آسيا آل الشيخ لـ «الشرق الأوسط»: ما قدمته بعض الشركات من إسهامات في كارثة جدة «دعاية»

قالت إنها ستعمل من خلال منصبها الاستشاري في مجلس الشورى على نشر مفهوم المسؤولية الاجتماعية

TT

اعتبرت آسيا آل الشيخ، مستشارة مجلس الشورى السعودي والخبيرة في مجال المسؤولية الاجتماعية، أن ما قدمته أكثر الشركات من إسهامات في كارثة جدة كان دعائيا، مشيرة إلى أن البرامج في معظمها لا تنسجم مع طبيعة نشاط تلك الشركات «حيث رأينا شركات أغذية مثلا تتحدث عن إعادة ترميم منازل!».

وأكدت خبيرة المسؤولية الاجتماعية، وصاحبة أول شركة متخصصة في هذا المجال، أن هناك شركات أجنبية تتغابى بتجاهل القيام بأي دور كمسؤولية اجتماعية في البلاد، وبعض الشركات السعودية تتذاكى بوضع «خدمة المجتمع» محل «المسؤولية الاجتماعية»، مؤكدة أنها ستعمل من خلال منصبها في مجلس الشورى على نشر مفهوم المسؤولية الاجتماعية.

ودعت آل الشيخ خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى إطلاق مؤشر عربي للمسؤولية الاجتماعية، مؤكدة أنه «من الضروري إطلاق مؤشر عربي للمسؤولية الاجتماعية، إذ ستوجه البرامج لتلبية احتياجات مجتمعاتنا العربية، ويجب أن يشمل المؤشر العربي ملاحق خاصة بكل بلد، لمراعاة احتياجاته الخاصة وعاداته وثقافاته وأولوياته». فإلى تفاصيل الحوار:

* بداية كيف تقيمون تطور مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات في العالم والمنطقة؟ وكيف تقرؤونها فيما يتعلق بالسعودية؟

- تتجه الشركات حول العالم، في ظل الأزمة المالية الراهنة، إلى تطبيق مفهوم استراتيجي واسع النطاق للمسؤولية الاجتماعية، لأنها ترى في هذه الأزمة فرصة سانحة لإعادة تقييم الأسس والمفاهيم التي تقوم عليها المسؤولية المتقدمة، وهي تتجه الآن إلى اعتماد مفهوم شامل للمسؤولية الاجتماعية، يدمجها في الأسس والنظم الإدارية الخاصة بإدارة الموارد البشرية، ومنها إلى إدارة المشتريات والموردين وخدمة العملاء وغيرها من الإدارات، كما تقلص في الوقت نفسه ميزانية المسؤولية الاجتماعية المحصورة في الأعمال الخيرية وخدمة المجتمع.

أما على المستوى الإقليمي، فيُظهر استطلاع للرأي أعدته مجموعة «استشاريي الاستدامة» sustainability Advisor))، نموا في وعي الشركات بأهمية القيام بدور يتخطى التركيز على الربح المادي فقط، غير أن هذا الدور لا يزال في حاجة إلى مزيد من الوعي والإدراك، ويواجه معضلات ومخاطر، إضافة إلى الآثار المترتبة عليه من خلال عمليات إنتاج هذه الشركات.

وقد تمكنا، فيما يخص السعودية، من رصد تقدم مفهوم المسؤولية الاجتماعية، من نطاقه الضيق المعتمد على خدمة المجتمع والعطاء الخيري غير الاستراتيجي، إلى نطاق واسع يشمل ربط المسؤولية الاجتماعية للشركات بجوهر عمل الشركات، ومحاذاتها مع الأولويات الوطنية للبلاد. وهذا التوجه أفسح مجالا أمام الشركات للبحث عن إمكان وضع استراتيجية مرنة للمسؤولية الاجتماعية، تعتمد على أصحاب العلاقات والقضايا ذات الاهتمام بالنسبة إلى الشركات، وهذا للتمكن من لمس الآثار الإيجابية الأكثر نفعا للمجتمع.

* كيف يمكن لمس أثر المسؤولية الاجتماعية بالنسبة إلى الشركات، واستيعاب المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها؟

- في رأيي، الأزمة المالية أظهرت دور المسؤولية الاجتماعية للشركات في إدارة المخاطر، وذلك من خلال قدرتها على إدارة «السمعة» وحمايتها، وقد قرأت في «بزنس ويك» خلال عدد سبتمبر (أيلول) 2009، لائحة أكبر مائة شركة في العالم، ووجدت أن أول 15 شركة منها لم تتأثر قيمتها السوقية خلال الأزمة، وهي الشركات المتبنية مفهوم المسؤولية الاجتماعية وبرامجه. وفي قراءة دقيقة، يتبين أن الشركات الـ15، التي تمكنت من الحفاظ على قيمتها الشرائية ومركزها في العالم، هي الشركات التي أدخلت الممارسات المسؤولة في أنظمتها وعملياتها كافة، سواء داخل الشركة أو خارجها.

