكبر لخريجي الثانوية العامة تتواكب مع الزيادة المضطردة في أعدادهم، بحسب تصريحات سابقة لوزير التعليم العالي، الدكتور خالد بن محمد العنقري عن تحضير الجامعات السعودية لقبول 86 في المائة من خريجي الثانوية العامة لهذا العام معلنا بذلك عن استقطاب الجامعات لأكبر شريحة من خريجي الثانوية العامة فيما يتوقع توزيع بقية الخريجين على الكليات التقنية والعسكرية والمهنية، مشيرا إلى أن الجامعات العالمية لا تقبل من خريجي الثانوية إلا ما يقارب 50 في المائة.

وأشار العنقري إلى أن الجامعات تعمل على التوسع في إنشاء كليات نوعية جديدة في مجال الطب والهندسة وعلوم الحاسب الآلي لتساير متطلبات سوق العمل.

وفي السياق نفسه، كشف محافظ المؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني الدكتور عبد الله الغفيص لـ«الشرق الأوسط» عن تبني المؤسسة خطة طموحة لزيادة الطاقة الاستيعابية لخريجي الثانوية العامة والمتسربين دراسيا، وقال «الخريجون سنويا من الثانوية قرابة 260 ألف شاب يتطلعون إلى مقاعد في الكليات أو المعاهد أو البرامج التدريبية للالتحاق بها وتحسين مهاراتهم ومعارفهم، أما المتسربون من مقاعد الدراسة بعد المتوسطة وهم قرابة 100 ألف شاب سنويا فهم بحاجة إلى برامج لاستيعابهم».

وأوضح الغفيص بأن المؤسسة تعمل مثل بقية الجهات التعليمية والكليات لزيادة الطاقة الاستيعابية سنويا وانتشار الكليات التقنية والمعاهد المهنية في جميع مدن ومحافظات المملكة لاستيعاب أكبر عدد من الراغبين في الالتحاق ببرامج التدريب التقني والمهني، مشيرا إلى أن الطاقة الاستيعابية تزداد سنويا في معاهدها وكلياتها بنسبة 20 في المائة، وبشكل خاص خريجو الثانوية العامة.

وأكد أن العام المقبل سيشهد قبول 50 ألف طالبة في برامج المؤسسة في الكليات والمعاهد العليا التقنية والمهنية للبنات، وتعهد بأنه خلال سنوات قليلة، وبعد انتهاء مشروع ضخم يستهدف افتتاح قرابة 40 معهدا عاليا تقنيا للبنات في عدد من المدن والمحافظات، الطاقة الاستيعابية لكل منها قرابة 2000 طالبة ستتمكن المؤسسة من تلبية حاجات أعداد الخريجين المتزايدة بدرجة كبيرة، ومؤكدا أن المؤسسة تتطلع إلى مضاعفة عدد المقبولين خلال السنوات القليلة القادمة إلى 300 في المائة.