لجنة المحامين السعوديين تتجه إلى رفع دعوى ضد محترفي «الوكالة» أمام المحاكم

وزارة العدل لـ«الشرق الأوسط»: من يمارس المحاماة من دون ترخيص يعرّض نفسه للعقوبة * د. قاروب لـ«الشرق الأوسط»: 7 مليارات ريال يجنيها «الدخلاء» ومكاتب الاستشارات الأجنبية

مطالب بوضع أطر تحدد أحقية الأشخاص الذين يقفون في المحاكم أمام القضاة («الشرق الأوسط»)
TT

أعلن الدكتور ماجد قاروب، رئيس اللجنة الوطنية للمحامين في مجلس الغرف السعودية، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن اللجنة تدرس بصورة جدية رفع دعوى إلى وزير العدل، بأسماء جميع محترفي أعمال الوكالة أمام المحاكم وديوان المظالم، وكذلك اللجان القضائية، للمطالبة بمنعهم من الترافع وإحالتهم إلى هيئة التحقيق والادعاء العام.

وكشف الدكتور قاروب، أن نحو 3 مليارات ريال تصب في جيوب «الدخلاء» سنوياً، في حين تتجه قرابة 4 مليارات ريال (مليار دولار) أخرى إلى مكاتب الاستشارات القانونية في الدول العربية، مرجعاً السبب إلى «غياب الثقة في المحامين السعوديين، وعدم توافر الخبرات القانونية، وغياب العدد الكافي من المتخصصين».

يأتي الإعلان عن هذه الدعوى، فيما ارتفعت في السعودية في الآونة الأخيرة حدة النقاش حول مستقبل نظام المحاماة وآليات تفعيله، وسط مطالبات بضرورة تفعيل هذا النظام، وعدم السماح لغير المحامين المرخصين بالترافع أمام جميع الدور القانونية في البلاد، في حين أكدت اللجنة الوطنية للمحامين بمجلس الغرف الصناعية السعودية أن نحو 1300 محام فقط يحملون الرخصة الرسمية لمزاولة المهنة، فيما يزاولها 4700 شخص من دون تراخيص.

إلى ذلك علقت وزارة العدل على ذلك في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على لسان مسؤول طلب عدم ذكر اسمه، بأن الإدارة العامة للمحاماة بوزارة العدل حذرت المكاتب والأشخاص الذين يمارسون مهنة المحاماة من دون ترخيص من وزارة العدل.

وأضاف أن «من يمارس مهنة المحاماة من دون ترخيص يعرض نفسه للعقوبة المنصوص عليها في المادة 37 من نظام المحاماة، وهي السجن مدة لا تزيد على سنة أو غرامة لا تقل عن 30 ألف ريال أو بهما معاً» . وكانت الإدارة العامة للمحاماة في وزارة العدل قد أحالت عدداً من المخالفين إلى هيئة التحقيق والادعاء العام لإكمال اللازم حيال إيقاع العقوبات في حقهم .

وفي السياق نفسه، أرجع محامون سعوديون انتشار ظاهرة «الدعوجية»، الدخلاء على مهنة المحاماة في المجتمعات السعودية، إلى ضعف تطبيق نظام المحاماة أمام الجهات القضائية والحكومية ذات الصلة، وهو ما دفع المحامي أحمد المالكي، عضو لجنة المحامين في غرفة جدة، إلى المطالبة بتحديد أدوارهم، من خلال قصر الترافع في القضايا على المحامين المرخصين من قبل وزارة العدل، وهو ما نصت عليه المادة 18 من النظام، التي من شأنها الحد من هذه الظاهرة في حالة تطبيقه، إذ إن النظام القائم حدد ثلاث حالات يحق لمن يمتهن المهنة للترافع فيها أمام القضاء، من دون أن يتولى قضايا أخرى.

