الأسر المنتجة في السعودية.. عالم من الطموح «صُنع نجاحه بأبسط أشيائه»

لم تزعزعها سخرية الناس.. وأكدت على قوة حضورها

جانب من أحد معارض الأسر المنتجة خلال مشاركتها في أحد المنتديات التي أقيمت خصيصاً لها بدعم من القطاعين الحكومي والخاص («الشرق الأوسط»)
TT

ببعض الأشياء التكميلية، حققت الأسر المنتجة في السعودية وخلال فترة وجيزة، نقلة نوعية في تسويق منتجاتها وإقناع الناس بها، فمن خلال ملصقات بلاستيكية، وطرق مبتكرة لتغليف المنتجات، تضع كل أسرة عليها الشعار الخاص بها، أكدت تلك الأسر على منافستها وحضورها في سوق المنتجات السعودية.

وبعد أن كان نشاط الأسر المنتجة يقبع داخل ردهات المنازل وفي الاستراحات المغلقة، حيث كان من الصعوبة بمكان الوصول إليها، إضافة إلى عدم ثقة الكثيرين بما تقدمه تلك الأسر، غيرت بعض الأدوات البسيطة معالم تجارة الأسر المنتجة، تمثلت في كماليات مثل تحسين أشكال العبوات الخاصة بالمنتجات، وتغليفها ووضع الملصقات الخاصة بكل أسرة، بجانب توزيع الملصقات الإعلانية والاستفادة من التقنية في إرسال الإعلانات المختلفة.

وما أن بدأت الأسر المنتجة التي تعيش فترتها الانتقالية خلال السنوات الأخيرة، بجلب عدد أكبر من العاملين والعاملات والأدوات والأجهزة الخاصة بالتصنيع المنزلي مع الحرص الكبير على نظافة المنتج، حتى شهدت إقبالاً متزايدا على المستويين الشعبي والحكومي.

حيث أقيمت لها المهرجانات والمعارض والمنتديات الضخمة بالسعودية وخارجها، كما حدث في منتدى الأسر المنتجة الشهر الماضي في محافظة جدة (غرب البلاد)، وكذلك مهرجان الكليجا والمأكولات الشعبية في بريدة بمنطقة القصيم (وسط) الذي أقيم مطلع العام الجاري، وشهد إقبالا كبيرا من الأسر المنتجة، إذ بلغ عدد الأسر المشاركة قرابة 223 أسرة، ومشاركة 66 مصنعا مهتما بتلك المنتجات.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قامت بعض الشركات الكبرى بتبني أعمال تلك الأسر ودعمها، والتعاون معها للتسويق كذلك، إذ شهدت تلك المنتديات واللقاءات صفقات ضخمة وعقودا استثمارية لبعض شركات القطاع الخاص مع أسر منتجة، وكذلك من خلال المشاركات في مهرجان الربيع، ومهرجان العثيم مول الذي يقام هذه الأيام في بريدة، وبات يحقق نجاحاً باهراً للأسر من خلال وصولها لتسويق على مستوى كبير في مجال منتجاتها، وذلك بالوصول للزبائن خاصة النساء بشكل سريع عبر تلك المراكز التجارية.

واستطاعت الأسر المنتجة أن تحقق بعداً اقتصادياً هاما في مجال التجارة المحلية خلال السنوات الماضية، وزيادة المداخيل المادية والاستثمارية للمنتجات المنزلية من الملابس والمأكولات الشعبية كالمرقوق والجريش والمطازيز والرز وكذلك العطورات والمشروبات والحلويات، وبعض الأشغال اليدوية المختلفة بما يعرف بين العامة تحت مسمى أعمال «الأسر المنتجة».

وكانت وسائل الأسر المنتجة فيما قبل وسائل بدائية لتسويق منتجاتها، تعتمد على الصداقات وتناقل وسائل الاتصال بينها، خصوصاً لدى المجتمع النسائي في الاجتماعات الأسبوعية العائلية، حيث كانت الأسر المنتجة تعيش حالة ركود اقتصادي لا تكون نتائجه بذات القوة المادية والمكاسب الضخمة، إذ كان المجتمع في ذلك الوقت لا يعتمد بشكل كبير على تلك الأسر في مأكولاتها ومشروباتها.

