العشوائيات في السعودية.. «بثور» في وجوه المدن

البعض يعتبرها «شوكة» في حلق برامج التنمية.. وآخرون يرونها «سرطاناً» علاجه الاستئصال * 4 تحديات تفرض مشروعاً وطنياً لتطوير «العشوائيات» في المدن السعودية * الشؤون البلدية تؤسس وتطور نظاماً معلوماتياً لتنمية المناطق والمواقع العشوائية

العشوائيات.. مواجهتها تحد صعب ولكن ليس مستحيل («الشرق الاوسط»)
TT

بدأت السعودية في الآونة الأخيرة تحركاً جدياً لتصحيح وضع الأحياء العشوائية «العشوائيات»، فمواجهة هذا التحدي صعبة، لكنها غير مستحيلة، إذ تتطلب حلولاً جذرية تشمل إعداد البيئة القانونية اللازمة، ومخططات شاملة لإعادة التخطيط العمراني لكثير من المناطق المشوهة لنسيج المدينة السعودية الحديثة، وإيجاد التمويل اللازم لمشاريع تطوير تلك العشوائيات، وإقناع المواطنين بجدواها وأهميتها.

وانتشرت هذه المناطق والمواقع العشوائية خلال السنوات الماضية في عدد من المدن السعودية بسرعة هائلة، خصوصاً في المواقع البعيدة عن الرقابة البلدية، أو تلك التي لا تستطيع البلدية حمايتها لغياب الصلاحيات من جهة، وغياب التنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى مثل المحافظة والشرطة، إضافة إلى صرف المحكمة الشرعية النظر عن معارضة البلدية عند إخراج طلبات الاستحكام، الأمر الذي يؤدي إلى حيازات أراض غير مخططة. وتضافر جميع هذه العوامل فرض «أمراً واقعاً» على السلطات البلدية السعودية حتمية مواجهته.

وتصف وزارة الشؤون البلدية والقروية السعودية المناطق العشوائية بأنها «ظاهرة عمرانية في الحواضر الكبرى وعلى أطراف المدن وداخلها». ومن أسباب انتشارها طبقا لها «ضعف الرقابة الحكومية، والدوافع الاقتصادية والثقافية، وكونها نشاطاً يحقق عوائد مالية مجزية للمتعاملين به».

ومعالجة أوضاع العشوائيات ليست مجرد تحد سعودي، بل هي قضية عالمية، إذ كشف تقرير دولي صادر عن الأمم المتحدة في عام 2008، أن تقديرات برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، تشير إلى ارتفاع إجمالي عدد سكان العشوائيات تقريباً بنفس معدل نمو سكان الحضر خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. وأوضح التقرير أن وضع «العشوائيات» يمثل تحدياً خاصاً في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب وغرب آسيا، مؤكداً أنه «حتى وإن أُحرِز الهدف الرامي إلى تحقيق تحسين كبير بحلول عام 2020 لمعيشة ما لا يقل عن 100 مليون نسمة من سكان العشوائيات، فإن هذا الرقم لا يمثل إلا 10 في المائة من العدد المقدّر لسكان العشوائيات في العالم، الذين يتوقع أن يتضاعف، وفقاً لمعدلات التوسع الحالية، ثلاث مرات ليصل إلى 3 بلايين نسمة بحلول عام 2050». تقرير الأمم المتحدة عن واقع «العشوائيات» الخطر على المستوى الدولي، لم يحدد بلداً متضرراً أكثر من غيره، لكنه ألمح إلى نطاقات جغرافية من بينها «غرب آسيا»، الذي يضم المملكة العربية السعودية كأحد بلدانه، حيث لا تقل فداحة الأضرار والآثار السلبية الناجمة عن تمدد «سرطان العشوائيات» في جسد المدينة السعودية الحديثة عن النماذج الدولية المماثلة.

وشرعت وزارة الشؤون البلدية في توثيق الأوضاع الراهنة للمناطق العشوائية أخيراً، وربطها بالمخططات الهيكلية للمدن، بالتماشي مع الإستراتيجية العمرانية الوطنية في السعودية، التي صدرت في عام 2001، باستخدام المصورات الفضائية والمصورات الجوية، وأنظمة المعلومات الجغرافية المتوافرة في الوزارة والأمانات والبلديات.

وتتجه الوزارة أيضاً لإجراء الدراسات والتحاليل الفنية اللازمة لهذه المناطق «العشوائيات» تمهيدا لبلورة المفاهيم التخطيطية، ووضع السياسيات والاختيارات واقتراح الحلول المناسبة مستقبلا، وإعداد تصور شامل عن جميع المناطق، والمواقع العشوائية، والأوضاع الراهنة في المدن بصفة عامة، والمناطق العشوائية حول المدن.

وحددت الحكومة السعودية، 3 مراحل، للتعامل مع ملف المناطق العشوائية، بدءاً من دراسة واقع تلك العشوائيات، وتحديدها طبقا لمسح جغرافي معين، مرورا بطرحها على المستثمرين، قبل أن تدخل مرحلة معالجة أوضاعها عبر مجموعة مقاولين. وسيركز مشروع معالجة ملف المناطق العشوائية، في بداياته، على المدن الرئيسية في المناطق الإدارية الـ13، حيث سينظر في أسباب نشأة العشوائيات، وتحديد مواقعها على المخططات العامة للمحافظات والمدن، تمهيدا لمعالجتها بما يحقق التنمية العمرانية المستدامة، ويتوافق مع الخطط التنموية للبلاد، ومع توجهات الإستراتيجية العمرانية الوطنية.

نظام معلوماتي لتنمية «العشوائيات»

* وفي سياق هذا التحرك الحكومي، كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، أن وزارة الشؤون البلدية والقروية تسعى لتأسيس وتطوير نظام معلومات لتنمية المناطق والمواقع العشوائية، باستخدام أحدث أنظمة المعلومات الجغرافية المكانية المفتوحة. ويشتمل النظام الجديد على قاعدة بيانات مكانية ووصفية كاملة عن جميع المناطق والمواقع العشوائية في المملكة. وأضافت المصادر أنه «سيتم وضع السياسات والخيارات المتاحة واقتراح الحلول المناسبة، وتحديد مواقع وحدود المناطق العشوائية في كل مدينة، وربطها بالمخططات الهيكلية للمدن بالإحداثيات الجغرافية، من خلال إجراء الدراسات والتحاليل الفنية اللازمة لهذه المناطق، تمهيداً لبلورة المفاهيم التخطيطية».