وشدد رئيس اللجنة الوطنية للمحامين، على ضرورة تفعيل نظام المحاماة، وعدم السماح لغير المحامين المرخصين من وزارة العدل بالترافع أمام جميع المحاكم العامة والجزئية، وكذلك أمام ديوان المظالم وجميع اللجان القضائية الموجودة في مختلف المؤسسات الحكومية، التي يتجاوز عددها الـ75 لجنة، مناشداً جميع الوزراء بالعمل على تفعيل نظام المحاماة أمام تلك اللجان التابعة لوزاراتهم.

وطالب الدكتور قاروب بالإسراع في إنشاء الهيئة الوطنية للمحامين، والعمل على تفعيل نظام المحاماة في الجهات القضائية السعودية كافة، ومنع أي شخص لا يحمل المؤهلات العلمية المعتمدة من دخول المحاكم للترافع أمامها.

ودعا إلى شطب جميع المحامين المرخصين من وزارة العدل، الذين يسمحون باستخدام أسمائهم وتراخيصهم لتمرير قضايا في المحاكم، إضافة إلى تراخيص المحامين المرخصين من وزارة العدل الذين يعملون كموظفين في القطاعين الخاص أو العام، أو تعديل سجلهم من محامٍ ممارس إلى محامٍ غير ممارس. مشيراً إلى وجود مهندسين ومحاسبين اقتحموا سور المهنة، وبدأوا في ممارسة أعمال المحاماة المخالفة للنظام.

وعن انتشار ظاهرة «الدخلاء» على مهنة المحاماة، أوضح المحامي أحمد البحيري، عضو لجنة المحامين في غرفة جدة، أنهم أشخاص احترفوا مهنة المحاماة من خلال الاحتكاك بالمهنة جراء زياراتهم ووجودهم الدائم في المحاكم، ومعرفتهم بالكثير من الإجراءات القانونية، مشدداً على أن هذا الأمر لا يعني في نهاية المطاف بأنهم محامون.

وعن الطريقة التي يتم بها اكتشاف الدخلاء على مهنة المحاماة، قال البحيري «إذا ما كنت حاضراً في إحدى جلسات المحاكمة، وشاهدت شخصاً يتحدث بالنيابة عن شخص يجاوره أمام القاضي، فمن السهل أن تكتشف أنه ليس محامياً من خلال أمر واحد فقط، وهو عدم إلمامه بالنصوص القانونية المتعارف عليها في نظام المحاماة في السعودية».

وهنا يقول المحامي المالكي «توجد مشكلة في آلية البحث عن عدد القضايا الموكل فيها الوكلاء من قبل بعض الجهات القضائية والقضاة أثناء تسجيل القضايا، تكمن في عدم البحث عن عدد القضايا التي يترافع الموكلون فيها، إضافة إلى قيام كتابات العدل بتسجيل التوكيلات مباشرة من دون البحث في هذا الأمر»، مشيراً إلى أن الهدف من تحديد النظام ثلاث قضايا لكل «دعوجي» هو التيسير على أصحاب تلك القضايا لاستخدام الأقارب ومن في حكمهم لمباشرة القضايا.

ويرى أن الدخلاء على مهنة المحاماة يعدون وكلاء شرعيين غير مرخصين لمزاولة مهنة المحاماة من وزارة العدل، ويمارسون أعمال المرافعات نيابة عن الآخرين. مشيراً إلى أن «عدم معرفة «الدعوجية» بالنقاط القانونية وعدم إلمامهم بها يعد أكبر العوائق التي تواجههم وترفع من أسهم المحامين كثيراً، فكثير من القضايا الخاسرة يعود سبب خسارتها إلى توكيل أحد الدعوجية».

ويحذر المحامون السعوديون من التعامل مع دخلاء مهنتهم، وتسليم القضايا لهم في ظل عدم إلمامهم بالأنظمة والقوانين القضائية واعتمادهم على ما اكتسبوه من خبرة نتيجة الاحتكاك وحضور القضايا، وهو ما يؤكده المحامي المالكي قائلاً «الكثير من الأفراد يجهلون هذا الجانب وقد رأينا الكثير من القضايا من خلال عملنا الذي يؤكد هذا الأمر». مضيفاً أنه لا بد للجهات المعنية من تفعيل أنظمة المحاماة لحماية أصحاب القضايا وعدم ضياع حقوقهم وتفعيل تكليف المختصين من المحامين. وبالعودة إلى الدكتور قاروب، فقد اعتبر أن الأشخاص المنتحلين هم جميع الوكلاء، الذين لديهم أكثر من ثلاث قضايا، ومعظم مكاتب تحصيل الديون والخدمات، التي تمارس أعمال التقاضي، بما يخالف تصاريحهم من ناحية، ويخالف نظام المحاماة من جهة أخرى.

