د. القرني : تدريس اللغة الانجليزية في دول الخليج لن يكون على حساب الهوية العربية

مدير مكتب التربية لدول الخليج لـ«الشرق الأوسط»: تدريسها بالمرحلة الابتدائية في السعودية قريبا

د. علي القرني خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: خالد الخميس)
TT

كان عنوانه الأبرز الصراحة والشفافية، فلم يحاول الدكتور علي القرني المدير العام لمكتب التربية العربي لدول الخليج أن يرسم صورة وردية لمستقبل النهضة التعليمية في المنطقة، أو أن يعطي مقابل ذلك إجابات مغلفة بالسوداوية المفرطة، على الرغم من اعتقاده بأن المعلمين الذين عُيّنوا في المرحلة الماضية، قد لا يكونون صالحين للتدريس في المرحلة الحالية، مؤكدا أن تدريب المعلمين هو حجر الزاوية في تطوير التعليم.

ولا يرى علي القرني، ضرورة لتوحيد المناهج الدراسية في دول الخليج، معتبرا أن ذلك ليس مطلبا مهما. بيد أنه يتفق مع توحيد الأهداف والسياسات والمعايير العامة للتعليم. وكشف مدير مكتب التربية العربي لدول الخليج، وهي الجهة المسؤولة عن إنتاج برامج نوعية تؤدي إلى تطوير الفكر التربوي في منطقة الخليج، في حوار لـ«الشرق الأوسط» عن اقتراب السعودية من تدريس اللغة الإنجليزية لطلاب المرحلة الابتدائية، لاحقة بذلك ركب الدول الخليجية التي تفرض تدريس هذه اللغة منذ المراحل الأولية. ويعتقد بأن تدريس اللغة الإنجليزية لطلاب المراحل الابتدائية في السعودية «مطلب اجتماعي وعصري ومهني»، مؤكدا في ذات السياق أنه لن يكون على حساب اللغة العربية. وشرح علي القرني في حواره الدور الذي يضطلع به مكتب التربية العربي لدول الخليج في رسم السياسات التربوية العامة للدول الأعضاء، وأعطى رؤية شخصية لواقع التعليم والناتج الفكري والتربوي في العالم العربي، الذي وصفه بـ«الضحل والقليل». إلى نص الحوار...

* ماذا عن طبيعة وهيكلة المجلس التنفيذي والأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج؟

- مكتب التربية العربي لدول الخليج هو عبارة عن منظمة حكومية مشتركة، تتشارك فيها مجموعة من الدول، وهي في الأساس دول مجلس التعاون، ثم أضيفت إلى هذه الدول الجمهورية اليمنية وذلك قبل فترة، فأصبحت 7 دول هي الأعضاء، والمكتب مكون من إدارة عامة وهي تقع في العاصمة الرياض وهي تحت رعاية حكومة المملكة العربية السعودية منذ إنشائه قبل ما يقارب 30 عاما، وبميزانية مستقلة مدعومة من جميع دول الخليج الأعضاء، بالإضافة إلى عدد من المراكز مثل مركز البحوث التربوية في الكويت والمركز العربي للتدريب في دولة قطر، والآن أنشئ مركز اللغة العربية في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، والمكتب كان مسؤولا عن إنشاء جامعة الخليج العربي في مملكة البحرين، في الإدارة العامة يعمل المدير العام في مكتب التربية العربي لدول الخليج في العاصمة الرياض، وهو يشرف على المكتب وجميع أجهزته وتحته عدد من الإدارات تقوم بالدور التنفيذي لأعمال مكتب التربية العربي لدول الخليج، ومركز البحوث أيضا متخصص في مجال البحوث والمناهج والمركز التدريبي يقوم بتنفيذ البرامج التدريبية وإعداد القادة التربويين، ومركز اللغة العربية ستكون مسؤوليته تحسين مستوى تعليم اللغة العربية في مدارس التعليم العام، أما جامعة الخليج فهي جامعة لها استقلاليتها بميزانيتها ولكنها تحت مظلة مكتب التربية العربي لدول الخليج.

