دعوات لترسيخ ثقافة المشاركة بدءاً من الأسرة والمدرسة.. وانتهاءً بالحياة العامة

خبراء يحمّلون التعليم والأسرة مسؤولية تنشئة جيل ارتبط بـ«أفغانستان» و«الشيشان» قبل الوطن

ناخبون سعوديون يدلون بأصواتهم في تجربة الانتخابات السابقة، في أحد مظاهر المشاركة الشعبية في الشأن العام («الشرق الأوسط»)
TT

لا تزال إفرازات تجربة الانتخابات البلدية في السعودية، خصوصا تلك المتعلقة بمستوى المشاركة الضعيف لفئة الشباب، آخذة في التفاعل.

فالكل هنا يبحث خلف الأسباب التي جعلت الشباب هم أقل من صوت في الانتخابات، وأكثر من لم يسجل فيها، كما أنهم الأكثر عددا بالتشكيك في نزاهة تجربتها الأولى، وكل ذلك طبقا لتقويم تجربة الانتخابات التي قام عليها أحد مراكز البحوث المحلية.

وحاول 12 خبيرا سعوديا، منهم أعضاء في مجلس الشورى، وأساتذة جامعات وعدد من الشخصيات الفاعلة في مؤسسات التعليم العالي، خلال ندوة حوارية، اصطلح على تسميتها بـ«فوكس قروب»، أن يخرجوا بتفسيرات حول نتائج تقويم تجربة الانتخابات في السعودية بشكل عام، والبلدية بشكل خاص، وهي النتائج التي تم اعتبارها «مفاجئة».

بعض النتائج التي خلص لها فريق العمل في دراسته المسحية لتقييم تجربة الانتخابات، استعصى على الخبراء السعوديين، أن يجدوا لها ما يبررها، خصوصا تلك التي تتصل بكون أن المبحوثين في الرياض ومكة المكرمة، كانوا الأقل حماسة للانتخابات، على الرغم من أنهما كمنطقتين تعدان «الأميز» لناحية الحراك الثقافي والإنساني والاجتماعي والسياسي.

غير أن الخبراء الـ12، حددوا بعض الأسباب التي أدت إلى ضعف المشاركة الشبابية في الانتخابات البلدية، إذ ذهبوا إلى تحميل التعليم والأسرة والثقافة الدينية المتشددة مسؤولية تنشئة جيل سلبي تم ربطه بقضايا كبيرة ومعقدة مثل، فلسطين، الشيشان، وأفغانستان، من دون القضايا الخاصة بوطنه.

ورأى الخبراء، بأن التنشئة الاجتماعية، وسيطرة المجتمع الأبوي، انعكسا سلبا على مشاركة الشباب والطلاب في الانتخابات البلدية، باعتبار المشاركة هي أساسا تعبير عن رأي شخصي وموقف فردي.

واعتبروا أن عدم مشاركة الشباب والطلاب في الانتخابات البلدية، هو فشل للتعليم في بناء مواطن له استقلاليته وقادر على التفاعل مع المجتمع، كما اعتبروه فشل للكليات والجامعات في إيجاد روح المسؤولية، والرغبة في المشاركة الوطنية. ومن التفسيرات التي رأى الخبراء، أنها تقف خلف المشاركة الشبابية الضعيفة في الانتخابات البلدية، انشغال هذه الفئة في أمرين أساسيين، تأمين الوظيفة، ونمط الاستهلاك.

ومقابل ضعف إقبال الناخبين لصناديق الاقتراع في 3 مناطق حضرية في السعودية، فإن نسبة المشاركة في المناطق ذات الطابع الريفي سجلت ارتفاعا ملحوظا.

يقول الخبراء الذين يتبعون لمجلس الشورى، وجامعة الملك سعود، وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، وجامعة الإمام، ومعهد الإدارة العامة، عن ارتفاع المشاركة في الأرياف، بأنه لا يعكس حراكا سياسيا، بقدر ما هو ناتج عن قوة الروابط والانتماءات القبلية والعشائرية، مدعوما بوجود الأقليات، وقوة النسب، واستقرار السكن.

وتعد المنطقة الشرقية، الأعلى نسبة بين الذين سجلوا في الانتخابات، لكنهم لم يصوتوا. يقول الخبراء بأن العامل الطائفي لعب دورا كبيرا في التعبئة للانتخابات، بالإضافة إلى التفاعلات الفكرية والثقافية الناجمة عن قرب المنطقة لدول الخليج، التي توجد بها تجارب انتخابية عدة، وقدوم الوعي للمنطقة وانتشار التعليم فيها.

ومقابل تأكيد الخبراء السعوديين، على انعدام ثقافة المشاركة في أوساط الشباب والطلاب، دعوا لضرورة السعي الجاد لوضع استراتيجية عامة ومتكاملة، لتحديد الأسس والمنطلقات الفكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية لـ«ثقافة المشاركة في الشأن العام»، بما في ذلك تحديد الآليات والأشكال التنظيمية المناسبة لنشر هذه الثقافة.

وأوصى الخبراء، بوضع الخطط الكفيلة بنشر وترسيخ ثقافة المشاركة، ابتداء من الأسرة، ومرورا بالمدرسة والجامعة، وانتهاء بالحياة العامة.

وفيما أظهر البحث الميداني في تقويم تجربة الانتخابات البلدية، بأن فئتي الشباب والطلاب أكثر الفئات تشددا وتعصبا وانغلاقا وعدم اكتراث ولا مبالاة، رأى الخبراء أن من الضروري أن تهتم استراتيجية المشاركة الشعبية في الشأن العام، بأحوال هاتين الفئتين، والبحث في الأسباب التي جعلت الفكر المتشدد من جهة، واللامبالاة من جهة أخرى سائدتين في أوساطهم.

وأمام معارضة غالبية المبحوثين لأمر مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، إن كان مرشحة أو ناخبة، فقد دعا خبراء مجلس الشورى وأساتذة الجامعات السعودية، لتحديد الموقف الديني من مسألة مشاركة المرأة في التصويت والترشح.

وفي الوقت الذي لوحظ تأثر موقف الشباب والطلاب من المرأة بالثقافة السائدة وهيمنة الأعراف والتقاليد والمفاهيم الخاطئة لبعض الأحكام الدينية، فقد رأى خبراء أن من الضروري تحديد ما هو ديني وما هو اجتماعي في الموقف من مشاركة المرأة، وأكدوا على خطأ اعتبار الأعراف والتقاليد أقوى من الحكم الديني في هذا الأمر. وكانت الفئة التي اندرجت تحت مسمى «لا يعمل»، أكثر الفئات تقييما سلبيا للانتخابات البلدية. هذه النتيجة كانت متوقعة. الخبراء والمختصون يرون أن الشروط المعيشية والتعليمية والاقتصادية، التي تحكم حياة هذه الفئة، تدفعها إلى الإحساس بقدر من الإحباط والتهميش، والعزلة والاستبعاد.

وأوصى الخبراء بعدم الاستهانة بواقع فئة «غير العاملين»، وعدم تجاهل الاتجاهات السائدة في أوساطهم، خاصة أن موقف الفئة السلبي من الانتخابات البلدية، يعكس موقفها العام من معظم القضايا المتعلقة بالدولة والمجتمع.