إعادة أول مجرى سيل مدفون شرق جدة وتصريف مياه بحيرة المسك عبره إلى البحر

تأكيدا لانفراد «الشرق الأوسط» بشأن تجفيف بحيرة الصرف وإعادة مجاري السيول

مجرى السيل شرق جدة الذي اعيد فتحه امس ويظهر في الصورة حي الصفا (تصوير: غازي مهدي)
TT

في خطوة سريعة وجادة، دخل قرار إعادة مجاري السيول المدفونة في مدينة جدة حيز التنفيذ بعد البدء في إعادة بناء القناة الجنوبية التي تقع شرق جدة في حي السامر 3 وتربط بحيرة الصرف الصحي بالبحر مباشرة، حيث سيتم تصريف مياه البحيرة باتجاه البحر عبرها وبكميات كبيرة.

ويأتي ذلك تأكيدا لما انفردت به «الشرق الأوسط» أول من أمس بشأن قرار تجفيف بحيرة المسك خلال عام واحد، وإعادة جميع مجاري السيول التي دفنت أو أغلقت في جدة، حتى لو كلف ذلك ـ بحسب مسؤول رفيع في أمانة جدة ـ إزالة أحياء بأكملها.

وكشف المهندس إبراهيم كتبخانة وكيل الأمين لإدارة المشاريع في أمانة محافظة جدة لـ«الشرق الأوسط» عن الانتهاء من حصر جميع الأحياء الموجودة على مجاري السيول, والتي سيتم من خلالها إعادة المجاري إلى طبيعتها وفق الخطة المتبعة عن طريق إزالة تلك الأحياء أو بناء أحواض شرق الخط السريع لتجميع المياه فيها.

وفي الوقت الذي تحفظ وكيل الأمين لإدارة المشاريع في أمانة محافظة جدة عن ذكر عدد هذه الأحياء وأسمائها، أكد البدء بتصريف مياه بحيرة المسك المعالجة عبر القناة الجنوبية، وذلك في خطوتها الأبرز لتجفيف تلك البحيرة نهائيا.

وأضاف: «تم إعادة بناء القناة الجنوبية التي سيتم تصريف المياه من خلالها بالكامل، إضافة إلى صيانة كافة مجاري السيول الموجودة في جدة حاليا، عدا عن ترميمها وبنائها مرة أخرى».

وأشار إلى الانتهاء من صيانة كافة قنوات التصريف الثلاث الموجودة في المدينة والمتضمنة القناة الشمالية والجنوبية المتفرعة من منطقة القاعدة والشرقية المتفرعة من منطقة شرم أبحر والكورنيش الشمالي ومنطقة بحيرة السلام.

إلى ذلك كشف العميد محمد القرني مدير المركز الإعلامي في الدفاع المدني بجدة عن بدء العمل في قناة تصريف المياه التي تربط بين بحيرة الصرف الصحي والبحر، والمارة بشارع التحلية، بعد إزالة ما كان يعيق عملها من قبل.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بدأ منسوب المياه فيها بالتدفق بعد تشغيلها، غير أنها تحتاج إلى وقت باعتبار أن كمية المياه التي كانت محتجزة بها كبيرة»، مبينا أن عمليات البحث في القناة مستمرة من خلال قوارب وآليات الدفاع المدني والتي من المفترض أن تتضح ملامحها اليوم. وأضاف أن مهمة إعادة فتح مجاري السيول في جدة أوكلت إلى أمانة محافظة جدة بعد انعقاد اللجنة التي تجمع بينها وبين الدفاع المدني، إلى جانب بدء العمل في مجاري السيول وتهيئتها بشكل كبير في ظل ضرورة إزالة كافة العوائق الموجودة فيها.

وبيّن العميد القرني أنه تم العثور على جثة أخرى يوم أمس في أثناء عمليات البحث في المواقع المتضررة، ليرتفع عدد الضحايا إلى 117.

