«جرائم الشرف» في السعودية.. بين ازدياد حالاتها ورفض مسمياتها

هيئة الأمر بالمعروف تربط زيادتها بـ«الخلوات غير الشرعية» * قاض يرفض المسمّى ويؤكد: الجريمة جريمة

لا تزال جرائم الشرف تؤرق كثيراً من المجتمعات العربية بشكل عام وتؤدي إلى حوادث مفزعة في بعض البلدان (تصوير: أثير السادة)
TT

في وقت زاد فيه الجدل في المجتمع السعودي وتحديدا في الأوساط الإعلامية، وعلى منتديات الإنترنت حول ازدياد جرائم الشرف في البلاد، وما اذا كانت قد بلغت حد الظاهرة من عدمه، اختلف بعض المعنيين في هذا الأمر.

ففي وقت وصف سالم بن سويلم السرواني المتحدث الرسمي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة الأمر بالظاهرة، مستدلا على ذلك بضبط الهيئة في منطقة مكة المكرمة خلال العام الماضي نحو 6883 حالة خلوة غير شرعية، رفض الدكتور محمد الظافري القاضي في محكمة مكة المكرمة تسمية جرائم الشرف كظاهرة، بل أنه يذهب إلى القول أن هذه الجرائم تكاد تكون معدومة في السعودية»، مستدلا في ذلك بخبرة عملية تمتد لثلاثة عقود. وفي ذات الإطار دعا الدكتور علي الحناكي مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة للتخلص من الاعراف القبلية والجاهلية السيئة. مبينا أن جرائم الشرف تمس المرأة العربية بشكل عام وليس السعودية فقط. مفيدا أن هذه الجرائم تنتشر في المجتمعات الريفية التي تحكمها عادات وتقاليد «بالية» لا تتماشى مع الوجهة الدينية ونظرة الشرع أبدا.

لكن سالم السرواني المتحدث الرسمي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أكد في حديث لـ«الشرق الأوسط» استعداد الهيئة للتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة ومراكز البحث التي ترغب بالاستفادة مما لدى الجهاز من إحصاءات وحالات عن قضايا معينة، بقصد إجراء الأبحاث اللازمة التي تتعلق ببعض الظواهر السلبية التي قد يكون انتشارها ضارا بالمجتمع.

وهنا يعود القاضي الظافري ليشير إلى أنه «يستطيع القول ان السعودية دولة محافظة». وزاد، «قد يرتكب القاتل جريمة القتل ويتعذر بأنه ارتكبها دفاعا عن الشرف، لكن في المحاكم يحاسب على انه قاتل ومجرم، وليس له عذر وليس من حق أي شخص أن يقوم بمحاسبة الفتاة وقتلها إذا أخطأت لأن الله عز وجل قد أوضح حد الزانية والزاني في كتابه الكريم».

وأشار الظافري إلى أن «إقدام ولي الأمر على عمل كهذا يعد جريمة قتل ويحاسب عليها، وقبل أن يحاسبها ويقوم بقتلها يجب أن يلتمس لها العذر، فقد تكون هذه الفتاة أجبرت على ذلك، وقد تكون وقعت في المحظور بسبب غفلة الأبوين، ولو نظر كل رجل لأخته أو ابنته أو زوجته كما ينظر لنفسه، لما أقدم على قتلها، بل لكان التمس لها العذر، ونحن ننادي أولياء الأمور أن يلتمسوا الأعذار لفتياتهم كما يلتمسونه لأنفسهم». مبينا أن من اكثر القضايا التي تمر عليهم في المحاكم هي قضايا عدم تكافؤ النسب.

يشار إلى أن الشيخ إبراهيم الغيث رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابق، كشف في حوار مع «الشرق الأوسط» العام الماضي أن أفرع الهيئات ضبطت العام قبل الماضي نحو 2 في المائة من جميع سكان السعودية. مفيدا أن مجموع القضايا التي تم ضبطها خلال عام 2006 بلغ نحو 416 ألف قضية، وعدد الأشخاص في هذه القضايا نحو 434 ألف شخص (أي ما يعادل 2 في المائة من سكان السعودية، على اعتبار أن عدد المواطنين والمقيمين يزيد عن 22 مليون نسمة). وبلغ عدد من انتهى موضوعه بالستر والتعهد نحو 392 ألف شخص بنسبة 90 في المائة، بينما أحيل لجهة الاختصاص نحو 42 ألف شخص أي بنسبة 10 في المائة.

