فتيات نادي الصم.. إذا كان الكلام من فضة فـ«التطريز» من ذهب

أسكتن عقبات الحياة متحدثات بـ«صمت».. واحتفلن بتخرجهن لأول مرة

عبلة سمان وزينة الزهراني تنهيان التصميم في المصنع (تصوير: مروان الجهني)
TT

جابهت 49 فتاة تعانين صعوبات في التحدث والاستماع قسوة العمل، و«أسكتن» صعوبات الحياة بالانخراط في برنامج تدريبي، يُعنى بالتطريز الإلكتروني.

واحتفلت الفتيات مساء أول من أمس في جمعية البر في جدة، بتخرجهن في برنامج التدريب للتطريز الإلكتروني، الذي نظمه مصنع «نسمة للتطريز والخياطة».

وقال صالح التركي رئيس شركة نسمة خلال الاحتفال إن «تكلفة المشروع 5 ملايين ريال في مرحلتيه الأولى والثانية». ورفض أوصافا يطلقها البعض على الآخرين قائلا: «المتخلف هو من يرى أن المعاق متخلف».

وقال إن «سبب الفقر في البلاد هو فقر القدرة، وهناك من يحتاج مجرد الفرصة». ومنح التركي إنتاج المصنع بكامل دخله وأرباحه لنادي الصم في جدة، «لتطوير أنشطتهم ومواردهم المالية».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قررنا الأسبوع الماضي توسيع المصنع، ونتوقع خلال خمس السنوات 30 ألف فرصة عمل للفتيات في هذا الحقل».

وأضاف أن «95 في المائة من التطريز حاليا يُصنع محليا، ومسيطَر عليه من مقيمين بطريقة غير نظامية». مؤكدا أن شركته أقدمت على المشروع وهي «ليست متخصصة في مشروعات ذوي الاحتياجات الخاصة». وقال: «لكن هذا المصنع تناسب مع احتياجاتهم وتطلعاتنا في برامج المسؤولية الاجتماعية لدينا».

ودعا صالح التركي عبر «الشرق الأوسط» المستثمرين إلى إنشاء المصانع، وأنه سيوفر العمالة المدربة، مشيرا إلى دعم صندوق الموارد البشرية وبنك التسليف، وصندوق المئوية.

وفي ما يتعلق بالفتيات أكد صالح التركي أن الفتيات قطعن 6 أشهر للتدريب، دلفن بعدها في الأعمال إلى جانب التطوير، عقب تجهيز مدربات عن طريق تدريبهن على لغة الإشارة في البداية، ثم التدريب على طريقة استخدام الآلات والمعدات والتصاميم.

وفي زيارة «الشرق الأوسط» للفتيات في المصنع، جلست عبلة سمان، وهي مصممة في مصنع النسيج وتعاني صعوبات في التحدث والاستماع، تنهي عملا «استغرق أسبوعا» حسبما تقول.

وكانت سمان (38 عاما)، وهي التي ألقت كلمة الصُّمّ في الاحتفال بكل «صمت»، مطلقة ليديها العنان بالتحدث إلى الحضور بجانب صديقتها أسماء الفتاة التي ترجمت الحفل بلغة الإشارة، قد أكملت المرحلة الابتدائية، وأنهت دبلوم الخياطة في مصر.

تقول سمان إن جميع الحضور أيقنوا أنها وصديقاتها «سعيدات جدا»، لأنها بقيت بعد أن عادت إلى السعودية قادمة من مصر «دون عمل لأحد عشر عاما لم تجد خلالها فرصة مناسبة».

وأكملت حديثها الذي كان بلغة الإشارة وترجمته أميمة بامانع مدربة التصميم ومشرفة الإنتاج في مصنع نسمة: «عملت بعد ذلك معلمة خياطة ولكن بأجر متدنٍّ، وجدت بعدها فرصة التدريب والعمل في هذا المصنع للتطريز والخياطة». مؤكدة أن ذويها يفخرون بها كثيرا، وأنها تستمتع بوقتها. ورفضت سمان التفكير في الخروج والبدء في مشروع خاص قائلة: «أنا أعمل كي أستمتع، لا لجني المال فقط، لكن إذا سألتني عن رغبتي فأنا أحبذ الزيادة في الراتب».