بذلك كانت استشاراتها مسؤولة، ويتسم نظام محاسبتها بالشفافية، فاستطاعت المحافظة على وظيفتها وولاء عملائها. وتستطيع أي شركة تخطي أي أزمات ومخاطر محتملة، إذا تبنت المسؤولية الاجتماعية.

* ما تقييمكم لدور هيئة سوق المال في المسؤولية الاجتماعية للشركات؟

- بدأت الهيئة في إدخال مفهوم الحوكمة، الذي يعد من أولويات المسؤولية الاجتماعية للشركات، وتعمل على فرضه على مراحل عدة، عن طريق تفعيل ثلاثة بنود إجبارية، وهي: الإفصاح من خلال تقرير مجلس الإدارة، وتشكيل مجلس الإدارة ولجنة تدقيق الحسابات، وإنشاء قسم الحوكمة في حد ذاته إضافة إلى وضع استراتيجية في هذا المجال، وهذا يعتبر بشرى خير. والكثير من الشركات ترى أن خدمة المجتمع هي الخطوة الأولى تجاه المسؤولية الاجتماعية، في الوقت الذي ترى فيه الشركات في دول أخرى هذه الخطوة متمثلة في الحوكمة.

* ماذا عن هيئة الاستثمار، و دورها في نشر المسؤولية الاجتماعية، وبخاصة أنها تتعامل مع رؤوس أموال أجنبية ضخمة؟

- تستطيع الهيئة العامة للاستثمار «SAGIA» أن تلعب دورا فعالا في هذا المجال وذلك على مستويين، من خلال خلق بيئة عمل مسؤولة، وسيساعد على جذب الاستثمارات ووضع الصورة الحقيقية للقطاع الخاص السعودي عالميا. من هنا تأتي فرصة «SAGIA» في تشجيع القطاع الخاص «السعودي» ونظامه على تبني الممارسات المسؤولة. وفي هذا الصدد، أطلقت الهيئة مؤشر التنافسية، الذي كان من الممكن أن يحقق نتائج واعدة، أما الشركات الأجنبية، فمن الممكن للهيئة فرض بعض الأنظمة على الشركات الأجنبية التي تفتح أبوابها في المملكة، على سبيل المثال إلزامها بعد سنتين بمزاولة عملها بالاستثمار في المجتمع والمسؤولية الاجتماعية ضمن برامجها العالمية في هذا المجال، ومن غير المنطقي أن نرى هذه الشركات الأجنبية كلها تتبنى برامج المسؤولية الاجتماعية حول العالم، بينما تجني أرباحا طائلة من السعودية، وهي لا تقدم شيئا تجاه المجتمع الذي تستثمر داخله، وهناك تذاكٍ وتغابٍ.

* تذاكٍ وتغابٍ؟ فيم تتذاكى الشركات، وفيم تتغابى؟

- أقصد أن هناك شركات أجنبية تتغابى بتجاهل القيام بأي دور، وبعض الشركات السعودية تتذاكى بوضع «خدمة المجتمع» محل «المسؤولية الاجتماعية».

* في رأيكم، أين مؤشر المسؤولية الاجتماعية الذي نسمع عنه ولا نراه؟

- المؤشر موجود، وعندما عملنا على إنجازه في دورته الأولى، كان هدفنا وضع مؤشر يوجه أعمال القطاع الخاص في المسؤولية الاجتماعية، يشمل معايير تحاكي الاحتياجات المحلية، وتتماشى مع الأهداف التنموية، وهذا ما ذكرته في مشاركتي في الحوار الوطني نهاية عام 2007، ونعكف على إجراء تعديلات على المعايير الخاصة بالمؤشر الأول ومراجعة، لتتماشى مع الأولويات الوطنية، لكن ضيق الوقت اضطر «SAGIA» والشريك العالمي إلى تبني إجراءات مختلفة في كيفية إدارة المؤشر ومخاطبة الشركات. فلذلك، نراه غير قادر على تحقيق الأثر المرجو من القطاع الخاص المحلي لخدمة الأهداف التنموية. وعليه، فقد علقنا مشاركتنا في الدورة الثانية.

