العيد في مكة: ثقافات عالمية متنوعة ولغات متباينة وفرحة واحدة

شبانها يعقدون قرانهم داخل الحرم.. وكبارها يوزعون الحلوى في ساحاته

TT

«عيد بأي حال عدت يا عيد». الحال فرح في أغلب بقاع الأرض، وخصوصاً في مكة المكرمة، قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، وحيث حطت هذا العام رحال مئات آلاف المعتمرين القادمين من مختلف أرجاء الأرض لأداء فريضة العمرة في شهر رمضان، فيما بقيت أعداد كبيرة منهم في «أم القرى» لتحتفل بفرحة العيد إلى جوار حمام الحرم المكي. ويمكن القول إن قصة عيد الفطر في مكة المكرمة تختلف عن قصته في بقية مدن العالم، وما يميز هذه المدينة المقدسة في هذه المناسبة هو أن ساحات الحرم المكي تتحول إلى منتدى فرح عالمي، تظهر فيه مختلف عادات وتقاليد العيد لشعوب مختلفة الأعراق.

وتشهد ساحات الحرم تجمعات كبيرة للمسلمين من مختلف الأجناس والألوان، يتبادلون الأحاديث والذكريات الخاصة بمظاهر العيد في بلدانهم، كما يتبادلون الحديث عن الثقافات والعادات واللغات من خلال تجمعهم بعد أداء الصلاة في رحاب البيت العتيق، فيما تتزين لهم مكة المكرمة لتظهر لهم بأحلى حلل الفرح. يتمتع العيد في بيت الله الحرام بمذاق مميز ونكهة خاصة، مصبوغة بمشاعر روحانية تصبغ على القلوب فرحة قدوم العيد في مكان واحد ولكن بجنسيات مختلفة ولغات متعددة ودين واحد، إذ يقف حشد كبير من المصلين القادمين من جميع بقاع الأرض بمختلف ألوانهم وطبقاتهم، غنيهم وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم، صفاً واحد لأداء صلاة العيد، ملبين النداء بكل شوق للبيت العتيق، مستشعرين روحانية المكان، مرددين بصوت واحد تكبيرات العيد بصوت مرتفع (الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا اله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد). وبعد انتهاء خطبة العيد وأداء الصلاة تتصافح أيادي المسلمين بقلوب متآلفة، وشفاه مبتسمة وألسن معبرة بأحر التهاني الصادقة بقدوم عيد الفطر المبارك. جاءت حسناء تيسير، وهي سيدة مغربية من بلدها لأداء العمرة في شهر رمضان، وحرصت على القدوم في العشر الأواخر لتحيي ليلة القدر بالصلاة في الحرم المكي، ومن ثم تشارك إخوانها المسلمين صلاة العيد. تقول تيسير «أديت صلاة العيد في الحرم المكي قبل 4 سنوات، ومنذ ذلك اليوم وأنا أتمنى أن أصليها مرة أخرى، لأن للعيد في مكة المكرمة ميزة جميلة، هي أنك تشاهد جميع الناس من مختلف البلدان يوم العيد وقد تزينوا بملابس الفرح، بعد أن كانوا يرتدون في الأيام الماضية ملابس الإحرام البيضاء اللون، وتسمع تكبيراتهم بصوت جهوري واحد يلبي النداء، ويشاركهم الأطفال بملابسهم الجديدة كأنهم فراشات ملونة زينت ساحات بيت الله، وقد حرصت هذه السنة على تجهيز الحلوى لتوزيعها على الأطفال بعد الصلاة، كما نفعل في بلادنا».

ويعد «عقد القران» من مظاهر البهجة الأخرى لعيد مكة المكرمة، إذ يحرص الكثير من أهلها على الاحتفال به داخل الحرم خلال أيام العيد، سواءً أكانوا من المقيمين داخل مكة أو من خارجها، فينتهزون فرحة العيد لعقد القران وسط حشد من المهنئين، موزعين الحلوى على الصغار والكبار داخل ساحة الحرم. عادل محمد من سكان مدينة الرياض يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص، وتبدأ إجازته في 27 رمضان، وحضر إلى مكة المكرمة في آخر يومين من شهر رمضان، لأداء العمرة في فجر يوم العيد، فيما تسكن خطيبته في مدينة جدة. ويقول محمد «جئت من الرياض لتأدية العمرة وصلاة العيد، واتفقت مع أسرة خطيبتي على أن يكون عقد القران في الحرم المكي بعد الصلاة مباشرة». ومن المظاهر الأخرى التي يحرص عليها المسلمون أداء العمرة فجر ليلة العيد، منتهزين تلك الفرصة العظيمة، ومشاركة المسلمين فرحة العيد داخل الحرم.

واقتداء برسول الأمة يتطيب أهل مكة المكرمة وزوارها، صغارهم وكبارهم، ذكرهم وأنثاهم، ويرتدون ملابسهم الجديدة قبل الذهاب إلى الحرم المكي وأداء الصلاة، ويشارك أهل مكة المعتمرون وزوار بيت الله الحرام فرحة صلاة العيد داخل الحرم المكي. وتصف عبير محمد، من سكان مكة المكرمة، صلاة العيد في الحرم المكي بأنها «لحظة فرح لا توصف عندما ترى المسلمين يتبادلون التهنئة ويصافحون بعضهم، معتمدين على تعابيرهم الصادقة في إيصال تهنئتهم لبعض، قد لا نفهم لغة أكثرهم، ولكن تعابير وجوههم تتحدث نيابة عنهم، وتصف ما في داخلهم». وتضيف «نحرص في صباح يوم العيد على الخروج مع الأهل والجيران والأصدقاء في تجمع أسري مميز تسوده المحبة والألفة لأداء صلاة العيد في الحرم، آخذين معنا أنواعاً مختلفة من الحلويات التي يحبها الصغار لتوزيعها على الأطفال داخل البيت العتيق، وهذه الحلوى نقوم بتجهيزها قبل العيد بأيام وسط فرحة كبيرة بقدوم تلك المناسبة العظيمة، كما نحرص على توزيع الكتب والأشرطة الدينية على الزوار والمعتمرين».