ويحتل «ملف المواقع والمناطق العشوائية» داخل المدن وعلى أطرافها، أولوية بارزة في صدر اهتمامات الحكومة السعودية، وتبدأ مخططاته التنفيذية من رصد الجهات المسؤولة لصور تلك المناطق وأشكالها وتحديد مشاكلها وتأثيراتها، بهدف إيجاد الحلول المتعددة لها، والعمل على إعادة تأهيلها، والتعاطي الأمثل مع الأبعاد العمرانية والاجتماعية والاقتصادية والسكانية والبيئية والأمنية لها، بهدف إعادة توازن التنمية الحضارية وتحقيق التنمية المستدامة. وتهدف السعودية إلى تحقيق جملة من الأهداف تتوازى مع الأهداف الأساسية لتطوير المناطق، منها ربط الحركة بين أجزاء المناطق العشوائية، والمدينة، من خلال استعراض الأساليب النظرية والخبرات العملية للتعامل مع ظاهرة المناطق العشوائية والسياسات المختلفة المتبعة في ذلك، بغرض الاستفادة من تلك الخبرات في تحديد السياسات التي تتناسب مع خصائص المناطق العشوائية وكيفية تطويرها.

الواقع ودواعي التطوير

* يتطلب تطوير المناطق والمواقع العشوائية، كلفة مالية عالية، بسبب طبيعة الإجراءات المطلوبة، مثل نزع الملكية، والتنظيم، وبناء شبكات الطرق والمرافق العامة، مع صعوبة تنفيذها وصيانتها.

وتتمثل تلك المناطق، بالمواقع العمرانية المتهالكة القديمة داخل المدن، وتجمعات واضعي اليد التي تحتل أطراف المدن خارج المخططات العمرانية، والعشش والأكواخ أو ما يسمى بمدن الصناديق أو الصفيح التي تنتشر في الأحياء الحديثة والقديمة داخل المدن أو على أطرافها، وكذلك المناطق والأحياء التي نشأت داخل أو المدن خارجها من دون تخطيط مسبق وفي غيبة عن الأسس الفنية والنظامية المتبعة.

وتخلو الأحياء العشوائية غالباً من البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة اللازمة للحياة الكريمة، وتمثل «شوكة في حلق» خطط وبرامج التنمية، كما تمثل الموارد الكامنة فيها، المادية منها أو البشرية، إشكالاً كبيراً ينتظر أن يعالج حتى يسهم في توازن معادلة التنمية.

ونشأت المناطق العشوائية في السعودية وتنامت كمحصلة لاختلالات إدارية متشابكة. وفيما أسهمت العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في خلق العشوائيات في مناطق أخرى، تتنحى تلك العوامل جانباً في منطقة القصيم لصالح المشكلات الإدارية وغياب التخطيط، نسبة لخصوصية المنطقة.

وتعتبر قواسم مشتركة كالكثافة السكانية، وتدني التعليم، وانخفاض معدل الدخل، الملامح الرئيسة لجميع العشوائيات، حتى وإن اختلفت ظروف عشوائيتها. والحقائق الواضحة للعيان هي أن لكل منطقة عشوائية إفرازاتها الاجتماعية والثقافية والأمنية الخطيرة، التي تشكل عائقاً كبيراً أمام خطط التنمية.

وكشفت دراسات عدة أنجزها مركز التطوير الهندسي في المملكة، أن الخدمات في العشوائيات تتوزع بصورة عشوائية، ولا تخضع لأسس وضوابط ومعايير التخطيط العمراني، مع زيادة الاعتماد على خدمات المدينة، نتيجة لافتقار هذه المناطق للخدمات التعليمية، والصحية، والثقافية، وغيرها.

وأثبتت الدراسات الميدانية، افتقار المناطق العشوائية إلى شبكات البنية الأساسية، خصوصاً مياه الصرف الصحي، في الوقت الذي تكثر فيها الشوارع الترابية، وتقل المسطحات الخضراء والمناطق المفتوحة، وهو ما يؤدي إلى تدني مستوى النظافة وصحة البيئة العامة، كما تشكو هذه المناطق من ارتفاع نسبة «الكبريتات» في المياه الجوفية المحيطة بها، نتيجة لعدم وجود مرافق عامة.

وتعاني العشوائيات، طبقاً للدراسات التي عرضتها بعض المكاتب الهندسية على المختصين في وزارة الشؤون البلدية والقروية، من خلل واضح في التركيبة السكانية، يتميز بكثافة عالية، وتدني مستوى التعليم والدخل، وقلة الملاك، مع ارتفاع معدل البطالة والانحراف الاجتماعي والأخلاقي.

وهنا وصفت الباحثة الاجتماعية مريم الحربي في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، المناطق العشوائية بأنها «قنبلة موقوتة»، لأنها تشمل جميع الأنماط السلبية والمتدنية في المجتمع أخلاقياً واجتماعياً، وهي النماذج المحرومة من الرعاية، ومن حقوقها في المأكل والمشرب والسكن والتعليم والصحة.

وأشارت الحربي إلى أن المناطق «العشوائية» عبارة عن بؤر شديدة التخلف على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية، لارتفاع معدلات البطالة والأمية والكثافة السكانية بشكل لا يمكن تخيله، وتفتقر لأبسط الحاجات الإنسانية.

وعن الفائدة المرجوة من أعمال تطوير المناطق العشوائيات، أكدت الحربي أنه «بتطوير هذه المناطق نكون على المستوى الاجتماعي قد أسهمنا في نشأة مجتمعات أكثر تحضراً، تسودها سلوكيات اجتماعية سليمة، وغير مهددة لاستقرار نمط الأسرة الممتدة فيها على المجتمع».

«العشوائيات».. النشأة وإستراتيجيات التنمية

* من الناحية الفنية، أوضح المهندس فيصل الفضل، عضو جمعية المهندسين السعوديين، واستشاري التخطيط العمراني، لـ«الشرق الأوسط»، أن المناطق العشوائية هي المناطق التي تقع ضمن الحدود الإدارية للمحافظة، أو المدينة، أو المنطقة الإدارية، التي تنشأ من دون مخططات تقسيم أراض سابقة، وتكون معتمدة على أملاك عامة أو أملاك خاصة، وأدت هذه المناطق إلى توسع عمراني عشوائي غير مخطط، مضيفاً «أن مفهوم العشوائيات يبدأ من مجموعة مساكن صغيرة تضم خمسة منازل إلى أحياء كاملة، وتتباين في حجمها ومساحتها بصورة عفوية».

وأرجع المهندس الفضل أسباب نشأة المناطق العشوائية إلى عدة أسباب، منها بناء مساكن باجتهادات فردية بعضها مرخص والبعض الآخر غير مرخص، مشيراً إلى أن هذه المناطق عادة ما تكون غير منظمة وتفتقد للخدمات والمرافق الضرورية، ولا يمكن معالجتها من خلال البرامج التنموية العمرانية، معتبر إياها أسوأ نشأة من العشوائيات.

