أمانة المدينة المنورة تنهي رسم ملامح توسعها العمراني والمدني خلال 50 عاما

مسؤولون حكوميون: تضمنت شبكات نقل وتهذيب أودية وتوصية بإنشاء قطار.. ولا خوف من فيضانات السيول

خطة طويلة المدى لرسم ملامح المدينة المنورة («الشرق الأوسط»)
TT

كشفت لـ«الشرق الأوسط» كل من أمانة المدينة المنورة وهيئة المدينة للتطوير، عن الانتهاء من دراسة تستهدف وضع خطة تطوير المدينة المنورة ورسم ملامحها واتجاهات التوسع العمراني والمدني والخدمات فيها على مدى الـ 50 عاما المقبلة.

وأكد خبراء ومسؤولون بهذه الجهات في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن البنية التحتية الحالية للمدينة المنورة مهيأة للمباشرة بخطة التطوير والتحديث وسط قدرتها على استيعاب أكثر من 4 ملايين نسمة.

وأوصت الدراسة بإنشاء شبكة قطارات للنقل العام خارج المنطقة المركزية، لحل مشكلة الازدحام المروري والتكدس في المنطقة المركزية، التي وصفتها الدراسة بـ «مشكلة المدينة الأولى» كما تطرق إلى وضع الأودية في المدينة والطرق المقترحة لإيجاد حلول جذرية لفيضانات السيول، إلى جانب وضع تصور شامل ودقيق لكيفية الحفاظ على مزارع النخيل الأثرية التي تطوق حرات المدينة المختلفة من دون أن تطالها المخططات السكنية الآخذة بالتوسع في أطراف المدينة المنورة.

وأفاد طارق ديلوي مساعد الأمين العام لأمانة المدينة المنورة ضمن حديثه عن تفاصيل الدراسة أنه بحسب المخطط العام للمدينة والضواحي والمخططات التابعة لها، فإن هناك خطة تنموية موسعة تستهدف تنمية منطقة المدينة وضواحيها، ونقل الأنشطة غير المرغوب فيها خارج النطاق العمراني، محددا وجود الجامعات والمعاهد الطبية والمستشفيات خارج المدينة أكثر جدوى متى ما غذيت بشبكة طرق وشوارع رئيسية تمكن من تخفيف الازدحامات والاختناقات المرورية.

وأضاف ديلوي أن المدينة المنورة تستقبل سنويا ملايين الزوار من كافة أنحاء العالم، مما يفرض الحفاظ على هدوء المدينة وسكينتها عبر خطط بعيدة لاحتضان الزوار من بينها وضع أهمية الضواحي والمحافظات حول المدينة لاستيعاب الأنشطة المختلفة فيها.

وأضاف ديلوي، أن البعد الزمني لشكل المدينة الجديد سيتحقق بنهاية 1450هـ، كما هو عمر المخطط على مراحل لتحقيق الأهداف والحجم السكاني يوحي بالمحافظة على عدد سكان المدينة في ما قدره 1.2 مليون نسمة، ومحاولة استيعاب الأعداد الإضافية في مخططات جديدة خارج المدينة، وإذا بدأت الأمانة في عمل المخططات في ضواحي المدينة، سيتم تخطيط هذه الأماكن ووضع الاحتياجات والبنى التحتية الرئيسة في تلك المناطق، وهناك بعض الأنشطة والخدمات التي تم البدء في تخصيصها.

وقال ديلوي:«هناك أنشطة أخرى تم منعها في داخل المدينة بالتعاون مع كافة القطاعات كالمياه والكهرباء، وبدأت الإدارات الخدمية بوضع خططها فيما يتفق مع الأمانة وكل هذه الأمور تحتاج إلى بعد زمني لإظهارها بالشكل الأمثل في كافة المحافظات والمخططات».

وأشار الأمين العام لأمانة المدينة المنورة إلى أن معظم المخططات خارج الدائري الثاني هي على نظام الدورين ونصف، وأن ما يحدد الطلب على التمددات الأفقية في أي مكان في العالم هو مدى الطلب والاستيعاب لأعداد إضافية في السنوات والعقود المقبلة.