* نريد توضيحكم حول برنامج مهم قد تبناه مكتب التربية وهو برنامج تطوير ثقافة الحوار بين الطالب وهيئة التدريس في الدول الأعضاء، ما طبيعة هذا البرنامج؟ وماذا تم بشأنه؟

- هذا البرنامج يأتي ضمن مشروع تطوير التعليم، وهو يحتوي على مجموعة من البرامج، وقد اعتُمد من المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، وقادة هذه الدول اعتمدوا جميع البرامج لأنها أعدت لتصب في احتياجات حقيقية لتطوير عملية التعليم في دول الخليج الأعضاء، من أهم هذه البرامج هو إنشاء ثقافة الحوار في المدارس، وكما يعلم الجميع بأن التعليم يحتاج إلى تجديد، وذلك لضمان جودة مخرجاته ورصد سمات العصر في كل فترة من الفترات الزمنية وبالتالي يجب أن يتماشى التعليم مع هذه السمات ليلبي الاحتياجات المتجددة لدى الطلاب والمعلمين وأيضا المجتمع، كون الحوار عنصرا مهما في المد العالي الذي نراه، وكان لا بد أن تتماشى برامجنا مع هذه الاحتياجات، والحوار يأتي من بين أهم الاحتياجات التي يحتاجها مجتمعنا للتفاهم في ما بينها في المجتمع الواحد، وأيضا للتقارب مع المجتمعات الأخرى وفهم الآخر وتقبل آرائهم، ومن المهم جدا أن الأجيال القادمة أن تؤمن بمبدأ الحوار ولذالك هي فرصة أن يتم إدخال مبادئ الحوار في المدارس سواء كان الحوار بين الأسرة المدرسية نفسها أو بين الطلاب والأسرة المدرسية أو بين الطلاب أنفسهم، وكما هو معلوم فقد أنشأ خادم الحرمين المركز الوطني للحوار، وهذا يدل على أهمية هذا الموضوع، وبالتالي حاولنا أن نقوم بدورنا في هذا الجانب وتنفيذ برامج عن الحوار في التعليم وهذا البرنامج يهدف إلى تنمية مهارة الحوار عند الطلاب وتدريب المعلمين على إيجاد مواقف تشجع وتحتضن الحوار بين الطلاب، والعلاقة بين الطلاب والعاملين في المدرسة لم تعد كالسابق شبه إجبارية وفوقية بين المعلم والطالب، باعتبار المعلم يُنظر إليه كأب وبالتالي كان هناك نوع من الصمت المطبق من قبل الطلاب تجاه ما يقوله المعلمون لكن الآن أصبحت مصادر المعرفة الموجودة عند الطالب مثلما هي موجودة عند المعلم وبالتالي لا بد من طرح الآراء بكل شجاعة ووضوح في حدود آداب الحوار المعروف التي نريد أن نمكن الطلاب منها.