فيما أوضح المهندس حسين عقيل رئيس المجلس البلدي الحالي أنه تم طلب تسليم خرائط حصر هذه الأحياء من قبل الأمانة بهدف مناقشتها واتخاذ السبل الكفيلة بتطبيق الخطط التي تم الإعلان عنها. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «سيتم يوم الخميس المقبل عقد ندوة لأعضاء المجلس وخبراء جامعة الملك عبد العزيز لمناقشة أوضاع الأودية في جدة واعتراض طريق الحرمين لها، في ظل عدم كفاية قنوات التصريف لتلك المجاري»، مشيرا إلى أن التقارير الأولية تدل على أن الطريق يشكل عائقا للسيول، الأمر الذي أدى إلى تراكم السيارات وتجمع المياه فيه.

وعلى صعيد متصل حذر الدكتور علي عشقي أستاذ علم البيئة في جامعة الملك عبد العزيز من تكرار سيول جدة في منطقة المدينة المنورة، في ظل التوسع الكبير للأحياء الواقعة على مجاري السيول والتي من ضمنها الموجودة في الواديين بطحان وعقيق. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت الأحياء الواقعة على مجاري السيول في المدينة المنورة بالظهور والتوسع مثل حي مجيدة والبحر»، مشددا على ضرورة أخذ الحذر من انسداد الوادي المحاذي لمحافظة ثول شمال جدة، لا سيما أن الفترة الحالية تعد فترة تطرف مناخي وتهدد بالكثير من التغيرات المناخية والأمطار الغزيرة.

ولم تقتصر أضرار سيول الأربعاء على البشر وممتلكاتهم من عقارات وسيارات فقط، وإنما طالت حتى الحيوانات، لا سيما أن أمانة محافظة جدة أعلنت عن رفع نحو 276 حيوانا نافقا نتيجة الأمطار تجنبا لانتشار الأمراض الناجمة عنها.

وأوضح الدكتور هاني بن محمد أبو راس وكيل أمين جدة للخدمات أن إدارة الأزمات ممثلة في الإدارة العامة للمكافحة الحشرية والوقاية الصحية قامت برش منطقة تشليح السيارات التي تقع في نطاق بلدية بريمان الفرعية للقضاء على بؤر الأمراض داخل هياكل السيارات، خصوصا أن تلك المنطقة مكتظة بأعداد هائلة من المركبات. وأشار إلى أنه جرى رش السيارات المنقولة إلى حوش شركة «الأطلال» التي قامت بدورها برفع السيارات المسحوبة جراء السيول من مختلف البلديات الفرعية، تحسبا لأن تكون بؤرا لتوالد البعوض الناقل لحمى «الضنك» نتيجة المياه المتجمعة بداخلها.

وأفاد أنه يجري يوميا القيام بأعمال الرش المكثف لتلك المناطق والتي ستستمر على مدار الأسبوع المقبل، إلى جانب زيادة أعداد سيارات الرش والعمالة القائمة بذلك ومتابعتها، إضافة إلى الكشف عن أي بؤر لتوالد البعوض وتعقيم جميع المناطق التي شهدت تجمعات مياه الأمطار أو غيرها. وفي السياق ذاته منعت أمانة محافظة جدة المنشآت الغذائية من مزاولة نشاطها قبل اكتمال أعمال النظافة والتجهيزات الداخلية، مشددة على ضرورة استبدال أدوات جديدة بالأدوات والتجهيزات التالفة نتيجة الأمطار والسيول، إضافة إلى الإتلاف الفوري للمواد الغذائية التي يثبت عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي. وأوضحت أنه لن يتم السماح لأصحاب المنشآت الغذائية بمعاودة مزاولة أعمالهم دون تنظيف الخزانات الأرضية وتعقيمها بعد اختلاط مياهها بمياه الأمطار والسيول المنقولة. من جانبهم طالب أصحاب البنايات والسكان والمقيمون والمنشآت الغذائية والمحلات بضرورة الاستعانة بشركات متخصصة لتنظيف خزانات المياه الأرضية والتي قد تكون اختلطت بمياه الأمطار، تفاديا لانتشار الأمراض.