ولفت إلى وجود مناطق عشوائية شبه منظمة نشأت من دون تراخيص حكومية، ولها تقسيمات شبه هندسية، يسهل التعامل معها بالتطوير والتحسين، حيث يمكنها أن تستجيب لحلول برامج التنمية العمرانية المختلفة، إضافة إلى مناطق تاريخية، أو مناطق وسط المدينة القديم، التي عادة ما تكون في المدن أو المناطق السياحية، وتمثل النسيج العمراني العضوي التقليدي، وهي مبنية بالطرق القديمة، ويجب التعامل معها بعناية.

وقال الفضل «توجد 8 خصائص لا بد من مراعاتها ومعالجتها في المناطق العشوائية، وهي المباني والخدمات وشبكة الطرق والبنية التحتية والتصميم الحضري والجوانب البيئية والاجتماعية والأمنية. مضيفاً «أن ترسيم حدود المناطق العشوائية يتوزع على 4 نقاط أساسية تتمثل في توافر الحد الفعلي للمناطق العشوائية، والحد الإداري، والحد التخطيطي، والحد التعاقدي».

ولخص المهندس الاستشاري، الإستراتيجيات المقترحة لتطوير العشوائيات في عدة محاور ينبغي على الأمانات والبلديات أخذها في عين الاعتبار، وتتمثل في برامج لمعالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لسكان المناطق العشوائية، وتحفيز الجانب الاستثماري والتحسين الحضري لزيادة المردود الاقتصادي، وإدخال تلك المناطق في دائرة سوق الاستثمار العقاري، واقتراح أنظمة للبناء بما يضمن استثمارها بالشكل الأمثل، وتيسير حصول المواطنين المقيمين في العشوائيات على صكوك شرعية في حال بقائها على ما هي عليه بعد التطوير، وإيجاد الوسائل الكفيلة بالحد من إحداث عشوائيات جديدة، وتبني مبدأ التنمية المستدامة، ودعم توجه إشراك القطاع الخاص في عملية التطوير.

ويرى المهندس الفضل أن مراقبة الأراضي وإزالة التعديات من شأنهما الحد من العمران العشوائي، مشيراً إلى أن اتخاذ إستراتيجيات لتطوير المناطق العشوائية وتحسينها، يتطلب من الأمانات والبلديات تحديد المناطق بناءً على معايير كمية ونوعية مناسبة، إذ توجد مناطق عشوائية لها مقومات استثمارية، وأخرى لا تمتلك مقومات استثمارية، ومناطق عشوائية لها إمكانية ذاتية للتحسين والتطوير، ومناطق عشوائية بحاجة لمعالجة جزئية عاجلة، وبعضها يحتاج لوحدة خطط خاصة.

واختصر الفضل خطوات إعداد المخطط الرئيس للمناطق الخاصة بالعشوائيات، في إعداد الدراسات الأساسية والأفكار الأولية، مثل رفع المساحة للمباني، والمسوحات الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية، وتطوير المخطط الرئيس، وتحديد عناصر المخطط، وإعداد المشروع النهائي والرسومات التفصيلية.

عشوائيات الرياض.. لا تتجاوز 1% من إجمالي مساحتها

* تتعامل الهيئة العليا لتطوير الرياض مع المناطق العشوائية من خلال محورين رئيسيين يتمثلان في متابعة تنفيذ الإجراءات المعتمدة من قبل الهيئة، وذلك بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة مع الاستمرار في إعداد الدراسات اللازمة لرصد هذه الظاهرة في المدينة وبحث سبل معالجتها مع اللجنة المشكلة لها، وتفعيل المراقبة المستمرة في المدينة من قبل الجهات المعنية لهذه الظاهرة، وذلك للحد من نشوئها والتعامل معها في حينها قبل تعقيد الأوضاع واستفحالها بالشكل الذي يفقد السيطرة عليها.

وحددت 5 مناطق للتطوير العشوائي السكني في المدينة تشتمل على «حي ابن شريم بمنطقة خشم العان، حي الجبس، الحارة الشعبية بحي المرسلات، المنطقة العشوائية بحي النهضة، الغنامية، العماجية، والجزء الشرقي من حي عكاظ».

وأوضحت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، لـ«الشرق الأوسط» أنها اتخذت عدداً من الإجراءات للحد من ظهور المناطق العشوائية في مدينة الرياض، على الرغم من أن العاصمة السعودية من المدن التي لا تتجاوز فيها ظاهرة المناطق العشوائية 1 في المائة من مساحة المدينة العمرانية.

منطقة مكة: خطط ومعالجات جذرية

* على الصعيد المناطقي، شرعت العديد من إمارات المناطق والأمانات والبلديات السعودية في تحرك جدي خلال السنوات القليلة الماضية لإيجاد حلول جذرية تعيد صياغة واقع المناطق العشوائية، بعد أن تفاقمت أخطارها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وباتت تشكل خطراً يهدد رخاء وازدهار المدينة السعودية الحديثة.

منطقة مكة المكرمة شهدت التحرك الأبرز على الصعيد الوطني فيما يتعلق بإعادة مراجعة واقع العشوائيات، واقتراح معالجات مختلفة تتوافق مع التصنيفات الموضوعة لتلك المناطق والأحياء.

وعن دواعي تطوير العشوائيات في مدن المنطقة، أكد الدكتور سـامي بن ياسـين برهمـين، المتحدث باسم اللجنة التنفيذية لمشروع معالجة وتطوير الأحياء العشوائية بمنطقة مكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط»، أن الأحياء العشوائية في المنطقة تشكل تحدياً أمنياً وبيئياً وصحياً، إذ تعاني من التهالك العمراني، وانعدام المرافق العامة والخدمات، وقلة النفاذية وطرق الربط مع النسيج العمراني بالمدن الرئيسية.

وشدد على أن مشكلة الأحياء العشوائية هي مشكلة معظم المدن والمجمعات السكانية في العالم، وتختلف معالجتها من مكان لآخر وفقاً للظروف السياسية والاقتصادية والأمنية لكل دولة، لافتاً في هذا الصدد إلى أن المملكة أطلقت منذ فترة تحركاً جاداً لمعالجة أوضاع الأحياء العشوائية.

ونوه المتحدث باسم اللجنة التنفيذية لمشروع معالجة وتطوير الأحياء العشوائية، إلى أن مشروع معالجة وتطوير الأحياء العشوائية في منطقة مكة المكرمة يتميز بمعالجة المشكلة بأسلوب شامل، لا يقتصر على التطوير العمراني فحسب، بل يهتم بالإنسان وبيئته العصرية الآمنة والمستقرة.

وأضاف «كما يراعي المشروع اعتبارات موضوعية ونظامية تؤخر عملية تطوير وتنظيم الأحياء العشوائية، منها هجرة بعض السكان من مناطقهم القديمة، وتفضيلهم للسكن في المخططات العمرانية الحديثة، ما أدى لاكتظاظ الأحياء العشوائية بالوافدين المستأجرين للمنازل مع وجود بعض المواطنين المتمسكين بأحيائهم القديمة».