ومن جهتها، ترى زينة الزهراني (30 عاما)، وهي فتاة قدمت من منطقة الباحة جنوب السعودية وتعيش مع أخيها مؤخرا في جدة، أنها وجدت المكان المناسب بالعمل في المصنع، وهي تتقاضى نهاية كل شهر نحو 2500 ريال جراء عملها. وقالت: «يعزز وجودي مع صديقاتي في العمل اليومي، جوانب كنت أفتقدها في السابق».

وتؤكد زينة - وهي ليست صماء وإنما تعاني صعوبة في الاستماع - إن لديها طموحا كبيرا لتحقق النجاح كما حققنه في المصنع. وقالت: «بدأنا من الصفر في المصنع، والحمد لله أصبحنا أول سعوديات يعملن في التطريز الإلكتروني، وهذا يُشعِرنا بالفخر». كما أفصحت عن عكوفها في المستقبل للبدء في مشروع خاص بها.

وحول المخاطر التي قد تواجه الفتيات، أكدت أميمة بامانع مدربة التصميم ومشرفة الإنتاج أن الفتيات تدربن على الإسعافات الأولية ضمن برنامج التدريب الذي استغرق أكثر من ستة أشهر. وشرعت بالقول إن الفتيات يُعتبرن كغيرهن من العاملات بشكل طبيعي، حتى إن حاجز الصمت الذي قد يعتبره البعض سبيلا لعدم الانشغال، يتبخر أمام بعض المشاغَبات اللطيفة التي تصدر من قِبل الفتيات في المصنع. واستطردت: «أكثر ما أفرحني في المصنع إحدى المتدربات التي التحقت في وقت غير مبكر في التدريب، ولم تتوقع توقيع العقد مع المصنع، لكنها كانت مفاجأة جميلة، أخلجت مشاعر الموجودات جميعا في المصنع». وبيّن أن «مشاغَبات» الفتيات تتمثل في «التنقل بين قسم التطريز والتصميم في أثناء أداء العمل، لتبادل الأحاديث مع صديقاتهن، وعند نهرهن يُجِبن: إننا نتحدث في أثناء العمل لأن أصواتنا مرتفعة وهن لا يستطعن التحدث مثلنا». مشيرة إلى طرق التواصل مع الفتيات خارج أوقات العمل التي تتمثل في الرسائل القصيرة بالهواتف النقالة ومكالمات الفيديو.

من جهتها قالت عبير هملان مشرفة قسم الخياطة في المصنع إن الفتيات مترابطات اجتماعيا بشكل رصين، ودللت على ذلك بتضافرهن عند صدور أصوات الآلات التي تعلن انتهاء شوط التطريز، ولأن مقدراتهن السمعية متفاوتة وهناك من يستطعن السماع بشكل بسيط، فيبادرن في إخبار صديقاتهن عن الصوت.

وبرزت فكرة المشروع من «ماكينة الخياطة الإلكترونية» بحسب عبد الله العراقي وهو المشرف العام على مصنع نسمة للنسيج.

ويقول عراقي (39 عاما): «عملت منذ كنت في الثانية عشرة من العمر في الخياطة، وكبرت ومهنتي حتى وصلت إلى أحدث الطرق والأساليب الخاصة بالماكينات، وأعرف كل أسرارها التي لم يكتشفها رجال الأعمال في السعودية إلى الآن». وأكمل: «هناك عمالة تستغل الآلات الحديثة في تقليد العلامات التجارية، وهي طريقة غير مشروعة، بعكس ما تستخدمه الفتيات من أفكار وأعمال خاصة وحصرية».

مؤكدا أنهم يعكفون على استقطاب شركات سعودية يقدمون لها الملبوسات والأزياء الموحدة. وأردف: «نحتاج إلى التركيز في مكافحة المقيمين بطريقة غير نظامية، حتى نضمن الحقوق ونؤطّر عملية المنسوجات المطرزة في البلاد»، مفندا: «لأنها حتى الآن تتغطى خلف ستار لم يُكشف بعد، وهي مربحة بطريقة تدعو إلى المفاجأة». كاشفا عن «ملايين يجنيها المستثمرون بطريقة غير نظامية».