وأضاف قاروب «شكلت اللجنة الوطنية للمحامين فريق عمل مهمته الأساسية متابعة جميع الجهات ذات العلاقة حتى إنشاء الهيئة الوطنية للمحامين، ويضم هذا الفريق في عضويته خمسة أعضاء تنتهي مهمتهم بانتهاء إنشاء الهيئة، والعمل على تفعيل نظام المحاماة».

ولفت إلى أن اللجنة الوطنية رفعت توصياتها إلى وزير العدل ورئيس ديوان المظالم، التي تنص على الضرورة القصوى على إنشاء هذه الهيئة، ما ينعكس ايجابياً على رفع كفاءة الأداء في العمل القانوني والقضائي، ويحقق الكثير من الإيجابيات في المحافظة على الثوابت الأساسية والعمل بمنهجية علمية ومهنية تحقق الأهداف المرجوة.

وشدد قاروب على أن المادة الـ18 من نظام المحاماة نصت على أحقية الترافع عن الغير أمام المحاكم الشرعية وديوان المظالم واللجان القضائية على المحامي المرخص من قبل وزارة العدل، موضحاً أن اللجنة الوطنية للمحامين تهدف من خلال تفعيل هذه المادة إلى الحفاظ على حقوق المحامين المشروعة، ودعم العمل القضائي. كما أشار إلى أن عدم تطبيق النظام، بقصر الترافع على المحامين المرخصين من وزارة العدل نتج عنه أكثر من 5 آلاف شخص انتحلوا «صفة المحامي»، بسبب التأخر في تفعيل نظام المحاماة حتى الآن من قبل وزارة العدل، ما أدى إلى وجود عدة مشكلات قضائية قد تفقد مهنة المحاماة مصداقيتها.

وطالب قاروب كتاب العدل بعدم منح وكالات تشمل حق المدافعة والمرافعة إلا للمحامين المرخص لهم من وزارة العدل، مع ذكر كلمة «المحامي» قبل الاسم، وإضافة رقم الترخيص بعد الاسم. وفي موضوع ذي صلة، كشفت تقارير رسمية عن توجيه عدد كبير من السعوديين لقضاياهم وعقودهم الاستثمارية لمكاتب استشارات أجنبية خارج السعودية، لعدم ثقتهم في المحامي السعودي.

وأكد عصام التميمي، محام إماراتي، في محاضرة ألقاها في مقر الغرفة التجارية بجدة، افتتاح نحو 90 مكتب محاماة أجنبيا في دبي خلال الأعوام الخمسة الماضية، وأن 25 في المائة من حجم أعمال الاستشارات الأجنبية في تلك المكاتب تصل إليها من السعودية. لافتاً إلى أن كبار الشركات والبنوك السعودية تلجأ إلى تلك المكاتب الخارجية لتوثيق عقودها وصفقاتها.

وهنا يعلق قاروب أن قيمة تلك الاستشارات والعقود تتجاوز 4 مليارات ريال سنويا (1.06) مليار دولار، تذهب من دون وجه حق من شركات سعودية إلى المكاتب العربية والخليجية كأتعاب مقابل استشارات قانونية، موضحاً أن سوق العمل السعودي يحتاج إلى أكثر من 10 آلاف محام.

وزاد قاروب أن مكاتب المحاماة في حال تفعيل النظام ستوظف ما لا يقل عن 100 ألف شاب سعودي في مختلف الأعمال الإدارية والمكتبية من خريجي الشريعة والقانون، وستحل مشكلة البطالة، وتوفر فرص عمل لنحو 500 ألف طالب على مدار الثلاث سنوات المقبلة.