وقال الدكتور برهمين «من الطبيعي أن تتطلع الأجيال الصاعدة للسكن في المخططات الحديثة بعيداً عن الازدحام والضوضاء، لذا انصبت حركة الاستثمار العقاري على المخططات التي توسعت بها المدن الرئيسية، وبقيت الأحياء العشوائية على حالها القديم من دون تطوير يذكر، وبدأت الدولة بمعالجة أوضاع الأحياء العشوائية بوضع حلول جذرية للتحديات البيئية والصحية والأمنية والاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة من خلال اللجنة التنفيذية للمشروع».

وهنا يؤكد الدكتور وليد عبد العال، المدير العام لشركة الرويس العالمية للتطوير العمراني «أن مدن المملكة العربية السعودية عموماً تعاني من تنامي المناطق العشوائية فيها، التي جاءت محصلة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويغلب على هذه المناطق طابعها العمراني الرديء والسيئ».

ولفت العبد العال إلى أن منطقة مكة المكرمة تعد من أكثر مناطق المملكة التي تشهد تخلفاً للوافدين بعد أدائهم العمرة أو الحج. ووجد هؤلاء الوافدون غير النظاميين في المناطق العشوائية بالمدن الرئيسية بالمنطقة محاضن تؤويهم. لذا بات من الضروري التصدي لظاهرة المناطق العشوائية، ووضع الحلول الكفيلة بمعالجتها والحد من انتشارها.

وأوضح المدير العام لشركة الرويس أن إستراتيجية معالجة هذا الموضوع لا تقتصر على إزالة الضرر فقط، بل تتجاوزه إلى أهداف تنموية طموحة، تتمثل في تحويل هذه الأحياء من مناطق عشوائية متردية الأوضاع إلى أحياء نمو مخططة، ترفع المستوى العمراني والاجتماعي والاقتصادي لهذه الأحياء بشكل خاص والمدينة بشكل عام، ورفع الطاقة الكامنة للمردود الاقتصادي، وإدخال هذه الأحياء في دائرة السوق الاستثمارية العقارية، ما يحقق فوائد عمرانية واجتماعية للمحافظة.

وأشار العبد العال إلى أن الإستراتيجية تتضمن أيضاً توفير أنظمة وحوافز لدمج الملكيات وتنشيط الاستثمارات، لرفع جدوى إعادة البناء، وصياغة أنظمة مشجعة للبناء في هذه المناطق توفر المرونة لدمج قطع متفاوتة الأحجام واستثمارها، كما تشمل التطوير من بُعدين، أحدهما إستراتيجي يكفل التعامل مع المشكلة ككل، والآخر تفصيلي يتعامل مع كل حي وفق خصائصه الذاتية، وتشجيع تطوير الأحياء العشوائية عن طريق القطاع الخاص، مع وضع الأطر التنظيمية والتطويرية المناسبة، وتشجيع مشاركة الملاك في الاهتمام بإعطاء أمن الملكية للمالكين الساكنين على أقل تقدير. وفي المقابل، يرى المسؤولون في أمانة جدة، وهي كبرى مدن منطقة مكة المكرمة، أن تطوير العشوائيات جاء ليرفع من مستوى المعيشة في الأحياء العشوائية، وتحسين البيئة العمرانية والاقتصادية والاجتماعية واندماجها مع باقي أحياء المدينة.

وعاد الدكتور سامي برهمين، ليؤكد أن اللجنة التنفيذية برئاسة أمير منطقة مكة المكرمة درست أوضاع الأحياء العشوائية، ورسمت خطط وبرامج معالجتها جذرياً، وأنجزت عدداً من اللوائح والحلول والإجراءات لمعالجة الأحياء العشوائية، كلائحة تطوير المناطق العشوائية في منطقة مكة المكرمة التي قسمت العشوائيات الواقعة في المدن الرئيسة بالمنطقة وفق تلك الأسس. وأشار بناء على تلك الأسس والتقسيمات وضعت آلية للتطوير تنفذها أمانات وبلديات المنطقة، وفق معالجات جذرية تشمل النواحي الأمنية والاجتماعية، عبر تصحيح أوضاع من يلزم تصحيح وضعه من المقيمين في تلك الأحياء لدمجهم في المجتمع، مع تنمية الأوضاع الاجتماعية للمواطنين من سكان الأحياء العشوائية.

وعن الفكرة من إنشاء شركات تطوير الأحياء العشوائية، يرى المتحدث باسم اللجنة التنفيذية لمشروع معالجة وتطوير الأحياء العشوائية في منطقة مكة المكرمة، أن وجودها جاء نظراً لتعقيدات عملية تطوير العشوائيات وكبر مساحتها، ما يتطلب إيجاد جهات متخصصة تستوعب إجراءات التعامل مع الملكيات القائمة، وتتولى تنفيذ العملية التطويرية.

ويوجد في منطقة مكة المكرمة مجموعة من شركات التطوير، هي: شركة البلد الأمين للتنمية والتطوير العمراني، وشركة جدة للتنمية والتطوير العمراني، وشركة المصيف للتنمية والتطوير العمراني التي ستعلن قريباً، طبقال للبرهمين، الذي ذكر بأن جميع هذه الشركات ستعمل كأذرع استثمارية وتنفيذية لأمانات المدن، وتعمل على دفع عجلة التنمية العمرانية، وتتولى تطوير الأحياء العشوائية في هذه المدن الرئيسية بالمنطقة.

ويؤكد البرهمين، أن عدم تطوير الأحياء العشوائية التي تقع في مناطق مهمة داخل حدود المدن الرئيسية بمنطقة مكة المكرمة يعتبر معوقاً للتنمية، وأن تطويرها سيقود العملية التنموية والإصلاحية بتلك المدن».

ويرى الدكتور وليد عبد العال من جانبه، أن الهدف والغرض الأساسي من المشروع هو تطوير المناطق العشوائية، وليس مجرد التوسع العمراني، إذ لن يكون مفيداً إنشاء وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة في الأراضي البكر، مع الإبقاء على المناطق العشوائية القائمة بكل ما تسببه من تداعيات، ولهذا حددت لائحة تطوير المناطق العشوائية.

ولم يورد كل من الدكتور وليد عبد العال والدكتور سامي برهمين حجم السكان في كافة المناطق العشوائية، إلا أن الدكتور برهمين قدر عدد الأحياء العشوائية بنحو 70 حياً في مكة المكرمة، ونحو 60 حياً في جدة، و20 في الطائف، تبلغ مساحتها في مكة المكرمة نحوالي (38 كيلومتراً مربعاً)، وتمثل 25 في المائة من مساحة الكتلة العمرانية في العاصمة المقدسة، فيما تبلغ مساحة عشوائيات جدة نحو (53 كيلومتراً مربعاً)، وتمثل 6 في المائة من الكتلة العمرانية لمحافظة جدة، في حين تبلغ مساحة عشوائيات الطائف نحو (400 كيلومتر مربع) موزعة على قرى جنوب شرق وشمال غرب مدينة الطائف.

