«المقاولون».. الرقم المكمل لـ«معادلة المحاسبة» في كارثة جدة

سقوط كوبري يطرح تساؤلات حول أدائهم.. والأمانة تؤكد عدم تسلمها إلا «المشاريع السليمة»

TT

طرحت حادثة سقوط بعض الأجزاء من كباري وأنفاق وجسور وطرق في جدة، جراء سيول الأربعاء الأسود الذي شهدته المدينة الأسبوع الفائت، تساؤلات مشروعة، حول أداء المقاولين المنفذين للمشاريع البلدية والطرق، مما جعل الباب مواربا أمام إمكانية أن يجدوا أنفسهم ضمن «قائمة المستجوبين» على خلفية تلك الكارثة.

ويبدو فعليا، أن قطاع المقاولات في جدة، بات رقما مكملا لمعادلة المحاسبة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين للمتسببين في تلك الأحداث، وخصوصا وسط التنبيه الحكومي بضرورة التأكد من سلامة أي من المشاريع التي تنفذ في إطار خطط التنمية المعتمدة على صعيد الدولة أو على الصعد المحلية للمحافظات والمدن.

وعززت حادثة سقوط جوانب بعض الجسور نتيجة لأمطار جدة، شكوكا حول القدرة التنافسية لقطاع المقاولات في النهوض بمشاريع الدولة البلدية والتنموية، وخصوصا وسط حالة تعثر بعض منهم في إنجاز المشاريع الموكلة إليه، في ظل الدعوات المطالبة بإيكال مهمة تنفيذ المشاريع العاجلة لشركات أجنبية.

ويؤكد أحد مسؤولي أمانة محافظة جدة، أنهم لا يقومون بتسلم أي مشروع من قبل المقاولين إلا بعد التأكد من تنفيذه، وفقا للمواصفات المطلوبة.

ويشير المهندس إبراهيم كتبخانه، وكيل أمانة جدة للتعمير والمشاريع، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إلى أن «الأمانة تنأى بنفسها عن تسلم أي مشاريع لم تنفذ طبقا للمواصفات والمقاييس التي تم الاتفاق عليها مع المقاول الأصلي»، وهو ما يعني أن المشاريع التي تضررت من سيول جدة، كانت وفقا للمواصفات التي يتحدث عنها كتبخانة.

إلا أن عبد الله رضوان رئيس لجنة المقاولات في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، لا ينفي وجود بعض الفساد الذي تكون نتيجته إما تعثر بعض المشاريع أو عدم الدقة في البناء. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يرى في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن قطاع المقاولات يعتبر «واعدا».

ويتفق المهتمون بشأن المقاولات، أن هذا القطاع اليوم في السعودية، يعتبر أضعف مما كان عليه في سبعينيات القرن الماضي، أيام الطفرة، والتي تحالفت فيها بعض الشركات السعودية مع نظيرتها الأجنبية، مما جعلها تستفيد من خبرة هذه الأخيرة، وتطور من أدائها.

وساهمت فترة الركود التي مرت على قطاع المقاولات منذ نهاية الطفرة الأولى، وحتى أوائل عام 2003، إلى جعل هذا القطاع لا يستوعب الطفرة الثانية التي تمر على السعودية، والتي كبحت جماحها الأزمة المالية العالمية.

وطبقا لرئيس لجنة المقاولات في غرفة تجارة وصناعة جدة، فإن هذا القطاع مر بمرحلة اتسمت بـ«شح الموارد» لدى الدولة، مما أدى إلى ركود هذه الصناعة، التي تشكل «حجر الزاوية» للاقتصاد السعودي، حيث إنها يفترض أن تشكل ثاني أكبر دخل للاقتصاد بعد النفط، على حد تعبيره.

ويشير إلى أن الأزمة المالية العالمية، أفادت قطاع المقاولات في السعودية، وجعلته يعيد حساباته، ليتواءم مع التوجهات التطويرية للدولة.

ولا يحمل عبد الله رضوان قطاع المقاولات مسؤولية ما جرى في جدة من مشاكل بالكامل، مع ترجيحه عامل «الفساد» بلعب دور في هذا الأمر. إلا أنه يرى أن ما حدث هنا هو نتيجة «سوء تخطيط من قبل المسؤولين، حيث كان ينبغي دراسة طبوغرافية الأرض قبل البدء في أي مشروع»، على حد قوله.

ومن المقرر أن تشرع اللجنة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين للتحقيق في كارثة جدة، ومحاسبة المتسببين فيها، في أعمالها، اليوم السبت، وتشير التوقعات المتواترة إلى أن مقاولين أوكل إليهم تنفيذ مشاريع تصريف، قد يتم التحقيق معهم في ما جرى لمحافظة جدة من كارثة.

واعتمدت السعودية مؤخرا، نظاما لتصنيف المقاولين. ويؤكد المهندس كتبخانة وكيل أمانة جدة للمشاريع، أن مسألة تصنيف المقاولين تخضع لمدى مقدرتهم في تنفيذ المشاريع على مستوى الدولة، بحيث يتم استبعاد المقاولين الذين لا يملكون من القدرة الفنية والخبرة اللازمة لتنفيذ بعض المشاريع.

وتبرز مشكلة بيع المقاولين للعقود الإنشائية التي يحصلون عليها من الدولة، فيما يعرف بـ«التقاول من الباطن»، وهي المشكلة التي وضعت وزارة الشؤون البلدية والقروية حلولا لها. غير أن مضي بعض المقاولين الذين لا يتم اكتشاف حصولهم على مشاريع قد تفوق قدرتهم الاستيعابية، يؤثر سلبا على جودة المشاريع المنفذة.

وهنا، أكد رئيس لجنة المقاولات في غرفة جدة، أهمية توحيد الجهة الإشرافية المسؤولة عن قطاع المقاولات، وأن تكون تحت إشراف من هيئة مواصفات عالية، وأن تدعم هذه الخطوة وجود بيئة عقود حكومية متوازنة، تشجع شركات المقاولات الأجنبية بالدخول إلى السوق السعودية، مما سينعكس إيجابا على قطاع المقاولات المحلي، لناحية تطوير قدراته، وتقوية أدائه، كتجربة مماثلة لفترة سبعينات وثمانينات القرن الماضي.