وهنا يرفض السرواني تحميل ضعف الوازع الديني عند الفتيات والشباب مسؤولية تلك الجرائم، بل زاد عليه المشاكل الأسرية كونها تلعب دورا هاما في ضياع الشباب والفتيات، وتدفعهم إلى إقامة علاقات غير شرعية للترويح عن أنفسهم، بعلاقات آثمة لعلها تنسيهم تلك المشاكل التي تنتهي أحيانا نهاية مأساوية كحادثة الفتاتين اللتين قتلتا على يد أخيهما عند عودتهما من دار الرعاية بالرياض.

وأوضح أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهاز حكومي يقوم بعمله حسب التعليمات المنظمة لهذا الجهاز الذي من ضمن أعماله معالجة ما قد يحدث من قضايا (الخلوة المحرمة)، وبين أن الهيئة حريصة جدا على مبدأ الستر على الفتيات حيث يتم تسليم الفتيات المقبوض عليهن في القضايا البسيطة فورا لأولياء أمورهن ـ سترا عليهن ـ، لكن هناك بعض القضايا التي لا بد من إحالتها إلى جهات الاختصاص عند تكرار الضبط أو عند قضايا شبكات الدعارة.

ونفى السرواني أن تكون للهيئة علاقة بالجرائم والمشاكل التي تلحق بالفتيات لأن هدف الهيئة الستر وعلاج المشاكل. وقال ان الهيئة تقوم فقط بنشر أخبار جهودها في القضاء على السحرة والدجالين والمشعوذين أو مصانع الخمر وقضايا الابتزاز، أما بالنسبة للقضايا الأخلاقية كالمعاكسات والاختلاء فلا ينشر عنها، لأن ضررها يلحق بالشخص نفسه، على عكس القضايا الاخرى التي تضر بالغير.

وأضاف، «في القضايا الكبيرة لا يتم ذكر الأسماء والجنسيات ولا مكان العمل»، وقال ان المجال الإعلامي لديهم منظم ويسير وفق أطر واضحة. وبين أن توجيه الرئيس العام للهيئات الشيخ عبد العزيز الحمين بتعيين متحدثين رسميين ومساعدين لهم في كل فروع الرئاسة العامة بالمملكة من هذا الباب ـ حتى لا يكون هناك تسرب للأخبار غير الصالحة للنشر.

الى ذلك، كشفت الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة نيتها افتتاح مراكز للضيافة لاستقبال الفتيات حال رفض ذويهن استقبالهن، سواء بعد خروجهن من دار الرعاية أو السجون، والعمل على تزويجهن من خلال الوكيل الشرعي.

وقال الدكتور علي الحناكي مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط»، حول رفضه مصطلح جرائم الشرف، «حان الوقت لأن نرمي أحجارا قوية في هذه المياه الراكدة وألا نتحدث فقط عن جرائم الشرف، بل عن امتهان المرأة، حيث ان أكثر المجتمعات الريفية والقبلية لا تزال حين تتحدث عن المرأة تقول (أكرمكم الله)، وكأن المرأة من عمل الشيطان».

وأضاف، «لاحظنا أيضا من العادات القبلية والريفية ظهور مشكلة الإرث، حيث تمنع المرأة عن التحدث أو المطالبة بميراثها، وقضايا العضل، مما يقود إلى العديد من المشاكل التي تجبر الفتيات على الانتحار والهروب والانحراف وغير ذلك من السلبيات التي نراها اليوم، وهذه مأساتنا في معظم المجتمعات العربية». وأبان مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة، «أن التعامل مع المرأة حينما تخطئ بهذه القسوة ويصل جزاؤها من بعض أفراد الأسرة إلى حد القتل ـ مثل ما حدث مع فتاتين لقيتا مصرعهما على يد أخيهما عند عودتهما من دار الحماية بالرياض– جريمة كبرى وذنبها عند الله عظيم».

ويعيد الحناكي اسباب انحراف الفتيات إلى أن الفتاة قد تخطئ إذا لم تجد الاحتواء والحنان داخل المنزل، مما يجعلها تبحث عنه خارجه عند من لا يرحم، وبالتالي تهرب فتفتح أبواب نار جهنم على الأسرة، وعليها فتكون ردة فعل المجتمع والأسرة عنيفة جدا.