وحول مصير سكان الإحياء العشوائية، أوضح المتحدث باسم اللجنة التنفيذية لمشروع معالجة وتطوير الأحياء العشوائية بمنطقة مكة المكرمة، أن أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة التنفيذية للمشروع، وجه بالإسراع في تأمين السكن للمواطنين والمستحقين، من خلال إنشاء مشاريع إسكان في ضواحي المدن وبعض الأحياء المجاورة، وهذا ما اعتمدته اللجنة التنفيذية للمشروع، وستسهم الشركات المطورة في تنفيذ مشاريع إسكان الضواحي.

من جانبه، يضيف الدكتور وليد عبد العال أن أمانة محافظة جدة وشركة جدة للتنمية والتطوير العمراني، وبدعم من أمير المنطقة، وبالتنسيق مع جهات عدة، تعملان على إيجاد ضواحٍ سكنية متكاملة الخدمات، لتوفير الإسكان الميسر لسكان المناطق العشوائية وغيرهم. كما تعكف شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني على تقديم مبادرات عملية وعاجلة، لتنفيذ مشاريع سكنية في محافظة جدة تسهم في تلبية الطلب على الإسكان، خاصة الإسكان الميسر.

وأوضح عبد العال أن لائحة التطوير فصلت كيفية التعامل مع قضايا السكن، إذ ألزمت شركة التطوير بجمع وتحليل المعلومات عن سكان المنطقة الخاضعة للتطوير، تمهيداً لوضع دراسة متكاملة للتعامل مع انتقال السكان إلى خارج المنطقة، وإعداد البدائل المتاحة لهم للتعامل معهم، بحيث يتم التعامل مع الملاك وفق منهجية التصرف بالعقارات.

وأشار إلى أنه وفقاً لتلك الآلية يتم تقدير جميع العقارات في المنطقة من قبل لجنة تقدير تعويض العقارات في المنطقة، التي تضم أعضاء من وزارة المالية ووزارة العدل ومن محافظة جدة وأمانة المحافظة وممثلاً من الجهة المستفيدة وعضوين من أهل الخبرة.

وأما في ما يخص السكان المستأجرين، سواء العوائل أو العزاب، فقال إنه يتم توفير السكن الملائم البديل، إذا أمكن، للراغبين بذلك، مع الأخذ في الاعتبار مواقع عملهم، وكذلك تقديم خيارات التملك بما يتوافق مع إمكاناتهم، أما المقيمون غير النظاميين فيتم التعامل مع هذه الفئة من قبل اللجنة الأمنية.

وحول الحلول التي تم وضعها للتعامل مع فرضية رفض ملاك الأحياء العشوائية تقييم اللجان المختصة لأسعار وحداتهم، يقول الدكتور سامي برهمين «اعتمدت اللجنة التنفيذية للمشروع لائحة تطوير المناطق العشوائية بمنطقة مكة المكرمة، التي تحرص بشدة على صيانة حقوق الملاك، وضمان حصول كل صاحب حق على مستحقه، من خلال لجنة تثمين العقارات المكونة من خمس جهات حكومية حسب النظام».

وأضاف «أعطت اللائحة الحق في التظلم لدى ديوان المظالم في حال عدم موافقة المالك على التعويض والبديل الملائم المعروض عليه، وإذا قضى ديوان المظالم لمصلحة المالك فستلتزم الشركة المطورة بما يقضي به الديوان إزاء ما يرفع الظلم عن المتظلم».

وحول المدة الزمنية لانتهاء مشروع التطوير بين المتحدث باسم اللجنة التنفيذية لمشروع معالجة وتطوير الأحياء العشوائية بمنطقة مكة المكرمة، أن اللجنة بدأت العمل وفق جدول زمني ومراحل تم وضعها في لائحة تطوير الأحياء العشوائية، إذ تستمر المرحلة الأولى للمشروع ثلاث سنوات ابتداءً من هذا العام، وحين يتم التنفيذ على أرض الواقع للمشاريع المرصودة سيبقى المشروع مرتبطاً بجداول زمنية بحسب كل مشروع وخصائصه ومكوناته الطبيعية، فمشاريع مكة المكرمة تحتاج لوقت أطول في التنفيذ، بسبب الطبيعة الجبلية الوعرة لها، وما تتطلبه أعمال إزالة العقارات القائمة ثم التسوية لموقع المشروع من جهد مضنٍ وعمل متواصل للتمهيد لعملية البناء والتشييد.

بدائل «عشوائيات القصيم»: مدينة سكنية وأخرى للتمور

* تسيطر «العشوائيات» في منطقة القصيم على مساحات واسعة من الأملاك الحكومية والخاصة، التي تم الاستيلاء عليها بطرق غير شرعية، في ظل غياب التخطيط السليم لأطراف المدن. ودفعت الحال الراهنة للأحياء العشوائية أمانة المنطقة إلى التحرك لاتخاذ إجراءات علاجية عاجلة، بالمشاركة مع القطاع الخاص.

وأوضح يزيد بن سالم المحيميد، مدير إدارة الإعلام، والمتحدث الرسمي لأمانة منطقة القصيم في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن الفرص التي يمكن استغلالها من قبل القطاع الخاص ومساهمته الفاعلة في عملية تطوير الأحياء مشجعة، مشيراً إلى أنه سيتم تقديم عرض كامل عن الأحياء العشوائية في مدينة بريدة، والأعباء التي تفرضها على الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية للأهالي والمقيمين.

وشدد المحيميد على أن جلَّ جهد الأمانة في جانب تطوير الأحياء العشوائية يتركز على تحقيق الأهداف العامة، وهي تطوير المناطق العشوائية داخل المدينة وحل المشاكل العاجلة فيها، ثم المحافظة على البيئة العمرانية التقليدية، عبر تطوير الأحياء القديمة مع المحافظة على المناطق التاريخية والأثرية الموجودة فيها، وكذلك معالجة المناطق والمحاور التجارية، وربط الحركة بين أجزاء المناطق العشوائية.

وأضاف «أن الأمانة لا تغفل الأهداف الخاصة، والمتمثلة في الاستغلال الأمثل للأرض بما يحقق أعلى منفعة، من دون التعدي على التشكيل والتكوين الطبيعي لها، مع التأكيد على وظيفة المنطقة وخصوصيتها داخل مدينة بريدة».

وأكد المتحدث الرسمي لأمانة منطقة القصيم، وجود أهداف متعلقة بالناحية التصميمية والبصرية، تفرض ضرورة المحافظة على المباني ذات القيمة المعمارية والتاريخية والتراثية، مع الإدراك الكامل لمتغيرات العصر، وذلك بالتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار حتى تتم الاستفادة من تلك المباني، ثم تحسين ورفع مستوى شبكات الحركة المرورية بمنطقة الدراسة، وربط أجزائها المختلفة، وتحقيق قدر من الاتزان في توزيع الخدمات بمنطقة الدراسة، وسد العجز القائم بها حالياً.