* التدريب المستمر للمعلمين، ما الآلية المتبعة لديكم بهذا الخصوص؟

- كل برنامج نقوم بتنفيذه يكون جزء منه مخصصا وموجها إلى المعلمين وتدريبهم على تنفيذ هذا البرنامج، وبلا شك فإن التدريب للمعلمين هو حجر الأساس لتطوير التعليم، وإعداد المعلم إعدادا يُمكّنه من أداء رسالته التعليمية التي أصبحت محفوفة بالتحديات الكبيرة خصوصا في عصرنا هذا، لأنه في السابق كان للمعرفة مصدر واحد هو المعلم والمدرسة، والآن أصبحت مصادر المعرفة كثيرة وأصبح الطالب لديه مدارس كثيرة يتربى عليها وليس المعلم إلا جزءا من هذه المدارس، والآن فإن الطلاب يأتون إلى المدارس حتى من رياض الأطفال، وهم مُعَدّون بمهارات تقنية عالية جدا، وأيضا مُعَدّون نفسيا وبطريقة مختلفة عما كانوا عليه في السابق من حيث جرأتهم في الحوار وإبداء الرأي، وبالتالي أصبح المعلم الذي كان يُعَدّ في السابق، غير صالح لهذه المرحلة، ولا بد أن يكون هناك تدريب وإعادة تأهيل للمعلم، وأعتقد أن هذا الجانب هو حجر الأساس في تطوير العملية التعليمية وهو عبء كبير جدا على وزارات التربية والتعليم، نظرا إلى كثرة أعداد المعلمين وصعوبة الوصول إلى كل منهم، لذلك نحن بحاجة إلى برامج تدريب لآلاف بل مئات الآلاف من المعلمين، ودور المكتب في هذا الجانب هو الإسهام مع وزارات التربية والتعليم من خلال البرامج التي ننفذها ونحن لا نقبل بأي مشروع إلا بوجود برامج تدريبية موجهة للمعلمين، حتى إذا تم تبني هذا البرنامج من أي وزارة من وزاراتنا يكون المعلمون على الأقل لديهم سبيل أو طريقة لمعرفة كيفية تنفيذ هذا البرنامج، أيضا المكتب بحكم أنه لا يستطيع أن يصل إلى المعلمين كما تصل إليهم الوزارات إلا عن طريق اختيار عينات من المعلمين أو عينات من مدربين معلمين كالمشرفين التربويين وغيرهم، لذلك اعتمد مكتب التربية العربي لدول الخليج بناء بوابة إلكترونية الهدف منها الوصول إلى المعلمين مباشرة للتدريب، ونهدف من هذه البوابة إلى إيجاد بيئة ثرية للمواد والمصادر والأدوات التي من الممكن أن يستفيد منها المعلم في عمله اليومي، كما نتيح على بوابة المكتب المجال للمعلمين للسماع والقراءة لتربويين معروفين بفكرهم التربوي حتى نرفع من ثقافة المعلم التربوية، إضافة إلى هذا سيكون على هذه البوابة مجموعة من البرامج التدريبية التي يمكن أن يأخذها المعلم من أي مكان كان، وفي مجالات حساسة ومعينة في التربية، وسيكون هناك أيضا في مجال التعلم الإلكتروني الكثير من الدروس التي بإمكان المعلم أن يحاكيها وبالتالي يستثمرها في عمله اليومي.

إضافة إلى المركز العربي للتدريب في دولة قطر الذي يقوم بإعداد برامج تدريبية خاصة في شتى المجالات التربوية، وهو لا يقوم بأي برامج سوى التدريب، كما يقوم بتنفيذ مجموعة من البرامج التدريبية موجهة للقادة التربويين الذين هم بدورهم اشترطوا أن ينقلوا هذا التدريب إلى المعلمين.

* واقع تدريس اللغة الإنجليزية كيف ترون تطبيقه في الدول الأعضاء في المدارس الحكومية الابتدائية؟

- طبعا المكتب ليس له علاقة في الخطط الدراسية بالدول الأعضاء لأنها من اختصاص وزارات التربية والتعليم في تلك الدول، ودورنا هو دعم هذه الخطط ببرامج معينة تكون مقترَحة ومعتمدة من قِبل وزراء التربية والتعليم، فإن ما قام به المكتب هو إعداد دراسة عن واقع تعليم اللغة الإنجليزية في المراحل الابتدائية، من ناحية سماته ونقاط الضعف والصعوبات التي تواجهه، والهدف من هذه الدراسة هو تنوير المسؤولين في وزارة التربية والتعليم في سياق سعيهم لتدريس هذه المادة إلى بعض الإشكالات التي تواجه التعليم، ونحن لا نقرر تدريس اللغة الإنجليزية في المراحل الابتدائية، ولكنها وجهة نظر تربوية، وأغلب دول الخليج توجهت لتعليم اللغة الإنجليزية في المراحل الابتدائية، وأعتقد أن هذه اللغة مهمة جدا لأنها لغة العلم، ويجب أن نعترف بذلك، ومن دونها لا نستطيع أن نقدم مصادر المعرفة بشكلها الصحيح للطلاب، إضافة إلى أن المحتوى الموجود على شبكات المعلومات باللغة العربية ضعيف جدا، ونحن بحاجة إلى تدريس الطلاب في المرحلة الابتدائية للغة الإنجليزية لأنه مطلب اجتماعي وعصري ومهني.

