في السعودية.. هواية «صيد الصقور» تنشط مع موسم «هجرة الطيور»

المناطق الشمالية و«جبل اللوز» الأفضل

TT

في المناطق النائية والمنعزلة على امتداد شمال السعودية ينتظر العشرات من صيادي الصقور المحترفين والهواة كل عام حلول موسم «سهيل» لترك أعمالهم وأخذ إجازة تتيح لهم ممارسة غرائز رجولية متأصلة داخل النفس البشرية كما يقول معظم «الصقارين المحترفين» ضمن هوس جماعي يتزايد لممارسة هذه الهواية. شجعه بشكل مباشر تخصص العديد من الشركات والمؤسسات في تنظيم رحلات الصيد على الرغم من أن المحترفين يفضلون الصيد منفردين ضمن طقسهم البدائي.

سعود ناصر موظف حكومي، والصيد هوايته وبخاصة صيد الصقور، وهي العادة التي اكتسبها من والده وأحبها لدرجة جعلته يقوم في كثير من الأحيان بتنظيم رحلات جماعية يكون فيها دليلاً مفيداً في كيفية اصطياد الصقور والأماكن التي يمكن أن تكون أكثر ملاءمة من غيرها.

ويقول ناصر إنه أصبح يميل أكثر للصيد منفرداً بسبب انزعاجه من إقبال الكثيرين على هواية صيد الصقور دون أن يكون لديهم الجلد أو المعرفة المناسبة، معتبراً أن صيد الصقور هواية يجب أن لا تكون شائعة بل مقتصرة على من يقدرها فقط، فرفيق رحلة الصيد شخص مؤثر جدا، وعدم اتزان مزاجه وانشغاله قد يكون سببا في تعكير الرحلة بأكملها وهذا ما جعله يتجه إلى الصيد منفرداً في كثير من الأحيان.

ويحدد ناصر الفترة التي يبدأ فيها موسم اصطياد الصقور في المملكة بآخر أيام موسم سهيل ويعني بذلك بداية اكتوبر حيث تمر الطيور في مجال هجرتها بحثاً عن الدفء بالمملكة قادمة من الشرق من إيران ومن تركيا، أما مناطق الصيد المعروفة لـ «الصقارين» فهي الجهة الشمالية وتحديداً مناطق الدبدبة ومنطقة الحماد، شمال حفر الباطن، وفي الجهة الشمالية أم الحيران ومنطقة تبوك التي يوجد بها إحدى أهم المناطق لاصطياد الصقور الفاخرة والنادرة وهي في منطقة جبلية شاهقة تعرف باسم «جبل اللوز» وصقور هذه المنطقة غالباً ثمينة ونادرة. وتتراوح أسعار الصقور التي يتم اصطيادها وتبدأ من 100 ألف ريال وقد تصل أثمان بعضها إلى ما يزيد على المليون ريال سعودي.

وعن أنواع الصقور يصنفها «الصقارون» في المملكة عادة حسب أعمارها وأعراقها فالتبع هو أصغر أنواع الصقور، يأتي بعده «الوكري» و«الشاهين» والحر وأنواع الصقور الفاخرة الكبيرة، وأحد أهم هذه الأنواع هو الصقر الأشقر اللون الذي يأتي مهاجراً من بلاد فارس بحسب ناصر.

مستلزمات الصياد في رحلته التي قد تدوم يوماً أو يومين وربما شهرا في بعض الأحوال قليلة لتسهيل حركته، وهي لا تعدو السيارة (دفع رباعي) والمطبخ الصغير للقهوة والشاي والأشياء الخاصة بالصياد، والملابس الثقيلة التي يحتاج إليها في المناطق المرتفعة التي يتم اصطياد الصقور فيها عادة، إلى جانب جهاز خاص لتعقب الصقر، أو الطير يعطي إشارة من على بعد 10 إلى 40 كيلو مترا تحسباً لأي عطل يمكن أن يصيب وسيلة التنقل أو يؤخر «الصقار» عن متابعة طريدته. ويبقى الحظ هو السيد بالنسبة لـ«الصقار» مهما اجتهد كل ما يمكنه العمل بحسب ناصر هو التوكل على الله، ونصب شبكته وتثبيتها بطريدته التي تكون غالباً حمامة أو طير الفري الصغير الذي يستخدم في اصطياد الأنواع الصغيرة والأقل سناً.

وحول عملية الترويض التي تلي صيد الصقر، يقول ناصر إن كل صياد يعرف صقره ويعرف عمره من خلال ريشه، غير أنه عند شراء الصقر من مزرعة لتفريخ الصقور ففي تلك الحالة يتحصل الشاري على جواز خاص بطيره وهو عبارة عن حلقة معدنية في قائمته تحدد نوعه ومصدره.

ويضيف أنه يجب تدريب الطير على اليد ليتعود على صاحبه، وبعدها يقوم بإطعامه و«الصقار» يمكن أن يجعل الطير يلازمه لمدة أسبوع كامل ليعتاد على شخصيته تماماً كما يعتاد على شخصية صديقه، وهذه المرحلة تكون الأصعب والأكثر حساسية فبعض الطيور النادرة و«الطيبة الأصل» كما يحلو لناصر أن يسميها، تكون أشد عناداً من غيرها، وهذه الفئة تحتاج إلى أن يكون «الصقار» أكثر عناداً منها، ليتبعها بداية بدل أن تتبعه هي وعلى مسافات واسعة. لأنها معتادة على الحرية وشيئاً فشيئأ يعتاد الصقر على صاحبه ويفهم نظراته وهو يستخدم خيطاً لترويضه في البداية. ويقول ناصر إن هناك نوعا من النشادر يوضع على قطعة صغيرة من القطن وتطعم للصقر وفائدتها أنها تخلص الصقر من الشحوم المخزنة بجسده ليجوع ويبدأ بالتعود على الطعام الذي يمنحه له صاحبه. ليكون ذلك مدخلاً جديداً للعلاقة بينهما يرضخ الصقر فيه لكي يحصل على طعامه مما يمنحه له صاحبه، مدركاً دوره الحيوي والمشارك في عملية اصطياد الطرائد.

رحلة الصيد بالنسبة للعديد من الرجال هي نقاهة نفسية في حد ذاتها كما يقول ناصر وقد تطول أو تقصر بحسب نفسية الصياد وراحته في البر مع أصدقائه، والبعض ينصب كوخاً على رأس الجبل وينصب فيه شبكة باستخدام حمامة ويتركها ثم يعود إليها. وعلى الرغم من أن الصياد قد لا يحالفه الحظ إلا نادراً وإن حالفه الحظ لا يتعدى صيده الصقر الواحد إلا أن العملية في حد ذاتها ممتعة وجديرة بمعايشتها كما يقول ناصر، وإن كان يؤكد على أن 50 بالمائة من الصيادين هدفهم الاستفادة المادية والنصف الباقي ينشد التسلية لكنها رياضة الرجال التي تشعرهم بسعادة وراحة عميقة بعد إعادة الحياة لغريزة متأصلة في نفوسهم تجمدها الحياة المدنية، وهي غريزة الاصطياد التي ستميز الرجل دائما بحسب ناصر.