سكان جدة يستبدلون «ملاهي العيد» بجولات في المناطق المنكوبة

خوفا من الخروج.. وحزنا على المفقودين.. وتلبية لتحذيرات السلطات الأمنية

TT

ما حدث في مدينة جدة كان له تأثير بالغ في نفسيات أهاليها الذين كانوا من المفترض أن يعيشوا بهجة عيد الأضحى المبارك، لا سيما وأنهم اعتادوا استقباله بجداول يضعونها للتنزه بهدف زيارة أكبر قدر ممكن من المرافق العامة والمتنزهات والملاهي.

«سيول الأربعاء» دفعت بالكثير من سكان جدة إلى التوجه للمواقع المتضررة للوقوف على أرض الواقع بردود أفعال مختلفة، من ضمنها استخدام أجهزة هواتفهم النقالة في التقاط صور ومقاطع مسجلة لما يرونه في ظل وجود آخرين انطلقت ألسنتهم بالدعاء وذكر الله عز وجل ودموعهم بلا توقف.

وتزيد مخاوف السكان من الخروج من منازلهم إلى المتنزهات خاصة بعد التحذيرات الأمنية التي دعتهم إلى التزام منازلهم، إذ بدت كل الأماكن العامة أو أغلبها خالية إلا من أعداد قليلة نتيجة الخوف من سقوط أي أمطار واحتجازهم خارج منازلهم أو في أماكن خطرة وخاصة بوجود معظم الملاهي على امتداد الشاطئ البحري الأكثر عرضة للخطر. ويؤكد أحمد النابلسي أحد الشباب الذين فضّلوا اقتصار خروجهم أيام العيد على الذهاب إلى المناطق المنكوبة أن وجوده هناك كان من باب الفضول، لا سيما وأنه متابع جيد للأحداث من خلال وسائل الإعلام، إلا أن من يروي الموقف لن يكون بارعا في الوصف مثل الذي شاهده.

ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» «بمجرد أن علمت بما حدث توجهت فورا إلى هناك مع أصدقائي كي نرى ما الذي يحدث، الأمر الذي جعلنا نمتنع بعدها عن الخروج للاحتفال بالعيد نتيجة ما رأيناه من مشاهد مؤثرة».

وذكر أنه يحاول يوميا الوجود في بعض المواقع المتضررة القريبة منه، إلا أنه لا يريد أن يساهم في إرباك عمليات الإنقاذ التي تشهد صعوبة نتيجة تجمهر الناس حول تلك المواقع. وأضاف ما زلت أتذكر أحد الضحايا الذي فارق الحياة أمامي وذلك بعد أن نجا من السيول بصعوبة، إلا أن ارتكازه على أحد أعمدة الكهرباء أدى إلى وفاته في الحال جرّاء إصابته بصعقة كهربائية، لافتا إلى أن الموجودين حاولوا إنقاذه دون جدوى بسبب سوء الأوضاع وخطورتها.

وأشار إلى أن ردود أفعال الناس كان لها وقع كبير في نفسه، إذ إنه شاهد أحد المسنين يدعو ربه بعد أن أصابته نوبة هستيرية من البكاء نتيجة غرق أحد أفراد عائلته أمامه، مؤكدا أن المتنزهات الشبابية تشهد هدوءا نسبيا مقارنة بأعياد السنوات الماضية.

فيما لم يستطع عيسى عرفات أحد سكان حي الصحيفة بجدة الخروج كعادته في الأعياد نتيجة تعطل سيارته من الأمطار، غير أنه لم يجد مخرجا له سوى الذهاب مع غيره لرؤية ما يحدث في الأماكن المتضررة، لا سيما وأن ذلك الحدث يعد جديدا على أهالي المنطقة «بحسب قوله». وقال لـ«الشرق الأوسط» «فضول كبير أصاب الكثير ليذهبوا ويشاهدوا بأنفسهم، إلى جانب الارتباك الكبير الذي ألمّ بنا باعتبار أن منسوب المياه كان في ازدياد لعدم وجود تصريفات لها».

وأضاف لا زالت هناك مخاوف كبيرة في ظل وجود مولدات كهربائية، الأمر الذي يجعلنا نتوقع الأسوأ مع المياه الموجودة، لا سيما وأن مستوى الماء في الحي يعد مرتفعا. وعلى الرغم من اكتظاظ الشوارع والأحياء المتضررة بالشباب، فإنها لم تخلُ أيضا من بعض العائلات التي خرجت لزيارتها بعد استقرار الأجواء وتوقف الأمطار، في محاولة منهم لرؤية الحقيقة. وأوضح فيصل الغامدي أنه اصطحب زوجته وشقيقتيه، إلا أن صعوبة الوصول وسوء الشوارع حال دون الاقتراب جيدا من موقع الحدث، مبينا أنهم أصيبوا بصدمة كبيرة لمجرد تخيلهم لحال المنكوبين. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «من غير المعقول أن نشعر بالعيد في ظل وجود الكثير ممن تضرروا، إلى جانب قلقنا من الخروج باستمرار تفاديا لما قد يحدث فجأة»، مؤكدا أنه بات يخجل من تبادل عبارات التهنئة بين أصدقائه نتيجة تلك الظروف.

فيما أفادت سعاد المحمدي بأنها امتنعت عن الخروج والتنزه مع أبنائها كونها تتابع بشدة ما يحدث عبر القنوات الفضائية الإخبارية، رغم تضجر أفراد عائلتها من ذلك. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «أخشى على أبنائي من الخروج بمفردهم مع السائق، خصوصا وأن الأوضاع في الخارج غير مطمئنة باعتبار أن الكثير من الطرقات لا زالت بحالة سيئة»، مشيرة إلى أنها اكتفت بزيارة منزل والدها في العيد واصطحاب أبنائها معها إلى هناك. وأضافت: «اعتدت يوميا على زيارة شقيقي لي كي يريني أحدث المقاطع التي التقطها بجهازه النقال من بعض المناطق المتضررة رغم تحذيراتي الشديدة له بالتوقف عن زيارتها، إلا أنه يقابلها مازحا بعبارته: عيد بأية حال جئت يا عيد؟!».