واستطرد ديلوي، بالإشارة إلى أن المخطط الإرشادي للمدينة المنورة يستوعب ضعف الموجود حاليا بالمخططات التي تستوعب ملايين السكان بارتفاعاتها الحالية، مفيدا أن المدينة المنورة تستوعب في وضعها الحالي 4 ملايين نسمة، ملمحا إلى أنه إذا كان الاستيعاب الحالي يكفي أضعاف الأضعاف فإنه لا داعي للتوسع الأفقي.

وتابع «هناك خطأ كبير في إضافة أدوار لمخططات تم تحديدها في الأصل بدورين بسبب أن البنية التحتية مخصصة فقط لدورين وليس أكثر، والمخارج والمداخل كذلك مخصصة لنسب معينة، وكذلك المدارس والحدائق.

وكشف ديلوي أنه تم التصريح لـ 200 من المكاتب الهندسية بإعطاء رخص البناء، لذا على الراغب في البناء مراجعتها قبل الأمانة للتأكد من سلامة ونظامية البناء وموافقته لشروط خطط التطوير في المنطقة، معللا ارتفاع أسعار المكاتب الهندسية إلى أن السوق وزيادة الطلب المتحكمة بها.

وحول خطط أمانة المدينة المنورة لمجابهة السيول، أورد ديلوي أن خطط الأمانة الاستراتيجية التي بدأ تنفيذها منذ سنوات وأنجزت منها أجزاء كثيرة مثل تحويل سد وادي بطحان الذي كان يخترق المدينة المنورة، فتم تحويل هذا المجرى إلى الجنوب بحيث يصب في وادي العقيق، ومن ثم تمت حماية المدينة من خطر الفيضانات، التي تصدر من سد وادي بطحان، وهو مشروع غير مسبوق على حد وصف ديلوي.

وأكد أن الأمانة سخرت كافة قوتها لحماية المدينة المنورة من مخاطر السيول وعملت على تهذيب الأودية داخل المدينة وخارجها، وحماية أطرافها بإنشاء الطرق «الكورنيش» لحمايتها من جميع الأودية بالإضافة إلى التركيز على إنشاء الكباري والعبارات، وهناك خطة طموحة بهذا الشأن يجري تنفيذها بشكل علمي ودقيق.

من جانب آخر، أكد ديلوي بأن الخطة الإرشادية للمدينة المنورة تحافظ على مزارعها المنتشرة في أنحائها وضواحيها، ولا يمكن إلغاء المزارع فيها وتحويلها إلى مناطق سكنية، والجهود متحدة للمحافظة على الرقعة الخضراء في المدينة المنورة، ولا يسمح بتنميتها وتخطيطها إلا للأغراض الزراعية، حتى ولو لم تلق الاهتمام الأمثل من صاحبها ستظل رقعة زراعية، ولن تخصخص للأماكن الإسكانية.

إلى ذلك أوضح لـ«الشرق الأوسط» المهندس عبد الحق عقبي، المدير العام لهيئة تطوير مكة والمدينة والمشاعر المقدسة في المدينة، أن الخطط واضحة في المنطقة المركزية، التي تقدر بـ 300 كلم، ترتكز على إيجاد حلول لاستيعاب الكثافة السكانية والازدحام المروري والاختناق بعيداً لأسباب تصميمية وعمرانية وحركية، وفقاً لتوجيهات الأمير عبد العزيز بن ماجد، أمير منطقة المدينة المنورة.

