خطأ طبي يدخل طبيب أسنان في غيبوبة.. والمتهم طبيبة تخدير

والده لـ «الشرق الأوسط»: طبيبة التخدير غير مرخصة * المستشفى لـ «الشرق الأوسط»: المهم مهنيتها

الطبيب المتوفى «دماغيا» طارق الجهني مع إحدى ابنتيه وابنتا الدكتور طارق فرح ولارا («الشرق الأوسط»)
TT

تترقب عائلة الطفلتين فرح (عامان) ولارا (10 أشهر) معرفة نتائج التحقيق في وفاة والدهما الدكتور طارق الجهني «دماغيا»، على خلفية مضاعفات حدثت أثناء تخديره، تحضيرا لعملية جراحية في أحد المستشفيات الخاصة في جدة.

وتحوم شكوك الحادثة حول طبيبة «تحمل شهادة الدكتوراه في التخدير، وهي تزاول المهنة في بلدها منذ 10 أعوام، إلا أنها قدمت إلى البلاد بتأشيرة زيارة، ولا تملك رخصة لمزاولة العمل الطبي في السعودية، إذ إن أوراقها ما زالت مقدمة لدى هيئة التخصصات الطبية السعودية» بحسب مدير المستشفى الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم الكشف عن اسمه واسم المستشفى.

وبدأ جد الطفلتين في سرد قصة الحادثة، بتعريف ابنه «الدكتور طارق الجهني، وهو رئيس قسم الأسنان في مستشفى الملك فيصل التخصصي في جدة، ومدير العيادات الخارجية المكلف في المستشفى نفسه، وكان يضع اللمسات الأخيرة لمركزه الاجتماعي (البسمة)، وهو مركز متخصص لتثقيف طلاب الأسنان في السعودية».

وأوضح الرائد المتقاعد سليمان الجهني، والد الطبيب طارق، خلال اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» (الساعة الحادية عشرة صباح الأمس) أنه ذاهب «إلى موقع المركز لإيقاف المشروع».

وأكد أن الدكتور طارق «كان يعكف على إجراء عملية ربط (تدبيس) للمعدة أثناء فترة الإجازة القصيرة خلال عيد الأضحى الماضي، حرصا على عدم تداخل وقت العملية مع أوقات العمل».

وبدأ في سرد القصة التي حدثت تزامنا مع فاجعة جدة، يوم الأربعاء 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قائلا «اتصل الدكتور طارق صباح الأربعاء، ليخبرنا عن إجرائه للعملية في تمام التاسعة صباحا، وحضرنا مباشرة إلى المستشفى للاطمئنان على صحته قبل إجراء العملية».. مشيرا إلى حرصه على فتح الستائر في الغرفة التي كان يرقد فيها للاستمتاع بمنظر المطر والسحب والغيوم في ذلك اليوم.

وأكمل «علمنا منه أن العملية تستغرق 45 دقيقة، وسيقضي بعدها ثلاثة أيام في المستشفى، وهي عملية اعتاد عليها الناس من دون خوف».. مضيفا «في تمام التاسعة صباح، سألنا الفريق الطبي مغادرة الغرفة بهدف تحضيره لإجراء العملية، دلفوا بعدها إلى غرفة العمليات، وسط ترقبنا لإنهاء العملية وخروجه بالسلامة». إلا أن القدر حال دون ذلك، فعند تلقي المريض للتخدير، خان الوقت طبيبة التخدير المصرية، والتي حاولت لمدة 21 دقيقة أن تعالج مشكلة عدم دخول الأنبوب إلى داخل فم المريض، وحدثت الفاجعة عندما حاولوا إخفاء المشكلة عن أسرة المريض، كما قال والده، مضيفا «بعد 3 ساعات، لم تكن ملامح طارق طبيعية كما عرفناه، إذ نقله الفريق إلى غرفة الإفاقة، ودخل بعدها في حالة غيبوبة دائمة، وعلمنا بعد ذلك أنه كان مصابا بتشنج وصرع شديد، نتيجة توقف الأكسجين عن الوصول إلى الدماغ».

وأضاف الجهني «نقلنا ابننا إلى مستشفى آخر، حرصا على تلقيه رعاية أفضل، إلا أنه بلغنا قبل ثلاثة أيام، أنه توفي دماغيا». وزاد «أحضرنا طبيبا على حسابنا الخاص من الولايات المتحدة الأميركية للوقوف على الحالة، وأكد الطبيب أنه توفي دماغيا أيضا».

وقال الجهني «اكتشفنا في النهاية أن العملية تجارية بحتة ومن دون مسؤولية، إذ إن الطبيبة ليست من أفراد الكادر الطبي الرسمي في المستشفى، وهي زوجة أحد أطباء المستشفى»، مؤكدا أنه رفع شكوى للجهات الرسمية في السعودية والتي «أحالت المشكلة إلى وزارة الصحة التي قامت بدورها بتشكيل لجنة للتحقيق في الحادثة».

من جهته، قال الدكتور سامي باداود لـ«الشرق الأوسط» إن «لجنة التحقيق استكملت الأوراق اللازمة عقب إنهائها، ورُفعت لوزارة الصحة وإمارة المنطقة».

في حين أكد مدير المستشفى الخاص لـ«الشرق الأوسط» أن الطبيبة لا تحمل رخصة مزاولة المهنة، مؤكدا أيضا وجود أوراقها لدى الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، وعلمه بعدم السماح لمن لا يحمل الرخصة بمزاولة المهنة.

وقال مدير المستشفى «إن الطبيبة مؤهلة مهنيا، وقدمت بتأشيرة زيارة للسعودية، لتغطية نقص في الكادر الطبي في قسم التخدير في فترة قصيرة ماضية، ولدينا شهاداتها المصدقة من السفارة السعودية في مصر»، مشيرا إلى أن الطبيبة «باشرت نحو 140 حالة تخدير قبل العملية».

وحول ارتباط الطبيبة بأحد الأطباء في المستشفى أكد مدير المستشفى أنها «فعلا زوجة طبيب عيون في المستشفى، وهي عادة غير مستغربة في المستشفيات. ولدينا في المستشفى أكثر من زوج وزوجة، إلا أن ما يهمنا قبل كل شيء أنها مؤهلة».

وحول تضارب الأقوال عن وجود الطبيب الجراح أثناء التخدير، أوضح مدير المستشفى لـ«الشرق الأوسط» أن الجراح وقت بدء التخدير لم يكن موجودا.

وأضاف «الجراح رفض في البداية أن تعمل معه طبيبة التخدير، وكان يريد استدعاء طبيب تخدير آخر، ليس لعدم مهنيتها، وإنما لأنه يفضل العمل مع طبيب تخدير بعينه». وأردف «هي مجرد اختيارات بالنسبة للجراح، ومن حقه اختيار من اعتاد العمل معهم». وبين مدير المستشفى أنهم اتضح لهم بعد ذلك أن المريض كان «يعاني من مرض الربو، ولم يذكر هذه المعلومة عند بدء الفحوصات، إذ إن مريض الربو، قد تبدو رئته نظيفة، إلا أن وضعه يعتبر خاصا عند اتخاذ أي إجراء طبي»، مؤكدا أن «المستشفى يتوقع أن يكون تعرضه لمرض الربو هو السبب الرئيسي في الحادثة».

يشار إلى أن السعودية شهدت جدلا واسعا أخيرا إثر ارتفاع الأخطاء الطبية في المستشفيات الحكومية والخاصة، في وقت تدافع فيه وزارة الصحة بأن معدل الأخطاء الطبية في السعودية أقل من أي مكان آخر.