* ألا تعتقد أن هذا التوجه يكون على حساب اللغة العربية؟

- لن يكون هذا على حساب اللغة العربية لأنها تظل اللغة الأم ولب الهوية، ولذلك فقد قام مكتب التربية العربي لدول الخليج بإنشاء مركز اللغة العربية في دولة الإمارات العربية المتحدة في الشارقة، حتى لا يطغى هذا الاهتمام الكبير باللغة الإنجليزية على حقيقة أننا بحاجة إلى إعادة ترتيب أسلوبنا ومنهجنا في مجال تعلم اللغة العربية.

* من وجهة نظركم لماذا لم يطبق تعليم اللغة الإنجليزية في المراحل الابتدائية الحكومية في السعودية؟

- قريبا سيطبق تعليم اللغة الإنجليزية في السعودية في المراحل الابتدائية وأنا متأكد من ذلك، ولكن عندما تتوفر الإمكانات، والمشكلة في تعلم اللغة الإنجليزية هو الندرة في عدد معلمي اللغة الإنجليزية، ونحن نحتاج إلى أعداد كبيرة جدا منهم، وتحتاج إلى مجهودات على المستوى الوطني من ناحية إعداد معلمين اللغة الإنجليزية من داخل البلاد، ونحتاج أيضا إلى سلسلة من التعاقدات الخارجية حتى نستطيع أن نوفي بهذا الجانب، وهذه أهم عقبة تواجه تعليم اللغة الإنجليزية، طبعا المدارس الأهلية في البلد كلها تعلم اللغة الإنجليزية من الصف الأول بل حتى من رياض الأطفال، والصعوبة الحقيقة الوحيدة هي في إيجاد المعلمين الأكْفاء وبالأعداد الكافية.

* أفهم من كلامك أن في معلمي اللغة الإنجليزية ندرة؟ وهل هذه شكوى تطرحها الآن؟

- نعم، هناك ندرة، ونحن في المكتب العربي نتطرق إلى الجانب الفني فقط والجهة المشرّعة هي وزارة التربية والتعليم.

* ما تقييمكم للناتج الفكري والتربوي في العالم العربي بشكل عام؟

- الحقيقة في عالمنا العربي وبشكل عام أن الناتج الفكري والتربوي ضحل وقليل، والدليل أن أغلب بحوثه وكتبه ليس له مساس بالواقع الفعلي الذي يعيشه المعلم، وبالتالي وجدنا من المهم في مكتب التربية العربي أن نختار عدة إصدارات تربوية ونواتج الفكر التربوي سواء كانت على شكل أدلة أو على شكل كتب تتحدث عن الممارسات الفعلية في داخل الصف، أو حتى نواتج البحث التربوي التي أصبحت معمول بها، ونحن نقوم بتعريب هذه المواد وإتاحتها للمعلمين حتى نسهم في وضع اللبنات في إثراء الثقافة التربوية في المجتمع العربي.

* الشراكة الأكاديمية الأجنبية ماذا ستضيف إلى التعليم من وجهة نظركم؟

- نحن لدينا شراكات مع مؤسسات ومنظمات أجنبية متخصصة في مجال تنفيذ البرامج التربوية في مجال التعليم والنشر، وأيضا في مجال التدريب.