ولفت إلى وجود أهداف اجتماعية ينتظر أن يحققها تطوير العشوائيات، مثل توفير الخدمات الاجتماعية المختلفة، كزيادة فرص العمل، ورفع كفاءة المناطق السكنية ذات الحالة الرديئة في المدينة، وسرعة البدء في معالجتها.

وشدد المحيميد على أن مدينة بريدة تكاد تخلو من تلك المناطق العشوائية بالتصنيف الاجتماعي والأمني، ما عدا بعض المناطق المحدودة جداً، إلا أنه أكد أن المدينة تعاني من النمو العشوائي غير المنضبط بمخططات حضارية، الأمر الذي يعد أحد أخطر ما يواجه إدارة المدن. وقال «نمت حول مدينة بريدة، خصوصاً في الفترة من 1410 إلى 1415هـ مجموعة كبيرة من المخططات العشوائية (غير المعتمدة تخطيطياً)، بعد تصرف بعض الملاك بأراضيهم عبر تقسيمها وبيعها، وتم البناء في كثير من أجزائها، الأمر الذي سبب ظهور مناطق عشوائية تخطيطياً، ما يعيق تقديم الخدمات الأساسية بشكلها المناسب والمأمول، نظراً لعدم اعتمادها تخطيطاً من البلدية آنذاك».

ولفت المتحدث الرسمي لأمانة منطقة القصيم إلى أنه رغم الجهود التي بذلتها الأمانة لمعالجة هذا المشكلة، إلا أنها ما زالت قائمة وآثارها السلبية ظاهرة للعيان «علماً أنها لا تقتصر على مدينة في المملكة دون أخرى، فهي حالة عامة نشأت لأسباب معينة أهمها تحديد النطاق العمراني في عام 1409هـ».

وأكد أن الأمانة استطاعت بعد جهد أن تعمل على إخضاع مجموعة من هذه المخططات العشوائية للتخطيط الحضري، بتعاون الملاك الأساسيين، غير أن الكثير من تلك المخططات لم تعالج بعد، مؤملاً لها أن تُعالج مع دوران عجلة التطوير المستمرة للمدينة.

وعن الرصد التقديري لعدد سكان تلك العشوائيات وقياس عدد المناطق والشركات والعاملين في تطوير العشوائيات، توقع المحيميد أن ينتج المرصد الحضري المحلي لحاضرة مدينة بريدة الذي تم تدشينه أخيراً معظم المؤشرات الدولية الإحصائية المتفق عليها، إضافة إلى المؤشرات المحلية التي تعكس خصوصية مدينة بريدة عن بقية المدن الأخرى، ومن أهمها الأرقام والإحصاءات حول أوضاع المناطق العشوائية وساكنيها، ومجموعة أخرى من المعلومات المهمة التي سيتم إنتاجها بشكل مفصل.

من جهته، أوضح صالح العيلة، مدير مركز المعلومات بالغرفة التجارية الصناعية بالقصيم، عن وجود دراسة مسحية استمرت ثمانية أشهر أجرتها شركة «مونيتر» الأميركية مع شركة القصيم للاستثمار في منطقة «الخبوب»، الواقعة غرب بريدة، وهي من المناطق العشوائية. وقال العيلة «كلفت الدراسة نحو مليوني ريال سعودي، بتمويل من رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الشيخ عبد الله العثيم، وعملت على النظر في تنفيذ مشروع إنشاء مدينة سكنية نموذجية، ومدينة تمور، ومدينة صناعية كبرى، خصوصاً أن منطقة غرب بريدة من المناطق العشوائية التي تكثر فيها المزارع، وتحتاج إلى تجهيز بنية تحتية».

وأضاف «سيتم تنفيذ المشروع بالتنسيق مع شركة المساهمة بعد تملكها الأراضي بشرائها من الأهالي، وتأهيل المنطقة كوحدات سكنية، ومن ثم سيطرح الاستثمار فيها للعامة».

تسيطر على ربع «حائل».. و«كابل» في قبضة الأفغان

* تضم مدينة حائل (شمال السعودية) نسبة كبيرة من الأحياء العشوائية التي تتميز بتدني صلاحيتها للسكن، إذ أكد مسؤولون حكوميون أن مساحة «العشوائيات» فيها تعادل ربع العدد الإجمالي لأحياء المدينة، مؤكدين أن تلك الأحياء تنقصها الخدمات والتنظيم اللائق.

وكشف تقرير رسمي أعدته الإدارة المحلية بالهيئة العليا للتطوير منطقة حائل، بهدف تطوير أحد الأحياء العشوائية في حائل بتمويل من مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي، عن وجود 8 أحياء عشوائية في المدينة، وتتجاوز نسبة عشوائية بعض هذه الأحياء 90 في المائة. وتعتبر المنطقة المركزية وسط مدينة حائل من المناطق العشوائية التي تنتظر تنظيمها وإعادة تخطيطها، بعد الانتهاء من الدراسات الخاصة بها، وإيداع ملفها لدى أمانة حائل.

وتضم المنطقة المركزية سوق برزان أحد أقدم أسواق حائل، ويصنف من ضمن المناطق العشوائية في المنطقة لضيق ممراته وتداخلها ببعضها بعضا، وتهالك بعض محاله التجارية، وعدم توافر وسائل السلامة فيها.

ويعول كثيرون من أهالي المنطقة على إعادة تخطيطها بإزالة العشوائيات، وصياغة المنطقة من جديد من خلال فتح مجالات ومنافذ جديدة للاستثمار، وتأسيس شركة مساهمة لتطويرها تحت إشراف الهيئة العليا لتطوير منطقة حائل.

ويعرف أهالي حائل الأحياء العشوائية بمسميات عدة غير مسمياتها الرسمية، مثل البطحاء وكابل، نسبة لقاطنيها من المقيمين، إذ عرف حي العزيزية الذي يعد أبرز الأحياء العشوائية بكابل حائل، كونه يؤوي نسبة كبيرة من الأفغان في عزب هي عبارة عن بيوت شعبية قديمة، ويجاورون الأسر من دون تنظيم لهم.

وتقبل العمالة الأجنبية في العادة على السكن في حي «كابل» بسبب تدني أسعار إيجارات مساكنه مقارنة بغيره من أحياء مدينة حائل، ورغم إيجاراته المتدنية يقدم العمال العزاب على السكن في تلك العزب بمجموعات كبيرة تتجاوز عدد الواحدة منها الـ20 شخصاً يضمهم منزل صغير قد لا يتسع لربع هذا العدد، وينتمي سكانه غالباً إلى جنسية واحدة.