كما انه كان هنالك فتور في العلاقة بين الناس وبين تلك الأسر، حيث لم تكن هناك ثقة من ناحية نظافة المنتجات ولا طريقة إعدادها، وحفظها، إذا كانت تظل لأوقات طويلة داخل الملاحق والمستودعات المنزلية، بانتظار وصول زبائنها، حيث ان قلة الإعلانات والتسويق، والطرق البدائية التي كانت تعمل بها الأسر المنتجة، تلعب دوراً أساسياً في عدم اهتمام الناس بها.

ومن المشاهد التي ظلت في مخيلة الكثيرين ممن يعملون من الأسر المنتجة، أن غالبية المجتمع كانت تسخر من أعمال وطريقة تحضير منتجات هذه الأسر، وكانت هذه السخرية تأتي على أشكال عدة منها مقولة « شغل بيت» حين كان عمل البيت غير مرغوب فيه.

أم عبد الرحمن إحدى السيدات التي حققت اسماً لها وسط الأسر المنتجة، قالت لـ«الشرق الأوسط» انها تعمل منذ نحو 15 عاما في هذه المهنة، حيث تكتنز خبرة كبيرة بصناعة المأكولات الغربية والعربية ومنها الجريش والقرصان والمصابيب، إلى جانب إعداد البوفيهات الخاصة بالأفراح، والمناسبات الكبيرة.

وبينت أم عبد الرحمن، أن المردود المادي من هذه المهنة يعتبر جيداً، حيث يصل مدخولها عند إقامة بوفيه لأحد الأفراح، إلى 15 ألف ريال (4 آلاف دولار).

وأضافت أنها تلاقي طلباً متزايداً من أسر مختلفة تقيم اجتماعات أسرية دورية، ما جعلها تشرع في تطوير أنشطتها بضم ألعاب شعبية قديمة وبيعها على الأطفال. مبينة أن ابنتيها هما من يعينها في مهنتها وتجهيز الولائم، وما زالتا يدرسان في الجامعة، بجانب تعاونها مع بعض طالبات كلية الاقتصاد المنزلي لتقديم وصفات أكلات وحلويات حيث تقوم هي بعملهن مقابل نسبة بينها وبينهن.

وذكرت أم عبد الرحمن أنه طالما استدعت ذاكرتها الفرق بين ماضي وحاضر مهنتها، مشيرة إلى أنها أصبحت تعيش مرحلة جديدة من حيث التسويق والتوزيع خاصة بالمهرجانات الحالية. وأشارت إلى أنها قامت مؤخرا باستخدام التقنية لعرض ما لديها من منتوجات شعبية عبر جهاز المحمول للزبائن عبر صور للبوفيهات والحفلات التي تقيمها كمثال لأعمالها الخاصة. وقالت ان مبيعاتها من خلال المهرجانات تزيد بنسبة 100 في المائة، عما تبيعه في المنزل. واستشهدت بنجاحها في مهرجان يقام حاليا في أحد المولات الكبيرة في القصيم بمبيعات تصل إلى 1300 ريال (347 دولارا) يوميا.

من جهتها ذكرت هناء الغيثار التي قامت بالإشراف على معرض الأسر المنتجة في أكثر من مهرجان ومنها مهرجان الكليجا ومهرجان الربيع ومهرجان العثيم الحالي، أن الأسر المنتجة حققت مبيعات جيدة في المهرجانات وكونت فرصة تسويقية جيدة مع عملاء خارجيين لها.

وذكرت الغيثار أن الأسر المنتجة استطاعت من خلال المهرجانات التعرف على بعضها البعض والتواصل بينها فيما ينفع العميل، حيث تدل كل واحدة الزبائن على الأخرى في حال عدم توفر الطلبات للزبون لديها، وهذه تعتبر نقطة إيجابية في مجال التواصل بين الأسر.

يذكر أن دعم القطاع الخاص للأسر المنتجة ما زال متواصلاً، وفي منطقة القصيم تعتزم شركة هضيم للتمور والمأكولات الشعبية قريبا إنشاء مصنع نسائي كامل، سيكون حاضنا كاملا للأسر المنتجة ببريدة، وسيكون ذا موقع مميز شمال بريدة، كما تم اختيار اسمه وهو مصنع «نشمية» في رمزية لمشاركة النساء فيه.