* ما رأيكم في فكرة توحيد مناهج الدراسة في الدول الأعضاء، وانعكاسات مثل هذا التوجه على واقع التعليم في دول الخليج العربي؟

- من وجهة نظري لست مع توحيد المناهج في دول الخليج وليس متطلَّبا مهما، ولكنني مع توحيد الأهداف والسياسات والمعايير العامة للتعليم، وأعتقد أنها موحدة في دول الخليج، ولكن المرونة مطلوبة ليس فقط على مستوى الدولة ولكن حتى على مستوى المدارس نفسها، لأنه لا يمنع في فترة من الفترات القادمة أن نشاهد مدارس تستخدم كتبا ومدارس أخرى تستخدم كتبا أخرى وهم في نفس البلد، وهذا لا يمنع ما دامت المعايير والسياسات محددة، فإن الكتب ممكن أن تتنوع وتختلف، بل إن تنوعها واختلافها يكون في الصالح، وإذا أخذنا الولايات المتحدة على سبيل المثال، ستجد أن كل مقاطعة تعليمية تختلف عن مقاطعة تعليمية أخرى في الكتب التي تُدرس يمكن تتفق ويمكن أن تختلف، ولكنها متماشية مع المعايير الوطنية الأميركية.

* لماذا لا تطبق هذه المعايير في دول الخليج، بل في العالم العربي، ما دامت أثبتت جودتها التربوية؟

- كثير من دولنا قطعت مسافة كبيرة جدا في مجال تبنّي التعليم المعتمد على سياسة المعايير، والمملكة العربية السعودية الآن في مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم تَبنّت سياسة المعايير التعليمية، وهي الآن تطبقها على أرض الواقع.

* وماذا عن الرياضيات والعلوم؟

- مكتب التربية العربي لدول الخليج، منذ بداياته وأول نشاطاته قيامه بتأليف كتب العلوم والرياضيات في دول الخليج، وبالتالي أصبحت هذه الكتب موحدة وهذا من أوائل النشاطات التي قام بها المكتب آنذاك، على أساس أن العلوم والرياضيات هي من المناهج التي لا تكون فيها الخصوصية الاجتماعية ظاهرة، لأنها «علم مستقل»، وهذا العلم موجود في كل مكان، فألّف المكتب هذه الكتب ودُرس في بعض الدول الخليجية، ولكن مع تطور مناهج العلوم والرياضيات ومع تطور مشروعات تطوير التعليم في دول الخليج أصبح طموح الوزارات أكبر، وكل وزارة تخطط لها مشروعا خاصا في مجال العلوم والرياضيات وأصبح لها منهجها الخاص بها، ومكتب التربية أيضا اقترح مشروعا مشتركا في العلوم والرياضيات مؤخرا وتشترك فيه السعودية ومملكة البحرين على أساس أنه اختيرت سلسلة عالمية في العلوم والرياضيات ويتم الآن ترجمتها ومواءمتها وتطبيقها بحذافيرها في مدارس التعليم العام في السعودية ومملكة البحرين.

* ماذا أضاف المكتب العربي من خطوات وبرامج تطويرية لانتشال التعليم في الدول الأعضاء من واقعه الحالي ونقله إلى آفاق أرحب تتناسب والأهداف المرجوة؟