* هل تؤيدون إطلاق مؤشر عربي للمسؤولية الاجتماعية؟

- نعم، من الضروري إطلاق مؤشر عربي للمسؤولية الاجتماعية، إذ سيوجه البرامج إلى تلبية احتياجات مجتمعاتنا العربية، ويجب أن يشمل المؤشر العربي ملاحق خاصة بكل بلد، لمراعاة احتياجاته الخاصة وعاداته وثقافاته وأولوياته. وأذكّر بوجود جهة تعمل على إطلاق هذا المؤشر، ومن المتوقع إطلاق هذه المبادرة العام الحالي 2010.

* ما الفائدة من إبرام الشراكات مع الجهات العاملة في مجال المسؤولية الاجتماعية؟ وهل هناك توجه لإبرام المزيد منها مستقبلا؟

- أبرمنا خلال ثلاث سنوات شراكات استراتيجية مع جهات رائدة عالميا في مجال المسؤولية الاجتماعية، لاكتساب الخبرة في أفضل الممارسات وفق المعايير الدولية، والمهم هو إدارة هذه الشراكات المعنية، بجلب الخبرة اللازمة من الشريك المناسب، إضافة إلى مراجعتها بما يتناسب مع مجتمعنا واحتياجاته، ومن هنا لا نكتفي فقط بسعودة الأفكار والمعايير، بل بإطلاق برامجنا التي نحتاجها، ومن ثم نطورها، تماشيا مع أفضل الممارسات العالمية.

* ماذا عن المنصب الذي حظيتم به مؤخرا في مجلس الشورى كمستشارة في المجلس؟ وما توجهاتكم المُعدَّة لهذا العمل المسؤول؟

- سأعمل على نشر مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وأهمية دمجه في الأنظمة، وتحفيزه أيضا. وسأسعى في هذه الخطوة إلى لعب دور أكبر في هذه المنظومة، بهدف تفعيل دور القطاع في التنمية المستدامة، وهي من النقاط الأساسية من الأهداف التنموية الألفية «MDGs»، التي وقعت عليها المملكة العربية السعودية.

* كيف ستقومون بما ذكرتكم؟ وهل سيشمل القطاعين العام والخاص في السعودية؟

- هناك أكثر من فكرة مطروحة حاليا أمام المجلس، يجري نقاشها على مستوى رفيع، وسيكون من الرائع اعتماد تلك الأفكار التنموية لتفعيل الشراكة الاستراتيجية للتنمية بين القطاعين العام والخاص.

* إلى أي حد وصلت الدراسة الثانية التي تعدها شركتكم الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية؟

- نحن على وشك إطلاق نتائج الدراسة الثانية عن المسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث أُطلقت المرحلة الأولى عام 2007 بعنوان «التحديات والفرص»، وستظهر الدراسة الثانية كيفية تطور المفهوم وبلورته محليا خلال العامين الماضيين في السعودية، وسنضمّن في الدراسة أيضا توصيات المرحلة اللاحقة التي سنعمل على تفعيلها.

* ما رسالتكم للشركات العاملة محليا فيما يتعلق بموضوع المسؤولية الاجتماعية؟

- أحيي الشركات كلها التي تحاول تبني المسؤولية الاجتماعية، وتبادر إلى العطاء بهدف مساعدة موظفيها ومجتمعنا. لكنني أرغب في الوقت نفسه التنبيه على خطورة الشركات التي تعلن عن برامج تسميها «مسؤولية اجتماعية» فيما يتبين أنها «خدمة مجتمع»، تفتقر إلى الديمومة، وتستخدم للدعاية. وهذا ما يساعد على تعميق الفهم الخاطئ للمسؤولية الاجتماعية. أما الشركات التي بدأت بتبني الممارسات الدائمة، والتي تطلق تقريرها السنوي «غير المالي»، فأتمنى أن تتضاعف في المستقبل.

* في رأيكم، ما أبرز الصعوبات التي تواجه الشركات الخاصة؟

- بحكم أن معظم الشركات في السوق السعودية شركات عائلية، فهناك إشكالية كبرى أمام حوكمة الشركات، واتباع سياسات الإفصاح والشفافية، وتحفيز الاقتصاد بدورات دموية سريعة للاستفادة من حجم «الرساميل» العالية في السعودية. لكن يلفت انتباهي اتجاه شركات عائلية كبرى نحو إحداث إصلاحات في سياساتها الإدارية، وتطبيق المسؤولية الاجتماعية بشكلها الهرمي.

* ما الذي دفع الشركات العائلية إلى ذلك، في وقت تضعف فيه الضغوط التي تجبرها على اتباع سياسات حديثة، قد تهدد وجودها وكيانها العائلي طوال هذه الأعوام؟

- «رب ضارة نافعة»، وبعدما شاهد الجميع ما حدث لمجموعتي «سعد» و«القصيبي»، فقد فرضت البنوك ضغوطا على الشركات العائلية، قبل الشروع في منحها قروضا لتسيير مشاريعها، وهو ما أسهم في إعادة نظر الشركات العائلية فيما يخص هيكلتها الإدارية والتفكير جديا في تحويلها إلى شركات مساهمة مغلقة، قبل التحول إلى مساهمة عامة، إضافة إلى ضرورة وضع آلية لتفادي رؤساء مجلس إدارات الشركات العائلية من الجيل الثالث مواجهة صراعات عائلية على مستوى المناصب العليا.