وبالعودة إلى الدكتور هاني أبو راس الذي أشار إلى وجود تفتيش دقيق على المواد الغذائية داخل البقالات للتأكد من مدى سلامتها وصلاحيتها للاستهلاك الآدمي، وعدم تأثرها بمياه الأمطار التي قد تسبب خطرا على مستهلكيها.

وما زالت توقعات الرئاسة العامة للأرصاد حول استمرار ظهور السحب مستمرة، والتي وصفتها بأنها متوسطة الارتفاع على مناطق غرب المملكة وتمتد إلى الأجزاء الشمالية من وسط السعودية. وأشارت في تقريرها اليومي إلى أن السماء غائمة جزئيا على الأجزاء الجنوبية والغربية مع وجود فرصة لظهور سحب ركامية في فترة ما بعد الظهيرة، عدا عن تكون الضباب على أجزاء وسط وشرق وشمال السعودية خلال ساعات الليل والصباح الباكر.

وفي إطار دور الجهات التطوعية المستمر، أنهت القوافل الطبية لجمعية «زمزم» للخدمات الصحية التطوعية في منطقة مكة المكرمة حتى الآن علاج 545 مريضا ومريضة من متضرري السيول التي اجتاحت جدة مؤخرا، وذلك بمشاركة تطوعية من 18 طبيبا وممرضا يعملون ميدانيا لخدمة جميع فئات المجتمع. وأوضح الدكتور علي الفقيه الأمين العام لجمعية «زمزم»، استشاري طب الأسرة والمجتمع بمستشفى جامعة الملك عبد العزيز وعضو هيئة التدريس بكلية طب الأسرة والمجتمع، أن الجمعية جندت قوافلها الطبية بهدف تقديم الخدمات الطبية وبشكل عاجل للمتضررين من السيول، مشيرا إلى أن الجمعية تقدم لهم خدمات فورية في مواقعهم، إلى جانب صرف الأدوية الطبية التي يحتاجونها.

وبيّن أن الجمعية ما زالت تجوب المناطق المتضررة عبر عياداتها المتنقلة والمجهزة بكافة الأجهزة والمستلزمات الطبية بإشراف كادر من الأطباء والممرضين المتخصصين والمتطوعين، لافتا إلى أنه يتم القيام حاليا بمسح تلك الأحياء لتقديم خدماتها وتحويل الحالات التي تتطلب العلاج داخل المستشفيات لعلاجها.

وأضاف أن الجمعية حرصت على تنوع تخصصات الأطباء والممرضين الذين يقدمون الخدمات العلاجية للمحتاجين والمتمثلة في الباطنة والأطفال وطب الأسنان وغيرها من التخصصات، مؤكدا أن الكادر سيقوم بفحص المرضى المراجعين للعيادات في تلك الأحياء بهدف تحقيق المشاركة الفعلية تجاه المحتاجين في تلك المناطق.

إلى ذلك شارك أكثر من 212 ضابطا وفردا تابعين لحرس الحدود في منطقة مكة المكرمة، في إنقاذ المتضررين منذ هطول الأمطار على مدينة جدة، عدا عن آليات ومعدات البحث والإنقاذ والقوارب المطاطية. ولفت العقيد علي بن زربان الزهراني رئيس قسم الشؤون العامة في حرس الحدود بمنطقة مكة المكرمة إلى أن عمليات البحث والإنقاذ التي قام بها أفراد حرس الحدود تركزت في كل من حي قويزة والنخيل والصواعد ووادي مريخ.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تم إخلاء ما يقارب 352 شخصا من تلك الأحياء، إلى جانب انتشال بعض الجثث»، مؤكدا أن فرق البحث ما زالت تواصل مهامها مع الدفاع المدني والأجهزة المعنية في عدة أحياء أخرى.