- نحن نسهم مع وزارات التربية والتعليم ولا ندّعي أبدا أننا مسؤولون عن تطوير التعليم - كما قلت - «إلى آفاق أرحب»، هذه مسؤولية كل دولة، وحتى لو أخذنا المملكة العربية السعودية كمثال، فإن نقل التعليم إلى آفاق أرحب ليس مسؤولية وزارة التربية والتعليم وحدها، لأنها لا تستطيع أن تنتشل التعليم، وأرجو أن توضع كلمة «تنتشل» بين قوسين. ونقول لا تستطيع أن تحدث التطور الهائل في مستوى التعليم وحدها، لأن التعليم عملية اجتماعية يتشارك فيها كل فعاليات المجتمع وبكل مؤسسات الدولة في سبيل أن يتطور، والتعليم يتطور بقدر ثقافة البلد وهي تعتمد على ثقافة المواطن وثقافة المؤسسات الاجتماعية، وعلى ثقافة الأسرة وهي الأساس، لأن التعليم يتطور ضمن المنظومة الثقافية في البلد، ولا يمكن أن يرقى التعليم إلى هذا المستوى من الثقافة إلا بتكاتف جميع هذه الجهات، ونحن لا ندّعي هنا في مكتب التربية العربي أننا نستطيع أن نقارع هذه المهمة الصعبة وإنما دورنا الإسهام مع وزارات التربية والتعليم في حدود إمكاناتنا وفي حدود ما نكلف به من برامج محددة ننفذها، ولذلك عندما نتحدث عن تطوير التعليم ونقله إلى آفاق أرحب فإننا نتحدث عن جهد كبير جدا على مستوى الدول.

* ماذا عن استخدام التقنية الحديثة في العملية التعليمية؟

- نحن الآن نصل إلى كل المعلمين الموجودين عندنا عبر رسالة اسمها «جسور» هدفها وضع المعلمين على أحدث المستجدات التربوية، ولدينا خط إنتاج جيد جدا للأدوات التقنية التي تعين المعلمين في إدماج التقنية بالتعليم ولدينا برمجيات في كثير من المواد المدرسية مهيأة ومتاحة ونحن نتيحها دون ثمن للمعلمين وللطلاب والآباء والوزارات.

* هل لعملية تواصل وإقامة الزيارات بين معلمي دول الخليج توجه، بهدف تبادل الخبرات أكاديميا؟

- أتوقع أن المعلم إذا ارتبط بطلابه فإنه من الصعب عليه تركهم، ولكن حلمنا في مكتب التربية العربي أن يتواصلوا عبر بوابة المكتب، لتبادل الرأي والخبرات، ونقل التجارب من مكان إلى آخر، وبوابة المكتب سوف تخصص جائزة أخرى لأفضل الدروس الإلكترونية، وعندما تذهب إلى المدارس ستجد هناك الكثير من الإضاءات الجميلة التي تجعل بودك أن تنتقل بين دولنا الأعضاء حتى يكون في عملية تطوير التعليم حراك فعلي جدي.

* ماذا عن تحفيز المعلمين؟

- من أدوار المكتب تحفيز المعلمين، ولذلك أصبح التعلم الإلكتروني شعارا ترفعه كل وزارة من وزارات الدول الأعضاء لحاجتهم إليه ولأن العصر يتطلب هذا، ولأن الطلاب أصبحوا تقنيين بالضرورة، لأن الطالب يأتي بالأساس تقنيا، وبالتالي لا بد أن يرتفع مستوى المعلمين حتى لا تضيع الثقة وتفقد بين المعلم والطالب، ونحن نحاول من خلال التقنية أن نعين المعلمين على استخدام التقنية والانسجام مع المصطلحات الجديدة في التعلم الإلكتروني، ولذلك نحن وجدنا من ضمن الجهود التي نقوم بها في إعداد البرامج وإعداد الأدوات بتحفيز المعلمين الذين ليهم أفضل دروس إلكترونية، بأن يحملوها على بوابة المكتب لكي يراها الجميع، وهذه ستتيح لنا التعرف على تجاربهم ونشرها أيضا بدلا من أن تكون حبيسة أدراج مكتب المعلم، وسنعلن عن منظومة من هذه الجوائز قريبا جدا على النسخة الجديدة من بوابة المكتب.