وحول مدى تدخل الشؤون الاجتماعية وشروط قبول دعوة الفتاة قال الحناكي، «نحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه، ولا نحاول أن نوسع الفجوة بين الفتاة وأسرتها ولا نتدخل إلا في حال وقع ظلم شديد عليها كالتحرش أو الاغتصاب أو الأذى الذي يظهر من خلال التقارير الطبية أن الفتاة تعرضت لعنف، ففي هذه الحالة ليس أمامنا إلا أن نتقبلها ونعاقب المذنب عن طريق هيئة التحقيق والادعاء العام والشرطة وغيرها».

واعتبر الحناكي تعميم فكرة رفض الأسر تقبل بناتها، مبينا ان العقلاء يقبلون توبتهن. وأشار بقوله، «أنا أقول ذلك من خلال ممارستي، فهناك الكثير من الأسر التي تتفهم الفتاة وتسامح الزلة والخطأ، لأنه ليس من مصلحتها أن تحاكم الفتاة وتقاضيها لكن من حق هذه الفتاة أن تأخذ فرصة ثانية، ومن واجبنا أن نساعدها على ما يمكنها من شق طريقها».

على ذات الصعيد، اعتبر المستشار القانوني ريان عبد الرحمن مفتي، جرائم الشرف تدخل ضمن جرائم القتل، مهما كانت أسبابها ودوافعها وتأخذ مجراها القانوني حيث يحاسب ويحاكم مرتكبها وهي من الجرائم النادرة التي تحدث في العالم.

ويستنكر المستشار القانوني مفتي ما يشاهده في دور الملاحظة، معيدا أسباب انحراف الأبناء والفتيات إلى الأسرة، حيث يقول، «هناك بعض الأطفال القصر تنبذهم الأسرة، وتقوم بوضعهم في دار الملاحظة، وتتهمهم بالعقوق على الرغم من عدم ارتكابهم جرما كبيرا، وهذه تعتبر ردة فعل سلبية وغير مسؤولة لأن الأب والأم يجب أن يتحملوا مسؤولية هؤلاء الأبناء ويحسنوا تربيتهم فهذه من واجبات الأسرة».

وحول رفض الأسرة استلام ابنتهم حال انتهاء فترة سجنها أو حال خروجها من دار الرعاية، أوضح أن الأسرة تجبر على استلامها وفي حال رفضت قد تعاقب بالسجن. وأردف موضحا، «هناك إجراءات تتخذ حيث تقوم الجهة المختصة برفع شكوى للإمارة توضح رفض الاستلام وتقوم الإمارة بإلزام الولي بالاستلام أو السجن والتوقيف وحال شعرت الجهة الأمنية أن الوالد أو ولي الأمر يقوم بتهديد الفتاة يقوم بكتابة تعهد بعدم إيذائها وإحسان معاملتها».

من جانبه، يحمّل الدكتور زيد عبد الله القرون الاستشاري التربوي والاجتماعي الفضائيات مسؤولية انحراف الشباب، مع ضعف المتابعة الأسرية، والسفر إلى الدول الخارجية.

ويضيف أن جرائم الشرف من العنف الأسري الذي انتشر وتفشى، وقال، «أنا أتحدث من خلال واقع موجود لدينا عن جرائم ترتكب من غرف الشات على الانترنت ومواقع المحادثات الصوتية على وجه الخصوص، وما يجري فيه من عرض صريح وتبادل للأرقام وهذا من الأسباب الكبرى التي جعلت الفتيات والشباب يقعون في المحظور».

وحول قبول توبة المرأة إذا أخطأت قال، «صحيح أن هناك بعض القبائل لا تقبل توبة المرأة، إلا أننا لا نستطيع أن نعمم، لأن المجتمع السعودي أصبح لديه نوع من الانفتاح وبعد النظر النسبي، فهناك بعض الأسر أصبحت تعي أن الخطأ يرد من المرأة، كما يرد من الرجل، لا سيما شريحة المثقفين، وهناك أشخاص ما زالوا على ما هم عليه، ولا نستطيع أن نغير قناعاتهم في يوم وليلة، لكن هناك اجتهاداً لإعادة صياغة الفكر في هذا الجانب.