* كيف يمكن الربط بين فوائد المسؤولية الاجتماعية مع ما حدث أخيرا من كارثة السيول في جدة؟

- لعل تبني مفهوم المسؤولية الاجتماعية في القطاع العام كان سيجنب الكارثة، إذ إنه يعتمد على محاربة الفساد والمساءلة والشفافية. ولو كان القطاع العام قد وضع خطة لإدارة الكوارث، وجنّب الشركات المتهافتة على مساعدة هذه البيروقراطية التي تثبط سير عمل القطاع الخاص، لكان من الممكن أن تكون للشركات خطط لإدارة الكوارث، بما يتماشى مع عملها ومجال نشاطاتها، مما كان سيدفع إلى تعامل منسق مع هذه الكارثة بما يحاكي الاحتياجات العينية والمعنوية.

* على أرض الواقع، ما أبرز الملاحظات التي شاهدتموها خلال تبني شركات مختلفة مساعدة المتضررين في فاجعة جدة؟

- بدا الأمر دعائيا، والشركات التي أسهمت كانت تتحدث عن تبرعاتها كمسؤولية اجتماعية، وأكرر: الصحيح أن كل تلك الجهود هي «خدمة مجتمع» وليست برامج ذات طابع تنموي مستدام بحيث يمكن وصفها ببرامج مسؤولية اجتماعية، وهي برامج في معظمها لا تنسجم مع طبيعة نشاط تلك الشركات، حيث رأينا شركات أغذية مثلا تتحدث عن إعادة ترميم منازل!

* ماذا عن خطط المسؤولية الاجتماعية داخل الجامعات السعودية؟ وكيف يمكن تفعليها؟

- من التحديات في هذا المجال، عدم وجود كوادر متخصصة للعمل في هذا المجال، ونحن بصدد إطلاق مشروع لإدخال المسؤولية الاجتماعية إلى الجامعات، وسنعلن هذا المشروع مع شركائنا قريبا، لأننا لم نصل إلى الصيغة النهائية، لكن وجود منهج تعليمي هو الأقرب إلى ذلك، بالتعاون مع كليات إدارة الأعمال، التي يتخرّج فيها قادة المستقبل. وهناك توجه عالمي لإدخال المفهوم في مناهج كليات إدارة الأعمال، بدلا من التركيز على التنافسية والربحية فقط.

* قلتم في البداية إن التقارير غير المالية للشركات مهمة تجاه المسؤولية الاجتماعية، كيف تفسرون ذلك؟

- تقرير الاستدامة، أو ما يسمى بالتقرير غير المالي، هو تقرير سنوي بأهمية التقرير المالي نفسها، ويوزع على المساهمين وأصحاب المصالح، حيث يلخص التقرير إنجازات الشركة في مجال المسؤولية الاجتماعية، إضافة إلى التزاماتها للسنة المقبلة، مما يخلق علاقة بين الشركة وأصحاب المصالح بما فيهم العامة.

* وما الذي يجبر الشركات على عوامل الإفصاح والشفافية؟

- ليست هناك قوانين تجبر الشركات على إعلان مسؤولياتها بتقارير سنوية غير مالية، تساعد أصحاب المصالح على فهم أداء الشركات وتقييمه ومراقبته، والدراسات العالمية تتحدث عن عوامل تنافسية للشركات لا بد أن تنتقل إليها، فضلا عن مفاهيم الحوكمة، لتظل الشركة منافسة في سوق مفتوحة باتت تطلب أعلى معدلات الشفافية والإفصاح، وبخاصة أن دولا عدة كالصين واليابان تنشر سنويا أكثر من 500 تقرير، بينما لا يُنشر في السعودية سوى تقريرين فقط.

* في سياق حديثكم قبل الحوار، تحدثتم عن دليل إعلامي خاص بالمسؤولية الاجتماعية، فهل يمكن معرفة المزيد عن هذا المشروع ؟

- نعم، هو أول دليل إعلامي سعودي عن المسؤولية الاجتماعية، وهو يفصل أهم المصطلحات في هذا المجال، وأولويات العمل المستدام في كل قطاع، وهو أيضا نقد إعلامي لما تناولته الصحف، وسيطلق هذا الدليل في فبراير (شباط)، ويوجه إلى الإعلاميين والشركات والجهات الإعلامية.