ويتخوف أهالي الحي من وجود هؤلاء العمال الأجانب بهذا الشكل الكبير في الحي بعد انتشار قصة بين الأهالي، عن اعتداء أحد العمال الأجانب على إحدى الصغيرات أثناء خروجها من منزلها، قبل أن يقبض عليه لاحقاً. وتنتظر حائل بدء توسعة طريق الملك عبد العزيز، الذي أمر خادم الحرمين الشريفين بتوسعته خلال زيارته إلى المنطقة منتصف عام 2006م، وتأخر تنفيذه إلى الآن. ويقع جزء كبير من «العشوائيات» في المناطق المحيطة بهذا الطريق، خصوصاً المنطقة المركزية.

وعزا عبد العزيز المشهور، نائب رئيس المجلس البلدي في حائل تأخر المشروع، إلى طول الدراسة المنفذة من قبل المكتب الاستشاري وأمانة حائل «على الرغم من حثنا القائمين على المشروع بضرورة الإسراع في إنهاء الدراسة قبل اعتماد الميزانية».

ويؤكد المشهور أن نحو ربع المساحة الإجمالية لمدينة حائل مناطق عشوائية، منها حي الخب والبادية والعزيزية ومغيضة وحدري والبلاد والزبارة والوسيطا ولبدة. مشدداً على ضرورة تنظيمها وإعادة تأهيلها أسوة بتجارب مناطق أخرى، كمنطقة مكة المكرمة.

تأهيل الوسط التاريخي يجعل «الهفوف» تراثاً عالمياً

* شرعت أمانة الأحساء في تنفيذ مشروع لـ«تطوير وسط مدينة الهفوف التاريخي»، الذي يضم ثلاثة أحياء قديمة، هي: الكوت، والنعاثل، والرفعة، وتمتاز هذه الأحياء بوجود عدد من المواقع التاريخية والمعالم الأثرية، منها سوق القيصرية، وقصر إبراهيم الأثري، ودار الإمارة، ومدرسة الهفوف الأولى، ومسجد الجبري، ومسجد الدبس، ومنزل العفالق، ومدرسة القبة، وبيت البيعة «الملا».

وتعد مدينة الهفوف المدينة الرئيسية في الأحساء، ويقدر عدد سكانها بنحو 520 ألف نسمة، واشتهرت بمركزها العلمي والأدبي خلال القرون الثلاثة المنصرمة، تبعد عن الدمام 155 كيلومتراً، وعن الرياض 325 كيلومتراً.

وأكد المهندس فهد الجبير، أمين محافظة الأحساء، أن مشروع تطوير وسط مدينة الهفوف التاريخي يمكّن الأحساء من الدخول إلى قائمة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتراث والثقافة «اليونسكو»، مشيراً إلى أن هذا المشروع ينفذ بالتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار.

وقال المهندس الجبير «تبنت الهيئة بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية مبادرة لتحسين مراكز المدن التاريخية التي تضم تراثاً عمرانياً ومفردات معمارية تقليدية متميزة، مثل: الرياض، وجدة، والطائف، وأبها، والهفوف، وغيرها من المدن، من خلال إعداد دراسات مشتركة متخصصة عن تطوير وسط المدن التاريخية».

وأشار أمين الأحساء إلى أن هذا المشروع يهدف إلى تحفيز الجذب السياحي في مدينة الهفوف، والمحافظة على ما بقي من هويتها المحلية الثقافية والتاريخية، وكذلك التوظيف الاقتصادي للتراث العمراني من خلال الأنشطة السياحية والفعاليات التراثية والأسواق الحرفية، بما يعكس الهوية الحضارية لها.

وأضاف «يسهم هذا المشروع أيضاً في تشجيع الملاك على حماية ممتلكاتهم بطريقة ملائمة، وجلب الاستثمارات، وخلق فرص عمل في مجالات صناعة السياحة والأنشطة الاقتصادية والثقافية الأخرى، في إطار مخطط للحماية والتطوير متوافق مع منهج منظمة «اليونسكو» لحماية المناطق التاريخية والتراث العالمي. وأوضح أن هذا المشروع يحقق التكامل والارتباط بين المنطقة التاريخية ومحيطها العمراني ومدينة الهفوف الكبرى، وتحقيق الرضا والمنفعة لأصحاب العقارات في المنطقة التاريخية.

وأضاف «حرصت الأمانة على إعادة تأهيل محال سوق القيصرية التي تعرضت لحريق ضخم قبل 8 سنوات، كما كانت سابقاً، وراعت في بنائها المحافظة على العنصر التراثي والعمراني، وهذا البناء الذي أنجز أكثر من 80 في المائة منه هو أحد مراحل تطوير وسط مدينة الهفوف، إضافة إلى بناء مجمع (الفوارس مول) بالقرب من سوق السويق النسائي، كما تم الانتهاء من تثمين المباني في شارع الحدادين للبدء في تطويره، بالإضافة إلى ما قامت به الأمانة من تحسين الشوارع وتطوير الإنارة وعمل الأرصفة، ورصف الممرات في الأحياء السكنية القديمة».

ولفت إلى أن هذا التطوير سيعمل على تحويل المنطقة التاريخية إلى منطقة جذب سياحي، وتسويقها كمنتج سياحي مميز محلياً وعالمياً، وكذلك العمل على تلبية متطلبات تسجيل مركز الهفوف التاريخي على قائمة التراث العالمي في «اليونسكو»، والوصول بالمنطقة التاريخية، لأن تصبح نموذجاً للمحافظة على مثيلاتها من المدن السعودية الأخرى. وعن مراحل تنفيذ مشروع تطوير المركز التاريخي، قال فهد الجبير أمين الأحساء «إن المشروع يمر بأربع مراحل، هي: جمع البيانات وتحليلها، والتصميم الابتدائي، يليه التصميم النهائي، وتحديد الشروط والمواصفات الفنية، وجداول الكميات للمشاريع المقترحة».

تحويل وسط «الدمام» إلى منطقة جذب بواجهات تراثية

* تحركت أمانة المنطقة الشرقية لإطلاق مشروع بعيد المدى لتطوير المنطقة المركزية لمدينة الدمام، يهدف عند اكتماله إلى تعزيز قدرتها على جذب الزوار واستقطاب الاستثمارات، ويتضمن المشروع تحديث الواجهات، وهدم المباني الآيلة للسقوط، ورصف الطرق، وتنفيذ أعمال سفلتة للشوارع وتوسعتها. وتعد المنطقة المركزية في مدينة الدمام القلب التجاري النابض للمدينة، فأسواقها المختلفة تعج بما لا يعد ولا يحصى من البضائع المختلفة التي جلبت من مختلف دول العالم، وأشهر تلك الأسواق على الإطلاق «سوق الحب»، وإلى جانب هذا السوق العتيد الذي لا يقل عن المجمعات الكبرى في تسويق أحدث صرعات الموضة، يقع سوق البهارات والحبوب، وسوق الأقمشة سواء الرجالية أو النسائية. وتنتشر في قلب المنطقة المركزية أسواق أخرى، منها سوق الموضة الفاخرة، إلى سوق الإلكترونيات المختلفة، وسوق العطور والبخور والأعشاب والطب الشعبي الذي تنتشر محاله على امتداد أحد شوارع السوق، وسوق الجملة لأدوات التجميل الواقع إلى جوار مسجد الملك فهد، وأسواق الجملة للمواد الغذائية، وأسواق الأحذية والملابس الرياضية، وأسواق المفرق، وسوق الساعات التي تباع باسعار خيالية، سواء من ناحية رخص الثمن أو ارتفاعه، إذ يصل سعر بعضها إلى أقل من خمسة ريالات، فيما تجد متاجر الماركات الشهيرة مواقع لها رئيسة في هذا السوق.