* ماذا عن ترجمة الكتب والإصدارات الجديدة التي يقوم بها مكتب التربية العربي لدول الخليج؟

- المكتب العربي يصدر كتاب كل أسبوعين، والبرامج التي ينفذها المكتب تُنتج على شكل أدلة وكتب ومطبوعات، إضافة إلى أننا نشجع الباحثين والمؤلفين وكل من لديه كتاب في مجال التربية ويريد أن يتبناه المكتب العربي من ناحية عملية النشر، فإن المكتب العربي يسعده ذلك.

* هل هناك معايير أو شروط يفرضها المكتب العربي على المؤلف؟

- طبعا المكتب له سياسته وشروطه ومعاييره، فإذا انطبقت هذه السياسة والشروط والمعايير، فالمكتب وبكل سرور سوف يتبنى الكتاب ويقوم بنشره، مع العلم أن المكتب نشر لكثير من التربويين عدة كتب، بالإضافة إلى الكثير من الكتب التي يصدرها المكتب العربي في مجال الثقافة العلمية للأطفال، وتكوين مسابقة بين كتاب الأطفال لهذه الكتب في كل عام، ولدينا منظومة جدا مهمة من الإصدارات ولدى المكتب العربي لدول الخليج مطبعة مستقلة خاصة بطباعة إصداراتنا وبجودة عالية، ولذلك نحن نشجع المؤلفين والباحثين، بنشر إصداراتهم على مستوى دول الخليج وأيضا على مستوى العالم العربي. وأيضا لدينا في مجال اللغة العربية وتدريسها لغير الناطقين بها، فقد أصدرنا سلسلة «حب العربية للإسهام» وهي تدرس في جميع دول العالم الآن، وكل ما وجدناه أننا بحاجة إلى أن نتناول موضوعا معينا، أو أن نكلف باحثين أو مؤلفين للكتابة عن هذا الموضوع أو نقوم بترجمة كتاب يحكي عن مجال معين، إضافة إلى أن برامجنا الأخرى التي ننفذها تتحول في النهاية إلى إصدارات، وبالتالي فإن حركة الإصدار والنشر في المكتب جيدة جدا ممكن أن تتعدى 1000 إصدار خلال الفترة الماضية.

* هل عملية تبني إصدارات الباحثين في ازدياد أم عكس ذلك؟

- للأسف فإن تبنّي إصدارات الباحثين والمؤلفين بدأ يقل، والسبب أن المبادرات التي تأتينا أحيانا لا ينطبق عليها معايير المكتب وبالتالي نحن لا ننشر أي كتاب حتى نكون متأكدين على الأقل من أن الحد الأدنى من المعايير متوفر فيه، ومن فترة إلى أخرى نصدر كتابا لمؤلف أو لباحث لأنه اكتملت فيه معايير النشر.

* هل هناك ما يشكو منه المكتب العربي من ناحية العجز في إصدار بعض الكتب سواء كان ماديا أو فكريا؟

- حقيقة يجب أن تقال، أننا لم نجد أنفسنا يوما من الأيام عاجزين عن تنفيذ برنامج معين بسبب المادة، ولكن العجز الذي نشكوه هو قلة الأفكار المطروحة وقلة المدخلات أو عدم جودتها، وبالتالي نحن نريد زخما فكريا عاليا يتواكب مع توجهات المكتب العربي لدول الخليج والمعايير المطروحة.

* لكم عضويات كثيرة مع عدد من الجهات الأكاديمية والجمعيات العلمية، كيف تقوم بتوزيع مهامك بين هذه النشاطات المتعددة؟

- عضويتي في اللجان والجمعيات العلمية سببها التراكم مع مرور الزمن، وأنا والكثيرون من أمثالي تربينا على حب العمل، ولأن هناك رغبة، وربما غرام، بكل ما يخص التربية، إضافة إلى أنه لدي مشروعاتي الشخصية في مجال الكتابة ومجال الفكر، التي أحتجزها إلى زمن معين لا أدري متى أبوح بها، والعمل شيء جميل تَعوّدناه.