وأضاف عقبي أن هذه المساحة تركز على توفير خدمات معينة وعلى نوعية معينة من المباني، ويفترض وجود جزء منها كإسكان دائم، مفيدا بأن المشاريع الأولية أوضحت أنه من الصعوبة إيجاد سكن منخفض التكلفة في هذه المنطقة بسبب الفائدة الاقتصادية ورغبة أصحاب الملكيات في تحقيق أكبر ربح ممكن، الأمر الذي ساهم في فشل المباني الدائمة للسكن في المنطقة المركزية في تجربتها الأولى بسبب أسعارها الخيالية التي اجتذبت شريحة معينة محدودة، ما حدا بالفكرة للتحول إلى المساكن الفندقية آخر الأمر.

وأضاف العقبي، ان الإسكان الفندقي من شأنه أن يحوي طاقات بشرية تقدر بـ 300 ألف ساكن، مما يؤثر على حركة المشاه لأن المنطقة أصبحت بكاملها منطقة إسكان تجاري، فتأتي الحافلات بأعداد كبيرة وتسبب مشاكل أولها ظاهرة الاحتباس الحراري، ومنها مشكلة تحرك الناس من الأمام إلى الأسفل، ومشاكل وصولهم إلى الحرم النبوي بشكل متأخر يبطئ عليهم الصلاة.

واستدرك بقوله «في التوسعة الجديدة، تحققت لنا الفراغات العمرانية الكبيرة، أضافت التوسعتان فقط في الساحتين الشرقية والغربية حوالي 180 ألف متر مربع، كل هذه الإضافات تخلق فرصا اكبر للتنقل، وتأتي بمتنفس للمنطقة المركزية، وتخفيض الكثافة السكانية، ويمكن استغلالها بشكل بناء ضمن خطة التطوير».

وذكر مدير هئية تطوير مكة والمدينة والمشاعر، بأن الهيئة حريصة على وجود وسائل نقل عامة وفعالة، حيث يقلل الاعتماد على النقل الخاص، ويرفع الضغط على المنطقة المركزية، وعلى الحركة والكثافة. مبينا أن هذه الإشكالية تخلق تصوراً أنه ليس هناك حاجة للسكن في المنطقة المركزية لأنه سيضمن حرية التنقل وديناميكية الحركة بشكل متطور، وسيعتقد جازماً أنه يستطيع أداء جميع الصلوات دونما زحام أو إعاقة تذكر.

وعما إذا كان التوسع العمراني سيأتي على حساب المناطق الزراعية، أشار إلى أن هناك أنظمة في السابق بحماية المناطق الزراعية، مفيدا أن هناك توجها وجهودا مبذولة ومشتركة من جميع الدوائر الحكومية، نحو الإبقاء وتنمية المناطق الزراعية وزيادة رقعة المسطحات الخضراء بإيجاد دراسة متكاملة من قبل جهات مختصة تدرس كل الآليات من شأنها حل الاحتياج والبدائل، ومن ثم المنطقة الزراعية تبنى على أسس وأصول.

وأضاف العقبي، أن النقل جزء لا يتجزأ من المخطط الشامل، وبالتالي تنمية مناطق بعيدة عن الحرم بحيث تكون مناطق جذب ومناطق إسكان للكثافة العالية، وحول مدى تضرر المدينة المنورة من العشوائيات، قال: «إن المدينة ومكة وجدة من أكبر الأماكن التي تضررت بالعشوائيات، وتعاني من انتشار المناطق الفطرية».

وبحسب العقبي فإن الإمارة قامت بترتيبات وتنظيمات مع السكان لإعادة تنظيمها بطريقة لم يعد يطلق عليها بالتعريف العلمي مناطق عشوائية، مشيرا إلى أن عشوائيات المدينة أقل حدةً من مكة وجدة ويبقى حجم العشوائيات الأفقي في المدينة أكثر بكثير.

وأضاف المدير العام لهيئة تطوير مكة والمدينة والمشاعر المقدسة في المدينة أن حوالي 60 في المائة من المساحات العمرانية تقريباً تقابلها عشوائية في الجانب الآخر، تتطلب التدخل على الرغم من المعالجات الموجودة من خلال خلخلة المناطق العشوائية، ساعدت وأسهمت في مشاكل النقل والمواصلات، لكنها تظل غير كافية.