ويحمل جزء من المنطقة المركزية في مدينة الدمام اسم (سيكو) نسبة إلى وجود لوحة إعلانية ضخمة تم نصبها على أحد مباني الحي لماركة الساعات العالمية الشهيرة (سيكو)، ويعتبر موقعاً للتجمع الأسبوعي للعمالة من جنوب شرق آسيا القادمين من مختلف مدن المنطقة الشرقية، حيث يشهد زحاماً شديداً يوم الجمعة من كل أسبوع، كما أن هذا الجزء يضم موقف سيارات الأجرة التي تقل المسافرين من وإلى المنطقة الشرقية.

ونتيجة لوجود الأعداد الكبيرة للعمال الأجانب الذين يوجدون في المنطقة المركزية في نهاية الأسبوع، وتأثيرهم الكبير على المنطقة، أدرجت أمانة مدينة الدمام شرطاً ضمن متطلبات الخطة التطويرية للمنطقة المركزية التي أطلقتها قبل ثلاث سنوات تقريباً، يلزم جميع المحال العاملة في المنطقة المركزية بأن تكتب اللوحات الإعلانية باللغة العربية كأساس، مع إمكان ترجمته إلى أي لغة أخرى، لفرض شكل جمالي للسوق من ناحية، والحفاظ على هويته من ناحية أخرى، كما تشترط الأمانة أن تكون اللوحات الإعلانية ذات بعد جمالي متسق، بحيث تلتزم تلك اللوحات بأحجام محددة.

وفي الطرف الغربي من المنطقة المركزية، وقبل تقاطع شارع الملك سعود مع شارع الخزان كانت تقع في الماضي أشهر وأقدم حديقة في الدمام (حديقة الملك سعود) التي كانت تحتضن عروض سينما الهواء الطلق في فترة السبعينات الميلادية وما قبلها، إلا أن أمانة مدينة الدمام أزالتها نتيجة استخدامها بشكل سيئ من قبل العمالة الأجنبية، التي تتجمع فيها نهاية الأسبوع بأعداد غفير، ومن أجل توسيع موقف سيارات الأجرة التي تعد هذه المنطقة محطة رئيسية له، إضافة إلى بناء مركز لتوعية الجاليات يضم مسرحا وقاعات للمحاضرات وموقعا لتوزيع الكتيبات الإسلامية، يستفاد منه في عملية دعوة العمال إلى الدين الإسلامي.

وتخطط أمانة المنطقة الشرقية لتحويل المنطقة المركزية من مدينة الدمام بأكملها إلى منطقة ذات بعد سياحي، حيث تهدف إلى تحويلها إلى منطقة لجذب المتنزهين وزوار المنطقة من خلال تحويلها إلى منطقة تمثل تراث المنطقة الشرقية من الناحية العمرانية، ومن الناحية التجارية، كما أن عمليات الترميم التي تتم في المنطقة المركزية لها اشتراطات خاصة عن باقي الأحياء، حيث لا يسمح بترميم أي مبنى في هذه المنطقة إلا بشروط من أهمها إضافة لمسة جمالية للمنطقة من ناحية التصميم، حيث تشدد الأمانة على ضرورة إبراز التراث العمران للمنطقة الشرقية، وإلا توقف عمليات الترميم إذا لم يلتزم المالك بذلك.

وتعمل أمانة المنطقة الشرقية على تطوير المنطقة المركزية التي تضم نحو 12 ألف منشأة بين محل تجاري ومكتب، على مراحل عدة، ووفقاً لعدد من المحاور المحددة للتطوير.

وقال المهندس حمد الممتن، المشرف على مشروع تحسين المباني «إن المنطقة المركزية تحتاج إلى بعض الوقت حتى تكتمل الصورة التي رسمتها أمانة المنطقة لتطويرها، بحيث تصبح منطقة لجذب الزوار وقادرة على منافسة المناطق الترفيهية، بعد أن بدأت الأمانة بتطوير واجهات المباني، مقترحة على الملاك عدداً من الطرز المعمارية التراثية التي تحاكي العمارة التقليدية في منطقة الخليج بشكل عام». وأضاف الممتن «بدأت أمانة المنطقة الشرقية مع مطلع العام الجاري، بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، بتقييم المباني الأثرية في منطقة وسط الدمام، وحددت اللجان المشتركة من الجهتين 150 مبنى ضمن برنامج تجميل واجهات المباني الذي أقرته الأمانة، ووضعت التصورات والنماذج لهذا التجميل»، مؤكداً أنه «أنجزت أعمال تجميل 20 مبنى (تعادل 15 في المائة من إجمالي المباني المدرجة ضمن المشروع)، خلال الأشهر التسعة الماضية، قبل إيقاف البرنامج بسبب حلول شهر رمضان المبارك».

وأوضح الممتن أن الأمانة أوقفت إجراءات البرنامج في شهر رمضان حتى لا يتضرر التجار أو السكان نتيجة عدم تجاوب الملاك مع برنامج التطوير، إذ يلجأ فريق البرنامج إلى قطع الخدمات، مثل: الماء والكهرباء عن المباني التي لا يتجاوب ملاكها مع المشروع. وأضاف «تعد المنطقة المركزية في وضعها الحالي موقعاً للنشاط التجاري في مجالات بيع الملابس، والأجهزة الإلكترونية والكهربائية غالباً، لكن مع الرؤية التي تعمل الأمانة على تنفيذها ستتوافر الفرصة لإنشاء فنادق وشقق مفروشة من النوع الفاخر، إضافة إلى افتتاح المقاهي والمطاعم، فيما ستفرض الأمانة اشتراطات عدة للترخيص للراغبين بمزاولة أي من هذه الأنشطة، كما ستنهي الجزء المتعلق بها والمتضمن إنشاء ساحات وميادين وسط هذه المنطقة، وتطوير البنية التحتية لها بما يوافق التوجه الاستثماري لها». وكشف أن أمانة المنطقة الشرقية ستبدأ في تحويل الشوارع في هذه المنطقة إلى الشوارع ذات الاتجاه الواحد، لتوفر مساحة أكبر للعبور وفك الاختناقات المرورية التي تواجهها المنطقة بسبب النشاط التجاري الكبير.